المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البكاء من خشية الله... الوسيلة المثلى لتربية القلب



نواف النجيدي
12-25-2005, 02:17 PM
البكاء من خشية الله... الوسيلة المثلى لتربية القلب
15/11/1426هـ







</FONT>

يتسارع وقع خطى الأيام وتتسابق لحظات المرء نحو ساعات يشبه بعضها بعضا.. وتشتد غفلة الإنسان مع متطلبات شئونه الحياتية.. فلا يفيق إلا بعد ما طويت مراحل من عمره مهمة.. فيندم عندئذ ندما كبيرا.. ويتمنى أن لو أيقظه موقظ أو صرخ في وجهه ناصح..
وهذا في الواقع يحصل لكل أحد، فلا أحد ينجو من الغفلة، ولا أحد يهرب من التأثر بدوامة الحياة..

ولكن ثمة لحظات صدق تائبة، ونوبات خشوع صادقة تتلمس شغاف القلب المنيب إلى ربه.. يحاسب فيها نفسه.. ويجدد فيها العهد.. وعندها تثور ثائرة مشاعره الصادقة التائبة.. وتغرورق عيناه بدموع إيمان.. فيكون بكاؤه عندئذ أشبه ما يكون بغيث السماء الذي يرسله الله سبحانه على جدباء الأرض فيحييها وينبت فيها الحياة من جديد..

القرآن والسنة يحثان على البكاء:
قال الله _تعالى_: "وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً" (الاسراء:109).
وعن أبي أمامة _رضي الله عنه_ قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: " ليس شيء أحب إلى الله _تعالى_ من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله وقطرة تهرق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله _تعالى_ " أخرجه الترمذي.


ولكن ثمة لحظات صدق تائبة، ونوبات خشوع صادقة تتلمس شغاف القلب المنيب إلى ربه.. يحاسب فيها نفسه.. ويجدد فيها العهد.. وعندها تثور ثائرة مشاعره الصادقة التائبة.. وتغرورق عيناه بدموع إيمان وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله _تعالى_ حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم " أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم " ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " متفق عليه.

البكاء سمت الصالحين:
عن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ موعظة سالت منها العيون ووجلت منها القلوب..." أخرجه أحمد والترمذي
وكان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى فيقال له: ما يبكيك؟ فيقول: لا أدري ماذا صعد اليوم من عملي!
وقال ثابت البناني: كنا نتبع الجنازة فما نرى إلا متقنعا باكيا أو متقنعا متفكرا
وقال كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهبا




وقال قتادة: كان العلاء بن زياد إذا أراد أن يقرأ القرآن ليعظ الناس بكى، وإذا أوصى أجهش بالبكاء..
وقال الذهبي: كان ابن المنكدر إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع..
وعن يحيى بن بكير سألت الحسن بن صالح أن يصف لنا غسل الميت فما قدرت عليه من البكاء.
وعن محمد بن المبارك قال كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى..
وقال معاوية بن قرة: من يدلني على رجل بكاء بالليل بسام بالنهار؟
وقال بكر بن عبد الله المزني: " من مثلك يا ابن آدم خلي بينك وبين المحراب، تدخل منه إذا شئت وتناجي ربك، ليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان، إنما طيب المؤمن الماء المالح هذه الدموع فأين من يتطيبون بها؟

من مثيرات البكاء من خشية الله:
1- الخلوة الصالحة في أوقات إجابة الدعاء: فالخلوة الصالحة هي خليلة الصالحين والعبّاد وكل قلب يفتقر إلى خلوة، وأنا هنا أنعتها بالصالحة وهي الخلوة التي يقصدها المرء بنية التعبد لله والخلوص له _سبحانه وتعالى_ قال الله _سبحانه_: " واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ".. وهذه الخلوة الصالحة يكون فيها التدبر في شأن الإنسان وحاله مع ربه، ويكون فيها محاسبة المرء لنفسه، ويكون فيها استدعاء تاريخ حياة كل واحد مع نفسه وفقط، وتكون فيها المصارحة والمكاشفة بين كل امرئ وقلبه، فيعرف مقامه وتقصيره وكم هو مذنب مقصر خطاء.. وعندها يسارع إلى الاستغفار والبكاء من خشيته _سبحانه_..



