المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكرى بالفور وقصائد الغضب..؟؟



ماجد سليمان البلوي
11-04-2013, 01:45 PM
ذكرى بالفور وقصائد الغضب..؟؟

هل هي الأحداث التي تصطبغ بحكايات الشعراء ، أم هي القصائد التي تتلون بدروب الحكاية وفي صدرها يسكن الوطن ؟؟

منذ تلك البداية صار هناك للشعر قوافل من غضب وقصائد من لهب ، منذ أن منح المحتل الأول وعدا بأوراق الحداد إلى عصابات تخنق الحلم وتذبح بيديها شمس الحقيقة .

الشعر تسمع في أناشيده لوعة ( الوعد المشؤوم ) وترى في محياه دمعة الوجع المحزون .

شعراء فلسطين استيقظت عصافير أشواقهم على صباح سرمدي مطرز بالجراح فتغنوا بالآهات وتغنت الآهات بهم !! لذا لم يكن غريبا أن نقف عند قصائدهم وهي تفيض بالأحزان وتنكأ المواجع لنقرأ في سطورها عنوانا واحدا للحقيقة المرعبة اسمها ( وعد بلفور ) ..

شاعر فلسطين الأول إبراهيم طوقان والذي ولد قبل ذلك الوعد باثني عشر عاما يعيش هذا الحدث معه حتى في مناسبات أخرى ، فتراه يقول في الطوفان الذي حل بمدينته نابلس ، متحاملا على جراحه الذاتية ومتذكرا بل ومذكرا بالوجع الذي حل بالبلاد ، يخاطب الإنجليز المستعمرين وما صاغوه من آلام وجروه على البلاد من ويلات ومصائب بهجرة اليهود إليها :

منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا فقرا وجوعا وإتعاسا وإفسادا
بفضلكم قد طغى طوفان هجرتهم وكان وعدا تلقيناه إيعادا

لكن شاعرنا يقف بصراحة أمام حادثة ( الوعد الكئيب) الذي جر الكآبة إلى فلسطين فاصطبغت به فكانت قصيدته في تلك المناسبة التي حملت ذلك الاسم يؤرخها شعرا وتعكس لنا عظم الحدث وجلال المصاب في الذكرى التي مرت عام 1929فأعلنت فلسطين الحداد :

بلفور كأسك من دم الشهداء لا ماء العنب

في هذه القصيدة التي تتكون من ثلاثة مقاطع حيث يحتوي كل مقطع منها على خمسة أبيات تطالعنا نفس الشاعر الثائرة وهو يعبر عن نفس معبأة بالغضب والانفجار في وجه الظالم منذ مطلع الأبيات ، يقذف في وجه الظالم ألفاظا ساخنة لا تقل سخونتها عن مناسبتها والجو الذي يعيشه الناس في ظلال الحدث ، وإلا فماذا نقول عن تلك الكلمات مخاطبا بلفور في البيت الخامس ( وانظر عميت ..) ؟؟

بل انظر إليه في البيت السادس يدعو أيضا على صاحب الوعد الكئيب قائلا ( عليك صاعقة السماء ..) !! ويتابع الشاعر هجومه الشعري في البيت السابع( ما أنت إلا الذئب ..) وفي البيت التاسع يذكر بالسبب الذي دعاه لهذا الهجوم متابعا حربه الشرسة ( اخسأ بوعدك ...) وهو يكررها في البيت الحادي عشر بنفس الصيغة وبمطلع البيت أيضا ، وهو قبلها يدعو على بلفور بالمصير الخالد الذي يستحقه كما جاء في البيت العاشر ( وإلى جهنم أنتما ..) .

