المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأسراف الترفي



الطويلعي
07-31-2013, 11:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسراف الترفي
حذر الباحث الاجتماعي خالد الدوس ، من ارتفاع معدلات الاستهلاك الترفي في المجتمع السعودي ، الذي يمثل مرضا من الأمراض الاجتماعية و الاقتصادية التي تعاني من إرهاصاتها معظم المجتمعات المترفة ، لا شك إن مجتمعنا السعودي مصاب بمرض الاستهلاك الترفي ، الذي يصل إلى حد السفه، حيث إن الأكثرية ينفقون المال على سلع كمالية ، ودائما ما تكثر في شهر رمضان الكريم ، فلو إنها تستهلك فلا باس ولكن يذهب منها الكثير إلى النفايات ، و أكثر هذه الأطعمة غير ضرورية ولكن بقصد التباهي ، وحب اظهار الترف ، واظهار النعمة شيء مرغوب ولكنها لغرض شكر الله وإطعامها لمحتاجيها .
إن التباهي وحب الظهور في بعض المجتمعات أجمع عدد من علماء النفس والاجتماع بأنه تعويض نقص إجتماعي مركب ، والإسراف في الأكل والملبس والمشرب الخارج عن قواعد الضبط مع الأخلاقي والديني والاجتماعي ، إن سلوك الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات ، ويبدد الأموال والثروات وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والأجله ، إن الإسراف سبب للترف الذي ذمه الله في قوله ( وأصحاب الشمال وما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين )
إن الاستهلاك الترفي يعد مرضا اجتماعيا نفسيا اقتصاديا ، يظهر في مجتمعنا بسبب غياب الضابط الاجتماعي في عملية الاستهلاك الترفي ، لاسيما ان هذه الثقافة الاستهلاكية المناهضة للقيم ، لا شك تمثل هدراً للإمكانيات الاقتصادية ، وسقوطا للشيم الأخلاقية. إن نمط السلوك الاستهلاكي الترفي يتأصل لدى الطفل منذ الصغر ، وعملية التنشئة الاستهلاكية هي عملية مستمرة بتعليم الطفل ، من خلالها المعارف والمهارات ، والاتجاهات التي تتناسب مع حصوله المنتجات . إن دور الأسرة مهم في غرس قيم الوعي الاستهلاكي في وجدان الطفل ، وإتجاهاته الفكرية . فالطفل يتعلم السلوك الاستهلاكي لعملية الشراء ومفهوم الميزانية ، ولكنه نادرا إن يحدث في مجتمعنا .
إن حمى الاستهلاك الترفي طالت حتى أصحاب الدخل المحدود ، في مجاراة للنمط العام . إن مظاهر الترف والاستهلاك المفرط في المجتمع السعودي وما يعانيه من بذخ وإفراط وإسراف معيشي لدى معظم الإفراد والأسر ، يرجع ذلك إلى السلوك المخالف للضابط الشرعي والقيمي إلى عوامل عدة مثل ارتفاع مستوى الدخل والتعليم أو الاختلاط بالثقافات التي أثرت أو ألقت بظلالها على بيئة المجتمع ، بسبب وتيرة التحديث والمعاصرة أو الإقامة في المناطق الحضرية ، وغيرها من الخصائص الاجتماعية ، والاقتصادية . وإن كان في ظاهرة مكتسب إلا إنه في حقيقة الأمر يرتبط بعوامل متعددة ، عوامل قد تتعلق بالشخص كالاستعداد النفسي ، وإشباع الحاجات الأساسية إضافة إلى عوامل تتعلق بالمجتمع كالظروف المحيطة بالفرد ذاته والتي ربما تكون مشجعه لنمو هذا السلوك المشين .
فديننا وسط أمتاز بالوسطية في كل شيء ، والوسط في الإنفاق يقول سبحانه ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ) والوسط في الطعام والشراب ، فالمبالغة في الإكثار تسبب كثيرا من الأمراض ، والمبالغة في الإقلال تلحق بصاحبها الضعف والهزال .
