المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للضرورة أحكام ..؟؟



ماجد سليمان البلوي
11-29-2013, 06:26 PM
للضرورة أحكام ..؟؟

السلام عليكم
ارجو قرائتها الى النهاية من أجمل القصص..؟

ودعت زوجتي و خرجت لأكمل رحلتي في البحث عن عمل
فشلت في الحصول عليه خلال الأشهر الستة الأخيرة.

حتى تراكمت علي الديون و صار منزلي يفتقد لأبسط مقومات
البيوت كما هو الحال في ثيابي البالية و بطون أولادي الخاوية..

عندما وصلت إلى مدخل البناء تسللت براسي ناظرا إلى الشارع
فوجدت أبو إسماعيل السمان جالسا على باب محله مع كل
من أبي عبدو الخضرجي و أبي حسن الجزار ..
وهم يتناوبون على حراسة مدخل بيتي بنظرات أسود ترقب
فريستها لكن تلك الفريسة أدمنت الهروب في غفلة منهم .

انتظرت قليلا , لكن حراستهم كانت مشددة هذه المرة
فعدت أدراجي صاعدا إلى سطح البيت و قفزت فوق الجدار
لأجد نفسي فوق سطح بيت جارنا , و نزلت من مدخلهم
إلى الشارع الواقع خلف بيتي ..

ومضيت بعدها إلى السوق متنقلا من مكان لآخر
من دكان إلى دكان , و من مكتب إلى آخر و كم تمنيت
لو أنني أحمل رخصة للقيادة كانت ستوفر لي فرصة عمل
لم توفرها تلك المكاتب و الدكاكين .

تعبت قدماي فجلست مستندا إلى جذع شجرة على طرف الرصيف
و لم تمض دقائق حتى شعرت بشيء يقع على كتفي و امتدت
إليه يداي فإذا بها فضلات عصفور كان ينظر إلي كأنه يقول لي:
لا يوجد لديك عمل هنا ...ارحل بعيدا عنا..؟

لكن عيناي قادتني إلى ورقة ملصقة على واجهة المكتب
الذي كنت أجلس أمامه و لم أصدق في البداية ما نقلته
نظاراتي السميكة إلى عقلي المتعب.كانت قد كتب على الورقة:
مطلوب متطوعين للعمل في شركة للأدوية
براتب قدره خمسة و أربعون ألف ليرة ..

تذكرت حينها كلمات جارتنا عندما كانت تقول:
إذا سقطت فضلات طير على أحدهم فإن هذا يعني
أن هناك رزق قادم إليه ..
فدخلت المكتب لتستقبلني فتاة جميلة أعطتني أوراقا ملأتها
بعد أن شرحت لها رغبتي في العمل بالوظيفة المذكورة في
الإعلان و توجهت بعدها إلى غرفة المدير بلهفة لمباشرة
عملي الجديد فرحب بي ثم بدأ الحديث بيننا:

- ما اسمك ؟
- اسمي فلان الفلاني و عمري ثلاثون عاما .
- و ماذا تعمل ؟
- أنا مدرس لغة عربية . لكنك تعرف بأن الرواتب لم تعد تكفينا
خمسة أيام في الشهر , و تراكمت علي الديون فصرت أبحث
عن عمل إضافي يساعدني في تلبية متطلبات زوجتي و أولادي..؟

- و هل تعرف ما هو العمل الذي سنوفره لك ؟
- لا يهم , فأنا مستعد للقيام بأي عمل .
- حسنا . سأشرح لك عملك , و يجب عليك أن تفكر مليا قبل
الموافقة و التوقيع على العقد النهائي بيننا .

- أنا مستعد للتوقيع على بياض .
- اسمع أولا ثم قرر. نحن هنا نعمل في شركة للأدوية
و قبل طرح منتجاتنا في الأسواق يجب علينا التأكد من سلامتها
و عدم وجود تأثيرات جانبية مزعجة للمرضى , لذا نحن نقوم
بتجربتها لمدة محددة على بعض المتطوعين الذين ستكون بينهم..

- و الراتب ؟
- أمر الراتب بسيط , ستحصل على ثلث الراتب عند توقيع العقد
و الثلث الثاني سيقسم على أيام الشهر , خمسمائة ليرة يوميا
و الثلث الأخير في نهاية الشهر بعد الانتهاء من التجربة..؟

- أنا موافق .
- إذا تعال و وقع على عقدك , لكن هناك شيء يجب أن تعرفه
قد تحصل معك أعراض مرافقة لاستعمال هذا الدواء أو تأثيرات
مزعجة يجب عليك إخبارنا بها , و حينها سنقرر إيقاف الاختبار
و لن تحصل على باقي المبلغ , لأن الحصول عليه يتوقف
على إنهائك الشهر كاملا دون ظهور تأثيرات..

