المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قوله تعالى: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ...)



أحمد علي
12-25-2023, 05:04 PM
تفسير قوله تعالى: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ...)

السؤال:
تسأل أختنا أم عبد الله عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] وهل تنطبق هذه الآية على الذي يخاف وهو في منزله؟


تحميل المادة (https://files.zadapps.info/binbaz.org.sa/fatawa/nour_3la_aldarb/nour_935/nour_93508.mp3)

الجواب:
هذه الآية نزلت في قصة المسلمين يوم أحد لما كان الشيطان يخوف المسلمين من رجوع الكفار إليهم وقتالهم قال الله جل وعلا: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] المعنى: يخوفكم بأوليائه يعني: يعظمهم في صدوركم ويجعلهم عظماء في صدور المسلمين حتى يخافوهم حتى يحذروهم فلا يجاهدوا، فبين ïپ‰ أن هذا غلط وأنه من الشيطان ونهاهم عن خوفهم فقال: (فلا تخافوهم) يعني: لا تخافوا أعداء الله الخوف الذي يجعلكم تجبنون عن قتالهم.
أما الخوف الذي يوجب الإعداد لجهادهم والأهبة والحذر هذا مطلوب قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] فالذي لا يخاف عدوه لا يعد له العدة، فالواجب أن يعد العدة لعدوه من السلاح والزاد والقوة في الجهاد وجمع الصفوف والتشجيع على القتال والإقدام ونحو ذلك، لكن لا يخافهم خوفًا يجعله يجبن منهم ويتأخر عن قتالهم هذا هو المنهي عنه فإن الشيطان يعظم الكفار في صدور المسلمين حتى يخافوهم وحتى يجبنوا عن قتالهم.
فهذا هو المعنى في قوله: فَلا تَخَافُوهُمْ يعني: لا تخافوهم الخوف الذي يمنعكم من قتالهم وجهادهم أو يجعلكم تجبنون عن قتالهم هذا هو المنهي عنه، أما الخوف الذي يوجب الإعداد لهم وأخذ الحذر فهذا مطلوب على المسلم أن يخاف شرهم وأن يحذر مكائدهم فيعد العدة، عليه أن يعد العدة اللازمة من السلاح ومن الحرس ونشر العيون التي تعرف أحوالهم حتى لا يهجموا على المسلمين، ولهذا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] وقال سبحانه: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:102] فدل ذلك على أنهم مأمورون بأن يأخذوا حذرهم وأن يخافوا شر عدوهم ويخافوا مكائده فيكونون على حذر وعلى أهبة وعلى استعداد حتى لا يهجم عليهم العدو على غفلة وعلى غرة.
فالمقصود: أن الخوف المنهي عنه غير الخوف المأمور به، الخوف المنهي عنه هو الذي يدعو إلى الجبن والتأخر وتعظيم الكفار ونشر الذعر بين الناس هذا منكر، أما الخوف الذي معناه الإعداد لهم والجد في حفظ أماكن المسلمين وثغورهم حتى لا يهجم عليهم العدو هذا أمر مطلوب.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، إذاً الآية الكريمة هي نص على باب الجهاد في سبيل الله، وليست على الخوف الذي ذكرته أختنا خوف الإنسان وهو في بيته.
الشيخ: لا، هذا شيء آخر، خوف البيت هذا لا وجه له إذا كان البيت مأمون ومنغلق فالحمد لله، وإذا كان هناك شيء يخشى منه فالواجب على أهل البيت أن يسدوه إن كان فيه مداخل عليهم يسدوها، إن كان هناك يعني ما يخشى منه فيكون عندها من يؤنسها إلى غير ذلك من الأسباب، المؤمن يأخذ بالأسباب.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.


https://binbaz.org.sa/fatwas/18627/%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D9%82%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D9%85%D8%A7-%D8%B0%D9%84%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%AE%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A1%D9%87

