المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثقب الأسود



ابراهيم بن علي العثماني
06-04-2003, 04:26 PM
الثقب الأسود..!

سئل سمو ولي العهد, يوماً, عن ''خريطة الطريق'', رد مستفهماً: أين الطريق..,? لم يكن هناك أبلغ من هذا الجواب الاستفهامي لقضية غامضة, مثل مسألة ''خريطة الطريق''. سمو الأمير عبد الله, هنا, لم يكن متهكماً, بقدر ما كان يعكس في جملة بليغة, في مغزاها ومعناها السياسي, مكونة من كلمتين جامعتين, قلقه على مصير السلام من أعداء السلام .

المسألة ليس التوصل إلى اتفاق, أي اتفاق, لحل المسألة الإسرائيلية الفلسطينية, بخريطة الطريق أو غيرها... المسألة هنا تتعلق بالسلام, في أرض الرسالات, والعالم. القضية: أن هناك أعداء للسلام في المنطقة والعالم, يريدون اختطاف السلام, نفسه, في الوقت الذي لا يتوفر لمحبي السلام في المنطقة والعالم, الإرادة للدفاع عن قضية السلام.

أخيراً جاءت ما يُطلق عليها ''خريطة الطريق'', في شكل يراعي جماعية التصدي لمعضلة السلام في المنطقة. الا انه في الحقيقة مسألة, برمتها, بيد الولايات المتحدة.

حتى الولايات المتحدة, إلى الآن لم تعكس إرادة حاسمة للانتصار للسلام, أو محاولة تسخير وضعها الدولي المتميز في النظام الدولي, لتنفيذ ما جاءت به خريطة الطريق, رغم تواضعه. في المقابل نجد موقف الولايات المتحدة, من الخريطة, يتوقف على شرط تعليقي بموافقة الأطراف المعنية بها, خصوصاً إسرائيل. رغم الثقوب الموجودة في الخريطة, التي تجعل من المشروع مثل الجبن السويسري الذي فيه من الثقوب أكثر مما فيه من الجبن, فإن إسرائيل تراهن على اتساع هذه الثقوب, لتأتي على بقية الجبن.. وواشنطن تتفهم ذلك, وتقدره.

مثل ما هو حال العرب في إدارتهم لحركة صراعهم مع إسرائيل, يبدو عليهم الإعياء من مواصلة حركة الصراع, كالغريق الذي يتطلع إلى قشة يتعلق بها, لتحميه من الغرق. ولكن, هذه القشة, تبدو بعيدة عن متناول يد العرب, الوصول إليها يحتاج إلى المزيد من السباحة

(التنازلات) في بحر عاصف تبعد أمواجه المتلاطمة يد العرب من الوصول إلى هذه القشة, كلما حاولوا الإمساك بها.

المسألة لم تعد قيام الدولة الفلسطينية, ولا على أي جزء من الأرض في فلسطين أو غيرها. المسألة هل يرضى العرب بإسرائيل القوية المهيمنة: لا يسألون عن القدس.. ولا يطالبون بعودة ما بقي محتلاً من الأرض.. ويقنعون الفلسطينيين بالتنازل عن حق العودة للاجئين.. ولا يثيرون مسألة سلاح الدمار الشامل.. وأن يرضوا بعرض أمريكا لمنطقة التجارة الحرة, بأن تفتح أسواقهم أولاً لإسرائيل وعليها.. وأن يتخلصوا من أية مشاريع تكاملية أو تنسيق سياسي, بين بعضهم البعض, خارج مشاركة إسرائيل.. وأن لا يفكروا في احتمال الأمن الجماعي لهم في مواجهة الهيمنة الإقليمية لإسرائيل.

إنه طريق مظلم الذي تحاول رسمه ''خريطة الطريق'' بدون توفر إرادة فعلية لفرضها على الأطراف المخاطبين بها, كما هي انتصاراً للسلام... للتتحول إلى مشروع لفرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة, بدعم ومساندة أمريكا, ليدخل النظام العربي ومحبي السلام في العالم, إلى ثقب أسود سحيق يجذب ويسحق حتى بصيص الأمل لإقامة سلام حقيقي في أرض الرسالات, والعالم. لعل هذا المصير المظلم (المحتمل) للسلام, الذي يلوح في الأفق, هو الذي جعل سمو ولي العهد, يتبصر مشروع مؤامرة ملتوية وغير سوية, من أعداء السلام لاختطاف قطار السلام, ولتتوه مسيرة التاريخ, عن جادتها الصحيحة... عندما تساءل عن أي طريق تتحدث ''خريطة الطريق''.