المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات قهوة حنا قبل الجسر بقليل..؟؟



ماجد سليمان البلوي
03-07-2018, 01:33 AM
ذكريات قهوة حنا قبل الجسر بقليل..؟؟

الكل يريد أن يعبر الجسر، لكنهم ليسوا مثلي، أنا أريد أن أصله، وأوصله، وقبل مقام الوصل هذا، أتوق لأن أستحضر جسورا أخرى في الذاكرة، أتخيلها بذاكرة غيري، حينما كانت الأحوال غير ما هي عليه الآن.

قبل أن أصل الجسر، جسر الملك حسين، أجلس قليلا عند مقهى له في الذاكرة كثير من سواليف الأهل، أيام الخير، حين كانت الدروب متاحة الى أرض فلسطين.. أتبع بوصلة قلبي، قريبا من الشونة الجنوبية، أسير نحو الرامة، فأجد أطلال ما تبقى من «قهوة حنا».. أستريح قليلا هناك..

«قهوة حنا»
للمقهى قصة تُروى: صاحبه كان اسمه حنا السرياني، ويقيم في مأدبا، في ذاك الوقت الذي تم فيه فتح الطريق من عمان إلى البحر الميت، حيث نشطت حركة النقل والتجارة بهذا الاتجاه. آنذاك..

فَكّر «حنا» بإقامة مشروع بالقرب من هذا الطريق، فتوجه من مأدبا إلى الرامه، باحثا عن قطعة أرض قريبة من الطريق، ومن السيل الذي يمر بوادي الرامة، فوجد ما يطلبه عند أحد أبناء قرية الرامة، وهو «عبد الله المفلح العدوان»، الذي ضمّنه قطعة أرض بجانب الطريق..

وما زالت المنطقة حول هذه الأرض تأخذ اسم المقهى حتى الآن،
«قهوة حنا السرياني»، التي أخذت اسمه بعد أن بنى فيها مقهى، وكانت الماء تجري عند القهوة، فكان كل من يأتي من الضفة أو من عمان، يغسل، ويتوضأ، ويستريح عند «قهوة حنا»..

التي زرع حولها أشجارا من نوع «شجر جميلة»، وهي باقية حتى الآن، ضخمة، منتشرة حول المقهى الذي لم يتبق منه سوى بعض جدران من بنائه، وتلك الأشجار، غير أن المكان بقي وفيا لتلك الذاكرة، محتفظا بالاسم القديم؛ «قهوة حنا»..

بالرغم من أن «حنا السرياني» ترك المكان، وأغلق المقهى بعد حرب الـ»73»،
حيث فتح محلا تجاريا في مأدبا بالقرب من مبنى البلدية فيها.

مدن شقائق النعمان
الآن.. ها أنا في «قهوة حنا»، ما زالت ملامحها حولي: الجدران، الأشجار، الطاولات، الكراسي، ثرثرة المسافرين، رائحة النعناع في كاسات الشاي، فناجين القهوة تدور على الناس، وزجاجات خضراء يلقونها في مجرى السيل، لتبرد، قبل أن يطفئ بها المسافرون حرارة الغور، وتعب المسير..

ها أنا أبني معمار الذاكرة التي كانت عليها «قهوة حنا»، قبل عشرات السنين..
أنا أريد أن أستزيد من طاقة المحبة التي تسكن فيها، وقد كانت الأردن وفلسطين، على مراحل طويلة من الزمن يتم تقسيمها عرضيا، وليس طوليا، كما جزأته السياسة، وقسمه الغرباء..

يمكن الحديث حول هذا الجانب بتفصيل أعمق حين كان ميزان الوصل لا الفصل، عرضيا بين مدن شقائق النعمان، حيث مؤاخاة الدم والمصلحة، شرق النهر وغربه، شرق بحر الملح وغربه، شرق وادي العربة وغربه..
مؤاخاة شقائق النعمان، لا قسمة المسطرة، والخطوط المنقطة..

ربما، كان لا بد لي من هذه الاستراحة، في «قهوة حنا»، قبل أن أعبر الجسر، حتى أستعيد الحالة المثلى، مترفعا عن كثير من السائد الملوّث، الذي حمّلنا إياه الواقع، الذي لا يد لنا فيه..

لكن على أي حال، لا بد من لحظة تطهير، وبعض تراتيل، وعزم أكيد لطرق صوان الصمت، كي تشتعل قدحة الكلمات، منيرة، متلألئة، نقية، مشربة، بحال البلاد كما كانت قبل أن تجتاحها أكاذيب ودسائس الاحتلال، والتقسيم، والنزاعات، وحسابات السياسة، والجغرافية!!
ولكم تحيات
ماجد البلوي