أحمد علي
12-25-2023, 05:09 PM
باب اليقين والتوكل

قال الله تعالى { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } وقال تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } وقال تعالى { وتوكل على الحي الذي لا يموت } وقال تعالى { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } وقال تعالى { فإذا عزمت فتوكل على الله } والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة وقال تعالى { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه وقال تعالى { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة



جمع المؤلف بين اليقين والتوكل لأن التوكل ثمرة من ثمرات اليقين فاليقين: هو قوة الإيمان والثبات حتى كان الإنسان يرى بعينه ما أخبر الله به ورسوله من شدة يقينه فاليقين هو ثبات وإيمان ليس معه شك بوجه من الوجوه فيرى الغائب الذي أخبر الله عنه ورسوله كأنه حاضر بين يديه وهو أعلى درجات الإيمان هذا اليقين يثمر ثمرات جليلة منها التوكل على الله عز وجل والتوكل على الله اعتماد الإنسان على ربه عز وجل في ظاهره وباطنه في جلب المنافع ودفع المضار ومن يتوكل على الله فهو حسبه ففي هاتين المرتبتين اليقين والتوكل يحصل للإنسان مقصوده في الدنيا والآخرة ويستريح ويعيش مطمئنا سعيدا لأنه موقن بكل ما أخبر الله به ورسوله ومتوكل على الله عز وجل ثم ذكر المؤلف آيات في هذا الباب منها قوله تعالى { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } الأحزاب طوائف من قبائل متعددة تألبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على حربه وتجمع نحو عشرة آلاف مقاتل من قريش وغيرهم وحاصروا المدينة ليقضوا على النبي صلى الله عليه وسلم وحصل في هذه الغزوة أزمة عظيمة على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى في وصفها { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا } الظنون البعيدة { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزلا شديدا } فانقسم الناس في هذه الأزمة العصبية العظيمة إلى قسمين بينهما الله عز وجل في هذه الآيات القسم الأول: قال الله عنهم { وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والذين في قلوبهم مرض من المؤمنين وعندهم نقص في يقينهم قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا قالوا: كيف يقول محمد أنه سيفتح كسرى وقيصر وصنعاء وهو الآن محاصر من هؤلاء الناس القسم الثاني: المؤمنون قال الله عنهم { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } انظر إلى الفرق بين الطائفتين هؤلاء لما رأوا الأحزاب ورأوا هذه الشدة علموا أنه سيعقبها نصر وفرج وقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله فسيكون نصر وستفتح ممالك قيصر وكسرى واليمن وهكذا كان ولله الحمد والشاهد قوله { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } وهذا غاية اليقين أن يكون الإنسان عند الشدائد وعند الكرب ثابتا مؤمنا موقنا عكس من كان توكله ويقينه ضعيفا فإنه عند المصائب والكرب ربما ينقلب على وجهه كما قال الله: { ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي: على طرف { فإن أصابه خير اطمأن وإن أصابه فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين } كثير من الناس في عافية فهو مطمئن ولكن إذا ابتلى والعياذ بالله انقلب على وجهه فربما يصل إلى حد الردة والكفر ويعترض على الله بالقضاء والقدر ويكره تقدير الله وبالتالي يكره الله والعياذ بالله لأنه كان في الأول لم يصبه أذى ولا فتنة ولكنه في الثاني أصابته الفتنة فانقلب على وجهه وفي هذه الآيات وأشباهها دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف ويوجل ويخشى من زيغ القلب ويسأل الله دائما فإنه ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه فنسأل الله مقلب القلوب أن يثبت قلوبنا على طاعته وأن يرزقنا الاستقامة على دينه والثبات عليه الآية الثانية قوله { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } هذه