المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منطلقات شرعيّة في نصرة خير البريّة ...



نواف النجيدي
04-17-2006, 06:54 PM
منطلقات شرعيّة في نصرة خير البريّة

عبدالعزيز الجليل 14/3/1427
12/04/2006

إنّ ما يشهده العالم الإسلامي هذه الأيام من غضبة عارمة، وحملة مباركة لنصرة سيد البشر نبينا -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عن عرضه الشريف أمام الهجمة الشرسة القذرة التي يشنها الغرب الصليبيّ الكافر على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وتتولى كِبرها بلاد الدنمرك الحاقدة، إن في هذه القوْمة المباركة لنصرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما يثلج الصدر، ويسرّ الخاطر، ويبثّ الأمل في النفوس، ويؤكّد أن أمة الإسلام أمّة مباركة ومرحومة، ولايزال فيها الخير والرصيد العظيم في مقاومة أعدائها والنّكاية بهم، حتى ولو كانت ذليلة مستضعفة؛ فكيف لو كانت قويّة ومتمكّنة.
ولقد ظهر في هذه الحملة قدرة الأمة على النهوض والتكاتف والتعاون على إلحاق الأذى الشديد بالعدو المتربص، وقد ظهر ذلك في هذه القوْمة الشاملة لمختلف شرائح الأمة رجالاً ونساءً, صغاراً وكباراً, أغنياء وفقراء, وعوام ومثقفين، وذلك في الكتابات الكثيرة المتنوعة لنصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك في المقاطعة المباركة التي آتت أُكُلَها وثمارها في إنهاك اقتصاد المعتدين.
أسأل الله -عز وجل- أن يبارك في جهود القائمين بهذه النصرة، سواء من كتب أو خطب، أو قاطع وهجر منتجات القوم، وليس هذا بكثير في نصرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، والذي هو أولى بنا من أنفسنا، والذي قال لنا ربنا سبحانه عنه: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 128].
والذي بلغ الكمال الإنساني في الشمائل والأخلاق وفي عبادة ربه سبحانه وتعالى، وكل هذا يفرض علينا أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأهلنا وأولادنا وأموالنا، وأن نفديه بالنفوس والمهج والأولاد والأموال.
وبما أن الحديث عن نصرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وعن حقوقه، وحقيقة أعدائه وحقدهم قد قام به المسلمون في شتى بلدان المسلمين بأقوالهم ورسائلهم وكتاباتهم ومقاطعتهم، فلن أكرّر ما كُتب وقيل؛ ففيه إن شاء الله الكفاية، غير أن هناك بعض الوصايا التي أنصح بها نفسي وإخواني المسلمين في ضوء هذا الحدث الجلل أرى أنها من حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهي من لوازم نصرته وموجبات محبته، ولكن قد تغيب عن بعضنا، وتُنسى في زحمة الردود واشتعال المشاعر والعواطف.

الوصية الأولى: قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (البخاري) .
وعندما سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم- "عن الرجل يقاتل شجاعة, ويقاتل حميّة, ويقاتل رياء، أيّ ذلك في سبيل الله؟" فقال:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". البخاري (2810), مسلم(1904).
والمقصود من إيراد هذين الحديثين الشريفين أن يحاسب كل منا نفسه، وهو يشارك في هذه الحملة المباركة للدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويتفقّد نيّته في قوْمته هذه، هل هي خالصة لله تعالى؟ أم أن هناك شائبة من شوائب الدنيا قد خالطت نيّته، كأن يُظهِر للناس غيرته وحرصه على الدين وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو تكون مجرد حميّة وعصبيّة ومفاخرة، أو إرادة دنيا ومكانة بين الناس، أو غير ذلك من الأغراض، وهذا عمل قلبي لا يعلمه إلا الله -عز وجل-، ومع إحسان الظنّ بالقائمين بهذه النصرة، وأنهم -إن شاء الله تعالى- إنما قاموا بذلك حباً لله –تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- إلاّ أن محاسبة النفس في هذا الشأن وغيره من العبادات أمر واجب على كل مسلم حتى يبارك الله -عز وجل- في الأعمال، ويحصل منها الأجر والثواب، وإلا ذهبت هباءً منثوراً؛ إن لم يأثم صاحبها ويُعاقب على ذلك.

