المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله



أحمد علي
02-15-2024, 05:08 PM
881 - " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ".
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1 / 286 - منحة المعبود) وكذا أحمد (5 / 230، 242) وأبو داود في " السنن " (2 / 116) والترمذي (2 / 275) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 347 و584 - طبع بيرو ت) والعقيلي في " الضعفاء " (76 - 77) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (93 / 1 و112 - 113 مخطوطة الظاهرية، 154 - 155 و188 - 189 - مطبوعة الرياض) والبيهقي في " سننه " (10 / 114) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 55 - 56) وابن حزم في " الإحكام " (6 / 26، 35، 7 / 111 - 112) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن أصحاب معاذ بن جبل عن
معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: فذكره. وقال العقيلي: " قال البخاري: لا يصح، ولا يعرف إلا مرسلا ".
قلت: ونصه في " التاريخ " (2 / 1 / 275) : " لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل ". قلت: يعني أن الصواب أنه عن أصحاب معاذ بن جبل ليس فيه " عن معاذ ".
وقال الذهبي: " قلت: تفرد به أبو عون محمد بن بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو الثقفي أخوالمغيرة بن شعبة، وما روى عن الحارث غير أبي عون فهو مجهول، وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتصل ". قلت: ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأن الحارث هذا مجهول. ثم رواه أحمد (5 / 236) وأبو داود وابن عساكر (16 / 310 / 2) من طريقين آخرين عن شعبة، إلا أنهما قالا: " عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن ". الحديث. لم يذكر: " عن معاذ ".
قلت: هذا مرسل وبه أعله البخاري كما سبق، وكذا الترمذي حيث قال عقبه: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل ". وأقره الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث منهاج الأصول " للبيضاوي (ق 76 / 1) . قلت: فقد أعل هذا الحديث بعلل ثلاث:
الأولى: الإرسال هذا.
الثانية: جهالة أصحاب معاذ. الثالثة: جهالة الحارث بن عمرو.
قال ابن حزم: " هذا حديث ساقط، لم يرو هـ أحد من غير هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين، لم يسموا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو؟ وفيه الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يعرف من هو؟ ولم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه ". وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه: " لا يصح ". " وهذا حديث باطل لا أصل له ". وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 401) عقب قول البخاري المذكور: " وقال الدارقطني في " العلل ": رواه شعبة عن أبي عون هكذا. وأرسله ابن مهدي وجماعات عنه. والمرسل أصح. قال أبو داود (يعني الطيالسي) : وأكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله. وقال مرة: عن معاذ. وقال ابن حزم: " لا يصح لأن الحارث مجهول، وشيوخه لا يعرفون، قال: وادعى بعضهم فيه التواتر، وهذا كذب، بل هو ضد التواتر، لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث، فكيف يكون متواترا؟! ". وقال عبد الحق: " لا يسند، ولا يوجد من وجه صحيح ".
وقال ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": " لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، وإن كان معناه صحيحا ". وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد، في الكلام على هذا الحديث: " اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل، فلم أجد غير طريقين: أحدهما: طريق شعبة. والأخرى: عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح. قال: وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب " أصول الفقه ": " والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ " قال: " وهذه زلة منه، ولوكان عالما بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة "، (قال الحافظ رحمه الله تعالى) : " قلت: أساء الأدب على إمام الحرمين، وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة مع كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه! فإنه قال: " والحديث مدون في " الصحاح " متفق على صحته (!) لا يتطرق إليه التأويل ".
كذا قال رحمه الله، وقد أخرجه الخطيب في كتاب " الفقيه والمتفقه " من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل، فلو كان الإسناد إلى عبد الرحمن ثابتا لكان كافيا في صحة الحديث ". قلت: لم يخرجه الخطيب، بل علقه (ص 189) بقوله: " وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة ".
قلت: وهيهات، فإن في السند إليه كذابا وضاعا، فقد أورده ابن القيم في " تهذيب السنن " تعليقا على هذا الحديث فقال (5 / 213) : " وقد أخرجه ابن ماجه في " سننه " من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم: حدثنا معاذ بن جبل قال: " لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه، أو تكتب إلي فيه ". وهذا أجود إسنادا من الأول، ولا ذكر للرأي فيه ". قلت: كيف يكون أجود إسنادا من الأول وفيه محمد بن سعيد بن حسان وهو الدمشقي المصلوب؟! قال في " التقريب ": " قال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه ". وقد سبق نحوه (ص 244) عن غيره من الأئمة.
