المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة رحلة الموت المشؤومة رقم 163 في عام 1980م ..؟؟



ماجد سليمان البلوي
12-21-2016, 07:41 PM
قصة رحلة الموت المشؤومة رقم 163 في عام 1980م ..؟؟

السلام عليكم ورحمة الله ..,
التاسع عشر من شهر اغسطس آب 1980م
صيف حارق ..
طقس صحراوي جاف ..
غربة ..
غرفة بالية ..
امكانات محدودة ...
عزوبية ..
وبيئة محدودة ..
عدد قليل من الزملاء ..
لا يتجاوزون أصابع اليدين..

لا أقارب ..
تلك هي أدوات حياتي اليومية ..
شاب صغير ..
التحقت بعملي كمراقب جوي منذ سنتين اثنتين فقط ...
جاء تعييني في مطار الرياض ...
لم يكن فيروس الطفرة .. والنمو قد تغلغل إلى جسم تلك المدينة ..
تأقلمت خلال السنتين الماضيتين .. على الحياة هنا ..
وأصبحت حياة العزوبية ..
والغربة ..
يحفزاني دائماً .. في خلوتي
على الزواج ..
والارتباط ..
والاستقرار ..
وأصبح هذا الموضوع محور تفكيري كل يوم ..

دق المنبه ..
الساعة الثانية عشر ..
صوت أذان الظهر ..
صيف حار ..
لكن غرفتي الصغيره .. باردة .
بفعل ذلك المكيف المزعج ..
أغراضي مبعثرة هنا وهناك ..
ركام من الملابس .. المتناثرة من حولي ..
بقايا طعام .. ومشروبات ..
نهضت بتثاقل ..
توضأت ..
صليت ..
تذكرت أن مناوبتي ستكون الساعة الثانية ظهراً ..

نظرت إلى الساعة التي أيقضتني ..
الساعة تشير إلى الساعة الثانية عشر والنصف ..
هناك الكثير من الوقت قبل موعد المناوبة ..
تذكرت زميلي الذي حصل له ظرف طارئ ..
واتفقت معه على أن يسافر إلى المدينة المنورة ..
وسأقوم بتغطية العمل لوحدي .. ودون علم الإدارة ..

جلست أفكر أين سأقضي هذا الوقت الطويل حتى موعد المناوبة .؟
خطرت لي فكرة أن أذهب للسوق ...واشتري بعض الأغراض ...
ثم أتناول طعام الغذاء .. ثم أرجع للعمل .

فكرة جميلة ..
وقمت إلى سيارتي وذهبت إلى السوق ..
مضت الساعات .. .وأنا في السوق ..
سرح بي الخيال .. ونسيت المناوبة ..
وبينما أنا اتناول طعام الغداء .. في إحدى المطاعم ..
مرت طائرة على ارتفاع منخفض .. وعندها تذكرت مناوبتي ..
وقفزت من مقعدي إلى العمل ..

جئت مسرعاً ..
وكان المدير بصوته المجلجل في انتظاري..
توبيخ ..
صراخ ..
كان في استقبالي عندما دخلت إلى موقع العمل في البرج ..
اخذت سماعتي .. (Head set)
وبدأت العمل ..

كان كل ذلك لا يهمني بقدر ما يهمني
أن لا يعلم المدير أن زميلي الآخر غائب وهو في المدينة ..
كنت أنتفض خوفاً من اكتشاف أمري .. ولكنها .. مرت بسلام ..
مر الوقت ..

بقيت لوحدي في برج المراقبة ...
ساعات العمل طويله ..
يجب أن أبقى حتى الساعة العاشرة ليلاً ..
الوقت يمضي بتثاقل ..
كنت افكر .. وأحلم ..
يسرح بي الخيال إلى أمور كثيره ..
لا يقطعها سوى ..
نداءات الطيارين ..
أو اتصالات الزملاء .. في الاقتراب ..
حل الظلام ..
الوقت يمضي ..
فلم يعد هناك سوى ثلاث ساعات متبقية من مناوبتي ..

الساعة التاسعة مساءً ..
رحلة السعودية رقم 163 التي هبطت للتو من كراتشي ..
وستغادر إلى جده كانت بقيادة الكابتن عبدالعزيز أو محمد الخويطر ..
مو متأكده من الإسم و مساعده ابراهيم العياف الله يرحمهم ياارب
وعندي معلومة : الخويطر رحمه الله له إبن الأن يشتغل بنفس المجال
كابتن طائرة اسمه ريان الخويطر .