- أنا موافق .
وقعت على العقد و استلمت ثلث المبلغ المتفق عليه
و كان يعادك ما أتقاضاه في عملي لمدة شهرين .
و توجهت بعدها إلى غرفة قام فيها أحد الأطباء بفحصي
وثم أتى طبيب أخر و دخل القاعة و مر على الغرف الأخرى
حتى وصل الدور إلى غرفتي حيث أعطتني ممرضة كانت
معه حبة دواء و أخذت مني عينة دم ثم طلبوا مني الذهاب
و العودة غدا في نفس الموعد لأخذ جرعة جديدة مع العلم
بأن الجرعة ستزداد تدريجيا حتى تصل إلى أربع حبات يوميا
في نهاية الشهر , و أكد الطبيب على إخباره بأي عرض
غريب يصيبني خلال هذه الفترة .

غمرتني سعادة كبيرة و أنا في طريقي إلى البيت
و لم أستغرق وقتا طويلا للوصول هذه المرة لأنني ركبت
في أول سيارة أجرة أصادفها , فالجيب لم يعد كما كان
بل تكاد النقود تطير من زواياه ..؟

طلبت من السائق الوقوف أمام محل أبو إسماعيل السمان
الذي كاد يهجم علي عندما رآني لولا إخراجي النقود
من جيبي لتتحول أنظاره إليها , فأعطيته الدين الذي
كان له عندي و اشتريت علبة سمن و علبة من الزيت
و كيسا من الشاي و كيسا من السكر و عيناه
قد أصابهما الجحوظ كمن رأى جنيا ..؟

مررت بعدها على الجزار و الخضرجي و أعطيتهم ما كان
يجعلهم يقضون يومهم في حراسة مدخل بيتي
و اشتريت بعدها بعض اللحم و الخضار و اتجهت مختالا
في الحارة و الثلاثة يرقبونني من بعيد ..؟

استقبلتني زوجتي بخيبة تلبس تقاسيم وجهها
كما هي العادة لكن منظر الأكياس المحمولة في يدي
حول الخيبة إلى دهشة مغلفة بابتسامة كدت أنسى آخر
مرة استقبلتني بها . أدركت حينها أنها تبحث عن تفسير
لما تراه فبادرت بقولي:

- لقد فتحت لي طاقة القدر , تعرفت على شخص طلب
مني إعطاء دروس خاصة لأولاده , و ما ترينه اليوم
هو ما اشتريته من الدفعة الأولى من اتفاقنا فقط ..؟

دبت الحياة في البيت فأحسست بريقا غريبا في
عيون أولادي , و لم أرى زوجتي بهذا الجمال من قبل
و كاد صبري ينفذ حتى حل الظلام و نام الأولاد وقضينا
تلك الليلة تحت ضوء الشموع بعد أن أطفأت زوجتي الأنوار..

واظبت بعدها على عملي الجديد , فكنت أنهض بنشاط
في صباح كل يوم لأتجه إلى الشركة حيث أنتظر دوري لأخذ
خمسمائة ليرة مقابل تناول حبة دواء و كمية قليلة من الدم
يأخذونها مني مثل باقي المتطوعين في الغرف الأخرى
و أعود إلى البيت محملا بكل شيء يسعد زوجتي و أولادي
فتغيرت الحياة , فصار شروق الشمس أجمل و غروبها أيضا
و نسمات الهواء صارت تتمايل بخجل حين تداعب أنفى
وكان الظلام يبدو كأنه لبس نورا غريبا ..؟

كان الطبيب يسألني كل يوم عما أحس به من أعراض
لكنني لم أكن أشعر بشيء حتى مرت عشرة أيام
حيث بدأت أشعر بصداع بسيط كان يزداد تدريجيا لدرجة
أنني لم أستطع النوم في اليوم الخامس عشر ..؟
توجهت حينها لإخبار الطبيب بما حدث معي لكنني غيرت
رأيي و قررت الاحتفاظ بهذا السر و أخذت جرعتي اليومية
وعدت إلى البيت رغم أن إلحاحهم في السؤال
كان يزداد يوما تلو الآخر ..؟

اختفى الصداع بعد يومين و ظهر مكانه تعب في عضلات
جسمي كلها مع نوبات من القيء و الإسهال لم تنقص
رغبتي في إكمال ما قد بدأته ..
فكنت أجر قدمي في طريقي لأرى استقبال أهل الحي
ببسمة على محياهم و كنت قد أصلحت العلاقة مع
بعض الأصدقاء بعد سداد جزء من ديونهم..؟