قلت: ولعله اشتبه على ابن القيم رحمه الله بمحمد بن سعيد بن حسان الحمصي، وليس به، فإنه متأخر عن المصلوب، ولم يذكروا له رواية عن ابن نسي، ولا في الرواة عنه يحيى بن سعيد الأموي، وإنما ذكروا ذلك في الأول، على أنه مجهول كما قال الحافظ، وأيضا فإن هذا ليس من رجال ابن ماجه، وإنما ذكروه تمييزا بينه وبين الأول. والحديث في " المقدمة " من سنن " ابن ماجه " (1 / 28) ، وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 5 / 2) : " هذا إسناد ضعيف، محمد بن سعيد هو المصلوب اتهم بوضع الحديث ".
على أن قول ابن القيم: " ولا ذكر للرأي فيه ". إنما هو بالنظر إلى لفظ رواية ابن ماجه، وإلا فقد أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " (16 / 310 / 1) من طريق المصلوب هذا بلفظ: " قال معاذ: يا رسول الله: أرأيت ما سئلت عنه مما لم أجده في كتاب الله ولم أسمعه منك؟ قال: اجتهد رأيك ".
ثم رواه ابن عساكر (16 / 310 / 2) من طريق سليمان الشاذكوني: أخبرنا الهيثم بن عبد العفار عن سبرة بن معبد عن عبادة بن نسي به بلفظ: " اجتهد رأيك، فإن الله إذا علم منك الحق وفقك للحق ". والهيثم هذا قال ابن مهدي: " يضع الحديث ". والشاذكوني كذاب.
قلت: وأجاب ابن القيم عن العلة الثانية، وهي جهالة أصحاب معاذ بقوله في " إعلام الموقعين " (1 / 243) : " وأصحاب معاذ وإن كانوا غير مسمين فلا يضره ذلك، لأنه يدل على شهرة الحديث، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى.... " أقول: فهذا جواب صحيح لو أن علة الحديث محصورة بهذه العلة، أما وهناك علتان أخريان قائمتان، فالحديث ضعيف على كل حال، ومن العجيب أن ابن القيم رحمه الله لم يتعرض للجواب عنهما مطلقا. فكأنه ذهل عنهما لانشغاله بالجواب عن هذه العلة والله أعلم.
ثم تبين لي أن ابن القيم اتبع في ذلك كله الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (113 / 1 - 2 من المخطوطة، 189 - من المطبوعة) ، وهذا أعجب، أن يخفى على مثل الخطيب في حفظه ومعرفته بالرجال علة هذا الحديث القادحة!
(تنبيه) أورد ابن الأثير هذا الحديث في " جامع الأصول " (10 / 551) عن الحارث بن عمرو باللفظ الذي ذكرته، ثم قال: " وفي رواية: " أن معاذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بما أقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم أجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال فإن لم أجد، قال استدق الدنيا، وتعظم في عينيك ما عند الله واجتهد رأيك فيسددك الله للحق. ثم قال عقبه: " وأخرجه أبو داود ".
قلت: وليست عنده هذه الرواية، ولا رأيت أحدا عزاها إليه غيره، ولا وجدت لها أصلا في شيء من المصادر التي وقفت عليها، فهي منكرة شديدة النكارة، لمخالفتها لجميع الروايات المرسلة منها والموصولة، وجميعها معلة بالجهالة. ومر على هذا العزولأبي داود المحقق الفاضل لـ " جامع الأصول " (10 / 177 - 178 - طبعة دمشق) دون أي تعليق أو تحقيق!
تنبيه آخر: ذهب الشيخ زاهد الكوثري المعروف في مقال له إلى تقوية هذا الحديث، وليس ذلك بغريب منه ما دام أنه قد سبق إليه، ولكن الغريب حقا أنه سلك في سبيل ذلك طريقا معوجة، لا يعرفها أهل الجرح والتعديل، فرأيت أن أنقل خلاصة كلامه فيه، ثم أرد عليه وأبين خطأه وزغله.
قال في " مقالاته " (ص 60 - 61) : " وهذا الحديث رواه عن أصحاب معاذ الحارث بن عمرو الثقفي، وليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين، في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116، ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه، ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في عدالة وقبول روايته ألا يثبت فيه جرح مفسر من أهل الشأن، لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة. أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم وهكذا.
والحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " وإن جهله العقيلي وابن الجارود وأبو العرب، وقد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني وشعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية والمعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته ".