وسطية هذه الأمة مستمدة من وسطيتها ومنهجها ونظامها منهج الاعتدال والتوازن ، لو جًليت وسطية هذا الدين لوجد التائهون فيه ضالتهم المنشودة وسعادتهم القلبية ، ولعلموا أن هذا الدين مبني على جلب النفع للعباد و دفع الضرر عنهم ، تتمثل الوسطية في الموازنة الدقيقة بين حقوق الله وحقوق العباد ، موازنة بين التكليف وبين الاستطاعة . فالمؤمن حقا يجب عليه مراجعة نفسه بين كل حين يستعرض علاقاته مع ربه جل وعلا ، ويستعرض علاقاته مع الغير مع نفسه مع أسرته فأن رأى تقصيرا وجب عليه التصحيح ، إذا الإنسان يجب أن يعي انه مراقب من الله سبحانه وتعالى ، فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه ، وأنه مطلع على ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه ، وخشي الله عز وجل ، نعم الذي يتصور أن الله يراه لا يقدم على معصية ، هاهي مراقبة الله تحمل على ضبط النفس والسيطرة عليها ، وترفع منزلة العبد ليكون من الذين يظلهم الله في ظله ، كيف لا يراقب الله من علم صفات كماله سبحانه من القدرة المطلقة والعلم الواسع والاطلاع الشامل ، من علم ان في الغد حسابا وجزاءً ، تنصب فيه الموازين ، وتنشر الدواوين ، إذا وجدت هذه المراقبة فسترى المسؤول الذي يتقي الله فيمن ولي عليهم ، الذي يراقب الله لا يمكن أن يضع في رصيده درهما من حرام أو دينارا من سحت ، هذه المراقبة تحرس المسلم وترعاه إذا خلا بنفسه ، فلا ينتهك حرمات الله ، ولو أخطأ وزلت قدمه تذكر اطلاع الله ، تئن المجتمعات من تفلت الناس من ثوابت القيم والأخلاق وتطفو فوق السطح مظاهر عجيبة لسلوكيات مشينة خيانة الأمانة إهمال الموظف غش التاجر تفريط المسؤول ، شيوع الرشوة ، أكل الحرام ، التزوير في الأقوال تسن القوانين وتشرع الأنظمة للقضاء على تلك السلوكيات ، لكنها تبقي عاجزة ، بل تعلن فشلها الذريع فالقانون مهما بلغت قوته ومهما كانت دقته لن يمنع الانحراف ، ولن ينزع الشر من النفوس ، قد يخفف منها ظاهرا لكن تبقي النفوس الفاسدة تهواها ، تعانى كثير من المجتمعات الإسلامية في ميادين العمل من ضعف الإنتاج ، وإهمال الواجب وشيوع التسيب ، ومظاهر الفساد .
والعلاج الناجع الذي يأتي على المشكلات من جذورها هو إحياء مراقبة الله ، نعم مراقبة الله تفضي إلى إتقان العمل وزيادة معدلات الإنتاج ، وتقضى على دواعي التسيب وأسباب الإهمال ومأرب الفساد ، أما القوانين والتنظيمات البشرية فلن تأتي على التسيب والإهمال والغش من جذوره ، لأنها لا يمكن أن توفر لكل موظف رقيبا ، وكل معلم مديرا ، وكل تاجر أمينا ولكل قائد عربه رجل أمن ، ولكن منهج الإسلام يغرس في قلب كل مسلم وازعا داخليا وضميرا يقظا ومراقبة حية ، تجعله يراقب خالقة ظاهرا وباطنا في الخلوات والجلوات ، هذه المراقبة لن تزرع بين عشية وضحاها ، إنها تتطلب قدرة ، وتربية وتنمية ، يقوم على ترسيخها كل راع مع رعيته ، إذا تمكن من غرس مراقبة الله فإن الجريمة سينحصر مدها وزاوية الانحراف سيطبق* اتساعها ، وسيعلم المجتمع ، لان كل فرد سيكون رقيبا على نفسه من نفسه في أسرته في مجتمعه في عمله .
عبد الهادي الطويلعي