المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلتي الى الايمان..العالم الشيعي حجة الاسلام مرتضى .. الحلقة الاولى؟؟



ماجد سليمان البلوي
05-13-2011, 12:27 AM
نعمةُ الهداية لدين الإســلام نعمةٌ لا توازيها نعمة


الرفضُ والتشيع الكاذب الذي أسسه اليهودي ابن السوداء عبدالله بن سبأ


ثم الآفة الكبيرة الترفض الصفوي الفارسي الحاقد :


ظلماتٌ حالكة وهاوية سحيقة وشرٌ مرير من يوفقه الله تعالى إلى الحق ونور


السنة فتلك منحة كبرى كيف إذا في قلب الدولة الصفوية وفي الأرض الفارسية


منها ومن شخص فارسي العرق واللسان والبيت ؟؟؟


طالب حوزة قم ، والشيخ الرافضي المناظر


الشيخ مرتضى رادمهر رحمه الله


قصة هداية


قصة كفاح وابتلاء


قصة حقيقة


قصة عجيبة عظيمة ،انتظمت في كتاب أحببتُ أن أُمتعكم بها


إنها قصةٌ ممتعة مليئة بالدروس والعبر والحقائق


قدوته الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه


أترككم مع القصة حيثُ فرغتها من الكتـــاب


كيف اهتديت؟


رحلة النور


( رحلة حياتي من دياجير الظلام إلى نور الإيمان )


بقلم


حجة الإسلام والمسلمين مرتضى رادمهر


ترجمة


سيد حسين حسيني


راجعه
رضائي جعفريان



هذا الكتاب ...
حكاية رحلة من الظلمات إلى النور ...
حكاية مأساة يعيشها الإنسان الحر ...
... الأبي ...
... المؤمن ...
... الصادق ...
في بلاد ومجتمعات تعيش في الظلام ...
حكاية سلمان الفارسي وقد بعث في هذا العصر من جديد ...
حكاية تكشف عن مئات بل آلاف الحكايات مثلها ...
حكاية تصور قوة العقيدة وصلابتها ...
حكاية تحكي عن سعادة قلوب تفجرت إيمانا وتوحيدا ...
قلوب أصبحت كقلب أبي ذر لا يصبر على الكتمان ، فيرفع دويه بالإيمان ...
وكقلب بلال يتلذذ بالسياط الظالمة وهو يقول : أحد ، أحد ، الله الصمد ...
وكقلب ياسر أو سمية يتجرع كأس الشهادة معتزا على الأرض ، لتضرب الملائكة طبول السعادة له في السماء ...
حكاية رجل باع نفسه لله بجنة عرضها السماوات والأرض ...
حكاية رجل جاء من أقصى المدينة يسعى ويهتف : ربي الله ، لا أعبد إلا إياه مخلصا له ديني ...
حكاية رجل ... في زمن قحط الرجال ...
حكاية رجل ... والرجال قليل ...
حكاية رجل ... والرجال قليل ...


سيد حسين حسيني



الإهداء
 إلى والدي الكريمين الغاليين ..
 إلى ابني العزيز "نويد" الذي تفتحت عيناه دون أن ترى له أبا ..
 إلى جميع زملائي وأصدقائي ممن أحبوني أو كرهوني ..
 إلى جميع الشباب الذين يبحثون عن الحقيقة ..
 إلى الذين أرهقم الشرك والبدعة والخرافات ..
 إلى الذين ولدوا أحراراً ، ويعيشون أحراراً ، ويحبون أن يموتوا أحراراً ..
 إلى الذين نهلت من منهلهم العذب ، الإخلاص والاستقامة والثبات في الدين ..
 إليك يا "شيخي" يا من حملتني أكف دعواته الضارعة بين يدي مولاه ..
 إلى المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ..


مرتضى رادمهر ..
الباحث عن الحقيقة




منذ أن خلق الله الأرض ووكل أمر خلافته فيها للإنسان ، كان الإنسان وكان الصراع بين الحق والباطل ، وكان النور وكانت الظلمة ، وكان الحق وكان الباطل ...
ومع الأزمان أصبح الباطل تحت قيادة سيده إبليس رمز الشر يتخذ أشكالا وألوانا ...
وقد وصل إلى درجة السخافة يوم أن تنازلت البشرية عن موقع السعادة والقيادة ، وصار يركع للجمادات والنجوم والشمس والقمر ...
فخرج إمام التوحيد وصاحب معول الحق سيدنا إبراهيم - عليه السلام - يضع للدعاة منهجاً دعوياً سليماً في خطابه البسيط للعقول الساذجة ، ويردد مقولاتهم الباطلة ـ على علم منه ببطلانها على سبيل الاتعاظ فقط ـ : هذا ربي .. هذا أكبر .. ثم لما عجزت الآلهة المخلوقة ، بدأ يخاطب عقولهم وقلوبهم : لا أحب الآفلين .. وتدرج بهم في الدعوة إلى أن هتف عالياً بقوله : لا إله إلا الله ، ولا معبود سواه .. الواحد الأحد ، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . وقال معتزا : إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام : 79] .
وهكذا أصبح إبراهيم إماماً للموحدين وأبا لباحثي الحقيقة على مدار التاريخ ...
ودارت الأزمان، وبقي أصحاب العقول والقلوب الصافية يضعون أقدامهم على خطى إبراهيم - عليه السلام - ...
فكان منهم ذلك الغلام الذي تحدثت عنه سورة البروج ، الذي جلس إلى الراهب يسمعه ، ثم آمن به وصار يدعو إلى الله على بصيرة ، ولما وجد أن شجرة التوحيد ستثمر إذا سقاها بدمه ، قام بعملية استشهادية كانت نتيجتها أن آمن الناس ودمر كبرياء الضلال وذابت فرعنة الكفر( ) ...
وكان منهم سلمان الفارسي ذلك الإنسان الذي سماه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  بلقمان هذه الأمة ، وعدّه المصطفى  من أهل بيته (سلمان منَّا أهل البيت)( ) ، وهو وحده يكفي دليلا على صدق رسالة المصطفى  ، فهو معجزة من معجزات هذا الدين لمن عرفه وقرأ سيرته ...
ذلك الشاب الذي هرب من تحت قناديل بيت النار في بلاد الفارس يبحث عن الحقيقة ، وتنقَّل بين شتى بقاع الأرض إلى أن ساقه صدقه في البحث إلى مدينة الرسول  ، وإلى الإيمان وإلى اعتناق الحقيقة ..


فقد كان سلمان -رضي الله عنه- من بلاد فارس ، تلك البلاد التي مازال أهلها يفتخرون بما روي فيهم (لو كان هذا الدين في الثريّا لناله رجال من هؤلاء)( )...
وحُقَّ لهم أن يفتخروا .. وحق لهم أن يعتزوا ..
فيا أهل فارس ... ويا أولاد سلمان ... ويا أحفاد أئمة الإسلام ...
حُق لكم أن تعتزوا بآبائكم وتفتخروا بأمجادكم ، فأنتم من رفع الله شأنكم بهذا الدين ، واستعمل منكم رجالا يذودون عن الدين ويحفظون هيبته ويدعون إليه ...
وظل التاريخ يسطر أمجادا للمسلمين في هذه الديار ... علما وثقافة وأدبا ، تفسيرا وتنويرا ، مؤلفات لا تحصى ومجلدات لا تعد ..
وظل الأعداء يحترقون في غيظهم على هذه البلاد وأهلها ، فكادوا لهم الدسائس يوم أن خمد المسلمون وركنوا إلى السكون ، فكان نجاحهم في حين غفلة المسلمين ، وأصبحت سيوف البدعة تحكم على رقاب الناس ... وجاءت أدوار الحاقدين ممن ارتوى من لبن النعرات القومية ينادي : يا لثارات المدائن .. ويا لثارات كسرى وأنو شيروان !!
وبدأ الطعن في الإسلام واشتد ، إلى درجة أن كاد الصفويون يقضون على ما بقي من بصيص نور في هذه البلاد ... ولكن الله سلّم ..
فأنَّى لهم أن يخمدوا مشاعل الهداية ، وأنَّى لهم أن يدفعوا نور الله بأفواههم ، فالله متم نوره لا محالة ولو كره المجرمون ... يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 8- 9]
فرحلات الهداية المتوالية في هذه البلاد تصوير صادق عن قول المصطفى  : (لو كان هذا الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء ) ..
أجل فقد أصبح الدين في الثريّا وأصبح المؤمن كقابض الجمر في يده ..
وفي هذه الظروف القاسية التي يعيشها المسلمون ، نسمع يومياً عن عشرات الأسماء ممن خلعوا لباس الضلالة ، وتقمصوا لباس الحق والتوحيد، على سنة أبيهم سيدنا سلمان الفارسي - رضي الله عنه - .
وقصة هذا الكتاب ليس إلا سيرة رجل من آلاف الرجال الأبطال وهو حجة الإسلام مرتضى رادمهر ..
وأنت تقرأ هذا الكتاب تعود إلى خاطرك حلقات رحلة سلمان الفارسي - رضي الله عنه - نحو الحقيقة ، وكأن سلمان قد بعث إلى الحياة من جديد في شكل رجل آخر يسمى : مرتضى رادمهر ..
ولو لا صدق الرجل وإخلاصه في إيمانه لم يكن لهذا الكتاب هذا الصيت وهذا الكم في النشر والتوزيع ...
وكان ولابد أن ينقل إلى العربية وغيرها من اللغات ، لتكون صورة صادقة عن آلاف النماذج المتماثلة ، وعن مئات الصور المأساوية التي قَصَّر في حقها المسلمون ...
نضع الترجمة العربية لهذا الكتاب أمامك أيها القارئ العزيز ، لتبحث في ظلالها عن واجبك تجاه دينك وأمتك وتجاه إخوانك المهتدين ..
هذا، ونسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، ويجنبنا الزلل والمعاصي ، ويستعملنا لخدمة دينه ، ولا يسلط علينا ظالما أبدا ما أحيانا ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
سيد حسين حسيني