قلت: وفي هذا الكلام من الأخطاء المخالفة لما عليه علماء الحديث، ومن المغالطات والدعاوى الباطلة، ما لا يعرفه إلا من كان متمكنا في هذا العلم الشريف، وبيانا لذلك أقول:
1 - قوله: " ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة يقول عنه ابن أخي المغيرة ".
فأقول: بل هو مجهول وتوضيحه من ثلاثة وجوه:
الأول: أن أحدا من علماء الحديث - فيما علمت - لم يقل أن الراوي المجهول إذا عرف اسم جده بله اسم أخي جده خرج بذلك عن جهالة العين إلى جهالة الحال أو الوصف. فهي مجرد دعوى من هذا الجامد في الفقه، والمجتهد في الحديث دون مراعاة منه لقواعد الأئمة، وأقوالهم الصريحة في خلاف ما يذهب إليه! فإنهم أطلقوا القول في ذلك، قال الخطيب: " المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد ... ".
الثاني: أنه خلاف ما جرى عليه أئمة الجرح والتعديل في تراجم المجهولين عينا، فقد عرفت مما سبق ذكره في ترجمة الحارث هذا أنه مجهول عند الحافظين الذهبي والعسقلاني وكفى بهما حجة، لاسيما وهما مسبوقون إلى ذلك من ابن حزم وغيره ممن ذكرهم الكوثري نفسه كما رأيت! ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ذهيل بن عوف بن شماخ التميمي أشار الذهبي إلى جهالته بقوله في " الميزان ": " ما روى عنه سوى سليط بن عبد الله الطهو ي " وصرح بذلك الحافظ فقال في " التقريب ": " مجهول من الثالثة ".
ومن ذلك أيضا زريق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني، أشار الذهبي أيضا إلى جهالته وقال الحافظ: " مجهول ". والأمثلة على ذلك تكثر، وفيما ذكرنا كفاية، فأنت ترى أن هؤلاء قد عرف اسم جد كل منهم، ومع ذلك حكموا عليهم بالجهالة.
الثالث: قوله: " شعبة يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة ". فأقول: ليس هذا من قول شعبة، وإنما هو من قول أبي العون كما مر في إسناد الحديث، وشعبة إنما هو راوعنه، وهو في هذه الحالة لا ينسب إليه قول ما جاء في روايته، حتى ولوصحت عنده لأنه قد يقول بخلاف ذلك، ولذلك جاء في علم المصطلح، " وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته، ولا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته ". كذا في " تقريب النووي " (ص 209 بشرح التدريب) . وكأن الكوثري تعمد هذا التحريف ونسبة هذا القول لشعبة - وليس له - ليقوي به دعوى كون الحارث بن عمرو هذا ابن أخي المغيرة، لأن أبا العون - واسمه محمد بن عبيد الله ابن الثقفي الأعور وإن كان ثقة، فإنه لا يزيد على كونه راويا من رواة الحديث، وأما شعبة فإمام نقاد. على أننا لوسلمنا بأنه من قوله، فذلك مما لا يفيد الكوثري شيئا من رفع الجهالة كما سبق بيانه.
2 - قوله: " ولا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين في طبقة شيوخ أبي عون ... ".
فأقول: الجواب من وجهين:
الأول: بطلان هذه الدعوى من أصلها، لأن شيوخ أبي عون ليسوا جميعا من كبار التابعين حتى يلحق بهم الحارث هذا، فإن من شيوخه أبا الزبير المكي وقد مات سنة (126) ، ولذلك جعله الحافظ من الطبقة الرابعة، وهم الذين جل روايتهم عن كبار التابعين، ومن شيوخه والده عبيد الله بن سعيد، ولا تعرف له وفاة، لكن ذكره ابن حبان في " أتباع التابعين "، وقال: يروي المقاطيع. قال الحافظ: فعلى هذا فحديثه عن المغيرة مرسل. يعني منقطع، ولذلك جعله في " التقريب " من الطبقة السادسة، وهم من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج. إذا عرفت هذا فادعاء أن الحارث بن عمرو من كبار التابعين افتئات على العلم، وتخرص لا يصدر من مخلص، والصواب أن يذكر ذلك على طريق الاحتمال، فيقال: يحتمل أنه من كبار التابعين، كما يحتمل أنه من صغارهم.