وإذا كان طوقان يستخدم تلك الحرب اللفظية فإنه لا يألو جهدا في دعمها بحرب توعدية أخرى يحاول من خلال هذه الأساليب إعطاء الحدث حجمه وينبه إلى خطورته ويعبر عن ضمير الأمة ونبض الوطن ،فهنا يتوعد ( لا يخدعنك أنها راقت ..) ، وفي البيت الثالث ( قد وثبت إليك ..) ، أما في البيت الثاني عشر فإنه لا يأبه بالوعد إذا لم ينقضه صاحبه لأن أبناء الوطن سيكونون جاهزين لنقضه بالقوة :

لا تنقض الوعد الذي أبرمته فله نواقض

وهنا يأتي مطلع البيت الثالث عشر طبيعيا في هذا السياق المغمور بالوعيد والمدجج بالغضب :

ويل لوعد الشيخ من عزمات آساد روابض

ملف الشاعر إبراهيم طوقان

*****

أما عبد الرحيم محمود الشاعر الشهيد كما يسميه الكثيرون فإن الوعد المشؤوم يعيشه ولا يفارقه ، كيف لا ؟؟

أوليس هذا الوعد الذي ألقى بسواده على صباح فلسطين حتى ألبسها الحداد؟؟!

عبد الرحيم محمود هو أكثر من وجدت له شعرا في وعد بلفور يذكره صراحة في عنوان لقصيدته الرائية ( وعد بلفور ) في ثاني قصيدة له في الديوان ، وفي ( عيد الجامعة العربية ) تراه ينكأ جراحها لعل الأمة تصحو من غفوتها وتنتبه لوجعها ، أما للجيل الآتي فقد أبدع أسلوبا متميزا ليحفر ذلك الوعد في ذاكرة الأبناء فلا ينسونه ، بل يترك وصيته تعيش في نبض الأجيال وعلى شفة الحلم .

في قصيدة ( وعد بلفور ) يعود إلى عهد العرب قديما وعدم خضوعهم أمام تجبر الروم أو أية قوة أخرى ، ويعرج إلى العهد الحديث ووقوف العرب إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ثم غدر الحلفاء المستعمرين بالعرب – كعادتهم- ومن هنا تنطلق القصيدة معنويا .

القصيدة إذن هي جرس إنذار ينبه فيها بني قومه ويدعوهم إلى ما أثمرت عنه غراس الحلفاء الشنيعة من إعطاء فلسطين إلى اليهود وكأنها مدينة من مدن الحلفاء!!

لما قضى وطرا بفضل سيوفنا نسي اليد البيضا ولم يتذكر

وهو في خضم جرحه وألمه يذكر أنهم كانوا السبب في نجاح الحليف لأن إرادتهم وتاريخهم يشهد بهذه القوة ، وكان هذا هو الثلث الثاني في قصيدته :

رجحت موازين الحليف ومن نكن معه يرجح بالعظيم الأكثر

أما في الثلث الأخير من القصيدة فإنه عبارة عن تهديد ووعيد للمستعمر لكنه من نوع آخر غير الذي رأيناه عند إبراهيم طوقان ، فهنا التهديد لكل من تسول له نفسه أن يطمع في أراضي وثروات العرب وهو وعيد مرتبط ببني قومه وقدرتهم على الثأر من الغادرين وهذا هو محور الحدث ورسالة القصيدة الهامة:

يا ذا الحليف سيوفنا ورماحنا لم تنثلم فاعلم ولم تتكسر
بالأمس أبلت في عداك وفي غد في كل قلب غادر متحجر

أما ( عيد الجامعة العربية )فإن مطلعه الذي يتغنى بهذا العيد لا يوحي بما بعده من معان وأخبار؟؟

عيدٌ بأحناء الصدور يقامُ من وحيه الأشعار والإلهامُ

يواصل نثره للقوافي التي تحكي عن الشتات الذي كان جمعُه على يد الجامعة، إنها درر العروبة المنثورة، ومن النيل إلى المغرب إلى الشام يقر بخرافات الحدود التي تسعى لإزالتها أهداف الجامعة :

ذهبت خرافات الحدود فكلها وطنٌ لنا لو صحت الأ فهامُ

وتتكرر قافية الأحلام مع شاعرنا ثلاث مرات في ستة عشر بيتا ، لكنه يدخل صراحة بعد ذلك إلى وعد بلفور ومعاتبة الذات ولوم الأقربين قبل لوم الأعداء .