من أجل عقيدته( )
بعد كل هذه الآلام والمصاعب التي نلتها من أجل حبي له ، كنت أعيش تائهاً مشرداً مظلوماً غريباً حيراناً لا أدري إلى أين المصير ... فجأة جلب أنظاري شيء من بعيد ، فتوجهت نحوه سريعاً ، فإذا بي أسمع أصوات آلام وآهات قد هزت أركاني ، وأرجفت فؤادي ، فمدّ إليّ يديه ، وكأنه يعرفني من أنا ...
نظرت إلى عينيه المليئة بالمآسي والدموع ، فأحسست شيئاً عجيباً يسري في قلبي ، فقلت في نفسي : لعله مشرد مثلي .. وكنت أقرأ من الدموع المحلقة في عينيه قصص الظلم والتعذيب ، كما كنت أتصفح أوراق ظلم الجبابرة وقسوتهم عليه ، من نبرات صوته الحزين .
نعم ، كان مثلي ، عاشق يبحث عن محبوبه ، مجاهد غيور ، قد امتطى الصعاب والذلول ، طائر حزين مكسور الجناحين ... وبعد أن دققت النظر في عينيه الجميلتين ، سألته عن اسمه وقصته ، فأجابني : بأن اسمه مرتضى في الماضي ، ومصعب في الحاضر ، ومرشد الآخرين في المستقبل ، فتقدمت إليه رويداً رويداً لأسمع قصته بآذان صاغية ، وبعقل واع وضمير حي ...
لقد وجدته عالماً ممتازاً ، طبيباً حاذقاً ، ومحباً للحقيقة بمعنى الكلمة ...
كان يعيش في الرفاهية والسعة ، لكنه أبى إلا أن يغادر ثراء أبيه الباذخ ، ويرمي نفسه في أحضان الفاقة ، بحثا عن خلاص عقله وروحه !!
أجل ، في سبيل العقيدة الصحيحة الخالية من البدع والخرافات ، وفي سبيل العشق الصادق لدين الصادق الأمين عليه صلوات ربي وتسليمه ، هاجر جميع مظاهر العيش الرغيد ، وطار بعيداً عنها ، ليعتنق الفقر والفاقة والتشرد معتزا ، وكذا سياط العقاب والتعذيب في السجون ، ونيران الظلم والطغيان من أيدي الحكام ...
وبعد أن رأيت الصدق في قوله ، وقرأت الحقيقة في نفسه ، والإخلاص في نيته ، تغلل حبه أعماق قلبي ، فأحببته من كل نفسي .
نعم ، من أجل عقيدته حالوا بينه وبين أهله وولده ، وغصبوا منه ثروته وأمواله ، وطردوه من الجامعة والحوزة ، وأنزلوه من أعلى المراتب والمناصب ظنَّا منهم بذلك يقتلون الإيمان فيه ... وأما هو ، فقبل كل هذا بصدر رحب ، ورحل بعيداً عنهم حفاظاً على عقيدته وهدفه ، إيماناً منه بذلك ، يعيش للأبد .. وقد عاش .. وسوف يعيش في سطور التاريخ وفي صدور الرجال وعلى شفاه الصالحين .. جعل الله له لسان صدق في الآخرين ...
وبعد ما رأيت مرتضى ، وسمعت منه ما حدث له من التعذيب والطرد والتشريد وغيرها ، ثم ثباته واستقامته على عقيدته ودينه ، تيقنت بأن الذي يخلص في عمله ، ويدرك الحقيقة من قلبه وعقله ، يسهل عليه أن يترك كل شيء فداء لها وحفاظاً عليها ، ويقبل الصعاب والذلول بصدر رحب في سبيلها .
من أجل إخلاصه وصدقه ، كان يجذب إلى نفسه كل من جالسه وخالطه ، وإذا جلس مجلساً ، كان الناس يقبلون عليه ويستمعون إلى دروسه ومحاضراته بآذان صاغية وقلوب متفتحة ؛ لأن كلماته كانت كالنور الساطع الذي ينور قلوب السامعين له ، ويبين لهم الطريق الهادي إلى الحق والحقيقة ، وكنت أحد الذين استفادوا منه ، وقد تعلمت منه دروسا في الإخلاص والإيثار ، والاستقامة في الدين والعقيدة ، والفداء لأجل الغاية السامية ، التي هي أعز عَليَّ من الدنيا وما فيها .
ولكن ! للأسف الشديد بعد أن اشتدت عليه المشاكل وأحاطته من كل صوب ، وضاقت به السبل ، هاجر بعيداً إلى الديار المجهولة ، وتركني مغموماً حزيناً .
في اللحظات الأخيرة ، وهو يودع ابني الصغير الذي تعلّق به تعلّق الفرخ بأمه ، ويحتضنه ويقبله ، شعرت بأنه قد تذكر ابنه الصغير "نويد" وقد تحلقت الدموع في عينيه ، وانقطعت نبرات صوته ، ولكنه كان عزيزاً في نفسه ، معتزا بإيمانه ، فكان يتمالك نفسه ويتظاهر بالفرح والسرور، ويتصنع البسمة تلو الأخرى لئلا يعرف أحد بما يجري في خلجات صدره ، وما يكنه فؤاده .
ولا أنسى أبداً تلك اللحظات الأخيرة التي قضيناها معاً ، ولا ذلك البيت الذي كان يردده بصوته الحزين ، يعبر فيه عن آلام الفراق ، فكان يردد( ) :
تفكيري الدائم بالنهار ، وكلامي طوال الليل ..... لماذا أنا غافل عن أحوال قلبي
وكلما اشتكى من الآلام والمصائب ـ وقلما اشتكى مع كثرتها وشدتها ـ كنت أصبره وأقوي عزيمته بهذه الآية التي كانت إكسير آلامه : لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة : 40] ثم ودعته وعلى شفتي قوله تعالى : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[آل عمران:173].
ولكن أين رحل ؟ وفي أي الديار حل ؟ وما صار مصيره ؟
حقاً ! لولا القلم ، ولولا الكلمات الجميلة والتعبير الصادق الأمين ، ولولا الكتابة ، لما عرفنا عن سير الشخصيات العظمية وأحوالهم ، كهذه الشخصية الفريدة التي نحن نتحدث عنها ونقرأ سيرتها .
فيا أيها القلم ! دعني أقبل يديك الجميلتين ، وأشكر المولى عزوجل الذي أوجدك وخلقك لمنفعة عباده ، وأقسم بك تعظيماً وتشريفاً لمقامك : نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم: 1- 2].
إن في القراءة والمطالعة والتفكر في حياة الشخصيات العظيمة من السابقين ، دروس وعبر للاحقين ، ونماذج وقدوة لهم ليقتدوا بها .
ولذلك طلب بعض الأحباب والأصدقاء من هذا الغريب الشريد الذي خرج مهاجراً إلى ربه ، وكان يعيش بينهم ، أن يسطر قصة حياته المليئة بالمآسي والأحزان ، عسى أن تكون شمعة في طريق الذين يبحثون عن الحقيقة ، وعسى أن تكون سبباً "لنويد" الصغير أن يتذكر أباه المشرد ، وأن يتعرف عليه ، وعسى أن تكون سبباً في أن يدرك والداه ، فيحنوان على ابنهما ويعودان إليه ليظللاه في حضنهما المليء بالعطف والحنان من جديد ، وتحت ظلال عقيدة جديدة .
ولكن مع الأسف الشديد ، فإن مشاكل السجن والتعذيب والحرمان والتشريد ، أخرته عن تحقيق هذه الأمنية ، والآن وقد قرر أن يكتب ذلك ، أبت تلك الذكريات الأليمة ، والآلام الجسيمة ، وآثار القسوة والتعذيب، التي وقعت عليه في السجن إلا أن تحول بينه وبين التفكير والكتابة .
لكنه رغم كل هذه المشاكل والمصائب التي أصابته استطاع _بعون الله - عز وجل -_ أن يسطر هذا القدر القليل من قصته الطويلة الحزينة ، لعله يشفي غليل القارئ والسامع .
وها نحن نقوم بنشرها ، ليتعرف شبابنا اليوم على قصة صاحبنا المؤلمة ، ليبتعدوا عن طرق الشك والخرافات ، وليهتدوا إلى طريق الحق واليقين .
وما ذلك على الله بعزيز
25 / 5 / 1381 الهجري الشمسي الموافق لـ 1424هـ/ 2004م




ولي عوده في الحلقة الثانيه لأكملها
تحيات/ماجد البلوي

ماجد سليمان البلوي
05-13-2011, 12:33 AM
(2)