فإن قيل: فأيهما الأرجح لديك؟ قلت: إذا كان لابد من اتباع أهل الاختصاص في هذا العلم، وترك الاجتهاد فيما لا سبيل لأحد اليوم إليه، فهو أنه من صغار التابعين، فقد أورده الإمام البخاري في " التاريخ الصغير " في فصل " من مات ما بين المائة إلى العشرة " (ص 126 - هند) وأشار إلي حديثه هذا وقال: " ولا يعرف الحارث إلا بهذا، ولا يصح ".
ولذلك جعله الحافظ في " التقريب " من الطبقة السادسة التي لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة فقال: " مجهول، من السادسة ". فإن قيل: ينافي هذا ما ذكره الكوثري (ص 62) أن لفظ شعبة في رواية علي بن الجعد قال: سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن جبل.
كما أخرجه ابن أبي خيثمة، في " تاريخه " ومثله في " جامع بيان العلم " لابن عبد البر. فهذا صريح في أنه لقي جمعا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي.
فأقول: نعم والله إن هذه الرواية لتنافي ذلك أشد المنافاة، ولكن يقال للكوثري وأمثاله: أثبت العرش ثم انقش، فإنها رواية شاذة، تفرد بها علي بن الجعد مخالفا في ذلك لسائر الثقات الذين لم يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم مضافا إلى (الأصحاب) ، وإنما قالوا: أصحاب معاذ كما تقدم في الإسناد عند جميع من عزونا الحديث إليهم، إلا في رواية لابن عبد البر، وهي من روايته عن أحمد بن زهير قال: حدثنا علي بن الجعد.... وأحمد بن زهير هو ابن أبي خيثمة. وإليك أسماء الثقات المخالفين لابن الجعد في روايته تلك:
الأول: أبو داود الطيالسي نفسه في " مسنده " وعنه البيهقي.
الثاني: محمد بن جعفر عند أحمد والترمذي.
الثالث: عفان بن مسلمة عند أحمد أيضا.
الرابع: يحيى بن سعيد القطان، عند أبي داود وابن عبد البر في الرواية الأخرى.
الخامس: وكيع بن الجراح عند الترمذي.
السادس: عبد الرحمن بن مهدي عند الترمذي.
السابع: يزيد بن هارون عند ابن سعد. الثامن: أبو الوليد الطيالسي عند ابن سعد. فهؤلاء ثمانية من الثقات وكلهم أئمة أثبات، لاسيما وفيهم يحيى القطان الحافظ المتقن لوأن بعضهم خالفوا ابن الجعد لكان كافيا في الجزم بوهمه في نسبته (الأصحاب) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى معاذ، فكيف بهم مجتمعين؟! ومثل هذا لا يخفى على الكوثري، ولكنه يتجاهل ذلك عمدا لغاية في نفسه، وإلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ، ولذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا.
فثبت مما تقدم أن الحارث بن عمرو هو من صغار التابعين، وليس من كبارهم، وقد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في " مسنده " (216) عن شعبة عنه.
والآخر: هب أنه من كبار التابعين، فذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا، فهذا مثلا حريث بن ظهير من الطبقة الثانية عند الحافظ، وهي طبقة كبار التابعين، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول. وسبقه إلى ذلك الإمام الذهبي فقال: " لا يعرف ". ومثله حصين بن نمير الكندي الحمصي.
قال الحافظ: " يروي عن بلال، مجهول من الثانية ". ونحوه خالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر.
قال الحافظ: " مجهول، من الثالثة ".
3 - قوله: " ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه ".
قلت: لا ضرورة إلى هذا الجرح، لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح، بل يكفي أن يكون جرحا غير مفسر إذا كان صادرا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة، ولم يكن هناك توثيق معتمر معارض له، كما هو مقرر في علم المصطلح، فمثل هذا الجرح مقبول، لا يجوز رفضه، ومن هذا القبيل وصفه بالجهالة، لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه، وقد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري، فأغنى ذلك عن الجرح المفسر، وثبت ضعف الحديث.
4 - قوله: " ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيق عن أهل طبقته ". فأقول: فيه أمور:
أولا: أن الحارث هذا لم يثبت أنه تابعي كبير كما تقدم فانهار قوله من أصله.
وثانيا: أنه لا قائل بأن الراوي سواء كان تابعيا أو ممن دونه بحاجة إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في ذلك أن يوثقه إمام من أئمة الجرح والتعديل سواء كان من طبقته أو ممن دونها، فلما كان الحارث هذا لم يوثقه أحد ممن يوثق بتوثيقه بل جهلوه فقد سقط حديثه.