بلفور ما بلفور ماذا وعده لو لم يكن أفعالنا الإبرام
إنا بأيدينا جرحنا قلبنا وبنا إلينا جاءت الآلام

ويظل في هذا الجو المشحون بالعتاب ولوم الذات حتى يصل في الأبيات الأخيرة ليوضح النهج ويصف الحل الأمثل للأمة للخروج من هذه ( الكارثة ) :

اصهر بنارك غل عنقك ينصهر فعلى الجماجم تُركز الأعلامُ

ويمضي على هذا النفس الثائر حتى يصل في آخر بيت إلى روعتها مضمونا وجمالا وتجربة وواقعا يلخص ما يريد أن يقوله في ( عيد الجامعة العربية ):

هذي طريقك للحياة فلا تحد قد سارها من قبلك القسام

أما في قصيدته الثالثة حول الوعد المشؤوم فلقد أسماها الشاعر " أحاجي في ذكرى وعد بلفور "وقد جعلها على شكل ألغاز وأحاجي ، كان أحد طلبه يقف ليجيب عنها بعد أن أعطاه أجوبتها، وكان قد ألقاها في فندق فلسطين سنة 1947وتوزعت هذه الأحاجي في أجوبتها بين ( الإنجليز ، اليهود ، الثورة ، هيئة الأمم ، روزفلت " الرئيس الأمريكي آنذاك " ، رئيس حزب العمال البريطاني ، الزعماء الفاسدون ، صندوق الأمة ) .

وإذا كان الشاعر الشهيد قد أكثر من التعرض لوعد بلفور في شعره كما أسلفنا ، فإن ذلك لم يدخله في باب التكرار الممل للمعاني والصور والإبداعات ، بل إنه كان يعرض الموضوع في كل مرة بصورة جديدة ومعاني من زوايا متعددة بل وتجديدا في الشكل كما رأينا في قصيدة ( الأحاجي ) .

ملف الشاعر عبد الرحيم محمود

*****

الشاعر حسن البحيري يتعرض لهذا الموضوع ملخصا ذلك في عنوان القصيدة ، فالأبيات الشعرية بمعناها العام يمكن لها أن تنطبق على أي مرحلة فيها صور حية من التي ذكرها الشاعر لولا تلك الملاحظة التي أعقبت العنوان من أن أبياته تأتي على هامش وعد بلفور ليتم إسقاطها زمنيا على تلك المرحلة وتصل الأهداف المرجوة من القصيدة إلى ذهن القارئ ووجدانه خاصة وأنه يخاطب ابن القضية الذي ذاق مرارة الوعد وعاش بؤسه الكئيب .

وهو يبدأ القصيدة مستخدما من صور الطبيعة الصعبة وصفا للحال التي يعيشها وطنه وشعبه ( اربد ، هوج الرياح ، تراكم الغيم ، عكر الدجى ...) ، ثم يأتي بعدها ليهاجم الذين اتخذوا الخطابة وسيلة لتخدير الشعب :

وخطيبكم كالديك في فلق الصباح إذا تبدى
شفتاه تصطرعان بالأقوال فهو يسوق عردا
وضميره ميت فليس يهزه شعب تردى

بل إنه يعود إليهم في منتصف القصيدة وهم الذين اتقنوا الخطابة الرنانة وجعلوها أسلحة المواجهة ..يبادرهم بالسؤال عن انجازاتهم !!

يا من جهدتم بالكلام ...فأز فى الأفواه رعدا
لا يمحي جرح العروبة من فؤاد كاد يردى
بالقول نمقه اللسان ... فسال للأسماع شهدا

ثم هو يرفع الهمم ويوضح الطريق حتى للذين أدمتهم الجراح
وأتعب عيونهم البكاء..