المقدمة



الحمد لله رب العالمين ، الذي هدانا للإسلام والإيمان والإحسان ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين .
حمداً لك يا رب الكون ، ويا خالق العقل والفكر والعلم والمعرفة والهداية والنور .
نحمدك يا خالق السماوات والأرض ومن فيهن ، ويا مالك الكون ومن فيه ، لا نعبد إلا إياك ولا نركع إلا بين يديك ، ولا رب لنا ولا خالق لنا سواك ... أنت الله الذي وهبت لنا عقولا نفهم بها ، وقلوبا نعي بها ، وصدورا ملأتها بمحبتك ورجاء رضائك .
إلهي ! .. أحمدك كل الحمد وأشكرك كل الشكر ، بأنك هديتني للإسلام وشرحت قلبي بنور الإيمان .
إلهي ! .. لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، على أنك وهبت لي عقلا يفكر ، وقلباً يعشق الحق ويبحث عنه ..
إلهي ! .. لك الحمد على عظيم منتك عليَّ ، فقد وهبت لي شجاعة ترجو الشهادة ، وجرأة للنطق بالحق ، ولئلا أخاف فيك لومة لائم ..
عزيزي القارئ ..
ما أضعه بين يديك ليس إلا بكاء على أيام ضلالتي في متاهات الجهل والبدع ... وتقريراً عن ظلم الطغاة وقتلة الحرية ، وأعداء العقل والبشرية ...
رسالة مؤلمة تكشف أيام الهداية والوصول إلى المعبود الحق الذي لا إله سواه ، ولا معبود إلا إياه ..
كلمات تتحدث عن ميلاد جديد ، وحياة جديدة ، في ظلال عقيدة صادقة .
ونبراس على الطريق الصحيح والصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..
فإن كنت يا أخي القارئ ، تجد اضطر اباً وركاكة في أسلوبي ، وتفتقد أبياتاً شعرية تناسب المقام والمجال ، فأعتذر منك إذ لست أديباً أريباً ولا شاعرا مفوها ، وإنما هي خواطر وحديث عن أيام عشتها ، وضعتها بين هذه السطور لتنتقل إلى صدرك وإلى كل الصدور ...
كنت أشعر في قرارة نفسي بأنه يجب عليَّ أن أكتب شيئاً عن سيرتي الذاتية كمقدمة لتلك البحوث والدراسات في الجامعة و"الحوزة" التي أكلت من عمري سنين ، ثم ساقتني إلى الحق المبين ، وعلى تجاربي في السجن والتعذيب والهجرة ، وقبل هذا وذاك على الأسباب التي جعلتني أرتقي من وحل البدع ، لأقف على شموخ الحقيقة .
كتبتها لتكون تجربة واقعية بين يدي كل حر يريد أن يفكر حرا بعيدا عن قيود التعصب الأعمى والتقليد المميت ، ولتكون تجربة حية بين يدي كل من يبحث عن الحقيقة ويتعطش لها ، وكل من شمر عن أيادي الجد للبحث والتدقيق، والمدارسة والتحقيق في سبيل الوصول إلى طريق الهداية وسبيل الرشاد ..
عزيزي القارئ ...
كنت أتمنى أن تسمح لي صحتي ، وتتركني أمراضي أن أضعك أمام صورة واضحة تفصيلية دقيقة على كل ما جرى لي ، ولأكشف لك عن حقائق كثيرة أثرت فيَّ ، وجعلتني أفكر وأعيد النظر فيما كنت فيه من العقائد والأفكار ..
إلا أن الظروف المحيطة بي ، ووضعي الصحي لم يسمحا لي بشيء من ذلك ، لكن استجابة لطلب إخواني وأصحابي اضطر رت أن أضع هذه السطور المختصرة ، أملا في أن أكتب شيئاً تفصيلياً أكثر من هذا إذا مد الله لي في الحياة ، وعادت إليَّ الصحة والنشاط ..
حاولت أن أقدم صورة مختصرة عمَّا حدث لي في هذا الكتيب ، طعَّمتها بشيء من الشواهد والأدلة ، بلغة سهلة ميسرة على سبيل الحكاية العادية ، ولم أتبع أسلوب أهل الروايات والقصص الفنية ..
ولا أجد لهذا الكتيب وصفاً إلا أن أقول بأنه صورة مختصرة، تقدم لك الأسباب التي كسّرت قيود الجهالة والتعصب والتقليد في نفسي ، وأخرجتني من البدع والخرافات والأساطير إلى نور الإيمان . وتضع بين يديك ، كيف سقطت أسوار الجهالة من أمامي ، وذاب التقليد الأعمى والتعصب المميت من أمام عيني .
وتصور لك كيف استطعت تحت رعاية ربانية أن أهرب من ظلمات الإفراط ، وضلالة التفريط ومكر الشك والترديد ، لأتسلق جبال العلم والمعرفة ، ومن ثم أصل إلى أفق الحقيقة والهداية ..
ولا أنسى أن أؤكد بأن الخروج من ظلمات الشك والتردد والتعصب الأعمى، والإفراط والتفريط وهيلمان المذهب الذي يسقى بألوان من الأمطار الدعائية والإعلامية ، ويزين بشتى العبارات الجميلة والخطب الرنانة صباح مساء ، في بلد كإيران ضرب من المستحيل ، إلا إذا استعان المرء بالواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض سبحانه وتعالى ، وصدق معه الوعد ..
أحمد الله -عز وجل-فاطر السماوات والأرض ، حمد الشاكرين على توفيقه إياي، ألا أركع أمام الحياة المادية وزخارفها التي هيأها لي أبي ، وألا أخضع للتعصب المذهبي والعقائد الخرافية التي ربتني عليها والدتي .. وعلى أنه وفقني إلى دراسة الحقيقة ورفع الشبهات وستائر الظلمة من أمامي ، وأوقفني على أن أدركت بأن هناك عالماً إسلامياً أوسع مما نحن فيه من البدع والضلال .. ومن ثم قادني إلى الحقيقة التي أعتز بها ، وستكون بإذن الله سببا لسعادتي في الدنيا والآخرة .
وها أنا أشعر بسعادة لا تضاهيها سعادة ، إذ شرح الله صدري للإيمان، فارتديت ثوب عقيدة أهل السنة والجماعة ، وعن علم ويقين وإيمان صادق نزعت ما كنت فيه من العقائد الشيعية ، والحمد لله رب العالمين .
أخي المسلم ، وأختي المسلمة :
ما ذكرته هنا يدور في فلك عالمين متضادين وعقيدتين متباينتين ، وأفكار لا تجمعهما إلا الدعايات الجوفاء لا غير ، مذهب أهل السنة والجماعة والعقيدة الشيعية .
وأقول وأصرح مرة بعد أخرى أنني لا أنتمي إلى أي حزب سياسي ، ولا أدعو من خلال كتابي هذا لأي مذهب ، أو رؤية سياسية ، وإنما أردت من خلالها وجه الله سبحانه وتعالى .
وأرجو الله - عز وجل -أن يتقبلها مني ، ويجعلها سبيل رشد وهداية لأهلي وأصدقائي وأمتي ..
كما أسأل الله - عز وجل -أن يهب شبابنا عقولا يفكرون بها ، وأن يوفقهم للتفكير الصادق والفهم الصحيح والانتخاب السليم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

مرتضى رادمهر
1/1/1381ش
الموافق ليوم الخميس 6/ محرم الحرام/1423هـ . ق . و19/ آذار/ 2002م

