المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القسوة ..؟؟



ماجد سليمان البلوي
12-26-2017, 11:51 PM
القسوة ..؟؟

كنت أعمل مدرسة بإحدى ضواحي صفاقس، وداخل القسم كان يجلس أمامي تلاميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي، وهم أطفال بكل معاني الطفولة الجميلة، أطفال من زمن البراءة، زمن مضى ولم يعد ..

وفي صبيحة أحد أيام شهر ديسمبر البارد جدا، الحبيب إلى قلبي جدا، تعثر أحد التلاميذ أكثر من مرة في حل المسائل، فدعوته إلى السبورة ليكون قريبا من المعلومات المرسومة عليها ومني أنا أيضا، وكنت أدرك بحكم التجربة أن ذلك سيساعده على التركيز أكثر وسيجعله يبذل مجهودا أكبر في الفهم نظراً لإحساسه بالمسؤولية، لأنّ الأنظار ستكون مسلطة عليه مما سيجعله يضاعف مجهوده، وكذلك لشعوره بأنني أهتم به بصفة خاصة.

كان هذا عقابي المحبب إلى نفس التلميذ، لكنه يبقى تصرفاً يرمز للعقاب، وقد اكتشفت ذلك حين كنت اسمح للتلميذ بالعودة الى مكانه فيهرع الى مقعده مبتسماً وهو يقفز سعيدا بعودته بين خلانه ..

إنّه العقاب المثمر، وصادف ان وضعت يدي على كتف هذا التلميذ وأنا أخاطبه وإذا بجسده يرتعش وقد ارتفعت حرارته، بل إنّه يتقد بحرارة غير عادية، والذي صدمني أن جسد الطفل كان مجموعة من العظام، وأؤكد على كلمة عظام لأنّ هذا الطفل كان نحيفا جدا، إلا أن هنالك شياًء آخر غير عادي لدى هذا الطفل.

وأردت أن أتأكد من الأمر فجذبت بلطف طرف ميدعته من جانب الصدر ..
فماذا أقول؟ لقد فجعت بل ذعرت، بل لا أجد كلمة تعبر عن شعوري أمام طفل بريء يدفع ثمن سعادة الاخرين من طفولته التي فرضت عليه وانتزعت منه، هذا الطفل وفي يوم من أيام شهر ديسمبر لا يرتدي شيئا تحت الميدعة:
وسألته عن السبب ..
فقال: "أمي غسلت ثوبي" .. فهو إذا يمتلك ثوبا واحدا.

والذي عجبت له وآلمني جدّا أنّ كبرياء هذا الطّفل منعته أن يخبرنا اليوم أنه لم يتناول فطور الصّباح فنحن في الفصل، أنا والتّلاميذ نتكفّل بتقديم طعام لمن يأتي من بيته بدون أكل ..

ذلك أنّي والأطفال الميسورين "بمقاييس الفصل" نأتي بكميّة من الطّعام تزيد عن حاجتنا لمثل هذه الظروف، ونقدمه قبل الدرس لكل من اتي بدون افطار لأسباب مختلفة، تتراوح ما بين الفقر وإهمال الأمّ وعدم رغبة الطفل في اتناول الطعام صباحا وهذا السبب الأخير كان الأكثر شيوعا بين الأطفال، خاصة أنّ الأهالي في ذلك الزّمن كان ينقصهم الوعي، ولا يولون الأمر أهمية..

كانت هذه إذا القسوة المسلطة على الطفولة منذ سبعة وعشرين سنة،
وهذه القسوة نفسها ما زالت تتواصل إلى اليوم..
ولكم تحيات
ماجد البلوي