يا أيها الباكون يجرون الدموع جوى وسهدا
ما نال ذو حق هوى بالدمع يفرق منه خدا
فالحق يؤخذ بالصفاح تؤدها الأبطال أدا
والمجد يبنيه القوي وما بنى ذو الضعف مجدا

ولا يختلف الحال في نهاية قصيدته حين يذهب إلى نداء قومه يحث هممهم ويستنهض عزائمهم رغم هذا النداء لا تغيب الصور الجمالية والموسيقى الشعرية الداخلية عن أبياته:

جدوا وشدوا واستبدوا مات شعب ما استبدا
واسترجعوا ما ضاع من أوطانكم غورا ونجدا
أولا فإن الموت من عيش الونى أهدى وأجدى

مختتما قصيدته بحكم خالصة مستخلصة من الحياة والتجارب :

والحر يأبى أن يضام ولا يطيق العيش عبدا

ملف الشاعر حسن البحيري

******

أما الحديث عن قصيدة ( يا وعد بلفور ) للشاعر يحيى برزق فلا تقل أهمية عن ما سبقها ، وإذا كان ميلاد هذا الشاعر في العام الذي قيلت فيه قصيدة إبراهيم طوقان( البلد الكئيب ) أي في عام 1929، فإن الوقوف عند هذه الأبيات يحمل أشياء يصعب أن تعبر عنه الكلمات ، فالقصيدة ومعانيها من الذي يمكن أن ندخله تحت مصطلح ( السهل الممتنع ) ويجمع بين عدد من المضامين يبين فيها من كان له دور بارز في هذا الوعد تنزف منه الحكاية مشيرة إلى تخاذل الجار ومبينة لغدر العدو و بطشه ...
فها هو يقرب صورة المعاناة في صورة قريبة للأذهان باكية مبكية :

وليس ينسى لديغ النار قسوتها فكيف ينسى الذي يحيى على النار

ويواصل نزف الوجع والحديث عن شعبه وما يلاقيه من القريب قبل الغريب ‍‍

وكل يوم له جار يصارعه فدمعه وهو في حضن الردى جاري
يبيت في حيرة الملهوف ليس يعي يشكو إلى الجار أم يشكو من الجار

إذن هذا هو فصل من فصول الحكاية يحكي فيه عن أذى الجيران الذي لحق بشعبه ‍‍ ثم يسأل عن الأمة وهل حقا قد عقمت فما من مجيب يصنع أمجادها وأخبارها من جديد ؟؟مستفزا في السامعين نخوة العروبة إن غابت عنهم حمية الدين ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟؟

إن لم تكن شرعة الإسلام دينكم واذلكم فأعيدوا مجد ذي قار ‍‍‌‍‌‍‍

وهو رغم ما يحمل في قلبه من ألم ورغم الوعد الذي أصاب بلاده وما فعل العداة بوطنه ورغم جراح صبرا وشاتيلا النازفة إلا أنه يحمل أملا بالفجر القادم :

يا وعد بلفور لكنا وإن عبثت بنا العداة وألوى كل جبار
ورغم صبرا وشاتيلا وما فعلت يد التتار بأحرار وأبكار
لا بد أن يشرق الفجر الندي على ربوعنا بين أزهار وأشجار

ولعل الشاعر يحيى برزق يعرض في ختام قصيدته التي يعرض فيها مشاهد لجزاري شعبه في صبرا وشاتيلا يكون قد عرض لمعنى جديد غير مسبوق حين يقرأ الواقع رابطا معه ذكرى الحدث في غير لبس ومقدما بين يدينا الحقيقة :

فعلموا كل بلفور وزمرته أن الأباطيل نلقيها إلى النار
وأننا أمة نأبى الخضوع وفي دماء أبنائها حرب على العار

ملف الشاعر يحيى برزق

---------------------------------
المصادر :
ديوان إبراهيم طوقان .
ديوان عبد الرحيم محمود .
شاعران من جبل النار – حسني جرار .
مخطوطة ديوان ( الكناري اللاجئ ) – يحيى برزق .
موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر ج 1 – سلمى الجيوسي .
عصافير على أغصان القلب – صفاء زيتون..
ولكم تحيات
ماجد البلوي

مسند دعيس القريد الوابصي
11-05-2013, 01:48 AM
الله يعطيك العاافيه
مواضيعك ياماجد جميله جدا
لك مني اجمل المحبه والتقدير

مشعل بن مشحن السرحاني
11-05-2013, 07:31 PM
يعطيك ألف عافية.............