الدنيا مصالح ..؟؟

السلام عليكم
توفي أبو عبدالمحسن بواب الوزارة وفراشها المتوج.
يعتبر أبو عبدالمحسن أقدم موظف في الوزارة تقريبا.
عاش ما يقارب ثلاثين سنة يخدم الموظفين ويساعدهم
في معظم حاجاتهم ويلبي طلباتهم.

كان مثالا للخلق الكريم والطيبة.
لم يسمع من زملائه طوال حياته رحمه الله سوى بيّض الله وجهك.

شعر الموظفون بالحزن العميق.
خرج بعض زملائه وشارك في الصلاة عليه وقليل منهم من ذهب إلى منزله
وقدم التعازي والقليل جدا ذهب ليشارك في تشييعه إلى مثواه الأخير.

مع مشاغل الحياة ومضيّ الأيام نسي العالم أبا عبدالمحسن.
اختفى كما يختفي كثير من البشر.

بعد عدة أسابيع قدر الله أن تحصل حالة وفاة ثانية في نفس الوزارة.
مات معالي الوزير.
ارتبكت الوزارة وارتجت وكثرت الإشاعات.

أقامت الوزارة عزاء على مدى ثلاثة أيام..
توافد المعزون من كل حدب وصوب، بينهم وزراء ووكلاء ومشاهير
وكتاب أعمدة في الصحف ورؤساء تحرير وتجار، لم يؤثر عن معاليه
رحمه الله الطيبة، لا نستطيع أن نقول عنه إنه كان سيئا ولكن ثمة من يرى
أنه كان اثناء الغضب شرسا، وبالكاد يرفع رأسه
عندما يتحدث مع مراجع أو موظف.

رغم ذلك غص منزل معاليه بالمعزين وبالكاد استوعب مسجد كبير
عدد المصلين الذين توافدوا للصلاة عليه.

أما المقبرة فكادت القبور تهبط وتنهار على ضيوفها السابقين من تزاحم المشيعين.
ما الذي جعل العالم يهب ويتباكى ويتوافد للتعزية في معالي الوزير في الوقت
الذي لم نشاهد في جنازة أبي عبدالمحسن أكثر من عشرة أشخاص
معظمهم من اسرته وطايحي الحظ من امثاله..؟

أين اختفى الناس الذين خدمهم ثلاثين سنة وأين هؤلاء الذي نظف سياراتهم،
وهؤلاء الذين أوصل أولادهم للمدرسة...

لماذا شاهدنا البشر يتزاحمون لبلوغ الصفوف الأولى للصلاة على معاليه
ويتراكضون لعلهم يلمسون خشبة النعش اثناء نقل جثمانه إلى آخر سيارة سيركبها؟

لماذا سمح أكثر الرجال اناقة أن تتعفر ملابسهم وجزمهم الأنيقة
بل إن احدهم سبق أبناء الوزير ونزل إلى القبر يخلط الطين واللبن
طمعا في مزيد من الأجر.

وفي صباح الأيام التالية امتلأت الصحف بالإعلانات والمقالات والتعازي القلبية
ولحقها في نهاية الأسبوع الحزين صفحة كاملة يشكر فيها آل معالي الوزير
وأنسابه كل من واساهم في الفقيد حضوريا وبرقيا وخطيا..

ما الذي جعل الناس تركض وراء جنازة معالي الوزير
وتنسى الحبيب الطيب أبا عبدالمحسن ..

ولكن عند الله تختلف القيمه ويختلف الميزان
فهناك ميزان عادل لا فرق بين هذا ولا ذاك الا بالتقوى..
ولكم تحيات
ماجد البلوي