النسب والأسرة
أنا المسمى مرتضى رادمهر ابن الدكتور فرزاد رادمهر ، ولدت عام 1351ش (الموافق لـ 1392هـ، 1972م) في إحدى الضواحي الراقية من مدينة طهران عاصمة إيران .
مما أذكره من شجرة نسب أسرتي، حسب ما رواه لي والدي ومما هو مشهور في العائلة ، يرجع نسبنا إلى الأسرة المالكة من سلالة ملوك القاجار .
فقد كان جد والدي حفيداً لفخر الملوك وهو أخو الملك القاجاري ناصر الدين ، ولم تزل عائلة والدي تعتز بتقاليدها الملوكي مما ورثتها من الأسرة المالكة القاجارية من السنن والعادات الأشرافية ، وتحاول أن تنسجم مع كل ما هو غربي أو أوروبي .
أما والدتي الدكتورة السيدة عالية الحسيني ، فيرجع نسبها إلى السادات الحسينيين ، وهي تعتز كثيراً بتقاليدها المذهبية ، وتلتزم بجميع العادات والرسوم الموروثة حرفياً ، وإن كانت طبيبة مثقفة ، وفي الظاهر متنورة تعيش عصرها !
تتباين وجهات نظر عائلة والدي ، وعائلة والدتي تبايناً واضحاً ، وتكاد لا تلتقي في شيء ، فلكل عائلة اتجاهها الفكري الخاص ، وشخصيتها الاجتماعية الخاصة بها .
أما ما جمع بين والديَّ تحت سقف واحد ، فحكاية ترجع إلى أيام زمالتهما في كلية الطب ، فقد كان والدي ووالدتي يدرسان في كلية واحدة وفي نفس المرحلة الدراسية من نفس التخصص ، وكانا طالبين متفوقين نشيطين ذكيين مجتهدين ، يحصلان دائماً على المرتبة الأولى في الدراسة .
هذا التفوق العلمي والزمالة الدراسية والاحتكاك الكثير في المجتمع الجامعي ، أقام صلة احترام وود بينهما ، واستمرت الحكاية إلى أن وقفت على قصة الزواج التي جمعت بينهما في عش الزوجية .
لا شك أن الحكاية لم تكن بهذه البساطة ، فالتباين في الرؤية ، والتفكير الساذج بين الطبقات المختلفة في المجتمع لابد أن يلعب دوره ، فقد كانت عائلة الوالد تعتبر نفسها من الأسر الراقية ، والمثقفة ثقافة عالية ومن سادة المجتمع ، ولهذا وقفت سداً منيعاً تعارض هذا الزواج ، وقد اشتد الخلاف بين الأسرتين فكل منهما تعتز بثقافتها ونسيجها ، ولا ترى الثاني يضاهيها أو يماثلها ، مع كل هذا وذاك أصر الوالدان على موقفهما ، وفي النهاية تم الزواج رغم جميع الموانع والمخالفات ، لكن بقي ظلال هذا التباين الفكري والمنهجي بين العائلتين ، مما خلق جواً فكرياً وروحياً متوتراً ظل يؤثر في كل مواقف الأسرة وبرامجها .
حصل هذا الزواج في ظل تلك الظروف التي أشرت إليها ، وبدأت الأسرة الجديدة تخطو مسيرتها في الحياة بشكل طبيعي ، لكن بقيت آثار حكاية أخرى تلاحق الأسرة طوال مسيرتها ، لعلها جديرة بالذكر هنا .
في المرحلة الجامعية كان شخص آخر يسمى الدكتور منصور حكاكيان زميلا لوالدتي في الدراسة ، وقد كان من الأقارب القريبين لوالدتي ، ويبدو أنه كان يتمنى الزواج من والدتي ، وقد سعى في ذلك .
فيوم تم زواج والدتي من والدي ذهبت أحلام الرجل أدراج الرياح ، وحمل في نفسه بغضاً وحقداً شديداً على والدي ، وكان يسعى دائماً ليعرقل الجو على والدي ، وأن يتشاجر معه كلما وجد فرصة ، لعله يستطيع أن ينتقم منهما أو يشفي غليل صدره .
كان يحاول تشويه صورة الوالد في كل المجالس والمجامع العلمية ، ويثير الظنون والشكوك عليه في المجتمع الجامعي ، ويحاول أن يفسد عليه الجو بأي طريق أمكنه ..
كان وَقْع هذه المواقف الرخيصة على والدي كبيراً ، حتى اضطر أن يتنازل عن كل النجاح الذي حققه إذا كان برفقة حكاكيان ، فلقد كان عضواً في الهيئة العلمية في الجامعة ، وكان أستاذاً في كلية الطب ، وباحثاً في قسم المختبر والكشف العلمي ، فترك هذا كله ، بل ترك البلد وسافر إلى الخارج .
ومن الأشياء الطريفة التي حصلت في تلك الفترة ، أن الوالد استطاع بعد دراسات وتحقيقات كثيرة أن يصل إلى علاج لسرطان الرئة ، ولما سمع الدكتور "حكاكيان" بالموضوع حاول جاهدا أن يسرق تركيب صناعة الدواء من أبي ليسجله لنفسه ، لكن كل مساعيه باءت بالفشل ، فثار الحقد والكره الدفين في نفسه، من يوم أن خفقت آماله في الزواج من الوالدة ، فبدأ يفتري على الوالد ويسعى لتخريب سمعته والتطاول على شخصيته ، ولاسيما في المجامع العلمية والجامعية .
ضاقت الأرض على الوالد بما رحبت ، إلى أن اضطر في عام 1357ش (الموافق لـ 1978م، و1398هـ) للسفر إلى فرنسا لإكمال الدراسة في تخصص المخ والأعصاب .
قضى الوالد ثلاث سنوات في فرنسا ، وكان قد تزوج هناك بفتاة نصرانية تسمى السيدة الدكتورة "ماريلا" .
كانت زميلة له في الدراسة .
"ماريلا" كانت بنت الدكتور فريشتر(frishter) أحد أساتذة الوالد .
سألت "ماريلا" والدي يوماً : من أين أنت ؟ فأجابها الوالد بأنه من إيران .
ثم سألت ماريلا والدي ، هل هو محمدي أو مسلم ! وكان والدي يعرف أن ماريلا معجبة بمذهب المحمديين ـ أي السنة ـ فقال لها بأنه محمدي ، فصدقت الوالد وتم الزواج ؛ ولكن بعد فترة من الزمن أدركت ماريلا بأن الوالد ليس محمدياً بل شيعيا .
حاول الوالد أن يقنع زوجته بأنه محمدي ، لكن كل محاولاته فشلت ، وقالت له ماريلا بالحرف الواحد : إن المحمدية لا تعني أن المحمديين يعبدون محمداً ،أو أنهم جعلوه رمزاً جامداً في حياتهم يزينون بيوتهم وحياتهم بصوره وتماثيله ، وإنما المحمديون هم الذين جعلوا حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفقاً لما كان يقوم به نبيهم محمد  ، ويسمون بأهل السنة والجماعة .
وقالت لوالدي : أنتم أيها الإيرانييون تلعبون على كل الحبال ، وتحرفون الكلم عن مواضعه ! ولكم ألف وجه ووجه في الحياة ..
وهكذا فسخ هذا الزواج بعد فترة وجيزة .
بعد هذا ترك الوالد فرنسا وسافر إلى كندا .
وظل يعيش في الخارج مدة اثني عشر عاماً .
طوال هذه الفترة الطويلة التي قضاها الوالد في الخارج ، بقي على صلة دائمة بالأسرة عن طريق الاتصالات الهاتفية ، وكذلك سافرت أمي مرتين لزيارة الوالد هناك .
وفي فترة غياب الوالد كان والده ـ جدي ـ يرعى شؤون البيت ويهتم بنا .
كان الدكتور حكاكيان يزداد خبثاً على خبث ، ووصل به الأمر إلى درجة أنه أكثر من مرة وبطرق مختلفة طلب من والدتي أن تطلب من الوالد الطلاق ليتزوجها هو ! لكن والدتي كانت آية في الحياء والوفاء مما جعلت الدكتور حكاكيان يكاد يموت غيظا ، وتفشل خططه كلها .
في عام 1370ش( الموافق لـ 1991م ، 1411هـ) ، رجع الوالد إلى طهران مرة أخرى ، ودخل بقوة أكثر في المجتمع الجامعي والعلمي وبدأ يدرس في الجامعة .
وصلت الدكتورة "ماريلا" ـ مطلقة والدي ـ بعدما تزوجت من رجل آخر إلى طهران لزيارة والدي ، كانت على صلة جيدة ـ في دائرة الشؤون الأخلاقية ـ مع والدي ، كل يحترم الآخر .
كان من وفائها للوالد أنها أخذت تركيب دواء سرطان الرئة الذي كاد يضيع بين أوراق الوالد القديمة إلى أمريكا ، وبعد دراسات مختبرية عديدة أخرجت النتائج ضمن عدة بحوث ونشر في كتاب هناك ، وأرسلت الدكتورة "ماريلا" نسخة من الكتاب المزبور إلى الوالد ، وكان والدي دوماً يرجع الفضل في هذا النجاح إلى مطلقته الوفية المحترمة الدكتورة "ماريلا" النصرانية .
لم يسجل دواء سرطان الرئة باسم الوالد ، لكنه كان يعتز دوما أنه شارك في هذا العمل الإنساني العظيم .
غياب الوالد عن الأسرة والبلد طوال هذه الفترة الطويلة لم يكن أمراً هيناً بالنسبة لنا ، وقد ذاقت الأسرة الأمرين .
في غيابه ظل الناس الذين كانوا يعارضون هذا الزواج ، ويحفرون لنا الحفر ولا يكادون يسكتون عنَّا ، مما جعل جو البيت جوا متوترا دائما ، وجعلنا نعيش في اضطر اب وحيرة .
كانت ثمرة هذا الزواج ثلاثة أولاد ، ابنين وبنتا .
ما أريد أن أقوله هنا هو أن أسرتنا كانت مزيجا من ثقافتين مختلفتين ، بل متناقضتين تماما ، أو بعبارة أخرى حضارتين متعارضتين ، وأفكار تناقض بعضها بعضا ، وعادات وتقاليد لا تستطيع أن تهضم بعضها بعضا ، تجمعت تحت سقف واحد ، فعائلة الأب كانت رمزا للرؤية الغربية والانحلالية للحياة ، وعائلة الأم على رأس الهرم في الالتزام بالتقاليد والعادات المذهبية الجوفاء .. وكانت تحاول جاهدة أن تتفاهم رغم كل هذه التناقضات !
لم نكن نعاني من أي ضيق اقتصادي ، بل كنَّا نعيش في مرح وحب ، ولا ينقصنا شيء من متع الحياة ولا من الحب والحنان .


مما لاشك فيه أن من أماني كل أب وكل أم أن يعيش أولادهم في سعادة وصحة ، وأن يوفقوا في الحياة ، وكانت هذه أمنية والديَّ كذلك ، كان والدي وأسرته الكبيرة يتمنون أن أصبح طبيباً متخصصاً مشهوراً لكن أسرة والدتي كانت تحرص وتصر على أن أصبح عالم دين .


وإن كنت اليوم مطرودا من والديَّ وأسرتي وقد نبذوني بعيدا عنهم ، لكنني لا أستطيع أن أنسى تلك القبلات الحارة التي كانت تترجم حنان والدتي العزيزة على خدي ، ولا تلك النظرات التي كانت تمتلئ حبا وحنانا من عيون والدي العزيز ، ويعلم الله - عز وجل -أن لهما مكانا في صدري وأن قلبي يعتز بحبهما بعد حب الله - عز وجل -والعشق لعقيدتي وإيماني ، وأنني أحبهما حب الولد البار لوالديه ، حب ابن يحترق حزنا وألما وهو يرى والديه ينكران ويجحدان الحق الذي معه .
وإنني آسف جدا إذ أصبحت سببا في أن يترك والدي بلدهما للأبد واعتذر منهما أشد الاعتذار .


من الصبا إلى البلوغ


لم أزل أذكر يوم أن غادر والدي البلد ـ في الظاهر ـ لإكمال دراسته وللحصول على شهادة التخصص في الطب ، وفي الواقع هروباً من الجو الذي اختلقه له زميله وصديقه السابق الدكتور حكاكيان من تشويه لسمعته وبث الإشاعات والافتراءات عليه .
أذكر أن إدارة الأسرة من بعد الوالد وكلت إلى جدي ، ولا أذكر من تلك الأيام شيء آخر ذي بال ، إلا أنني أشعر بأن الجو في الأسرة كان جوا مضطربا عكرا ، يغشاه التضاد بين أفكار وتقاليد عائلتي والدي ووالدتي ، وأن غياب ظل الوالد كان في واقع الأمر صدى لتلك الإختلافات في الأفكار والأذواق ، وكل هذه كانت جديرة بأن تؤثر في تربية الأولاد وأخلاق الأسرة .


ومما أذكره من تلك الأيام يوم أن أخذت والدتي بيدي عام 1359ش(الموافق لـ 1978م/1400هـ)، وسجلت اسمي في مدرسة منطقة "نياوران" ـ وكانت تسمى في تلك الأيام مدرسة ياسمن ـ .
كنت في تلك الأيام صغيراً لا أشعر كثيراً بما يدور حولي ، لكنني أذكر جيدا أنني سعدت كثيرا بتسجيلي في تلك المدرسة ، وكدت أطير فرحا .. أيا كانت الظروف أكملت المرحلة الابتدائية في تلك المدرسة ولم يكن يتجاوز عمري اثنى عشر عاماً بعد ، وأذكر جيداً بأني في ذلك العمر كنت أجد نفسي أميل إلي الالتزام بالتقاليد الدينية والمذهبية .
لا أدري ماذا وكيف حدث ؟ لكنني أذكر بأنه طرحت في الأسرة قضية إكمال دراستي في الحوزة العلمية التي تسمى "ولي عصر" .


