الصحابي ابو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي (رضي الله عنه )

إخبارية بلي

باب قَوْلِهِ ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ )

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أبو مُحَمَّدٍ اَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أبي وَائِلٍ عَنْ أبي مَسْعُودٍ قَالَ لَمَّا اُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أبو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ وَجَاءَ إنسان بأكثر مِنْهُ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ إن اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا وَمَا فَعَلَ هَذَا الأخر إلا رِئَاءً فَنَزَلَتْ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ الآية

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو البدري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما امرنا بالصدقة‏)‏ تقدم في الزكاة بلفظ ‏”‏ لما نزلت أية الصدقة ‏”‏ وقد تقدم بيانه هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نتحامل‏)‏ أي يحمل بعضنا لبعض بالأجرة، وقد تقدم في الزكاة من وجه أخر عن شعبة بلفظ ‏”‏ نحامل ‏”‏ أي نؤاجر انفسنا في الحمل، وتقدم بيان الاختلاف في ضبطه‏.‏

وقال صاحب ‏”‏ المحكم ‏”‏ تحامل في الأمر أي تكلفه على مشقة ومنه تحامل على فلان أي كلفه ما لا يطيق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء أبو عقيل بنصف صاع‏)‏ اسم أبي عقيل هذا وهو بفتح أوله حبحاب بمهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره مثلها، ذكره عبد بن حميد والطبري وابن منده من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال في قوله تعالى ‏(‏الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات‏)‏ قال ‏”‏ جاء رجل من الأنصار يقال له الحبحاب أبو عقيل فقال‏:‏ يا نبي الله بت اجر الجرير على صاعين من تمر، فأما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فها هو ذا‏.‏

فقال المنافقون‏:‏ إن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل، فنزلت ‏”‏ وهذا هو مرسل، ووصله الطبراني والبارودي والطبري من طريق موسى بن عبيدة عن خالد بن يسار عن ابن أبي عقيل عن أبيه بهذا، ولكن لم يسموه‏.‏

وذكر السهيلي انه راه بخط بعض الحفاظ مضبوطا بجيمين، وروى الطبراني في ‏”‏ الأوسط ‏”‏ وابن منده من طريق سعيد بن عثمان البلوي عن جدته بنت عدي أن أمها عميرة بنت سهل بن رافع صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون خرج بزكاته صاع تمر وبابنته عميرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لهما بالبركة، وكذا ذكر ابن الكلبي إن سهل بن رافع هو صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون، وروى عبد بن حميد من طريق عكرمة قال في قوله تعالى ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ هو رفاعة بن سهل، ووقع عند ابن أبي حاتم رفاعة بن سعد، فيحتمل أن يكون تصحيفا، ويحتمل أن يكون اسم أبي عقيل سهل ولقبه حبحاب، أو هما اثنان‏.‏

وفي الصحابة أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي بدري لم يسمه موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق وسماه الواقدي عبد الرحمن قال‏:‏ واستشهد باليمامة، وكلام الطبري يدل على انه هو صاحب الصاع عنده وتبعه بعض المتأخرين، والأول أولى‏.‏

وقيل هو عبد الرحمن بن سمحان وقد ثبت في حديث كعب بن مالك في قصة توبته قال ‏”‏ وجاء رجل يزول به السراب فقال النبي صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فاذا هو أبو خيثمة ‏”‏ وهو صاحب الصاع الذي لمزه المنافقون، واسم أبي خيثمة هذا عبد الله بن خيثمة من بني سالم من الأنصار، فهذا يدل على تعدد من جاء بالصاع‏.‏