الوصية الثانية:
قال الله تعالى: (
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). [آل عمران:31].
ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمنُ أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
[يقول الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند آية آل عمران، هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمديّة، فإنّه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمديّ، والدين النبويّ في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردّ".
ولهذا قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) .[آل عمران: من الآية31].
أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه, وهو محبته إياكم؛ وهو أعظم من الأول, كما قال بعض الحكماء العلماء؛ ليس الشأن أن تُحِبَّ, إنما الشأن أن تُحَبَّ.
وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) . [آل عمران: 31] .
ويقول الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى-: "لما كثر المدّعون للمحبة طولبوا بإقامة البيّنة على صحة الدعوى؛ فلو يُعطى الناس بدعواهم لادّعى الخليّ حرقة الشجيّ، فتنوّع المدّعون في الشهود، فقيل: لا تُقبل الدعوى إلا ببيّنة: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) . [آل عمران: 31].
"فتأخر الخلق كلهم, وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأخلاقه.[من مدارج السالكين 3/9[.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: "فكل من ادّعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب, ليست محبته لله وحده, بل إن كان يحبه فهي محبة شرك, فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود والنصارى محبة الله, فإنهم لو أخلصوا له المحبة لم يحبوا إلا ما أحب, فكانوا يتبعون الرسول, فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس محبة المشركين, وهكذا أهل البدع، فمن قال؛ إنه من المريدين لله المحبين له، وهو لا يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به وترك ما نهى عنه, فمحبته فيها شوب من محبة المشركين واليهود والنصارى, بحسب ما فيه من البدعة، فإن البدع التي ليست مشروعة، وليست مما دعا إليه الرسول لا يحبها الله، فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله. فأمر بكل معروف ونهى عن كل منكر".] الفتاوى 8/361,360[.
والمقصود من إيراد الآية التي في سورة آل عمران، وكلام أهل العلم عندها, وكذلك الحديث، التنبيه في هذه الحملة المباركة إلى أن يراجع كل منا نفسه، ويختبر صدق محبته لله –تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- في قوْمته ونصرته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ إن علامة حبنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصدقنا في نصرته أن نكون متّبعين لشرعه وسنته، وألاّ يكون في حياتنا أمور تسيء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتؤذيه، فنقع في التناقض بين ما نقوم به من النصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبين أحوالنا، فيقع الفصام النكد بين القول والعمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2-3].
* فيا أيها الذي تعبد الله تعالى بغير ما شرع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقام لنصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: زادك الله غيرة وغضباً لله –تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن اعلم أن الذي قمت لنصرته هو القائل: "من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردّ". (البخاري:2697).
وعليه فإن أي ابتداع في الدين سواء كان ذلك في الأقوال أو الأعمال مما يؤذي نبينا محمداً- صلى الله عليه وسلم- ويسيء إليه، فاحذرْ أن تكون ممن يدّعي محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في نفس الوقت يؤذيه ويعصيه؛ فإن هذا يقدح في صدق المحبة والاتّباع, ويتناقض مع نصرته ونصرة سنته، وأشنع من هذا من يدّعي محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ونصرته ثم هو يقع في الشرك الأكبر، ويدعوه أو يدعو علياً والحسين وغيرهم من الأولياء من دون الله، أو يؤذي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بسبّ أزواجه أو أصحابه، فإن كل ذلك يدل على كذب أولئك المدّعين.
* ويا أرباب البيوت والأسر الذين قمتم لنصرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إن هذا منكم لعمل طيب مشكور؛ ولكن تفقّدوا أنفسكم فلعل عندكم، وفي بيوتكم، وبين أهليكم ما يغضب الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من آلات اللهو، وقنوات الإفساد، ومجلات اللهو والمجون، فإن كان كذلك فاعلموا أن إصراركم عليها واستمراءكم لها لممّا يسيء إلى الرسول ويؤذيه، ويتناقض مع صدق محبته؛ إذ إن صدق المحبة له تقتضي طاعته واتّباعه؛ لأنّ المحبّ لمن يحب مطيع.
* ويا أيها التاجر الذي أنعم الله تعالى عليه بالمال والتجارة، إنه لعمل شريف، وكرم نبيل أن تهب لنصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتهجر وتقاطع منتجات القوم، الكفرة الذين أساؤوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآذوه، ولكن تفقّد نفسك ومالك عسى ألاّ تكون ممن يستمرئ الربا في تنمية أمواله، أو ممن يقع في البيوع المحرمة، أو يبيع السلع المحرمة التي تضر بأخلاق المسلمين وأعراضهم وعقولهم، فإن كنت كذلك فحاسبْ نفسك وراجعْ صدق محبتك للرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي قمت لنصرته، ألا تعلم أنك بأكلك الربا تُعدّ محارباً لله –تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وصِدْق القيام لنصرته، قال الله تعالى: (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة: 278- 279].
ألا تعلم أنّ الأولى بالمقاطعة والهجْر هو هجْر ما حرم الله -عز وجل- من الربا والبيوع المحرّمة, والسلع المحرّمة التي قد استمرأها الكثير من التجار؟ قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". (البخاري :10) .
ولا يعني هذا التهوين من مقاطعة منتجات القوم بل أرى الصمود في ذلك، ولكن أردت التنبيه إلى ضرورة تخليص حياتنا من هذه الازدواجية وعدم المصداقية.
* ويا أيها القائمون على المؤسسات الإعلامية من صحافة وإذاعات، وقنوات فضائية في بلدان المسلمين، إنه لعمل مشكور هذا الذي تشاركون به في حملة الانتصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن ألا يعلم بعضكم أنه يعيش حالة من التناقض، إن لم يكن ضرباً من النفاق، وذلك عندما يدّعي محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونصرته ممن أساء إليه من الكَفَرة، ثم هو في نفس الوقت يبث في صحيفته أو إذاعته، أو تلفازه أو قناته الفضائية ما يسيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويؤذيه، وذلك مما حرّم الله -عز وجل- وحرّمه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من إشاعة الفاحشة، وتحسين الرذيلة، وبثّ الشبهات والشهوات، والنّيْل من أولياء الله -عز وجل- وأولياء رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والاستهزاء بهم وبسمْتهم وهدْيهم وعقيدتهم، والله -عز وجل- يقول: "مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب". (البخاري:11/292).
فكيف تعرضون أنفسكم لحرب الله -عز وجل-، وأنتم تدّعون نصرة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والذبّ عنه، إن الذبّ عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- إنما يكون بالتزام سنته والذبّ عنها، والتوبة من كل ما يقدح فيها، والتزام طاعته صلى الله عليه وسلم، والصدق في محبته, وإلاّ كان هذا الانتصار مجرّد ادّعاء، ومفاخرة ونفاق نعوذ بالله من ذلك.
* ويا أصحاب الحلّ والعقد في بلدان المسلمين، إن أمانتكم لثقيلة، فالحكم والتحاكم بأيديكم, والإعلام والاقتصاد بأيديكم، والتربية والتعليم بأيديكم، وحماية أمن المجتمع، وحماية الثغور بأيديكم، فما أعظم أمانتكم ومسؤوليتكم أمام ربكم -عز وجل-، وأمام أمتكم! فهل تعلمون أن من رفض منكم الحكم بما أنزل الله -عز وجل-، واستحلّ ما حرّم الله -عز وجل- إنما هو من أعظم المسيئين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمناوئين له؟ وأنّ مَن أقام اقتصاده على الربا والمعاملات المصرفية المحرمة إنما هو من المؤذين والمحاربين لله -عز وجل-، ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟ وأن مَن مكّن لأهل الشر والإفساد والشبهات والشهوات في إعلام الأمة ليفسدوا عقائد الناس وعقولهم وأعراضهم، إنما هو من أشد المؤذين والمبغضين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن من تولى الكفرة ووادّهم وقرّبهم من دون المؤمنين فهو من المحادّين لله –تعالى- ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟ إذا علمنا جميعاً هذه المُسلّمات, وعلمنا أن هذه الممارسات المسيئة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- موجودة في أكثر بلدان المسلمين اليوم، فما قيمة أن يقوم بعض حكام هذه البلدان بإظهار الشجب والغضب لمن أساء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إعلام الغرب الكافر، وهم من أعظم المسيئين إليه عليه الصلاة والسلام، برفْض شرعه وموادّة أعدائه؟ إن هذا -لعمر الله- لهو التناقض والنفاق والتدليس والتلبيس؛ إذ إنّ مَن كان صادقاً في حبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصادقاً في غضبه وانتصاره ممن أساء إليه يكون من أول المتّبعين لسنته صلى الله عليه وسلم وشريعته، لا من الرافضين والمناوئين لها!!
وفي ختام هذه الوصية أرجو ألاّ يُفهم من كلامي أني أهوّن من هذه الحملة القوية لنصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عن عرضه الشريف، أو أني أدعو إلى تأجيلها حتى تصلح أحوالنا حكاماً ومحكومين، كلا بل إني أدعو إلى مزيد من هذا الانتصار والمقاطعة والتعاون في ذلك، كما هو الحاصل الآن والحمد لله رب العالمين، ولكنني أردت أيضاً الالتفات إلى أحوالنا وتفقّد إيماننا، وصدقنا في محبتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والانتصار له، بأن نبرهن على ذلك بطاعته عليه الصلاة والسلام، واتّباعنا لشريعته والذبّ عنها، والاستسلام لها باطناً وظاهراً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة: 208].
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) . [الأحزاب:36].
وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) . [النساء: 6].


