الكاتب / عبد المجيد سعود البلوي في مقالة ( إحتقار الآخر مرض غربي مزمن )

على صفحات ( اليوم ) السعودية .


عبدالمجيد بن سعود البلوي//


العقل الغربي الحاكم اليوم على المعادلة الدولية , لا يرى المنطقة العربية إلا مستودعا للنفط وممرات وأنابيب لهذا الوقود الحيوي الذي يغذي الحضارة المعاصرة ويمدها بسبب النمو والازدهار . والبشر في هذه المنطقة اقرب إلى البرابرة منهم إلى عالم العصر المتمدن , فهم جهلة وقتلة بحاجة إلى من يرتقي بهم مدارج الحضارة خطوة بخطوة . كما تطفح بهذا القيح الفكري كتابات برنارد لويس وفؤاد عجمي وغيرهما من منظري الهيمنة الغربية على المنطقة, فعندما قرر الأمريكيون كتابة دستور العراق المؤقت في عهد بريمر أوكل الأمر إلى استاذ مساعد في جامعة نيويورك يدعى نوح فيلدمان وله من العمر 32 سنة , وقد جاء في التقارير الصحفية الأمريكية انه إنما كلف بهذه المهمة لاطلاعه على القانون الإسلامي!! وانه قد درس العربية قبل 15 سنة , وكأن شعبا كشعب العراق العظيم لا يجد من أبنائه من يتصدى لهذه المهمة حتى يؤتى له بشاب لا خبرة لديه ولا تجربة , في تعبير عن الاحتقار والنظرة الدونية لشعوب هي أول من وضع الشرائع البشرية وأول من تنزلت عليها شرائع السماء المقدسة.
ومن مظاهر الاستهانة والاحتقار لشعوب المنطقة وثقافتها وحضارتها , وهي استهانة ساهمنا نحن في صناعتها لأنفسنا , هذا التعامل الغربي المقلوب مع مبدأ الانتخابات وكون الشعب مصدرا للسلطة , نشهد هذا الاستخفاف بشكله الفج في التعامل مع حماس في فلسطين , وقد أعلنت رايس في لقائها الخميس الفائت مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية أنها , أي حماس, «كيان معادي» , في تأييد لقرار إسرائيلي يعتبر قطاع غزة كيانا معاديا , وما يعنيه ذلك من استباحة لكل الوسائل في التضييق والحصار زيادة على ما هو قائم اليوم , من قطع للغاز ومنع للكهرباء , إذ لم تعد غزة محتله تطالب قوات الاحتلال بتوفير مستلزمات الحياة الإنسانية لسكانها, بل كيانا معاديا لإسرائيل الحق في معاقبته ومحاصرته . هذا العقاب الجماعي الذي يمارس على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني سببه انه استجاب للعبة الديمقراطية واختار من يمثله وكان هذا الخيار بعكس اتجاه رياح التغيير الشرق أوسطية القادمة مع كل زيارة لكوندليزا رايس للمنطقة , هذا التعامل الذي يمثل سلوكا قائما على تحقير الآخر والاستهانة بخياراته وعواطفه , هو في الحقيقة مسعى لاحتلال العقول والقلوب بعد احتلال الأرض والبحر ونهب الخيرات . وكما رفع شعار أن فلسطين ارض بلا شعب يبدو أن عقول شعوب المنطقة العربية و الإسلامية وقلوبها لدى الآخر الغربي ووفقا لمنظوره , هي أيضا فارغة لا مضمون فيها ولا طموحات ولا خيارات فكان لابد أن تملأ بمضمون ومكون جديد , و إذا ما فوجئوا بأنها تمتلئ بالطموح والرغبة في اختيار من تريد فلا بأس هنا من مطاردة هذا الخيار ومحاصرته والقضاء عليه .
الآخر الغربي مازال يقدم الدليل بعد الآخر , على انه لا ينظر إلى هذه المنطقة إلا بئرا للنفط وطريقا يحمل اليه بواسطته براميل هذا النفط , , النفط الذي يرون وجوده في العالم العربي «غلطة », أما المكونات الأخرى فهي مكونات هامشية. وقد طالعنا غرينسبان , رئيس البنك المركزي الأميركي السابق , في مقابلة مع صحيفة ذي غارديان البريطانية إن غزو العراق كان يهدف إلى حماية احتياطي النفط في الشرق الأوسط وإن قضية أسلحة الدمار الشامل كانت ذريعة واهية. من اجل النفط لا بأس بان يهجر أربعة ملايين عراقي , ويقتل ما يزيد على المليون , وتدمر البنى التحتية , ويقتل العلماء , وتتحول الجامعات إلى مصائد للموت .
الاستهانة بالآخر واحتقاره, لا يمكن لها أن تولد سلاما دائما تروج له القوى الغربية , بل انه سيزرع المزيد من الكراهية والحقد والرغبة في الانتقام للكرامة , سواء كانت كرامة امة , أو كرامة دين , أو كرامة وطن .




http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12517&P=4