الآية نزلت في الصحابة رضي الله عنهم حيث حصل عليهم ما حصل في غزوة أحد مما أصابهم من القرح والجروح والشهداء فقيل لهم إن أبا سفيان كان قد عزم على الكرة عليكم وجمع لكم الناس فندبهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى ملاقاته ومقابلته فاستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح وأصيبوا بهذه النكبة العظيمة فقتل منهم سبعون رجلا استشهدوا في سبيل الله وحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من صحابته رضي الله عنهم ما حصل ومع خذا استجابوا لله وللرسول قال الله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } يعني أن أبا سفيان ومن معه ممن بقى من كبراء قريش جمعوا للرسول صلى الله عليه وسلم يريدون استئصاله ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره قيل للصحابة: اخشوا هؤلاء ولكنهم ازدادوا إيمانا لأن المؤمن كلما اشتدت به الأزمات ازداد إيمانا بالله لأنه يؤمن بأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا لهذا رادهم إيمانا هذا القول وقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } حسبنا الله: كافينا في مهماتنا وملماتنا ونعم الوكيل إنه نعم الكافي جل وعلا فإنه نعم المولى ونعم النصير ولكنه يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به فإنه عز وجل أكرم الأكرمين وأجود الأجودين فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره أعانه وساعده وتولاه ولكن البلاء من بني آدم حيث يكون الإعر بنا الله ونعم الوكيل } حسبنا الله: كافينا في مهماتنا وملماتنا ونعم الوكيل إنه نعم الكافي جل وعلا فإنه نعم المولى ونعم النصير ولكنه يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به فإنه عز وجل أكرم الأكرمين وأجود الأجودين فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره أعانه وساعده وتولاه ولكن البلاء من بني آدم حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية قال تعالى { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } ذهبوا لكنهم لم يجدوا كيدا وأبو سفيان ومن معه ولوا على أدبارهم ولم يكروا على الرسول صلى الله عليه وسلم فكتبت للصحابة غزوة من غير قتال قال الله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ثم قال اض كثيرا في الإنسان ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية قال تعالى { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } ذهبوا لكنهم لم يجدوا كيدا وأبو سفيان ومن معه ولوا على أدبارهم ولم يكروا على الرسول صلى الله عليه وسلم فكتبت للصحابة غزوة من غير قتال قال الله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ثم قال { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } { يخوف أولياءه } أي: يخوفكم أنتم أولياءه أي: يلقي في قلوبكم الخوف في أوليائه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين فالشيطان يأتي إلى المؤمن: احذر أن تتكلم في فلان لأنه ربما يسجنك وربما فعل كذا وكذا فيخوفك ولكن المؤمن لا يمكن أن يخاف أولياء الشيطان لأن الله قال { فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } بالنسبة للحق فعلى الإنسان أن لا يخاف في الله لومة لائم وأن لا يخاف إلا الله ولكن يجب أن يكون سيره على هدى الله عز وجل فإذا كان سيره على هدى من الله فلا يخافن أحدا وقوله تعالى { وتوكل على الحي الذي لا يموت } وهو الله عز وجل اعتمد عليه في أمورك كلها دقيقها وجليلها لأن الله إذا لم ييسر لك الأمر لم يتيسر لك ومن أسباب تيسيره أن تتوكل عليه لاسيما إذا دهمتك الأمور وكثرت الهموم وازدادت الخطوب فإنه لا ملجأ لك إلا الله عز وجل فعليك بالتوكل عليه والاعتماد عليه حتى يكفيك وفي قوله { الذي لا يموت } دليل على امتناع الموت على الرب عز وجل قال الله { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } فالله عز وجل لا يموت لكمال حياته فإنه