2- الإنصات والتدبر للتذكرة والموعظة: فكم من كلمة طيبة كانت سببا في تغيير حياة إنسان من الغفلة إلى الاستقامة، وقد حذر العلماء من إغفال التذكرة وعدم التأثر بها، فقال إبراهيم ابن أدهم: علامة سواد القلوب ثلاث..ذكر منها: أن لا يجد المرء في التذكرة مألما!..وكان الحسن إذا سمع القرآن قال:والله لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا حزن وذبل وإلا نصب وإلا ذاب وإلا تعب، وقال ذر لأبيه عمر بن ذر الهمداني: ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد فإذا تكلمت أنت يا أبت سمعت البكاء من ههنا وههنا؟ فقال: يا ولدي ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة...

3- محاسبة الجوارح ومخاطبتها..فعن أحمد بن إبراهيم قال: نظر يونس ابن عبيد إلى قدميه عند موته فبكى وقال: قدماي لم تغبرا في سبيل الله!، فهذه إذن حسرات الصالحين، حسرة يوم يذكر طاعة لم يتمها، وحسرة يوم يذكر خيرا لم يشارك فيه، وحسرة يوم يمر عليه وقت لا يذكر الله _تعالى_ فيه، والحق إن في الحديث إلى الجوارح لاسترجاع لواقع المرء الحقيقي الذي غاب عنه، فينظر إلى كل جارحة من جوارحه ويخاطبها: كم من ذنب شاركت فيه؟ وكم من طاعة قصرت عنها؟ وكم من توبة تمنعت عنها؟ وكم من استغفار غفلت عنه؟..ويذكر قول الله _تعالى_: " حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يكسبون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء..." الآيات فصلت.



البكاء والإخلاص:
تساؤل يثار كثيرا حول الموقف من البكاء أمام الناس وفي حضرتهم رغم ما يمكن أن يكتنف هذا من التماس ببعض شبهات المراءاة للناس وتصوير النفس بالخشوع والتقوى، فكثير من الناس يمتنعون عن ذلك البكاء ولا يبدونه مهما كانت الأحوال مخافة الاتهام بالرياء أو مخافة مداخلة النفس العجب، وعلى جانب آخر يرى البعض أن البكاء في المجالس وفى المواعظ شيء طبيعي لأصحاب القلوب الرقيقة لا يمكن إنكاره أو اتهام صاحبه بسوء نية، فما هو الموقف الصائب إذن؟..

الناظر إلى أحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تابعهم ونهج نهجهم من علماء الأمة ليرى بوضوح أن البكاء كان سمة مميزة لهم – كما سبق وبينا فيما سبق من آثار – بل أكثر من ذلك.. إن بعضهم كان ربما يظل طوال درس العلم الذي يلقيه يظل يبكي حتى ينتهي، فيروي الإمام الذهبي عن أبي هارون قال: كان عون يحدثنا ولحيته ترتش بالدموع، وقال جعفر بن سليمان: كنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أنه وجه ثكلى.. إلى غير ذلك من الآثار المتكاثرة.



ولكن هناك أيضا من الآثار ما حض على إخفاء ذلك البكاء وجعله في الخلوة ومنفردا فقط: فعن محمد بن زيد قال " رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكى في سجوده فقال له: أنت أنت لو كان هذا في بيتك"، وقال سفيان بن عيينة: "اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك "، بل نقل الذهبي عن عمران بن خالد قال سمعت محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به.. إلى غير ذلك من الآثار.

وخلاصة القول في ذلك أن يعلم الإنسان نفسه البكاء من خشية الله وعند سماع الموعظة والذكر والتذكرة وعند محاسبته لنفسه أو غير ذلك، والأصل في البكاء أن يكون في الوحدة ومنفردا وفي الخلوات، ولكن إذا كان المرء بين الناس وغلبه البكاء فلا شيء في ذلك أبدا إذا اطمأن من نفسه الصدق والإخلاص، بل إن ذلك كان حال الصالحين.

