المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من تاريخ جبل طارق..؟؟



ماجد سليمان البلوي
03-19-2014, 06:56 PM
من تاريخ جبل طارق..؟؟

السلام عليكم
ان الحوار بين عالم الاسلام وعالم المسيحية لا بد ان يبدأ من خلال تركيز الانتباه على جبل طارق. ومعروف انه عبارة عن شبه جزيرة صخرية واقعة في طرف اسبانيا الجنوبية. وقد عرفت قديماً باسم «عواميد هرقل».
وتبلغ مساحتها 4 آلاف و900 كيلومتر مربع. وأما ارتفاع الجبل فيصل الى 425 متراً. وهي اليوم من ممتلكات بريطانيا وقاعدة عسكرية كبيرة.

وقد سماه العرب جبل طارق بعد ان اجتاز طارق بن زياد المضيق عند فتح الاندلس عام 711م، وسمي أيضاً جبل الفتح، ثم استرده الاسبان عام 1462، ولكن الانجليز انتزعوه منهم عام 1704، ولايزال في أيديهم حتى الآن، بدعوى ان الاسبان غير اهلين ان يحموا اوروبا من الفتوحات مرة ثانية،وان كان من المتوقع ان يرده الاسبان في فترة ليست بعيدة.

و في مضيق جبل طارق تتداخل القرون، وتتصادم الاحداث، ويتكرر التاريخ، فهذه الحدود غير واضحة المعالم والتي تفصل بين اوروبا وافريقيا تشكل احدى النقاط الأكثر أهمية في كوكبنا الأرضي، انها صغيرة بحجمها ولكنها كبيرة بفعلها، بأهميتها التاريخية، وأهمية الأحداث التي حصلت فيها منذ أقدم العصور وحتى اليوم..

انه مكان اسطوري بكل ما للكلمة من معنى، اسطوري بالنسبة للعرب، واسطوري بالنسبة للأسبان، ألم يقل طارق بن زياد هنا لجنوده:
البحر من ورائكم والعدو من أمامكم؟
ألا تزال هذه العبارة ترن بأصدائها في وعي كل مسلم وكل عربي؟
ألا تذكره بفتح الاندلس؟

من يستطيع ان ينسى تلك اللحظة التاريخية؟
إن جبل طارق يشكل نقطة مفصلية حساسة جداً تفصل بين الشمال والجنوب، بين المغرب العربي الكبير واوروبا، ألا نسمع في الاخبار الاذاعية والتلفزيونية من وقت الى آخر ان المغرب واسبانيا يتنازعان على الحدود،
على سبتة ومليلة وبعض الجزر الاخرى؟

ألا نسمع عن قوارب الموت التي تنقل المهاجرين من المغرب الى اسبانيا بحثاً عن لقمة العيش والذين قد يغرقون في عرض البحر وربما بالقرب من جبل طارق؟ انهم يغامرون بأنفسهم وحياتهم من أجل الوصول الى الضفة الأخرى.. الى «جنة اوروبا».

بهذا المعنى يمكن القول بأن جبل طارق يكثّف في شخصه كل التوترات والصراعات التي جرت على مدار التاريخ بين الاسلام والغرب، بين المغرب الاسلامي وأوروبا المسيحية، ولهذا السبب يمكن القول بأن جبل طارق يقع على مفترق الطرق بين القارتين الافريقية والاوروبية، وبين العالمين الاسلامي والمسيحي.

لابد ان ندرس ماضي هذا الجبل منذ أقدم العصور وحتى الآن من أجل الماضي فقط، وإنما نحاول ان نفهم أحداث الحاضر الراهن على ضوء الماضي البعيد. وهنا تكمن احدى الفوائد الاساسية لكتب التاريخ وعلم التاريخ والحضارة.

كانت اسبانيا قد فقدت جبل طارق لصالح بريطانيا عام 1704، وكانت المملكة المغربية قد فقدت سبتة ومليلة لصالح الاسبان عام 1415، ولايزال كل من البلدين يحن الى استرجاع ما فقده من أراض وممتلكات.