ويؤيد ذلك إن اكثر الروايات فيها انه جاء بصاع، وكذا وقع في الزكاة ‏”‏ فجاء رجل فتصدق بصاع ‏”‏ وفي حديث الباب ‏”‏ فجاء أبو عقيلة بنصف صاع ‏”‏ وجزم الواقدي بان الذي جاء بصدقة ماله هو زيد بن اسلم العجلاني، والذي جاء بالصاع هو علية بن زيد المحاربي وسمي من الذين قالوا إن هذا مراء وان الله غني عن صدقة هذا معتب بن قشير وعبد الله بن نبتل، وأورده الخطيب في ‏”‏ المبهمات ‏”‏ من طريق الواقدي وفيه عبد الرحمن بن نبتل وهو بنون ثم موحدة ثم مثناة ثم لام بوزن جعفر، وسياتي أيضا ما يدل على تعدد من جاء بأكثر من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجاء إنسان بأكثر منه‏)‏ تقدم في الزكاة بلفظ ‏”‏ وجاء رجل بشيء كثير ‏”‏ وروى البزار من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال ‏”‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تصدقوا فاني أريد أن ابعث بعثا‏.‏

قال فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال‏:‏ يا رسول الله عندي أربعة الأف‏:‏ القين اقرضهما ربي، وألفين امسكهما لعيالي، فقال‏:‏ بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت قال وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر ‏”‏ الحديث‏.‏

قال البزار‏:‏ لم يسنده إلا طالوت بن عباد عن أبي عوانة عن عمر، قال وحدثناه أبو كامل عن أبي عوانة فلم يذكر أبا هريرة فيه، وكذلك اخرجه عبد بن حميد عن يونس ابن محمد عن أبي عوانة، وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسلا، وذكره ابن إسحاق في المغازي بغير إسناد، وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن أبي كثير ومن طريق سعيد عن قتادة وابن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة والمعنى واحد قال ‏”‏ وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة – يعني في غزوة تبوك – فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة الأف فقال‏:‏ يا رسول الله مالي ثمانية الأف جئتك بنصفها وأمسكت نصفها، فقال بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت‏.‏

وتصدق يومئذ عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر‏.‏

وجاء أبو عقيل بصاع من تمر ‏”‏ الحديث‏.‏

وكذا أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ‏”‏ جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب ‏”‏ بمعناه‏.‏

وعند عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن انس قال ‏”‏ جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب فقال‏:‏ إن لي ثمانمائة أوقية من ذهب ‏”‏ الحديث، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فقال ‏”‏ ثمانية الأف دينار ‏”‏ ومثله لابن أبي حاتم من طريق مجاهد، وحكى عياض في ‏”‏ الشفاء ‏”‏ انه جاء يومئذ بتسعمائة بعير، وهذا اختلاف شديد في القدر الذي احضره عبد الرحمن بن عوف، واصح الطرق فيه ثمانية الأف درهم‏.‏

وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن انس أو غيره، والله اعلم‏.‏

ووقع في ‏”‏ معاني الفراء ‏”‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة فجاء عمر بصدقة، وعثمان بصدقة عظيمة، وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني عبد الرحمن بن عوف، ثم جاء أبو عقيل بصاع من تمر، فقال المنافقون‏:‏ ما اخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر بنفسه، فنزلت‏.‏

ولابن مردويه من طريق أبي سعيد ‏”‏ فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته، وجاء المطوعون من المؤمنين ‏”‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت الذين يلمزون المطوعين‏)‏ قراءة الجمهور بتشديد الطاء والواو واصله المتطوعين فأدغمت التاء‏.‏

في الطاء، وهم الذين يغزون بغير استعانة برزق من سلطان أي غيره، وقوله‏:‏ ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ معطوف على المطوعين، واخطأ من قال انه معطوف على ‏(‏الذين يلمزون‏)‏ لاستلزامه فساد المعنى، وكذا من قال معطوف على المؤمنين لأنه يفهم منه إن الذين لا يجدون إلا جهدهم ليسوا بمؤمنين لان الأصل في العطف المغايرة فكانه قيل الذين يلمزون المطوعين من هذين الصنفين المؤمنين والذين لا يجدون إلا جهدهم، فكان الأولين مطوعون مؤمنون والثاني مطوعون غير مؤمنين، وليس بصحيح، فالحق انه معطوف على المطوعين ويكون من عطف الخاص على العام، والنكتة فيه التنويه بالخاص لان السخرية من المقل اشد من المكثر غالبا، والله اعلم‏.‏

[divide]

المصدر : فتح الباري شرح صحيح البخاري
كتاب تفسير القران
(407 من668)

شارك هذا الموضوع
اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version