الخطاب الثقافي الحالي يتكئ على المصطلح ويعتمد على مبادرات الغير
عند تأمل ملامح الخطاب الذي يقوده المثقفون والكتاب تجده يتمتع بنفس طريقة التفكير مما يدعو البعض للحكم عليه بالتآمر، ودون الخوض في تصنيفه وخلفياته الفكرية نجد أن أبرز سماته:
1- عند اقتراب هذا الخطاب من الدين فإنه يشير إلى "إجلال" الدين وعلى جاذبية هذه الكلمة فإنك حين استدعاء كلمة "اتباع" الدين فقد يبدو للعملة وجه آخر وتكمن الإشكالية في أن تكون "إجلال" مرادفة لـ"تحييد" مما يفضي إلى إشكالية أكبر وهي غياب مرجعية التحاكم عند الاختلاف، وإذ يرى بعض أصحاب هذا الخطاب أن مصطلح "الخطاب الديني" ما هو إلا مشارك نشط في فعالية ثقافية فأين نذهب بعلماء الشريعة الذين أناط الله بوجودهم حفظ الدين والعلم؟
2- الاتكاء على المصطلحات والانطلاق منها للمعالجة: فكلمة "التنوير" مثلا أصبحت منافسا قويا لكلمة "إقصاء" بل قبلة ولى المثقفون وجوههم شطرها... إلا أن هذا التعلق بمصطلح كهذا يأتي مغلوطا ومتناقضا. فبعض الأكاديميين استخدمها مرادفة " للترفيه" خاصة في الويك إند!، والبعض الآخر قام بتلميع "الرموز الأولى" لمنهجه وفكره في مصادرة لهذا المصطلح واختزال التاريخ كله في تاريخ شخص لا يتجاوز عمر شاب لم يتوظف بعد! ومما يصب في ردة فعل غير واقعية استخدام هذا المصطلح مقابلا لسلوك الفئة الباغية علما أن ثقافة البغي لا يقابلها ثقافة التنوير إلا في أجندة هذا الخطاب.
3- يرتكز شكل المجتمع عند هذا الخطاب على أمرين "العمل" و"الترفيه" مع إغفال الإطار القيمي والأخلاقي للمجتمع وعدم الانطلاق من الإنسان - كينونة - فهذه كاتبة تقول "المهم أن تعمل المرأة بعد ذلك أنطلق كيف شئت في حل مشاكلها".
4- أصحاب هذا الطرح يكرهون "لا" ويحبون "نعم" يبغضون "ممنوع" ويعشقون "مسموح"... إن قلت هذا حرام فتبا لك من صانع لبيئة الإرهاب أو قلت هذا حلال فيالك من متسامح معترف بالآخر... احتفالية الأطراف هذه حضرها الجميع وغاب عنها التوازن والوسط.
5- منهجة المستقبل انطلاقا من الأحداث:
لهذه السمة ارتباط وثيق بالسمة الأولى فإن غياب المرجعية المنهجية يوقع هؤلاء في هذا المأزق. علما أن الأحداث الاستثنائية ترتب الأولويات ولا تضع منهجا جديدا فهل نحن أمة بلا منهج؟.
بتحليل العناصر أعلاه نجد أن هذا الخطاب في بعض صوره ينطلق من (ردة فعل) لأقوام كانوا في بيات ثقافي وفي صورة أخرى فإنها "انتهازية ثقافية" لخطاب مسترخ غير مبادر يقتات على مبادرات الآخرين وإنجازاتهم كما أن صورة الإسقاط لا تغيب عن مفردات هذا الخطاب فالمهم وضع نموذج وتغييب آخر، بعد ذلك على مالطا السلام... إن مثل هذا الخطاب إن أصبح تيارا فإنه سيفوت على بلادنا فرصة ذهبية لتكوين نموذج إسلامي فريد من حيث الأصالة والمعاصرة وستصبح الحالة الثقافية "أنداد أضداد" ليفاجأ الجميع بشروق الشمس من مكان آخر.
الدكتور طارق علي العرادي - تبوك
المفضلات