دائما هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء ثم إنه سبحانه وتعالى لا ينام لكمال حياته وقيوميته قال الله تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } أما الإنس والجن فإنهم ينامون ويموتون أما الرب عز وجل فإنه لا ينام لأنه غني عن النوم أما البشر فإنهم محتاجون له لأن الأبدان تتعب وتسأم وتمل والنوم راحة عما مضى من التعب وتجديد نشاط عما يستقبل من العمل وقال الله { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه فإذا توكلت على الله كفاك كل شيء وإذا توكلت على غير الله وكلك الله عليه ولكنك تنخذل ولا تتحقق لك أمورك وقال الله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا } قوله { إذا ذكر الله } إذا ذكرت عظمته وجلاله وسلطانه خافت القلوب ووجلت وتأثر الإنسان حتى إن بعض السلف إذا تليت عليه آيات الخوف مرض أياما حتى يعوده الناس أما نحن فقلوبنا قاسية نسأل الله أن يلينها فإنه تتلى علينا آيات الخوف فلا نتأثر بذلك ولا نتعظ إلا من رحم الله لكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه وخاف كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله ارتعد حتى يسقط ما في يده { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } إذا سمعوا كلام الله عز وجل ازدادوا إيمانا من وجهين: الوجه الأول: التصديق بما أخبر الله به من أمور الغيب الماضية والمستقبلة الوجه الثاني: القبول والإذعان لأحكام الله فيمثلون ما أمر الله به فيزداد بذلك إيمانهم وينتهون عما نهى الله عنه تقربا إليه وخوفا منه فيزداد إيمانه فهم إذا تليت عليهم آياته ازدادوا إيمانا من هذين الوجهين وهكذا إذا رأيت من نفسك أنك كلما تلوت القرآن ازددت إيمانا فإن ذلك من علامات التوفيق أما إذا كنت تقرأ القرآن ولا تتأثر به فعليك بمداواة نفسك لا أقول أن تذهب إلى المستشفى لتأخذ جرعة من حبوب أو مياه أو غيرها ولكن بمداواة القلب فإن القلب إذا لم ينتفع بالقرآن ولم يتعظ به فإنه قلب قاس مريض نسأل الله العافية فأنت طبيب نفسك لا تذهب إلى الناس اقرأ القرآن فإن رأيت أنك ازددت به إيمانا وتصديقا وامتثالا فهنيئا لك وأنت مؤمن وإلا فعليك بالدواء قبل أن يأتيك موت لا حياة بعده وهو موت القلب أما موت الجسد بعده حياة وبعده بعث وجزاء وحساب وقوله { وعلى ربهم يتوكلون } على ربهم فقط يتوكلون أي: يفوضون أمورهم كلها إلى مالكهم ومدبرهم خاصة لا إلى أحد سواه كما يدل عليه تقديم المتعلق على عامله والجملة معطوفة على الصلة إشارة إلى الاختصاص والحصر وأنهم لا يتوكلون إلا على الله عز وجل لأن غير الله إذا توكلت عليه فإنما توكلت على شخص مثلك ولا يحرص على منفعتك كما تحرص على منفعة نفسك ولكن اعتمد على الله عز وجل في أمور دينك ودنياك { الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } يقيمون الصلاة يأتون بها مستقيمة بواجباتها وشروطها وأركانها ويكملونها بمكملاتها ومن ذلك أن يصلوها في أوقاتها ومن ذلك أن يصلوها مع المسلمين في مساجدهم لأن صلاة الجماعة كان الناس لا يتخلفون عنها إلا منافق أو معذور قال ابن مسعود رضي الله عنه لقد رأيتنا يعني مع الرسول عليه الصلاة والسلام وما يتخلف عنها إلا منافق أو مريض ولقد كان الرجل يؤتي بها يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف لا يثنيهم عن الحضور إلى المساجد حتى المرض رضي الله عنهم أما كثير من الناس اليوم على العكس من ذلك فتراهم يتكاسلون ويتأخرون عن صلاة الجماعة ولهذا لو قارنت بين الصلوات النهارية وصلاة الفجر لرأيت فرقا بينا لأن الناس يلحقهم الكسل في صلاة الفجر من نوم ولا يهتمون بها كثيرا { ومما رزقناهم ينفقون } أي: ينفقون أموالهم في مرضاة الله وحسب أوامر الله وفي المحل المناسب { أولئك هم المؤمنون حقا } حقا: توكيد للجملة التي قبلها أي أحق ذلك حقا { لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه إنه جواد كريم .....

الكتاب : شرح رياض الصالحين
المؤلف : محمد بن صالح بن محمد العثيمين