5 - قوله: " بل يكفي في عدالته.... (إلى قوله) من رجال تلك الطبقة ". قلت: هذه مجرد دعوى، فهي لذلك ساقطة الاعتبار، فكيف وهي مخالفة للشرط الأول من شروط الحديث الصحيح: " ما رواه عدل ضابط ... " فلو سلمنا أن عدالته تثبت بذلك، فكيف يثبت ضبطه وليس له من الحديث إلا القليل بحيث لا يمكن سبره وعرضه على أحاديث الثقات ليحكم له بالضبط أو بخلافه، أو بأنه وسط بين ذلك. كما هو طريق من طرق الأئمة النقاد في نقد الرواة الذين لم يرو فيهم جرح أو تعديل ممن قبلهم من الأئمة.
ويكفي في إبطال هذا القول مع عدم وروده في " علم المصطلح " أنه مباين لما جاء فيه: أن أقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهور ين كما تقدم عن الخطيب. ولما تعقبه بعضهم بأن البخاري روى عن مرداس الأسلمي، ومسلما عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد.
رده النووي في " التقريب " بقوله (ص 211) : " والصواب نقل الخطيب، ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهور ان، والصحابة كلهم عدول ".

يتبع:

أحمد علي
02-15-2024, 05:09 PM
وأيده السيوطي في " التدريب " فقال عقبه: " فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعداد الرواة، قال العراقي: هذا الذي قاله النووي متجه إذا ثبتت الصحبة، ولكن بقي الكلام في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أولا تثبت إلا برواية اثنين عنه، وهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم، والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو في من وفد من الصحابة أو نحوذلك فإنه تثبت صحبته ".
قلت: فتأمل كلام العراقي هذا يتبين لك بطلان قول الكوثري، لأنه تساهل في إثبات عدالة التابعي الكبير فلم يشترط فيه ما اشترطه العراقي في إثبات الصحبة المستلزمة لثبوت العدالة! فإنه اشترط مع رواية الواحد عنه أن يكون معروفا بذكره في الغزوات أو الوفود. وهذا ما لم يشترط الكوثري مثله في التابعي!
فاعتبروا يا أولي الأبصار. ولعله قد وضح لك أنه لا فرق بين التابعي الكبير ومن دونه في أنه لا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم. وتثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة. كما هو معلوم.
6 - قال: " أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم وهكذا ". قلت: بل والتابعي الكبير كذلك كما حققناه في الفقرة السابقة.
7 - قال: " والحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات "، وإن جهله العقيلي وابن الجارود وأبو العرب ". قلت: فيه أمران:
الأول: أنه تغافل عن أئمة آخرين جهلوه، منهم الإمام البخاري والذهبي والعسقلاني وغرضه من ذلك واضح وهو الحط من شأن هذا التجهيل!
والآخر: اعتداده بتوثيق ابن حبان هنا خلاف مذهبه الذي يصرح في بعض تعليقاته (1) بأن ابن حبان يذكر في " الثقات من لم يطلع على جرح فيه، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين، وقد رد شذوذ ابن حبان هذا في (لسان الميزان) ". وهذا من تلاعبه في هذا العلم الشريف، فتراه يعتد بتوثيق ابن حبان حيث كان له هوى في ذلك كهذا الحديث، وحديث آخر في التوسل كنت خرجته فيما تقدم برقم (23) ، ولا يعتد به حين يكون هو اه على نقيضه كحديث الأوعال وغيره، وقد شرحت حاله هذا هناك بما فيه كفاية. ولكن لابد لي هنا من أن أنقل كلامه في راوي حديث الأوعال وهو عبد الله بن عميرة راويه عن العباس بن عبد المطلب، فهو تابعي كبير، لتتأكد من وجود التشابه التام بينه وبين الحارث بن عمرو الراوي للحديث عن معاذ، ومع ذلك يوثق هذا بذاك الأسلوب الملتوي، ويجهل ذاك وهو فيه على الصراط السوي! قال في " مقالاته " (ص 309) : " وقال مسلم في " الوحدان " (ص 14) : " انفرد سماك بن حرب بالرواية عن عبد الله بن عميرة ". فيكون ابن عميرة مجهول العين عنده، (يعني مسلما) لأن جهالة العين لا تزول إلا برواية ثقتين، (تأمل) وقال إبراهيم الحربي - أجل أصحاب أحمد - عن ابن عميرة لا أعرفه. وقال الذهبي في " الميزان " عن عبد الله بن عميرة: فيه جهالة ".