قائد الطائرة يطلب الإذن بتشغيل المحرك ..
أُعطي الإذن ...
تحركت الطائرة ..
أقلعت .. متوجهة إلى مطار الملك عبد العزيز بجده ..
كانت لحظات .. وعندها .. دخل علي في البرج .. أحد الزملاء ..
لم يكن في المناوبة .. ولكن أتى .. لزيارتي .

تجاذبنا أطراف الحديث ..
ضحكات .. مجلجله ..
نحاول أن نزيل ..بعض ترسبات الغربه .. والحنين للأهل ..
لحظات فرح ..مصطنعه ..
لكن .. يبقى في قلبي الكثير من الحنين والشوق لأبي وأمي .. لأخوتي ..
أعلم أن اغترابي سيطول .. لكن ماذا أفعل ؟
أمضيت أنا وزميلي ..زمناً .. في مزاحنا وضحكنا .

فجأة ..
الخط الساخن مع مراقب الاقتراب (Hot line) يرن ..
رديت ..وإذا بزميلي يقول أن الرحلة رقم 163 لديها حالة طوارئ
وستعود إلى المطار مرة أخرى ..
فلنستعد لحالة الطوارئ .. وبقي زميلي الآخر معي للدعم والمسانده ..
حمدت ربي أن أرسل لي هذا الزميل ليعينني ويساعدني في حالة الطوارئ هذه ..
ولو بقيت لوحدي لما استطعت أن أقوم بكل هذا العمل ..

بدأنا في التجهيز لحالة الطوارئ ..
اتصلنا على الإطفاء والانقاذ ..
على جميع الإدارات المعنية بالأمر ..
أخذنا وضعنا الاستعدادي ..
وزعنا العمل فيما بيننا ..
أخذت الحركة في المطار .. تأخذ السرعة ..
أضواء سيارات الاسعاف والإطفاء تنير المناطق المظلمة من المطار ...
وبقينا في لحظة صمت انتظاراً .. لقدوم الطائرة ...

الساعة تقترب من العاشرة مساءً موعد نهاية مناوبتي ..
لكن في هذا الوقت العصيب لا يمكن أن أذهب وأترك الزملاء ..
بل سأظل لمساعدتهم ..
الطائرة الآن في الاقتراب النهائي للهبوط ..
قائد الطائرة : برج مطار الرياض هذه رحلة الخطوط السعودية رقم 163
على بعد 6 أميال من المدرج ..

البرج: رحلة السعودية رقم 163 هذا برج الرياض مصرح لك بالهبوط
على المدرح 01 وسرعة الرياح 010/7 عقد .
قائد الطائرة : مصرح لنا بالهبوط على المدرج 01 رحلة السعودية رقم163 .
ورجع مرة أخرى قائد الطائرة يسأل البرج ..

قائد الطائرة: برج الرياض هذه رحلة السعودية رقم 163 ،
هل تشاهدون دخان يخرج من المحرك رقم 2 .
برج الرياض: رحلة السعودية رقم 163 لانشاهد دخان يخرج من المحرك رقم 2.
رحلة السعودية رقم 163 من نوع لوكهيد ترايستار L1011 ، وهي من الطائرات الثقيلة ولديها ثلاث محركات اثنان في الأجنحة والثالث في مجموعة الذيل .. والمحرك رقم 2 هو في الخلف في مجموعة الذيل ...

أجرينا استعداداتنا ..
فحالة الطوارئ عباره عن إشاره في كابينة القيادة على أن هناك حريق
في المحرك رقم 2 وهو ماجلعنا .. نقوم بتجهيز سيارة سريعة بقيادة أحد الزملاء ..
تدخل المدرج بعد هبوط الطائرة للكشف إذا هناك دخان يخرج من المحرك رقم 2 ...

هبطت الطائرة ...
درجة الرؤيا ..كانت ممتازة ..
كنا نحدق النظر في المحرك رقم 2 إذا كان يخرج منه دخان ..
أعطي التصريح للسيارة الصغيره السريعة للدخول للمدرج واللحاق بالطائرة ..
ساد الصمت المكان ...

