المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة حقيقية من حوران ( عرس فهيدي )..؟؟



ماجد سليمان البلوي
06-07-2016, 02:05 AM
قصة حقيقية من حوران ( عرس فهيدي )..؟؟

السلام عليكم
"فهيدي" صاحبة هذا العرس هي فتاة من حوران خطفها أحمد الجوفي من منطقة الجوف بالسعودية عام 1876م واستجار بالوجيه الفلاحي " سليمان العلي نصر " وبعشيرته في الدويري وطعارة كي يتوسطوا له مع أهلها الذين رفضوا الاستجابة لوساطات الكثيرين من مشايخ حوران .

وكان قد سمع عن تقاليد منطقة حوران وعن العلاقات المتينة بين السهل
والجبل فاتجه شرقاً متسلحاً بهذين البيتين من الشعر :

جبل حوران يا معذي الدخيلين للحر والملهوف أنت المنارة
فيك الكرامة والعدل فيك تأمين واللي يريد العز ينحر طعارة [1]

وحسب العادات العشائرية المتبعة في البلاد, فقد سعى له المذكورون أولاً بالصلح لكن أمراً غير متوقع حدث فقلب المسعى رأساً على عقب، وتحولت نتائجه من صلح إلى شر مستطير, وقبل أن تتم المصالحة مع أهل فهيدي عمل الجوفي مصيفاً في قرية بصر الحرير المجاورة لطعارة, عند شيخها وكان بادئ الأمر يزاول عمله نهاراً, ويعود مساءً لينام آمناً في حمى مجيريه,

لكن الشيخ طلب أن يحضر كل مرابع زوجته لمساعدة نساء الشيخ في عمل وليمة غداء, فعندما شاهد الشيخ فهيدي فتن بجمالها وصمم على الزواج منها فاستدعى إمام القرية وكتب كتابها وتزوجها بالليلة نفسها على سنة الله ورسوله،

ثم طرد الجوفي من عمله وأنذره بالقتل إن حاول المطالبة بها فعاد وحيداً إلى طعارة يشكي مصابه لمجيريه " آل نصر" الذين أجابوه بأنهم غير مسؤولين عما حصل وإن حمايتهم له لا تشمل زواجها الجديد .

ورغم كل ما حدث لم يكف الجوفي عن المطالبة بزوجته محاولاً استرجاعها مما أقلق ذلك الشيخ الحريري ودفعه لتدبير مكيدة لاغتياله فأرسل له امرأة يثق بها على انها رسول سري من قبل فهيدي ليخبرها:

" إن فهيدي كارهة للشيخ ونادمة على زواجها منه فهي تريد الخلاص والعودة إليك فإذا كنت تريدها أسرع لملاقاتها بعد منتصف الليلة القادمة في المحفرة جنوب قرية بصر الحرير لتهربا سوية " وفي اليوم والساعة المحددتين أرسل الشيخ الحريري أخاه مع عدد من الرجال ليتربصوا له ويغتالوه .

صدّق الجوفي ما جاء على لسان فهيدي لكن سليمان العلي نصر خشي عليه من غدر الشيخ وهو بحمايته كدخيل فأرسل معه محمود الحسين نصر وبدوياً كان يعمل قهوجيا في مضافته ولما اقتربوا من الكمين اعتقد رجل الشيخ أنهم من رجاله فهمس لهم نحن هنا فانتبهوا للمكيدة..

وولوا هاربين لكن رجل الشيخ لحق بهم محاولاً القبض عليهم فانطلقت طلقة من جفت محمود الحسين نصر ثارت بوجه الشيخ فافقدته بصره وكانت سبباً لفتنة وقعت بين آل نصر وجيرانهم الذين أقسموا ألا يكون سداده إلا الشيخ سليمان العلي نصر بالذات فاستغلت السلطة العثمانية الموقف لتعميق الصراع وفق مبدأ فرق تسد وشجعت الشيخ ورجاله للقيام بهجمات ليلية ونهارية على آل نصر تستعمل بها الحجارة والعصي والجفوت . وهم يرددون :

هرعا فهيدي عندنا والعطر من زيقا يفوح

حاول آل نصر عدم التورط بقتال دموي مع جيرانهم وأهل بلادهم فأرسلوا لهم وساطة من أجل الصلح لكن تدخل ازلام السلطة العثمانية فاقم الخلاف بين الجبل وحوران فاستغلت الموقف لتوجيه جيوشها واضعة هدفا اخر وهو القضاء على فلاحي العامية المعارضين لحكمها..

فمنعت شيخ بصر الحرير من قبول الصلح محاولة ايقاع الحرب الأهلية مع إخوانهم من فلاحي حوران خصوصاً بعد أن وجدت السلطة التأييد من شيوخ الجبل وحوران لقهر العامية ووضع الحد لها ولهذا استعصت المشكلة عن الحل رغم بساطتها فتكررت بعدها المواجهات القتالية بين العشيرتين المتجاورتين وفي مجال الدفاع عن النفس كان الفلاحون يخرجون مرغمين لصد الهجمات وهم يحدون :

ما دام فهيدي عندكم دفانكم ما يستريح

وانتقم رجال الشيخ بيوم زفاف العرسان بقتل الناطور قاسم الجباعي الذي كان في بيت البدوي جخيشم بين القريتين ( بصر وطعاره) وهب آل نصر لصدهم عندما علموا بالخبر ولكنهم فوجئوا بإطلاق النار فقتل ثلاثة رجال آخرين..

وانتهت المواجهة المؤسفة بعدد من القتلى فوجه والي دمشق مدحت باشا على الفور جيشاً جراراً لا يقل عدده عن عشرين ألف جندي مجهزين بأحدث أنواع السلاح بقيادة جميل باشا لمهاجمة الجبل بذريعة "عرس فهيدي" وصدر أمراً بإعدام ثلاثة وعشرين رجلاً من آل نصر بتهمة بإشعال نار الفتنة بين الجبل وحوران..

وعند وصول قائد الجيش طلب من شيوخ الجبل تسليم المحكومين للسلطة فوراً لينفذ بحقهم حكم الإعدام ثم أنذرهم بأن الجيش سيقوم بإلقاء القبض عليهم عنوة وبالقوة إذا حاولوا الهرب أو الامتناع عن تنفيذ الأمر وباختصار حاول الشيوخ المستحيل من أجل تحقيق طلب الدولة وتنفيذ مخططها..

لكن المحكومين بالإعدام رفضوا تسليم أنفسهم وقد رفضوا فسح المجال لاعتقالهم وردوا على طلب شيوخهم وطلب الدولة بالرفض القاطع مرددين قول الشاعر العربي :

وإن لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا

[1]- طعارة من قرى الجبل المتاخمة لحوران تبعد 4 كم عن بصر الحرير شرقاً..
ولكم تحيات
ماجد البلوي