فكرت مطولا , لكني كنت مترددا خوفا من قطع أجرتي اليومية
و عدم إعطائي الدفعة المتبقية في نهاية الشهر..؟
وخوفا من عودة أبو إسماعيل و أبو عبدو و أبو حسن إلى
نوبات حراستهم و ترقبهم لي على مدخل الحارة..
وكان ذلك أهم سبب لرفضي الإفصاح عما يحدث لي..؟

زاد الطبيب من أسئلته و استفساراته و هو يرغب في سماع
شيء جديد من جسدي المتعب و كان يكرر طلبه في كل مرة
غير أنني لم أكن أسمعه ما كان يريد , و في اليوم الأخير
دخلت الممرضة إلى الغرفة المجاورة ولم تستغرق وقتا طويلا
مثل كل مرة ليأتي دوري و تمد إلي أقراص الدواء..
فتناولتها و ملأت الممرضة الأنبوب بما تبقى من
دم في أوردتي التي كاد يصيبها الجفاف..؟
واقترب الطبيب مني بعد أن مر على الغرفة المجاورة وهو يقول:

- هذا مستحيل , لا تقل لي بأنك لا تشعر بشيء .
- أنتم تأخذون مني عينة دم يوميا و بإمكانكم فحصها لتروا إن كان هناك شيئا غريبا.
- المشكلة تكمن في كون كل فحوصاتك طبيعية..؟

- إذا غدا موعدنا
قلت جملتي الأخيرة مبتسما و خرجت عائدا إلى البيت
فرحا بانتهاء أطول شهر و أصعب شهر و أجمل شهر مر علي
و أنا أحلم بيوم الغد لأقبض باقي المبلغ المتبقي لي
ثم أبدأ تجربة دواء جديد وشهر جديد وديون جديدة سأتخلص منها..؟

تعودت في أيامي الأخيرة على تلك الآلام المبعثرة في عضلاتي
الواهنة ولم يعد الإسهال يقلقني ولم يزرني القيء إلا مرة واحدة
في اليومين الأخيرين فأمضيت ليلتي الأخيرة بهدوء وأنا أقوم حساباتي
المستقبلية و أنا أقسم المبلغ الذي سأتقاضاه على الدائنين..؟

ذهبت إلى الشركة و النشاط يملأ جسمي و استلمت
المبلغ المتبقي من محاسب الشركة الذي طلب مني التوجه
للقاء الطبيب , و عندما وصلت إليه رحب بي و هو يمعن النظر
في عضلاتي المفتولة وطلب مني الاستمرار في العمل لديهم
ولم أتردد في الموافقة لأنني كنت لازلت في حاجة لبعض المال..؟
لكن الطبيب قاطع تفكيري قائلا:

- لن يكون عملك كما كان في الشهر السابق
- و ما هو عملي ؟
- هل تذكر تلك الغرف المجاورة للغرفة التي كنت تتناول الدواء فيها ؟
- نعم , أظنها كانت لمتطوعين آخرين
- نعم , لكن لم يكونوا متطوعين مثلك .
- كيف ذلك ؟ ليسوا مثلي ؟ اشرح لي ذلك .

- في الغرفة الأولى كنا نعطي نفس الجرعة التي كنت تتناولها لفأر
لكنه لم يبق على قيد الحياة أكثر من يومين..؟
وفي الغرفة الأخرى ماتت الدجاجة بعد أسبوع ..؟
أما الكلب في الغرفة الثالثة فمات بعد عشرين يومآ..؟
ومات الحمار الذي وضعناه في الغرفة الأخيرة
بعد خمسة وعشرين يومآ..؟

- حمار ..!!!
- نعم حمار, لذلك تود شركتنا التعاقد معك بضعف راتبك
السابق لمعرفة أسرار تركيبك البنيوي الذي جعلك
تتحمل جرعة لم يتحملها ذاك الحمار..؟
فضحكت في سري و أنا أفكر في الثروة
التي سأجنيها وأنا أقول:
وداوها بالتي كانت هي الداء..؟؟
ولكم تحيات
ماجد البلوي

مسند دعيس القريد الوابصي
11-30-2013, 07:21 AM
قصه جميله جدا
الله يعطيك العافيه

مضالي وقت
12-02-2013, 05:51 PM
رائعه القصه جميله الله يسامحك ياماجد بكيتن :bka: :bka:

ريحانه الشمال
12-13-2013, 02:00 PM
قصة جميلة ومؤثرة جداً ومؤلمة رغم بداية الإنسانية ألأ انها أنتهت بوحشية مؤلمة
ذلك أذا أخذنا بالإعتبار جميع الرموز ك العملة مثلاً وكونه مدرس لغة عربية وفي نفس الوقت عاطل
أخذتني للوضع في الشام بوجه عام والشبيحة والله أعلم شكراً لك
الله عليك