لماذا يربط البعض بين الصحوة والتيارات الحزبية؟
جاء الحديث الثقافي المحلي عن الصحوة في صورة منه متوشحا شعارات النقد والإقصاء والإنصاف أحيانا قليلة وكل ذلك متوقع وسط زحام الأفكار المترادفة الباحثة عن مخرج، غير أني لم أتوقع توشح ذات الحديث (الجنائزية الفكرية) بالكتابة عن موت الصحوة واحتضار الخطاب والمرحلة البائدة وهكذا..
إن ثمة نظرة هاربة تقفز على المرحلة هروبا من شيء ما.. ذلك الهروب الذي يتقنه ناقم على الصحوة حين كان ذات يوم أحد مخرجاتها السالبة أو بعيداً عن الصحوة يرتحل اللاحق دون النظر إلى سابقه.. في هذه المقالة لا أروم الدفاع عن الصحوة بقدر دفاعي عن المرحلة.. التي يحاول البعض تقبل العزاء فيها مفوتاً الفرصة عن الإفادة منها بذرائع بيدي الواقع خلافها وأبرز ما أريد قوله ما يلي:
1- لقد كادت الصحوة تكون المتحرك الوحيد في بيئة خاملة، في بيئة تتقن فن المراقبة والتوجس وتغليب المصلحة الخاصة على العامة، إن من يرى ذنب الصحوة تضخم خطابها واحتلاله الصدارة فهذا ليس ذنب الصحوة بقدر ما هو ذنب غيرها، لقد كنا بحاجة إلى (الخطاب الموازي) كنا بحاجة كمثال إلى الخطاب النقدي والتربوي والاجتماعي والصناعي والطبي، إننا في زمن الإعلام والحراك - أيا كان - بلا تنظير يكشفه ويسانده وينتقده يجعل ذلك الحراك في خبر كان وهذا ما تجاوزته الصحوة واعتبره البعض ذنباً عاماً وخطيئة كلية.
2- يحتاج المتعرضون للصحوة إلى فهم ومن ثم معالجة مفهوم (التدين) سواءً كان ذلك تدينا شخصيا أو تدين المرحلة برمتها.. إن الزخم الديني المصاحب لمناشط الصحوة ليس بدعاً من الأمر، بل هو في إطار قضايا التدين ونتائجه المتوقعة سلباً وإيجابا.. إن ترشيد التدين بإرشاده وليس بتقليصه أمر أكبر وأهم من التدين ذاته، وإن عصرا صفا فيه الدين قال قائلهم (إعدل يا محمد) فخرج منه قائله المتدينون ابتداعاً فكيف الحال الآن؟ وإن ترشيد التدين مسؤولية مجتمع بأكمله وليس فئة خاصة وهذا موضوع طويل ليس محله هذه المقالة.
3- إن اختزال الصحوة في خطاب سياسي مرحلي أمر مثير للعجب خاصة عندما يأتي ذلك ممن يدعون الليبرالية والسؤال هنا: هل من يملك رأياً سياسيا يعني ذلك أن له طموحاً سياسياً.. هذا باختصار هو جريرة الصحوة العظمى - عند بعضهم - هو بذلك يناقض إحدى أبجديات الحراك الليبرالي المزعوم. وبالمناسبة فإني أشير هنا إلى أن ما يقال عنها الليبرالية السعودية إنما هي نتاج للصحوة الإسلامية وإن شجاعة بعض رموز الصحوة الإسلامية سبب صحوة الرموز الليبرالية، ولو سأل سائل هل تعني أن الليبرالية السعودية قطفت ثمار الصحوة الإسلامية تحت شعار الإصلاح لقلت (في الأمر شيء من هذا) لكنه حتماً ليس كل شيء فالأيام حبلى بنتائج تنسجم مع القدرة على التعامل الواقعي مع المرحلة الحالية.
4- من إشكاليات المعترضين للصحوة الإحالة إلى بالرمز عند تقييم المرحلة: دعونا نعترف أننا نعاني من حالة إخفاق حين التعامل مع الرمز الديني وذلك في ظني مرتبط بعدة أسباب أولها التعود على التعامل مع الرمز الرسمي وفق مراسيم معينة يسودها الاحترام والتسليم غالبا والسكوت عند المخالفة وعندما أتت لنا الصحوة بالرمز غير الرسمي ورفعت الحصانة فإن التعامل كان مشوبا بالكثير من السلبيات تحت رداء البداية وعدم التعود وردود الأفعال والشعور بالاستقواء. كذلك فإن إقفال سنة فكرية في التعامل مع المراحل مفادها أن السيادة للمرحلة وليست للرمز خاصة فيما له علاقة بالحراك الثقافي الديني يجعل المعركة - إن صح التعبير - نخبوية بحتة ترتفع - بدون تفوق - على الواقع بكل تفصيلاته. إن من خصائص الرمز الديني حقه في اتخاذ الموقف الملائم لعلمه واجتهاده وبنيته النفسية والفكرية وليس شرطاً انسجامه مع ما يراه الآخرون مصلحة محتملة، وفي أدبيات الحراك الإسلامي فإن رمزا دينيا نطق الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ورمز آخر طار رأسه في كلمة عند سلطان جائر..
5- الأفق الحزبي في الحكم على الصحوة التعامل معها: لست أدري لماذا يصر البعض على ربط الصحوة الإسلامية أو أية علامات للإحياء الإسلامي بالحركات الحزبية السابقة، قد تكون حيلة لإسقاط الحراك الإسلامي، أو ضيق أفق وسوء تصور أن التوجه الإسلامي امتداد فقط للتحزب وبالتالي يعامل بهذه الصورة. فهل ضاقت عقول العلماء والمفكرين عن ممارسة الحراك الديني في أفق أوسع من اجتهادات سابقة أم إنه افتئات ورجم بسقيم العلل؟
6- ألمح عند بعض الأطراف إشكاليات نفسية عاطفية أكثر منها علمية أو عقلية طفت على سطح الحوار مبكراً مثل الشكوى من الإقصاء والدعوة إلى التسامح وكأنه استجداء (للتراحم الثقافي) المطلوب على الحقيقة. والذي يبديه البعض من رموز الصحوة كأولوية في هذه المرحلة ويلقى احتفاءً من كثير من الأطراف فلعله شيء من الصلح الذي هو علامة الحياة خلافاً لدعوى الموت والاحتضار، إن النجاة من (الارتهان الفكري) أمر تتقنه الصحوة الإسلامية وهذا سر بقائها وحيويتها.



الدكتور طارق علي العرادي - تبوك