نصائح تربوية تطبيقية حول البكاء..:
1- تهيئة البيئة التربوية الإيمانية هام في تربية المرء على رقة القلب واستشعار الخشوع واعتياد العين على البكاء، فلم يكن الصالحون يصلون إلى هذه الدرجة العالية من البكاء من خشية الله لولا أن هناك بيئة إيمانية تربوا عليها وفيها أعانتهم على ذلك وتلك البيئة لها أكبر الأثر في التشجيع على الأعمال الصالحة والتربي عليها، والمربون الذين يهملون تهيئة تلك البيئة أو يتناسون أثرها هم مخطئون ولاشك، يروي ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز بكى ذات ليلة، فبكت فاطمة زوجته، فبكى أهل الدار لا يدري أولئك ما أبكى هؤلاء فلما تجلت عنهم العبرة سألوه ما أبكاك؟ فقال: ذكرت منصرف القوم بين يدي الله فريق في الجمة وفريق في السعير، فمازالوا يبكون!



2- أثر القدوة هام جدا في التربية على تلك العبادة الصالحة فقد كان البكاؤون السابقون يجدون القدوة الصالحة في ذلك من معلميهم ومربيهم فكانوا يتشبهون بهم إلى أن يصير العمل الصالح عندهم أساسا وأصلا، أما أن يبح صوت خطيب أو معلم يعظ الناس في البكاء والناس لم يروا عليه أبدا أثرا للبكاء فلا أثر لنصحه أبداً.

3- يجب ألا يكون بكاء المرء على شيء من الدنيا فات أو صاحب فقد أو مصيبة حدثت فذلك بكاء الدنيا وإنما مقصودنا هو بكاء الخشية من الله، وهو أن يكون باعث البكاء دائما هو خشية الله سبحانه وتوقيره والتقصير في حقه تعالى وكثرة ذنوب العبد وخوف العاقبة، وقد كانت أسباب بكاء الصالحين السابقين تدور حول: تذكر ذنبهم وسيئاتهم وآثار ذلك، أو التفكر في تقصيرهم تجاه ربهم سبحانه وما وراء ذلك، أو الخوف من عذاب الله سبحانه وسوء الخاتمة أو الخوف من ألا تقبل أعمالهم الصالحة، أو الخوف من الموت قبل الاستعداد له أو الشوق إلى الله _سبحانه_ ومحبته، أو خوف الفتن ورجاء الثبات على دينهم أو رجاء قبول الدعاء.

ناصر عياد الوابصي
12-25-2005, 03:01 PM
الزاد

لقد زاد المنتدى بالمواضيع المتميزة والرائعة

سلمت يمينك على الطرح الرائع

وجزاك الباري خيرا الجزاء ووفقك لما يحبه ويرضاه

تحياتي
ناصر ابن طليحه

ابو باسل العرادي
12-25-2005, 04:20 PM
اخي الحبيب الزاد

اسال الله ان ينور قلبك

مواضيع جميله وهادفه وفي الصميم

وفقك الله

نواف النجيدي
12-25-2005, 05:36 PM
بارك الله فيك وجزيتي خير الجزاء وبارك الله فيكم أخي أبو باسل العرادي وأخي العزيز ابن طليحه ناصر ولكم حالص مودتي واحتراميــــ








أخوكم الزاد

محمود الجذلي
12-25-2005, 06:03 PM
الزاد..

زاد الله من واسع علمة ..ورزقك من واسع فضلة..

وجزاك الله خيراً ..ورفع الله قدرك..

وتقبل خالص مودتي وتقديري..

محبك..

محمود الجذلي

نواف النجيدي
12-25-2005, 06:31 PM
بارك الله فيك أخي محمود الجذلي ولك خالص مودتي وأحترامي والله الموفق أخوك الزاد

أحمد بن حمودالعرادي
12-26-2005, 09:26 PM
الاخ الحبيب والغالي / الزاد
اسال الله العزيز ان تكون عناك من العينان التي لا تمسهما النار
( عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله )
وهذه هديتي لكم
http://www.islamcvoice.com/mas/open.php?cat=175&book=1695

نواف النجيدي
12-27-2005, 02:02 AM
بارك الله فيك
أخي الحبيب ولك
خالص مودتي
ولك تحياتي وتقديري





















اخوك الزاد