ولأنني كنت أميل إلى الجو المذهبي والالتزام الحاكم على الأسرة ، كنت أشعر بمدى اهتمام والدتي بهذا الجانب ، وكنت أشتاق إلى الجمع بين دروس المدرسة الإعدادية ودروس المدرسة الدينية .


في عام 1363ش(الموافق لـ 1984م/1404هـ) بدأت في الجمع بين دروس المدرسة الإعدادية العصرية وبين دروس المدرسة الدينية ..



يتبع

حماد عبدالله أبوشامه (متوفي رحمه الله)
05-13-2011, 12:33 AM
وفقك الله

وجزاك خيراً

ماجد سليمان البلوي
05-13-2011, 12:35 AM
(3)


http://www.al-qatarya.org/qtr/qatarya_INWyYnnNG3.gif


البدء في الدروس الدينية


بعد شبه توافق نسبي بين عائلة والدي وعائلة والدتي ، وبناء على نصائح والدتي ورغبتها وشوقي الخاص للدروس الدينية ، تم تسجيلي في الحوزة العلمية (ولي عصر) في طهران عام 1363ش (الموافق لـ 1984م/1404هـ) .


وصل حكاية تسجيلي في المدرسة الدينية والاختلافات والكلام الذي دار في الأسرة إلى والدي في كندا .
وبما أنه كان يتمنى أن أكمل مسيرته العلمية ، وأن أصبح طبيباً متخصصاً ، حزن على موقفنا هذا وأصر على تركي للمدرسة الدينية والتحاقي بالمدرسة الإعدادية العصرية ، وإكمال الفصول المدرسية هناك .


أصبحنا في ورطة شديدة فقد كنت أميل إلى الدراسات الشرعية ، ويحرضني على ذلك جو أسرة والدتي واهتماماتها ، لكن على عكس من هذا الموقف كان موقف أسرة والدي المتنورة نحو الدراسات العصرية .


كان والدي موقفه شديد من توجهي للدراسة الشرعية .
جاء الفرج على لسان والدتي عندما قررت أن أكمل دراستي في المدرسة الدينية وبجوارها أكمل دراستي في المدارس العصرية .
واتفقنا مع بعض المعلمين على محاضرات خاصة إضافية في البيت ، وبذلك استطعنا أن نرضي الوالد دون أن نعرقل مسيرتي التعليمية في المدرسة الدينية .
وبما أنني كنت ـ بحمد الله ـ أتمتع بذكاء خارق وحفظ وحركة ونشاط وعشق للدراسة أكملت السنة الأولى من الإعدادية والسنة الأولى من المدرسة الدينية بالتفوق في المدرستين .
وإن كانت الدروس الخاصة مكلفة إلا أن وضع الأسرة الاقتصادية لم يكن يضايقني من هذا الجانب .
وهكذا انتهت السنة الأولى من المدرسة الإعدادية والمدرسة الدينية بشكل مُرض جدا .
قررت الوالدة أن أكمل الفصل الثاني من الإعدادية والدينية في إحدى المدارس الدينية في مدينة قم ، فقد كانت تظن بأن مستوى الدراسة فيها عال .
وهكذا التحقت بمدرسة "كرماني ها" للعلوم الدينية بمدينة "قم المقدسة" .
بعد فترة وجيزة حضرت والدتي إلى "قم" لتطمئن على دراستي ، ولما زارت المدرسة ورأت بأم أعينها السكن الطلابي ونوعية الطعام الذي يقدم للطلاب والجو العام فيها ، لم يعجبها فذهبت مباشرة إلى حي " زنبيل آباد" واستأجرت بيتاً مناسباً وعينَّت أستاذاً خاصاً ليدرسني دروس الإعدادية بجوار ما أدرسه في المدرسة الدينية .
أكملت فصل "المرحلة الأولى" في مدرسة "قديرية" الدينية ، قرب مسجد "شاه إبراهيم سابق" .
توفيق الله ثم ذكائي ورغبتي للدراسة والعلم ، وإخلاصي في العمل ساعدني على إكمال مراحل "فصل المقدمات" و "فصل المرحلة الأولى" مع الفصول الثلاثة من الدراسة الإعدادية في وقت واحد وكنت في كل المراحل الدراسية من المتفوقين في المدرسة ، ما جعلني موضع اهتمام خاص من كبار الأساتذة أمثال آية الله موسوي ، وآية الله أستادي ، وآية الله وحيد خراساني ، وآية الله حسيني .
ولا أنسى أن أعترف ـ معتزاً ـ بأن الفضل في كل هذا التفوق الدراسي وهذا النجاح التعليمي يرجع إلى اهتمام خاص ورعاية عالية ، كانت تبذلها بكل سخاء وإخلاص أمي العزيزة ، فلها مني جزيل الشكر والاحترام أبدا ما أحياني الله - عز وجل -.
وهكذا على نفس النمط أكملت المرحلة الثانوية من الدراسات العصرية بجانب دراستي في المدرسة الدينية ـ الحوزة العلمية ـ .
درست مرحلة "السطح" و"الخارج" من دروس المدرسة الدينية في "الحوزة العلمية الرضوية".



حدثت لي حادثة لطيفة ، يوم أن كنت أقضي إجازة الصيف في رفقة الوالد ، الذي عاد إلى البلد بعد اثني عشر عاماً وهي :


كلَّف حجة الإسلام السيد غلام حسين حسيني أحد علماء حوزة "فيضية" العلمية لرحلة دعوية ، وللبحث عن الوضع العقدي لمنطقة من مناطق البلوش ، منطقة "رمشك" من توابع محافظة "كرمان" .

وكنت شعلة من النشاط أرغب في البحث عن كل شيء ، والكشف عن كل مجهول ، فرافقت حجة الإسلام الحسيني إلى هناك .

منطقة "رمشك" يقطنها السنة ، وليس فيها أحد من الشيعة ، في هذا السفر التقينا بشباب من هذه المنطقة بينهم عدد من طلاب العلوم الدينية من شباب السنة .



طرحنا بعض المسائل العقدية أمامهم وأطلنا الكلام فيها ، وتشجع شباب السنة فطرحوا العديد من الأسئلة فحميت الجلسة ، واشتد النقاش بيننا، وأصبح اللقاء أشبه بجلسة جدال ومناقشة ، وأحسست يومذاك أن نبالنا انتهت وبقينا لا نملك جوابا لتلك الأسئلة الحائرة .


لمَّا عدنا من هذا السفر كنت أشعر في قرارة نفسي بخجل شديد ، وشعور عميق بالهزيمة النفسية . فقد أثرت هذه الهزيمة أمام شبان -لم يبلغوا الحلم بعد- في نفسي تأثيراً عميقاً لا أستطيع أن أنساه أبدا .


في عام 1368ش (الموافق لـ 1987م/1407هـ) التحقت بحوزة "فيضية" العلمية بقم لإكمال السنة السادسة ـ أول الخارج ـ .


في هذه المرحلة من الدراسة كنت منكباً على دروس الحوزة والمطالعة والتحقيق ، وقد حدث لي أمور أخرى جديرة بالذكر :



أ‌) في إحدى المناسبات الخاصة ، قدم طلاب الحوزة "حوزة فيضية العلمية" مقالاتهم في وصف المرحوم مصطفى خميني ـ ابن الإمام الخميني مرشد الثورة الإيرانية ـ ، وأنا كذلك قدمت مقالة لعلها حظيت باهتمام أكثر من مسؤولي البرنامج ، فعدت مقالة نموذجية ، فقدَّم لي رئيس محافظة قم ، ميدالية ذهبية .


ب‌) وفي حفل أقيم في مسجد "جمكران" بقم ، بمناسبة منتصف شهر شعبان قدمت مقالة عنوانها "الإمام المهدي القائم" وكنت قد أوردت في نهايتها هذا الحديث (وأفضل الأعمال انتظار الفرج)( ) وقد حظيت باهتمام الحضور وإدارة الحفل ، ففي نهاية الحفل قدم لي حجة الإسلام "توحيدي نيا" خاتماً وزجاجةً عطر كتذكار لتلك المناسبة .


كنت في تلك الفترة مهتماً جداً بالدراسة والتحقيق والقراءة وكتابة المقالات ، مما جعلني موضع رعاية خاصة واهتمام من الأساتذة والإدارة ، ولاسيما أنني استطعت خلال خمس سنوات في الحوزة العلمية بقم أن أصل إلى مرحلة "الخارج" هذه كلها ساعدتني لأكون وجهاً متميزاً بين الطلاب وفي ساحة المدرسة ، وهذا كله حرضني للمزيد من الدراسة والتحقيق والكتابة ، فكنت لا أشبع من قراءة الكتب والمقالات والبحث عن المصادر .


إلى أن حدثت لي حادثة مهمة أخرى وهي :


قدَّم لي "السيد حسين عباسي" مجموعة من المقالات أعدها علماء السنة في مدينة "جابهار" من مدن محافظة بلوشستان الإيرانية بعنوان "راز دلبران " سر العشاق رسالة من جابهار إلى قم ، كانت هذه المقالات تتحدث عن الأصول العقائدية لأهل السنة والجماعة وعما يعتقدونه في أهل بيت الرسول  ، وما يؤمنون به تجاه صحابة الرسول  .


بعد قراءة هذه المجموعة من المقالات عادت إلى ذاكرتي ما دار في سفري إلى منطقة "رمشك" ، وبما أنني لم أكن أغمض عيوني عما يطرأ لي وعما أقرؤه ، أثارت تلك الرسالة عدة أسئلة في نفسي، فشعرت أنني بحاجة ماسة للرجوع إلى منبع علمي غني يستطيع أن يشبع نهمي ويجيب على أسئلتي الحائرة .


قمت بترتيب الأسئلة وفهرستها ، وذهبت إلى إدارة حوزة "فيضية العلمية" وطرحت الأسئلة أمام سادة المراجع .