قلت: ثم وصفه الكوثري بأنه شيخ خيالي! وبأنه مجهول عينا وصفة! ونحوه قوله في " النكت الطريفة " (ص 101) وقد ذكر حديثا في سنده عبد الرحمن بن مسعود: " وهو مجهول. قال الذهبي: " لا يعرف " وإن ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في التوثيق "! وقال في (قابوس) . " وإنما وثقه ابن حبان على طريقته في توثيق المجاهيل إذا لم يبلغه عنهم عنهم جرح، وهذا غاية التساهل "!! (ص 48 منه) .
فقابل كلامه هذا بالقاعدة التي وضعها من عند نفسه في قبول حديث التابعي الكبير حتى ولونص الأئمة على جهالته تزداد تأكدا من تلاعبه المشار إليه. نسأل الله السلامة. ولوكانت القاعدة الموضوعة صحيحة لكان قبول حديث ابن عميرة هذا أولى من حديث الحارث، لأنه روى عن العباس فهو تابعي كبير قطعا، ولذلك جعله ابن حجر من الطبقة الثانية، بينما الحارث إنما يروي عن بعض التابعين كما سبق، ولكن هكذا يفعل الهوى بصاحبه. نسأل الله العافية.
8 - قال أخيرا: " وقد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني، وشعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية، والمعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته "! قلت: فيه مؤاخذتان: الأولى: أن كون شعبة معروفا بالتشدد في الرواية لا يستلزم أن يكون كل شيخ من شيوخه ثقة، بله
من فوقهم، فقد وجد في شيوخه جمع من الضعفاء، وبعضهم ممن جزم الكوثري نفسه بضعفه! ولا بأس من أن أسمي هنا من تيسر لي منهم ذكره:
1 - إبراهيم بن مسلم الهجري. 5 - جابر الجعفي.
6 - داود بن فراهيج.
7 - داود بن يزيد الأودي.
8 - عاصم بن عبيد الله (قال الكوثري في " النكت " (ص 74) : ضعيف لا يحتج به) .
9 - عطاء بن أبي مسلم الخراساني.
10 - علي بن زيد بن جدعان.
11 - ليث بن أبي سليم.
12 - مجالد بن سعيد: قال الكوثري في " النكت " (ص 63) : " ضعيف بالاتفاق " وضعف به حديث: " زكاة الجنين زكاة أمه "! ثم ضعف به فيه (ص 95) حديث " لعن الله المحلل والمحلل له "! فلم يتجه من تضعيفه إياه أنه من شيوخ شعبة! (2) .
13 - مسلم الأعور.
14 - موسى بن عبيدة.
15 - يزيد بن أبي زياد.
16 - يزيد بن عبد الرحمن الدالاني.
17 - يعقوب بن عطاء.
18 - يونس بن خباب.
من أجل ذلك قالوا في لم المصطلح: وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين، وهو الصحيح كما قال النووي في " التدريب " (ص 208) وراجع له شرحه " التقريب " وإذا كان هذا في شيوخه فبالأولى أن لا يكون شيوخ شيوخه عدولا إلا إذا سموا، فكيف إذا لم يسموا؟!
الأخرى: قوله: " والمعترف له بزوال الجهالة.... ". أقول: إن كان يعني أن ذلك معترف به عند المحدثين، فقد كذب عليهم، فقد عرفت مما سردناه آنفا طائفة من الضعفاء من شيوخ شعبة مباشرة، فبالأولى أن يكون في شيوخ شيوخه من هو ضعيف أو مجهول، وكم من حديث رواه شعبة، ومع ذلك ضعفه العلماء بمن فوقه من مجهول أو ضعيف، من ذلك حديثه عن أبي التياح: حدثني شيخ عن أبي موسى مرفوعا بلفظ: " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا ".
فضعفوه بجهالة شيخ أبي التياح كما سيأتي برقم (2320) ، ومن ذلك حديث " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ... " الحديث. رواه شعبة بإسناده عن أبي المطوس عن أبي هريرة مرفوعا: فضعفه البخاري وغيره بجهالة أبي المطوس فراجع " الترغيب والترهيب " (2 / 74) ، و" المشكاة " (2013) ، و" نقد الكتاني " (35) . وإن كان يعني بذلك نفسه، أي أنه هو المعترف بذلك، فهو كاذب أيضا - مع ما فيه من التدليس والإيهام -، لأن طريقته في إعلال الأحاديث بالجهالة تناقض ذلك، وإليك بعض الأمثلة:
1 - عبد الرحمن بن مسعود، صرح في " النكت الطريفة " (ص 101) بأنه " مجهول " مع أنه من رواية شعبة عنه بالواسطة! وقد قمت بالرد عليه عند ذكر حديثه الآتي برقم (2556) وبيان تناقضه، وإن كان الرجل فعلا مجهولا.