لكن جبل طارق لا يمتلك فقط قيمة تاريخية وإنما ايضاً قيمة فعلية حالية. هل نعلم مثلاً ان سدس التجارة البحرية العالمية تمر خلاله؟ هل نعلم ان ثلث التجارة البترولية تمر من خلاله ايضاً؟ ليس غريباً إذن ان تكون انجلترا متشبثة به حتى هذه اللحظة على الرغم من انه بعيد جداً عن شواطئها ولا ينتمي اليها جغرافياً بأي حال من الأحوال، ولكنها استولت عليه عندما كانت القوة العظمى في العالم وبخاصة من حيث ضخامة اسطولها البحري.

نلاحظ ان الباحثين يسردون تاريخ جبل طارق منذ أقدم العصور، أي منذ أيام هرقل والرومان، وحتى الآن. ولكنهم لم يتوقف احد بالطبع مطولاً عند طارق بن زياد والقفزة الى الضفة الاخرى.

هكذا نرى طارق يهجم على الضفة الغربية من المتوسط ويحقق انتصارات رائعة، وذلك بمساعدة الكونت جوليان الذي كانت ابنته قد اغتصبت من قبل ملك اسبانيا. ثم حصلت بعدئذ هجمات فاتحة على جنوب فرنسا انطلاقا من الاندلس.. وبعدئذ تأسست في قرطبة خلافة عربية ـ اسلامية غنية، مزدهرة، ومتحضرة جداً ومثقفة جداً ايضاً. وقد استمرت مدة 257 سنة، والقنال أو بالأحرى المضيق الذي عبره الجنود والعلماء والتجار كان يدعى عندئذ مضيق الاندلس.

كانت اشبيلية قد أصحبت مهيمنة فيما يخص الشعر، الطب والرياضيات. وأما طليطلة فقد اختصت بالعلوم والفلك، وكانت تمتلك مدرسة في الترجمة قلّ نظيرها. وهناك مدينة اخرى كانت مختصة بعلم المثلثات الذي برع فيه ابن معاذ. ومعروف انه كان سابقاً لعصره في هذا المجال بمدة قرنين على الأقل.

وفي مدينة اخرى أسس «مجاهد» جامعة لتفسير القرآن الكريم، وراح تأثيرها يعم لكي يشمل شتى انحاء العالم الاسلامي، وأما ابن رشيق فقد أسس مركزاً ثقافياً استقبل ابن حزم (944 ـ 1064) فيمن استقبلهم..ومعلوم ان ابن حزم استطاع ان يتغلب على شكوكيته وارتيابيته عن طريق تأليف كتاب جميل عن الحب يدعى «طوق الحمامة».

واما ابن الطفيل فكان طبيباً وسكرتيراً لحاكم اقليم غرناطة، ثم اقليم سبتة وطنجة، وهو مؤلف الرواية الفلسفية الشهيرة باسم «حي بن يقظان». ومعلوم انها أثرت على الكاتب الفرنسي دانييل دوفو عندما كتب روايته التي لا تقل شهرة «روبنسون كروزو».

في كل مكان من الاندلس كانت هناك نهضة للآداب والموسيقى والشعر والتاريخ، بل وحتى الهجاء السياسي. في كل مدينة أو مركز ثقافي كانوا يكتشفون مخترعات عملية، تطبيقية تفيد الحياة اليومية. فقد اكتشفوا تقنيات الري من أجل اخصاب الأراضي الزراعية. كما أوشكوا على اكتشاف الحساب التفاضلي، أو حساب اللا نهائي ـ الصفر الذي اكتشفه نيوتن ولا يبنتز فيما بعد، واكتشفوا ايضاً طريقة الترقيم انطلاقا من الصفر.

كما أسسوا المشافي النفسية من أجل المجانين أو المرضى العقليين، وكذلك المراصد الفلكية من أجل مراقبة حركة الكواكب في السماء. وهذا دليل على ان علم الفلك كان متطوراً عندهم. وكانوا يصنعون الساعات، ويبنون الحدائق النباتية، وحدائق الحيوانات، هذا بالاضافة الى أشياء عديدة اخرى.

ويمكن القول بأن الاندلس كانت المنطقة الأكثر خصوبة وازدهاراً في كل العالم الاسلامي. ويعود الفضل في ذلك الى جهد سكانها وحبهم للعمل والتنظيم والاكتشاف..؟
ولكم تحيات
ماجد البلوي