فلم يجب السادة المراجع على أسئلتي ، ونصحوني بأن أراجع فيها مكتب السيد آية الله أميني ، نائب إمام الجمعة في قم ، وكان من العلماء المشهورين في الفلسفة والمنطق ، وكان أستاذا مشهورا . وبإشارة ومساعدة من حجة الإسلام "توحيدي نيا" راجعت مكتب السيد آية الله أميني ، وطلبت لقاء السيد ، لكن مسؤولي مكتب السيد اعتذروا عن إمكانية اللقاء بسعادته ، وذلك لكثرة مشاغله الفكرية والعلمية و ... ولكنني لم أيأس واستطعت أخيراً وبعد ثلاثة أسابيع من متابعة المكتب والإصرار عليهم أن ألتقي بسعادته ، قدمت له فهرس الأسئلة .


بعد ما أخذ ينظر في الأسئلة بدأت معالم وجهه تتغير شيئاً فشيئاً إلى أن ثار غضبه وبدأ يرتجف من شدة الغضب ، ويرمي بالشتائم والكلمات القبيحة المستنكرة على كاتب هذه المقالات ، وكل من ساهم في نشر هذه المجموعة وطباعتها .


بقيت حائراً مستغرباً أمام ما أراه ، فما كنت أتصور أن عالماً كبيراً بمكانة حضرته ، وقد ملأ الدنيا صيتاً وشهرة في الفلسفة والمنطق، أن يثور مثل هذه الثورة الهائجة ، وأن يتفوه بمثل تلك العبارات القبيحة والشتائم الغليظة السوقية !
صرخ آية الله أميني في وجهي وقال لي : اذهب واقرأ كتبي ومؤلفاتي ، وإذا لم تقتنع فتعال إلى مسجد الأعظم لأجيب على استفساراتك ـ يقع مسجد الأعظم في إحدى ميادين حرم السيدة المعصومة ـ .


اغتنمت فرصة أخرى وذهبت برفقة حجة الإسلام توحيدي نيا إلى مسجد الأعظم ، وكان يعقد آية الله أميني حلقة درسه هناك .


أذن سعادته لي أن أطرح أسئلتي ، فطرحت الأسئلة مرة أخرى ، فثار السيد آية الله هذه المرة ثورة أشد من سابقتها ، وغضب غضباً شديداً في جمع من طلابه ، و لم يجيب على الأسئلة وإنما بدأ بالهجوم الشرس على مؤلفي هذه المجموعة ، وأشبعهم شتما وافتراء، وقال فيهم كل قبيح كان يمكن أن يخرج من فم إنسان سوقي لا من فم عالم دين .


لم أستطع أن أتمالك نفسي أمام هذا الموقف الشنيع والمهين ، فغضبت غضباً شديداً وصرخت في وجه السيد آية الله أميني ، وقلت : أستاذ ! أحبذ ألا أحضر مجالس الجهَّال بعد اليوم !!..



غضب سماحته من هذا الموقف أشد الغضب ، وأمر أن يقطعوا منحتي الدراسية .. كانت الحوزة العلمية في قم تقدم كفالات دراسية بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف تومان شهريا للطلاب ، وكانت هذه الكفالات تحت إدارة وإشراف من ثلاث شخصيات من المراجع ، وكانت كفالتي تحت إدارة آية الله أميني ، وآية الله مشكيني ، وآية الله وحيد الخراساني .



لعله يجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة من المقالات وما حدثت لي في الفصل السادس من الدراسات الدينية في حوزة "فيضية العلمية" بقم ، الذي كان مصادفا لإنهاء مرحلة الثانوية من الدراسات العصرية ، وقراءاتي المتنوعة في الكتب والمصادر ، كلها تعاونت في بث ثورة فكرية واعتقاديه في ضميري ، وهذه الأمور كلها جعلتني أرى بأن هناك عالما آخر غير ما نحن فيه ، وأن دائرة العالم الإسلامي أوسع من دائرة "التشيع" الضيقة .


ولعل هذه كانت أولى الشرارات الفكرية التي جعلتني أعيد النظر في أصول ما اعتقده من مذهب التشيع .

بداية المرحلة الجامعية عام 1369ش (الموافق لـ 1988م/14008هـ)
دخلت عام 1369ش (الموافق لـ 1988م/1408هـ) الامتحان العام للالتحاق بالجامعة ، واستطعت بعون الله الحصول على درجات جيدة كانت تؤهلني للالتحاق بستة عشر تخصص علمي منها : الطب والبيطرة والصيدلة و ...


فرح والديَّ بهذا الإنجاز ولاسيما والدي ، وقد رحب بهذا النجاح واعتبره محور انطلاق إلى أحلامه فيَّ ، فأصَّر على التسجيل في تخصص الطب ، وبناء على رغبته التحقت بكلية الطب من جامعة "شهيد بهشتي" بمدينة طهران في بداية شهر "مهر" عام 1369 ش (الموافق لأيلول 1988م/ صفر 1409هـ) .


انشغالي بأمور الجامعة والالتحاق بها وبدء الدراسة فيها جعلني اضطر إلى إيقاف دراسة العلوم الدينية ولو لفترة وجيزة .


كان جو الجامعة عالما آخر غير ما كنت اعتدته في "الحوزة" وتماشيا مع الجو الجديد والبيئة الجديدة خلعت الزيَّ الحوزوي وبدأت أرتدي لباس عامة الناس .
بعد فترة قصيرة اتصلت لجنة الدعوة الإسلامية في الجامعة بحوزة "فيضية العلمية" بقم ، وبما أنني كنت من النشطين والمتفوقين في الحوزة ، أُقْتُرِحَ عليَّ أن أنضم إلى اللجنة الدعوية وأصير عضوا فيها .



ما طرأت لي من الأفكار وما حدثت فيَّ من التحولات الفكرية والعقدية جعلتني لا أميل إلى الانضمام والمشاركة في تلك الأنشطة ، فلم أبد رغبة في المشاركة في اللجنة الدعوية الجامعية واعتذرت عنهم ، لكن إدارة اللجنة لم يعجبها موقفي هذا ، وكانت حريصة على انضمامي إليها .


اتصلت على والدي وصورت له الأمور بطريقة جعلت والدي يرتاح لهم وبدأ يحرضني للانضمام إليهم ، فاضطر رت للانضمام إليهم مرغما .


أيا كانت الأمور انتهى الفصل الدراسي الأول في سكون ودون حدوث أية مشاكل .
بدأ الفصل الثاني من العام الدراسي الأول وكنت قد ألفت جو الجامعة ، وتعرفت على مداخل الأمور ومخارجها وعلى الجو المحيط بي .


انضمامي إلى الاتحاد الطلابي ومن ثم الاحتكاك باللجنة الدعوية الجامعية ، زادني رسوخاً في البيئة الجامعية والتعرف على الأفكار والنظريات والفلسفات الموجودة في المحيط التعليمي ، وأحياناً كان يحدث نوع من الصراعات الفكرية والمناقشات بين أصحاب الرؤى المتباينة ، ومن موقعي في الاتحاد الطلابي كنت مضطرا للخوض في تلك الميادين .


لا أنكر بأن كثيراً من مواقفي من خلال اللجنة الدعوية مع البيئة الطلابية ،كانت صدى لسوء الفهم أو بعبارة أخرى لم تكن نتيجة التعقل والتفكير السليم ، بل كانت مواقف تصنعها الثورات العاطفية والإحساسات الفردية ، ولم تكن تتجاوز رؤيتها المطالب الآنية للطلاب فحسب .
هذه المواقف جعلتني موضع اهتمام الطلاب واحترامهم ، كما جعلتني في موقف حرج مع إدارة الجامعة والمسؤولين عليها ، لكنني كنت سعيداً بما أقوم به ، إذ كان همي الوحيد الاهتمام بمشاكل الطلاب والسعي للحصول على ما يريدونه ، دون مصالح الجامعة أو مشاكل الإدراة أو ...
ولعل هذه المواقف الشديدة وهذا التعنت والإصرار على مطالب الطلاب جعلتني شخصية محبوبة في الوسط الطلابي .
كانت رؤيتي ـ ولعلها رؤية الآخرين كذلك ـ إلى الجامعة أنها مكان أعد للتربية العلمية والتربوية في نفس الوقت ، ويجب عليها أن تهيئ الجو العام لبزوغ المواهب ، وظهور الابتكارات الفردية والاختراعات ، وبالتالي يتطور المجتمع .
لابد للإدارة أن تراعي الجوانب الفطرية لطلاب الجامعة ، الذين يتمتعون بالقدرات الفطرية والغريزية الحادة في هذه الأعمار ، وإن تجاهل هذا الجانب الفطري أو قلة الاهتمام به، قد يؤدي إلى مزالق خطيرة وإلى الفساد الاجتماعي والأخلاقي .
وقد كان ظلال هذا الاتجاه الفاسد مهيمنا على البيئة الطلابية بشكل واضح ، وجعل من الجو الدراسي جواً مسموماً ، صالحاً لظهور أية بوادر تؤدي إلى ألوان من الفساد الاجتماعي والأخلاقي .