2 - عمرو بن راشد الذي في حديث وابصة في الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى وراء الصف وحده. قال الكوثري في " النكت " (ص 28) : " ليس معروفا بالعدالة فلا يحتج بحديثه ". مع أنه يرويه شعبة بإسناده عنه، وهو
مخرج في " صحيح أبي داود " (683) ، و" إرواء الغليل " (534) . وراجع تعليق أحمد شاكر على الترمذي (1 / 448 - 449) ".
3 - وكيع بن حدس الراوي عن أبي رزين العقيلي حديث كان في عماء ما فوقه هو اء، وما تحته هو اء ... " قال الكوثري في تعليقه على " الأسماء " (ص 407) : " مجهول الصفة ". مع أنه يعلم أن شعبة قد روى له حديثا آخر عند الطيالسي (1090) وأحمد (4 / 11) . فما الذي جعل هؤلاء الرواة مجهولين عند الكوثري، وجعل الحارث بن عمرو معروفا عنده وكلهم وقعوا في إسناد فيه شعبة؟! الحق، والحق أقول: إن هذا الرجل لا يخشى الله، فإنه يتبع هو اه انتصارا لمذهبه، فيبرم أمرا أو قاعدة من عند نفسه لينقضها في مكان آخر متجاوبا مع مذهبه سلبا وإيجابا. وفي ذلك من التضليل وقلب الحقائق ما لا يخفى ضرره على أهل العلم. نسأل الله العصمة من الهوى. وبعد، فقد أطلت النفس في الرد على هذا الرجل لبيان ما في كلامه من الجهل والتضليل نصحا للقراء وتحذيرا، فمعذرة إليهم.
هذا ولا يهولنك اشتهار هذا الحديث عن علماء الأصول، واحتجاجهم به في إثبات القياس، فإن أكثرهم لا معرفة عندهم بالحديث ورجاله، ولا تمييز لديهم بين صحيحه وسقيمه، شأنهم في ذلك شأن الفقهاء بالفروع، إلا قليلا منهم، وقد مر بك كلام إمام الحرمين في هذا الحديث - وهو من هو في العلم بالأصول والفروع، فماذا يقال عن غيره ممن لا يساويه في ذلك بل لا يدانيه، كما رأت نقد الحافظ ابن طاهر إياه، ثم الحافظ ابن حجر من بعده، مع إنكاره على ابن طاهر سوء تعبيره في نقده. ثم وجدت لكل منهما موافقا، فقد نقل الشيخ عبد الوهاب السبكي في ترجمة الإمام من " طبقاته " عن الذهبي أنه قال فيه: " وكان أبو المعالي مع تبحره في الفقه وأصوله، لا يدري الحديث! ذكر في كتاب " البرهان " حديث معاذ في القياس فقال: هو مدون في " الصحاح " متفق على صحته. كذا قال، وأنى له الصحة، ومداره على الحارث بن عمرو وهو مجهول، عن رجال من أهل حمص لا يدري من هم؟ عن معاذ ".
ثم تعقبه السبكي بنحو ما سبق من تعقب الحافظ لابن طاهر، ولكنه دافع عنه بوازع من التعصب المذهبي، لا فائدة كبرى من نقل كلامه وبيان ما فيه من التعصب، فحسبك أن تعلم أنه ذكر أن الحديث رواه أبو داود الترمذي، والفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ " الصحاح " عليها.
فكأن السبكي يقول: فللإمام أسوة بهؤلاء الفقهاء في هذا الإطلاق! فيقال له: أو لوكان ذلك أمرا منكرا عند العلماء بالحديث؟! وفي الوقت نفسه فقد تجاهل السبكي قول الإمام في الحديث " متفق على صحته "، فإنه خطأ محض لا سبيل إلى تبريره أو الدفاع عنه بوجه من الوجوه، ولذلك لم يدندن السبكي حوله ولو بكلمة.
ولكنه كان منصفا حين اعترف بضعف الحديث، وأن الإمام صحح غيره من الأحاديث الضعيفة فقال: " وما هذا الحديث وحده ادعى الإمام صحته وليس بصحيح، بل قد ادعى ذلك في أحاديث غيره، ولم يوجب ذلك عندنا الغض منه ".