الوصية الثالثة:
إن ما حصل من إساءة إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الإعلام الدنمركي والنرويجي، جرم عظيم ينمّ عن حقد متأصل في قلوب القوم، ولكن ينبغي ألاّ تنسينا مدافعة هؤلاء القوم مَن هو أشد منهم خبثاً وحقداً وضرراً على المسلمين، ألا وهي طاغية العصر أمريكا؛ إذ جمعت الشر كله، فوقعت فيما وقع فيه هؤلاء من الإساءة إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإهانة كتاب ربنا سبحانه وتنجيسه وتمزيقه على مرأى من العالم، وزادت على القوم بقتل أهلنا ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان والعراق وفلسطين، وسامت الدعاة والمجاهدين سوء العذاب في أبي غريب وأفغانستان، وسجونها السرية في الغرب والشرق، فيجب أن يكون لها الحظ الأكبر من البراءة والانتصار منها لربنا -عز وجل- ولكتابه سبحانه، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن ننبه الناس في هذه الحملة الميمونة إلى هذا العدو الأكبر، وأنه يجب أن يكون في حقه من إظهار العداوة له، والبراءة منه، ومقاطعته كما كان في حق الدنمرك بل أكثر وأشد.
وأتوجه بهذه المناسبة إلى المنادين بمصطلح (نحن والآخر)، والمطالبين بالتسامح مع الآخر الكافر وعدم إظهار الكراهية له، لأقول لهم: هذا هو الآخر الذي تطلبون ودّه، وتتحرّجون من تسميته بالكافر، إنه يرفض ودّكم، ويعلن كراهيته لديننا ونبينا، وكتاب ربنا سبحانه، فماذا أنتم قائلون؟! وهذا من عدونا غيض من فيض، وصدق ربنا سبحانه؛ إذ يقول في وصفهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) . [آل عمران: 118].