ومن موقعي في الاتحاد الطلابي واتصالي المباشر باللجنة الدعوية الجامعية ، وشعوري بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي ناقشت مسؤول اللجنة الدعوية في الجامعة "سيد محمد رضا حسيني" فيما يحدث في المجتمع الطلابي ، ولعل مواقفي لم تكن تعجب اللجنة ، أو أنها كانت رؤى سطحية ضعيفة ، مما جعلت اللجنة لا تعجب بمواقفي ، وكان بيني وبين السيد حسيني هذا عدة مشاجرات ومواقف ، منها :


أ) قبض الشرطة على طالبة من طالبات الجامعة ، كانت لها صلات غرامية غير أخلاقية مع مجموعة من الشباب في خارج البيئة الجامعية ، وفي التحقيق اعترفت الطالبة أنها تدرس في جامعتنا ، فمن ثم كان ولابد أن تتدخل الجامعة في الأمر .
حولت المسألة إلى اللجنة الدعوية ، التي حققت بدورها مع الطالبة ، وفيما يبدو أن الطالبة استطاعت أن تبرر موقفها، وبالتالي حلت المشكلة وتم الإفراج عنها .
وقد شاع بين الطلاب بأنه كان لرئيس اللجنة الجامعية السيد الحسيني صلات غرامية، وصولات وجولات مع هذه الطالبة ، مما جعل اللجنة تستر عليها ، وتفرج عنها !
ب)وفي إحدى المرات تم القبض على طالب وطالبة بتهمة الفساد الأخلاقي، والصلات الغرامية في البيئة الجامعية .
حولت المسألة إلى اللجنة الدعوية التي حققت بدورها معهما ، فنفى الطالب والطالبة أية صلات غير مشروعة فيما بينهما ، وقالا : بأنهما يفكران في الزواج من بعضهما ، ولم تتجاوز علاقتهما صلة الحب العذري البريء .
لكن اللجنة الدعوية لم تقتنع بكلامهما وأبت إلا وأن ترسل الطالبة إلى الجهة الطبية للتأكد ! وخرج التقرير الطبي يصدق كلامهما !
ورأيت بأم عيني الطالبة وهي تصرخ باكية في وجه مسؤولي الجامعة واللجنة الدعوية وتقول : أخجلتمونا أمام الناس وأهنتمونا على الملأ ، ألا تخافون الله ! أليس لكم شيء من الحياء والغيرة !
وفي نهاية الأمر لم تؤثر كل هذه الأمور في قرار اللجنة ، وتم فصل الطالبة والطالب من الجامعة .


أظهر طلاب الجامعة سخطهم واعتراضاتهم على هذا القرار الظالم ، وأحدثوا بلبلة في الجو الجامعي ، مما جعلت إدارة الجامعة تقيم جلسة توضيحية لتخفف عن مشاعر الطلاب ، وقمت في هذه الجلسة ودافعت عن حقوق الطلاب بشكل قوي .
بعد هذا الموقف استدعيت إلى المخابرات وأجبرت على التوقيع على وثيقة الندامة ، وعلى أنني لن أقوم بمثل هذه الحركات ، وأن أعلن في الجلسة القادمة أمام الطلاب بأنني أخطأت وأن موقف الإدارة كان صحيحا .



ثم رتبت الجامعة جلسة أخرى ، وقمت أمام الطلاب في حالة خجلة منكسرة ، وما إن نطقت ببعض الجمل المكسورة ، وإذا بطالب يقوم ثائراً هائجاً يصرخ في وجهي بكل غضب : السيد رادمهر ! كم دفعوا لك ؟ ماذا دهاك يا رجل ؟ لم تمر بضعة أيام وقد تغيرت تماما ؟


وكنت أرى الغضب والكره في عيون الطلاب ، وتغيرت نظرتهم تجاهي تماماً .
فبعد أن كانوا يرون فيَّ مناضلا يدافع عن حقوقهم ، إذا بهم ينظرون إليَّ شزرا ويرمونني بسخطهم وكرههم الصامت ، وكأنني عدوهم الشرس !



انتهى العام الدراسي الأول وكانت تلك المواقف وما حدث فيها من القبض والسجن والتعذيب مقدمة للمشاكل والمصائب التي واجهتها فيما بعد وإلى يومي هذا ...
أكملت الفصل الثاني من العام الدراسي الأول في كلية الطب على نفس النمط ، عدة مشاجرات كلامية ومواقف مع اللجنة الدعوية ـ من موقف الشعور بالمسؤولية ـ ومواقف وصراعات كلامية مع السيد "كاشاني" وفشل إحدى الجلسات التوضيحية ، وما حدثت بعد ذلك من غضب الوالد عليَّ، ورفع قضيتي إلى المخابرات والتوقيع على وثيقة الندامة، والرجوع إلى حوزة "فيضية العلمية" بقم ، وما حدث في مدينة قم .. كل هذه المواقف جعلتني أشعر بالخجل والضياع وأن شخصيتي في الجامعة أصبحت شخصية غير مرغوب فيها .


لم أعد أطيق الجو الجامعي والاستمرار في الدراسة ، ولهذا لم أسجل في الفصل الصيفي .
لم أكن أرغب كذلك في إكمال الدراسات الدينية في الحوزة ، لكنني كنت أشعر أن الجو الحوزوي يتلائم مع حالتي النفسية أكثر من الجو الجامعي ، وأن ذهابي إلى هناك قد يخفف من ضغوطي النفسية ، ولهذا ذهبت إلى حوزة "فيضية العلمية" بقم ، وبدأت أكمل دراستي التي توقفت في الفترة الماضية في فصل "الخارج" .
كنت أشعر بأن بقائي في الحوزة أفضل لي من الرجوع إلى الجامعة ، بعد فترة وجيزة من بقائي في الحوزة لبست العمامة ، وقررت أن أكمل الدراسات الدينية إلى مراحلها الأخيرة ، لكن والدي حَضَرَ إلى قم وأصَّر على رجوعي إلى طهران لإكمال الدراسة في كلية الطب .
لم أستطع المقاومة أمام والدي فاضطررت أن أبدأ الفصل الأول من السنة الثانية في شهر "مهر" 1370ش (الموافق لأيلول 1989م/ صفر 1410هـ). لكن هذه المرة لم أكن ذلك الطالب النشيط الطموح الذي كنت يوم أن قدمت إلى الجامعة لأول مرة ، وإنما كنت أشعر بأني إنسان ضعيف حقير لا هدف له من الدراسة ولا يشعر بقيمة لحياته .
في الفصل الثاني كنت ألبس جلباب العلماء والعمامة ـ الزي الحوزوي ـ في الجامعة ، وكنت أشعر بالوحدة في المجتمع الطلابي ، وكأن الطلاب قد نبذوني بعيداً عنهم ولا يريدون الاحتكاك والتعامل معي .
كنت أقرأ الكره والغضب في عيون زملائي وأشعر بأن وجودي في جلساتهم ولقاءاتهم يضايقهم ، لكن لم يكن أمامي إلا أن أتعايش مع الوضع الجديد وأتحمل كل ذلك .
في هذا الفصل الدراسي كنت أشارك في برامج الاتحاد الطلابي والنشاطات الدينية ، وحتى في غياب إمام مسجد الجامعة كنت أؤم الناس ، وكنت أشعر بكل ما يدور في عيون الطلاب وصدورهم من كرههم الشديد وغضبهم علي ، وفي المقابل كنت أشعر بأنني على قدر ما سقطت في عيون الطلاب ارتفعت في عيون إدارة الجامعة واللجنة الدعوية .


وكان أبي كل ما يجد فرصة يسمعني بأنه فخور بي ويعتز بولد مثلي .
كنت أشعر تماماً بأن ما يقوله الوالد ليس إلا مجاملات يحاول بها رفع معنوياتي المنهارة وعلاج ما أعانيه من التدهورات الروحية ومن التناقضات الفكرية والعاطفية .



كنت مع كل ما أعانيه من التباين والتضاد أحاول ألا أبدي شيئا منها ، وأظهر في المجتمع وكأن الأمور تجري على ما يرام .
أذكر جيداً يوم أن كنت أكلف من قبل الاتحاد الطلابي بالإشراف على السكنات الطلابية ، ولاسيما مهجع الطالبات ، وكنت أذهب إلى المهاجع الطلابية أرى الطالبات ينظرن إلي وكأنني رجل مخابرات أو من حزب الله ، ومن أصحاب الثورة المنبوذين ، أو من الأصوليين المتشددين ، وأنهن كن يتضايقن بوجودي بينهن ، وكنت أرى الغضب والكره يصرخ من نظراتهن ...
كانت عجلة الزمان تدور بسرعة شديدة حينا وببطء قاتل أحياناً .
انتهى الفصل الدراسي الثاني ، وكان يحمل في أحشائه وقائع كثيرة وخواطر مؤلمة وذكريات مريرة من أبرزها :
1) خرجت برفقة "علي رضا محمدي رحمه الله" -من زملائي في الحوزة في قم وطالب بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة طهران ـ وأبي طالب صالحي من زملاء صديقي محمدي في كلية العلوم الاجتماعية، من "تجريش" إلى جنوب طهران ـ ساحة توبخانه ـ للتجول وقضاء بعض الوقت ، في ساحة توبخانة ، أردت أن أتصل إلى أسرتي فدخلنا مركزاً للهواتف .
بعد دخولنا مركز الاتصالات جلسنا في صالة الانتظار ننتظر دورنا للاتصال .

كان هناك رجل يلبس الزي البلوشي ، وكان يرى على سماته أنه من علماء أهل السنة ، وكان يجلس بجواره عدد من الشباب ، ولعلهم كانوا ينتظرون دورهم للاتصال .


بعد فترة وجيزة رأيت أحد هؤلاء الشباب التفت إلى العالم البلوشي وسأله بشيء من التعنت : هل حضرتك سني أم شيعي ؟
رد العالم السني : أعوذ بالله أن أكون شيعيا !
فقال الشاب مستغربا : ولم؟ وما عيب الشيعة ؟
رد الرجل السني : بالله عليك ، قل لي ما هي العيوب التي يمكن أن تكون في إنسان وليست هي في الشيعة ؟
بدأ النقاش يشتد بين الفريقين ، وأخذنا ننظر إليهم من بعيد .
قال الشاب للعالم السني : عيبكم أنتم "عمر" لا غير ، عمر الذي أحل الحرام وحرم الحلال .
سأله العالم السني : قل بالله عليك ، ما هو الحلال الذي حرمه عمر ، وما هو الحرام الذي أحله عمر ؟
رد الشاب : كانت المتعة حلالا فحرمها عمر ( ).
سأله العالم : أريد أن أسألك ، هل في رأيك المتعة شيء جيد مبارك ؟
قال الشاب : نعم ، وألف نعم .
رد عليه الرجل السني : إذا كانت المتعة حلالا وأمراً مباركاً كما تفضلت ، فها أنا أخوك المسلم ، وأنا منذ زمن بعيد عن أهلي وأسرتي وأشعر بحاجة شديدة إلى المتعة ، فهل تتكرم وتقدم مشكورا أختك إليّ ، ولك في ذلك الأجر والمثوبة التي تتصورها !
ثار الشاب على هذا الجواب ، وقام هو وأصحابه وبدؤوا يضربون العالم السني ورموه خارج صالة الانتظار .