بعدها بقليل ..
"دخان كثيف يخرج من محرك الطائرة رقم 2 ...
دخان كثيف يخرج من محرك الطائرة رقم 2 "
كان ذلك هو صوت زميلنا خلف الطائرة ..
خاطبنا الطيار .. بأن هناك دخان كثيف أسود يخرج من المحرك رقم 2 ،
والذي قام بدوره بإطفاء المحرك رقم 2 ...
الطائرة تتهادى في نهاية المدرج ....

سأل قائد الطائرة عن اتجاه وسرعة الرياح ..
قلت ولا زلت اتذكر 010/11 ... ( 010 هو اتجاه الرياح على البوصله أي أن
الرياح شمالية ، و11 هي سرعة الرياح بالعقده .. أي أن سرعة الرياح إحد عشرة عقدة ).
أي أن الرياح بالضبط عكسيه ...

خرجت الطائرة من المدرج وعند التفافها على الممر الأرضي ..
شب حريق هائل من المحرك رقم 2
برج المراقبة : رحلة السعودية رقم 163 حريق في المحرك رقم 2 ..
قائد الطائرة : رحلة السعودية رقم 163 نطفئ محركات الطائرات ونخلي الطائرة ...
كانت تلك آخر الكلمات التي تفوه بها قائد الطائرة ..
"Switching off Engines & Evacuating"
كانت سيارات الإطفاء تحاول جاهدة إطفاء الحريق ..لكن لا فائدة ..

انتظرنا الطيار أن يقوم بعملية الإخلاء التي عادة ما يقوم بها الطيار
في حالة طوارئ كهذه لكن ذلك لم يحدث ..
حاول رجال الإطفاء أن يفتحوا الأبواب لكن .. جميع محاولاتهم فشلت ..
كان بإمكان الكابتن و مساعديه انقاذ انفسهم لكنه قال :
( اذا خرجوا الركاب انا آخر من سيخرج )

رباه...رباه...
القدر حينما يحين ... لن يفيد أي شيء ..
" إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون "
انقلب المطار رأساً على عقب ..
أغلق المطار في وجه الطائرات ..
طُلب العون والمساعدة من الدفاع المدني .....
وطُلب من المستشفيات الاستعداد لاستقبال المصابين ..

حاول الجميع أن يفعل شيئاً ..
لكن القدر كان أكبر بكثير من محاولاتهم ..
أصبحت المدارج والممرات الأرضيه ...
شوارع لسيارت الإطفاء والإسعاف ..والشرطة ...والفضوليين ..
لم يعد هناك حركة طائرات .. بل حركة سيارات ..
ظلت الطائرة تحترق .. حتى الساعة الحادية عشر والنصف مساءً ..

وظللت في مكاني .. في برج المراقبة ..
لم أعد قادراً .... على التحرك لأي مكان ..
ظللت مع زملائي في البرج ...
وظلَّت معي في مخيلتي مناظر عديده ومشاهد عديده من تلك الحادثة ..
احترق الجميع ...
كارثة جوية في مطار الرياض ...
توفي في الحادث .. 301 شخص ..

في وقت متأخر من الليل ..
جاءني أحد زملائي من الإطفاء والإنقاذ .. متعب .. يمشي بتثاقل ..
حزين .. الرعب في عينيه من مشاهد رآها هذه الليلة ..
قال لي : تعرف فلان زميلنا الذي كان معنا في المعهد ..
قلت نعم : الذي درس معنا في اللغة ثم حصل على وظيفة مضيف في الخطوط السعودية ..
قال : نعم .. لقد رأيته هذه الليلة في الطائرة.. يستغيث .. لإنقاذه ..لكن ..
ثم بكى الرجل بحرقة ... واستدرك : لم أقدر على أن أفعل له شيئاً ..

لقد مات ...
رحمه الله .. وأسكنه فسيح جناته ..ورحم الله جميع المتوفين ..
مناظر مؤلمة يتقطع لها القلب ..
إمرأة احتضنت طفليها بين ذراعيها ..
واحترقت ..
وبقي طفليها سليمين .. لكنها توفيا اختناقاً ..
يالله .. انظروا .. ما أعظم شأن الأم ..
ضحت بنفسها ..في سبيل حياة ابنيها ...

صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال :
" الجنة تحت أقدام الأمهات "
أحد موظفي المطار ..
جثا على ركبتيه .. في ساحة المطار .. يبكي ..وينتحب ..
فقد أبناء عمه في هذا الحادث ...
حيث أنه عمل المستحيل ..حتى يسافروا على متن هذه الطائرة إلى جده ..
وكان القدر ..
مناظر عديده ..
مؤلمه ..
مأساة ..

وأكثر ماكان يدمي القلب هو المنظر .. أن تتخيل هذا المنظر ..
من كلام صاحبي ..
كانوا يرون الركاب .. على نوافذ الطائرة ...
يصرخون ...
يتشبثون ..
بأمل ..
بمخرج ..
يدعون ..
يستغيثون ..
يبكون..

ولكن ..
لا راد لقضاء الله وقدره ..
لم يكن رجال الإطفاء والإنقاذ .. يملكون من أمرهم شيئاً ..
فقد أعيتهم الحيلة ..
وأصبح الجزء الأعلى من الطائرة رماد تذروه الرياح ..

بقيت حتى الصباح في برج المراقبة الجوية ....
كأنني في حلم ..
المنظر مهول .. ومرعب ..
لا زلت اتذكر السيارات وهي تنقل الجثث المحترقه ..
أصوات سيارات الإطفاء ..سيارات الاسعاف ..
الوجوه العديدة التي مرت علي في تلك الللية ..
أتذكر مسئولين ..كبار ..
كانوا هنا في برج المراقبة ..
أتذكر .. كل شيء ..
لكنني حينما ..
يمر على ذاكرتي تلك الحادثه ..
أشعر بمراره .. وألم ...
وحزن عميق ..

فالموقف .. كان صعباً ..وهائلاً ..
على قلب وعقل شاب صغير في مقتبل العمر ..
وفي بداية حياته العملية ..
لكنها مرت بسلام ..
بقيت في ذاكرتي ..
أذكرها اليوم بعد أربع وعشرين عاماً على حدوثها ..
لعل فيها عبره .. وموعظة ...

***
ملآحظة : للي ما فهم ليش ما قدروا يفتحوا أبواب الطياره ..
لأن وقتها كانوا بدائيين و كان في حليين كان من ضمن المعدات التي لم تستخدم …

*المنشار … (وهو منشار على شكل قرص كبير قطره 6 متر تقريبا) …
قوي جدا مصمم بحيث يقص الطائرة نصفين ….
لم يُستخدم بحجة أنه قد يقتل من يكون في دربه من الأحياء أو المختنقين ….

*المدفع … وكان مصمم بحيث يطلق انبوب كبير قطره متر تقريبا …
بحيث يُدخل من باب ، ويمر عبر الطائرة ليقذف الباب المقابل للخارج ….
لم يُستخدم بحجة أنه سيقتل حتما الذي تكدّسوا بين البابين ….

*ويذكر الشهود العيان لتلك الحادثه صعوبة التعرف على جثث الضحايا
لما حل بها من تفحم اثناء الحريق وتم نقلهم جميعا إلى مستشفى الشميسي
عبر شحانات التبريد ( منظر مؤلم )

*وكالعادة تم تحميل كابتن الطائرة مسؤؤلية ماحصل …..
للتهرب من عجز إمكانيات الدفاع المدني !!

*أذكر الحادثة تماما ، وأذكر أنهم أحضروا الجثث في ثلاجات الخضار ،
بأكياس خضراء داكنة

*وأذكر وقتها ان بعض رجال الدفاع المدني أصيبوا بحالات نفسية …
نظرا لأنهم كانوا واقفين ينظرون إلى النساء والأطفال والشباب والرجال …
يطرقون على النوافذ .. يطلبون المساعدة …… حتى توقف طرقهم …..
انا لله وانا اليه راجعون …

*ويقال وقتها ان احد الرجال تجرأوا وخالفوا الأوامر وتقدموا
بالسلم إلى الطائرة التي أُغلِقت أوتوماتيكيا محاولة لفعل شيء….
ولم يستطيعوا لمس الباب حيث أنه كان كقطعة من نار ….
إنها ذكرا مريرة..
رحمهم الله جميعآ..
ولكم تحيات
ماجد البلوي