الوصية الرابعة: إن من علامة صدق النصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألاّ نفرق في بغضنا وغضبتنا بين جنس وآخر ممن آذى نبينا عليه الصلاة والسلام، وأساء إليه أو إلى دين الإسلام؛ بل يجب أن تكون غضبتنا لله تعالى، وتكون عداوتنا لكل من أساء إلى ربنا أو ديننا أو نبينا -صلى الله عليه وسلم-، من أي جنس كان، ولو كان من بني جلدتنا ويتكلم بألسنتنا. كما هو الحاصل من بعض كتّاب الصحافة والرواية، وشعراء الحداثة، والذين يلمّحون تارة، ويصرّحون تارة أخرى بالنيل من أحكام ديننا وعقيدتنا، وإيذاء نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بل وصل أذاهم وسبّهم للذات الإلهيّة العليّة، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً، فأين غضبتنا على هؤلاء؟! وأين الذين ينتصرون لله –تعالى- ودينه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من فضْح هؤلاء والمطالبة بإقامة حكم الله فيهم، ليكونوا عبرة لغيرهم؟! إن الانتصار من هؤلاء لا يقلّ شأناً من الانتصار ممن سبّ ديننا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في دول الغرب الكافر، يقول الله -عز وجل-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . [المجادلة:22].

