حكايات ونوادر من تحايل الفقهاء..؟؟

السلام عليكم
كان الإمام الشعبي إذا طلبه أحد في المنزل وهو يكره لقاءه خط دائرة وقال للجارية:
ضعي أصبعك فيها وقولي ليس هنا..
وكان إبراهيم النخعي إذا طلبه أحد وهو في الدار يقول للجارية:
قولي له اطلبه في المسجد.. كي لا تكذب!!

وتحايل من هذا النوع لا يلتف على محرم، ولا يضر أحداً، ولا يأكل أموال الناس بالباطل.. غير أن هناك نوعاً آخر من التحايل الفقهي (غير الحميد) هدفه الأول تجويز المحرمات، والالتفاف على المنهيات، وشرعنة مالم يحله الله ورسوله..

والنوع الثاني عرفه الإمام الشاطبي بقوله: "وحقيقته تقديم عمل ظاهره الجواز
لإبطال حكم شرعي أو تحويله إلى حكم آخر"..

وأقدم مثال على هذا النوع من الحيل الالتفاف على المعاملات الربوية تحت مسميات شرعية كالمبايعة والتورق والبيوع الآجلة وكتبت في ذلك مقالاً بعنوان "لماذا تعشق بنوكنا جملة: متوافق مع الشريعة الإسلامية"...

والمشكلة الأكبر أن هذا النوع من التحايل يأتي من فقهاء هم أدرى الناس بعلة
التحريم ومغزى التشريع وأن التحايل عليها لا يلغي علة تحريمها أو سبب منعها..

وليس أدل على ذلك من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين متفرق
ولا يفرق بين مجتمع" وذلك خشية الصدقة والاحتيال بها في الزكاة..

وكذلك إجماع الخلفاء على رفض زواج التحليل الذي قال فيه عمر ابن الخطاب:
"والله لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما"..

أما في عصرنا الحاضر فلا أعلم أيهما أكثر ظلماً؛ زواج المتعة
(حيث تعلم المرأة بمصيرها قبل الزواج)
أم الزواج بنية الطلاق
(حيث لا يخبرها الزوج بنيته في الطلاق كي لا يدخل ضمن زواج المتعة؛
كما أفتى بذلك بعض الفقهاء)!!

والحقيقة أن هناك كتاباً ينسب للإمام أبو حنيفة
(الذي يعد أكثر الفقهاء توسعاً وأخذاً بالحيل) يدعى الحيل الفقهية..
غير أن من يراجع سيرة الإمام أبي حنيفة يكتشف أنه كان يلجأ للحيل الفقهية
في قضايا فردية لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً
(لا تختلف كثيراً عن المثالين اللذين بدأنا بهما المقال)..

خذ على سبيل المثال قصته مع الرجل الذي أتاه ليلاً وقال:
أدركني قبل الفجر وإلا طلقت امرأتي،
فقال: وما ذاك؟
قال: امرأتي تركت الليلة كلامي،
فقلت لها: إن طلع الفجر ولم تكلميني فأنت طالق ثلاثاً
ولكنني ندمت وتوسلت إليها أن تكلمني فلم تفعل..

فقال أبو حنيفة: لنذهب إلى مؤذن المسجد ونطلب منه أن يؤذن قبل الفجر
لعلها إذا سمعت الأذان تكلمك...
ففعلاً وأذن المؤذن قبل طلوع الفجر فنطقت زوجته
وقالت: أذن الفجر وتخلصت منك،
فقال: ها قد كلمتني قبل طلوع الفجر فلا طلاق ولا فراق!!!

غير أن بعض الفقهاء توسعوا بعده في (اختلاق المخارج)
وطبقوها على محرمات ونواهٍ وردت فيها نصوص شرعية.

فكتاب "الحيل الفقهية" أصبح مرجعاً لكثير من الفتاوى،
وتلميذه محمد الشيباني وضع كتاباً آخر أسماه "المخارج في الحيل"..

كما يتحدث الحنفية في فتاواهم عن كتاب يدعى "كتاب الحيل"
ناهيك عن بعض الشافعية الذين ألفوا في هذا الجانب مثل كتاب
"الحيل في الفقة" لابن الحسين القزويني!!

... في الختام؛ لا أجد أفضل ما أنهي به هذا المقال من قول ابن تيمية:

... ولقد تأملت أغلب ما أوقع الناس في الحيل فوجدته أحد شيئين:

إما مبالغة في التشديد اضطرهم إلى استحلالها بالحيل.

وإما ذنوب جوزوا عليها فلم يستطيعوا دفع الضيق
إلا بالحيل كأصحاب السبت من اليهود.

(اليهود الذين حرم الله عليهم الصيد يوم السبت
فكانوا ينصبون شباكهم ليجمعوا السمك يوم الأحد)..
ولكم تحيات
ماجد البلوي