وأقول أخيرا: إن وصف الرجل بما فيه ليس من الغض منه في شيء، بل ذلك من باب النصح للمسلمين، وبسبب تجاهل هذه الحقيقة صار عامة المسلمين لا يفرقون بين الفقيه والمحدث، فيتوهمون أن كل فقيه محدث، ويستغربون أشد الاستغراب حين يقال لهم الحديث الفلاني ضعيف عند المحدثين وإن احتج به الفقهاء، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، تجدها مبثوثة في تضاعيف هذه " السلسلة "، وحسبك الآن هذا الحديث الذي بين يديك.
وجملة القول أن الحديث لا يصح إسناده لإرساله، وجهالة راويه الحارث بن عمرو، فمن كان عنده من المعرفة بهذا العلم الشريف، وتبين له ذلك فبها، وإلا فحسبه أن يستحضر أسماء الأئمة الذين صرحوا بتضعيفه، فيزول الشك من قلبه، وها أنها ذا أسردها وأقربها إلى القراء الكرام:
1 - البخاري.
2 - الترمذي.
3 - العقيلي.
4 - الدارقطني.
5 - ابن حزم.
6 - ابن طاهر.
7 - ابن الجوزي.
8 - الذهبي.
9 - السبكي.
10 - ابن حجر كل هؤلاء - وغيرهم ممن لا نستحضرهم - قد ضعفوا هذا الحديث، ولن يضل بإذن الله من اهتدى بهديهم، كيف وهم أولى الناس بالقول المأثور: " هم القوم لا يشقى جليسهم ". هذا ولما أنكر ابن الجوزي صحة الحديث أتبع ذلك قوله: " وإن كان معناه صحيحا " كما تقدم.فأقول: هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن وإنزاله إياه معه، منزلة الاجتهاد منهما. فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب.
وهذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم بل الواجب النظر في الكتاب والسنة معا وعدم التفريق بينهما، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن، وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه كما هو معلوم. ومن رام الزيادة في بيان هذا فعليه برسالتي " منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن ". وهي مطبوعة، وهي الرسالة الرابعة من " رسائل الدعوة
السلفية ". والله ولي التوفيق
____
(1) انظر " مقالات الكوثري " (ص 309) ، و" شروط الأئمة الخمسة " (ص 45) .(2) ولا يفوتني التنبيه على أن الحديثين المذكورين صحيحان رغم أنف الكوثري، وتعصبه المذهبي، وهما مخرجان في " إرواء الغليل " (2606 و1955) . اهـ.

أحمد علي
02-15-2024, 05:13 PM
نكارة حديث معاذ ( فإن لم تجد أجتهد رأيي ولا آلوا ) .؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : و لذلك كنت ذكرت في بعض كتبي أن من الأدلة على نكارة حديث معاذ بن جبل الذي يقول بأن الرسول عليه السلام كما زعم الحديث لما أرسل معاذا إلى اليمن قال له: "بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله قال: فإن لم تجد.؟ قال: أجتهد رأيي و لا آلوا قال عليه السلام: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله" هذا حديث منكر لماذا ؟ يستحيل بالنسبة لمن تخرج كما يقولون اليوم من مدرسة محمد صلى الله عليه و آله و سلم أن يفرق بين القرآن و السنة و أن يجعل السنة بالنسبة للقرآن كالرأي بالنسبة للسنة متى يلجأ العالم إلى الرأي إذا لم يجد في السنة جوابا متى يلجأ إلى السنة إذا لم يجد في القرآن جوابا هذا غير صحيح يجب الجمع بين الكتاب و السنة معا لأنهما يصدران من مشكاة واحدة بينما هذا الحديث ينزل السنة بالنسبة للقرآن منزلة الرأي بالنسبة للسنة متى يجتهد رأيه و لا يقصر؟ إذا لم يجد في السنة جوابا متى يلجأ إلى السنة؟ إذا لم يجد في القرآن جوابا هذا خطأ الأول صواب متى يلجأ إلى الرأي؟ إذا لم يجد في السنة متى يلجأ إلى السنة؟ إذا لم يجد في القرآن هذا خطأ لماذا ؟ الآن نسأل ميتة البحر ميتة الجراد حلال أم حرام؟ قال تعالى: { حرمت عليكم الميتت } أي وجدنا الجواب في القرآن لا يجب أن ننظر