الوصية الخامسة:
يقول الله -عز وجل-: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) . (الإسراء: 36).


يقول الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى-: "عند هذه الآية بعد أن ذكر أقوال أهل العلم، ومضمون ما ذكروه أن الله –تعالى- نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوّهم والخيال، كما قال –تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) . (الحجرات: 12).
وفي الحديث: "إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث".
وفي سنن أبي داوود: "بئس مطيّة الرجل زعموا".
وقوله: (كل أولئك) أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد (كان عنه مسؤولا): أي سيُسأل العبد عنها يوم القيامة، وتُسأل عنه وعمّا عمل فيها" أ.هـ .
وفي ضوء هذه الآية الكريمة، وما ورد في معناها نخرج بمنهج عادل وقويم في التعامل مع الأحداث، والمواقف ينصحنا الله -عز وجل- به، حتى لا تزلّ الأقدام، وتضلّ الأفهام، وحتى لا يقع المسلم في عاقبة تهوّره وعجلته، وذلك بألاّ ينساق وراء عاطفته وحماسته الثائرة دون علم وتثبّت مما رأى أو سمع، فيقول بلا علم، أو يتّخذ موقفاً دون تثبّت وتروي.
إن المسلم المستسلم لشريعة ربه سبحانه محكوم في جميع أقواله ومواقفه وحبه وبغضه، ورضاه وسخطه بما جاء في الكتاب والسنة من الميزان العدل، والقسطاس المستقيم، فإن لم يضبط المسلم عاطفته وحماسه بالعلم الشرعي، والعقل والتروي، فإن حماسته هذه قد تجرّه إلى أمور قد يندم على عجلته فيها.
والمقصود هنا التحذير من العجلة، والجوْر في الأحكام، والمواقف خاصة عندما تكثر الشائعات، ويخوض فيها الخائضون بلا علم أو عدل، بل لابد من التثبّت ومشاورة أهل العلم والشرع، وأهل الفهم بالواقع.
ومن أمثلة هذه المواقف المتسرّعة في هذا الحدث، ما تناقلته بعض المطويّات ورسائل الجوّال من وجوب المقاطعة لبضائع كثيرة بعضها ليست من منتجات القوم المقصودين بالمقاطعة, ومن ذلك التسرّع في الحكم على مَن لم يقاطع بأنه آثم لا يحبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكما جاء في قول القائل: (قاطع من لم يقاطع)، ومن ذلك الإكثار من الرؤى و المنامات, والاستناد عليها في تصحيح موقف ما أو تخطئته.

فهذا ما يسّره الله -عز وجل- من هذه الوصايا التي أخصّ بها نفسي وإخواني المسلمين في كل مكان؛ مع التأكيد على ضرورة الصمود والمصابرة في البراءة من القوم، ومقاطعة منتجاتهم، فما كان في هذه الوصايا من صواب فمن الله -عز وجل-، فهو الأمان بذلك، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله -عزّ وجلّ- وأتوب إليه، والحمد لله رب العالمين.



منقووووووول من إسلام اليوم

عاصفة الشمال
04-17-2006, 08:36 PM
أخي الفاضل / الـــــــــــــزاد


بــــــــــــارك الله فيكم وفي كاتب هذه السطور النافعة


وصـــــــــايا تستحق النقل ليقف عندها كل مسلم ومسلمة


جــــــــــــزاكم الله كل خير ونفع بعلمكــــــــــــم ..

عايش سالم البلوي
04-17-2006, 09:20 PM
خي / الزاد


بارك الله فيك ونفع بطرحك
وجعلها في موازين حسناتك

ننتظر جديدك

نواف النجيدي
04-18-2006, 12:33 AM
أختي عاصفة الشمال بارك الله فيك
على المرور العطر أسال الله العلى العظيم أن ينفع بمانقدم

نواف النجيدي
04-18-2006, 12:33 AM
عايش البلوي
شكرا لك على المرور العطر وأسال الله ان لايحرمك الأجر

ابو باسل العرادي
04-18-2006, 08:17 PM
جزاك الله خير اخي الزاد

على هذا الموضوع المفيد

نواف النجيدي
04-18-2006, 08:20 PM
بارك الله فيك
أخي أبو باسل أسال الله
أن لا يحرمك الأجر