خرجت أنا وصاحبيَّ من الصالة وأخذنا الشيخ السني بسيارتنا إلى مطعم خسام ، ودعوناه لتناول شيء خفيف معنا .

وعلى مائدة الأكل بدأ أصحابي يناقشون الشيخ السني فيما حدث بكل احترام وأدب .
وصل بهم الكلام إلى مناقب الخلفاء وفضائلهم ، وأن علياً هو أفضلهم على الإطلاق ، فقال أصحابي : إن فضل علي  على سائر الصحابة يرجع إلى أن علياً  كان رجلا متعلماً ومثقفاً ، وقد ألف كتاباً في حين أن سائر الخلفاء كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة .

فقال الشيخ السني : يا ناس ، إننا نقول بأن علياً كان من كتَّاب الوحي ، وإذا كنتم ترون هذا رأس مناقبه فلا تنسوا بأن معاوية كذلك كان من كتَّاب الوحي ، وكان مثقفا جدا .

وأن أبا علي ـ أبو طالب ـ لم يكن يعرف القراءة والكتابة ! وإنما أمر الرسول  علياً بأن يتعلم القراءة والكتابة .


وفي موضوع تأليف أمير المؤمنين علي  للكتاب الذي أشارا إليه ، قال الشيخ السني : هذا الكتاب ـ نهج البلاغة ـ الذي تنسبونه إلى سيدنا علي ، ليس من مؤلفات سيدنا علي وإنما هذا الكتاب وضعه "الشيخ الرضي" اللعين ، جمع فيه عدة آلاف من الأحاديث الكاذبة ونسبها إلى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - .
توقف بنا النقاش ، ولم نكن على استعداد لمناقشته والجدال معه فتركناه ورجعنا إلى الجامعة .
لكن موقف الرجل مع هؤلاء الشباب ونقاشه البسيط معهم في قضية المتعة هزَّ ضميري ، وجعلني أفكر وأعيد النظر في قضية المتعة .
2) قدرا التقيت في الباص بالسيد غلام رضا كاردان ، المشهور بحفظه للقرآن كله ، في إحدى أسفاري من طهران إلى قم .
يعد السيد كاردان من أبرز الوجوه في وضع الخطط والبرامج لتقريب المذاهب الإسلامية ، ومن أبرز المفكرين في برنامج الوحدة بين الشيعة والسنة .
وكانت تجلس قريباً إلى كرسي السيد كاردان امرأة زينت نفسها بمساحيق غليظة ، وكانت تبدو جميلة .
خلال السفر شعرت بأن السيد كاردان بدأ يقترب من تلك المرأة ، وفتح باب الكلام والصداقة معها ، وإن كنت لا أسمع كلامهما ، لكن عندما وصلنا إلى قم ونزلنا من الباص رأيت السيد كاردان وضع ورقة صغيرة في يد تلك المرأة .
بعد ثلاثة أيام زرت السيد كاردان في بيته لعمل كان لي معه ولاستعارة كتاب منه ، فرأيت تلك المرأة بلباس البيت في بيت السيد كاردان ، وكنت أعرف أن أسرة السيد كاردان ليست في البيت . تعجبت من هذا الموقف ، ولم أكن أريد أن آخذ من وقت السيد أو أزعجه كثيرا ، لكن لما رأيت هذا الموقف أخذني فضولي لمعرفة الحكاية .
شعر السيد كاردان بحرج شديد من وجودي ، وكان يبدو مضطربا ، وقال : بأنه كان مشغولا في كتابة موضوع ما ، وانقطعت حبال أفكاره مع حضوري وأشعرني بأنه يريد أن أخرج بسرعة ليتفرغ لواجباته .
لكنني تمهلت وأشعرته بأنني مصَّر على معرفة سبب وجود تلك المرأة في بيته ، ويبدو أنه شعر بأنني أرغب في معرفة الحكاية ، فقال : هذه المرأة أصبحت حلالا لي ! فقد أخذتها بالمتعة .
وبدأ يشرح لي معنى المتعة وأراد أن يبرهن لي صحة عمله ، وأنه أمر مشروع في الإسلام ، لا غبار عليه ، واستشهد لكلامه ببحث للمرحوم آية الله طالقاني ، وآية الله هاشمي رفسنجاني ، وأكد لي بأن المتعة لا تعارض الشريعة فحسب ، بل عمل مشروع يجلب المثوبة والأجر في الدار الآخرة ، ونصحني ألا أحرم نفسي هذا الأجر العظيم إن كنت أشعر بالحاجة إليه .


ثم دخل في شرح فلسفة المتعة وتفسيرها، واعتبرها حلا لكثير من مشاكل المجتمع، وسبيل القضاء على الفساد الأخلاقي والهرج في المجتمعات الإسلامية .
بعد هذا التمنطق والتفلسف الذي أبداه لم أجد أمامي إلا أن أتركه وشأنه وأنصرف راشدا .



3) أراد صاحبي علي رضا وسيد أبو طالب صالحي طلاب كلية العلوم الاجتماعية أن يسجلا تقريراً ميدانياً ـ كبحث منهجي علمي ـ عن بعض حالات المجتمع ، وحصلا على إذن رسمي من جميع الجهات القانونية لعمل لقاءات مع الناس وتصويرهم .


وكانا قد قررا أن يذهبا إلى الحدائق العامة ، وإلى الأحياء المشهورة بالفساد والتجاوزات الأخلاقية ، أعجبني موضوع بحثهما واستأذنتهما في المرافقة .



ما أن استقر بنا الأمر في حديقة أكباتان ( المشهور بحديقة الطالب) ، وبدأنا نركز أجهزة التصوير على المناظر الجميلة، فإذا بأحد الرفقاء دعا إمرأة عجوزة كانت تمر من هناك، وقال لها : عفوا سيدتي ، نريد أن نسجل تقريرا عن بعض قضايا المجتمع ، فهل تسمحي لنا ، نريد أن نتشرف بالسؤال عنك .


كانت المرأة مضطربة وحزينة ، فثارت في وجوهنا وصرخت : تعالوا صوروا قلبي، حتى تعرفوا لماذا تنجر بنات الناس إلى الفساد ، لمجرد لقمة أو لقمتين تشبع بها نفسها ، أصبحت الفتاة تبيع نفسها وعرضها باسم المتعة لتملأ بطنها !
صورت تلك المرأة العجوزة بكل بساطتها وسلامة فطرتها المتعة ، وما تنتجه من المشاكل ، بصورة تجرح كل قلب ينبض صلاحا ، وكل ضمير حي مازال فيه شيء من آثار الفطرة!




4) في المرحلة الثانية سألنا إمرأة شابة عن معنى العشق ؟ فقالت : العشق يعني الخبز ، العشق يعني الماء ، العشق يعني البحث عن حياة كريمة ، العشق يعني ملء البطون الخاوية ، ثم بدأت تبكي وتقول : وصل الأمر إلى فتياتنا أنهن يبعن أعراضهن باسم المتعة ، للحصول على قطعة خبز يملأن بها بطونهن .
وبدأت تصف المتعة وصفاً تقشعر منه الجلود وتنخلع منه القلوب التي في الصدور ، ثم قالت : والسادة الذين يقضون حوائجهم ويشبعون شهواتهم بالمتعة ، يرفضون الأولاد الذين قذفوهم بشهوتهم في بطون تلك النساء ، فلا يسجلون الأولاد بأسمائهم ، وتبقى الفتاة الضائعة التي باعت نفسها بثمن بخس دراهم معدودة ، تجر ورائها مشاكل رعاية طفل ضائع بريء .


وقد كان وصفها للمتعة وكرهها لها وصفاً بديعاً لا يمكنني تعبيره بالقلم ...


5) سألنا امرأة أخرى عن العشق ، ما هو العشق ؟ فأجابت : لا يعني العشق اليوم إلا الجريمة والزنا والمتعة ثم الفراق ...


مع أن هذا التقريرالميداني قام به طالبان من الجامعة وسلماه إلى القسم الخاص ، فلم ينشر لما فيه من الكشف عن سوءة آراء فقهية ضالة تحكم باسم الدين ، والدين منها بريء ، ولما فيه من الكشف عن أسرار المجتمع المكشوفة التي يراها ويعرفها الجميع لكنهم لا يتجرؤون على كشفها وإبرازها .



كنت يوماً في درس مادة "المعارف الإسلامية" ـ الدينيات ـ للأستاذ محمديان ، وكان في الفصل عدد من طلاب السنة ، يبدو أنهم حضروا ضيوفاً على الجامعة ، كان أحدهم يلبس زياً كردياً والآخرون فيما يبدو كانوا من السنة التركمان ..
فجأة طرحت قضية المذاهب وانجر الكلام إلى الخلافات المذهبية .


أذكر أن السيد محمديان في حديثه عن موضوع ما ، شبَّه الخلفاء الثلاثة ( أبوبكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم) ببقرة حلوبة أراقت حليبها على الأرض بعد ما استحلبها صاحبها .
وكان أثر هذا التمثيل على الطلاب الضيوف من السنة سيئاً للغاية إلى درجة أن الطالب الكردي غضب غضباً شديداً وترك المحاضرة ولم يرجع ..

كل هذه الوقائع التي حصلت خلال الفصل الثاني من العام الدراسي الثاني شغلتني عن الدراسة الجادة ، فكنت لا أرغب كثيراً في المواد العلمية ، ولا أهتم بها كما ينبغي ، كما كنت أشعر بملل شديد وتعب روحي .

زد على ذلك أن هذه الأحداث جعلتني أكره المتعة وأشعر بالقشعريرة والكره الشديد من مجرد وصفها أو الحديث عنها .



وهكذا انتهى العام الدراس الثاني ...
يتبع

ماجد سليمان البلوي
05-13-2011, 12:54 AM
وفقك الله

وجزاك خيراً

الف شكر اخي حماد
بارك الله فيك