المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحكام النكاح والخطبة



عمر البلوي
09-19-2003, 01:22 AM
أحكام النكاح والخطبة



من الملخص الفقهي



لسماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى




*أحكام النكاح*



تمهيد:



هذا الموضوع لهُ أهمية بالغةٌ, جعلت الفقهاء يجعلون له في مصنفاتهم مكانا رَحبًا, يفصلون فيه أحكامَه, ويوضحون فيه مقاصده وآثاره؛ لأنه مشروع في الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: << فانكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع>>-النساء/3-, ولما ذكر النساء اللاتي يحرُمُ التزوجُ منهن؛ قال تعالى: <<وأُحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين>>-النساء/24-.
والنبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على الزواج ورغبَ فيه فقال: (( يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر, وأحصن للفرج...))-متفق عليه-, وقال عليه الصلاة والسلام: (( تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأُمم يوم القيامة))-أبو داود والنسائي-.
*والنكاح يترتب عليه مصالح عظيمة:
- منها: بقاءُ النسل البشري, وتكثير عدد المسلمين, وإغاظةُ الكُفار بإنجاب المجاهدين في سبيل الله والمدافعين عن دينه.
- ومنها: إعفافُ الفروج, وإحصانها, وصيانتها من الاستمتاعِ المحرمِ الذي يُفسدُ المجتمعات البشرية.
- ومنها: قيام الزوج على المرأة بالرعاية والإنفاق؛ قال تعالى: << الرجال قوامون على النساء بِمَا فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم>>-النساء/34-
- ومنها: حصول السكن والأُنس بين الزوجين, وحُصولُ الراحةِ النفسية؛ قال تعالى: << ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها>>-الروم/21-, وقال تعالى: << هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعلَ منها زوجهَا ليسكن إليها>>-الأعراف/189-.
- ومنها: أنه حماية للمجتمعات البشرية من الوقوع في الفواحش الخُلُقية التي تهدمُ الأخلاق وتقضي على الفضِيلةِ.
- ومنها: حفظُ الأنسابِ, وترابط القرابة والأرحام بعضها ببعضٍ, وقيامُ الأُسرِ الشريفة التي تسودها الرحمة والصلة والنصرة على الحق.
- ومنها: الترفُّعُ ببني الإنسان عن الحياة البهيمية إلى الحياة الإنسانية الكريمة.
إلى غير ذلك من المصالح العظيمة التي تترتب على النكاح الشرعي الشريف النظيف, القائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
*والنكاح عقدٌ شرعي يقتضي حِلَّ استمتاع كل من الزوجين بالآخر, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( استوصُوا بالنساءِ خيرًا؛ فإنهن عوانٍ عندكم))-الترمذي-, و في رواية: (( استحللتم فروجهن بكلمة الله)).
*وعقد النكاح ميثاق بين الزوجين؛ قال تعالى: << وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا>>-النساء/21-؛ فهو عقد يُوجِبُ على كل من الزوجين نحو الآخر الوفاءَ بمقتضاه؛ قال تعالى: << يا أيها الذين أمنوا أوفُوا بالعُقُود>>-المائدة/1-.
*ويُباحُ لمَن عنده المقدرة والأمن من الحيف أن يتزوجَ بأكثر من واحدة؛ قال تعالى: << فانكوا ما طاب لكم من النساءِ مثنى وثُلاثَ ورباعَ, فإن خِقتم ألا تعدلوا فواحدة أو>>-النساء/3-, والعدل المطلوب هنا, هو العدلُ المستطاعُ, وهو: التسوية بين الزوجات في النفقة والكِسوة والمسكنِ والمبيتِ.
*وإباحةُ تعدد الزوجات من محاسن هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمانٍ ومكانٍ؛ لما فيه من المصالح العظيمة للرجال والنساءِ والمجتمعاتِ:
-لأنه من المعلوم كثرة عدد النساء على عدد الرجال مع ما يعتري الرجال من الأخطار التي تقلل عددهم؛ كأخطار الحروب والأسفار, مما ينقرضُ معه كثرة الرجال, ويتوفر به عددُ النساءِ, فلو قُصِرَ الرجُلُ على واحدةٍ؛ تعطلَ كثير من النساء.
-وكذلك معروف ما يعتري المرأة من الحيض والنفاس, فلو مُنعَ الرجل من التزوج بأُخرى؛ لمَرَّت عليه فتراتٌ كثيرة يُحرمُ فيها من المتعة والإنجاب.
-ومعروف أن الاستمتاع بالمرأة استمتاعًا كاملاً ومثمِرًا ينتهي ببلوغها سِن اليأس, وهو بلوغ الخمسين من عمرها؛ بخلاف الرجُلِ؛ فإنه تستمر صلاحيته للاستمتاع والإنجاب إلى سن الهَرَمِ, فهو قُصِرَ على واحدةٍ؛ لفاتَ عليه خير كثير, وتعطلت عنده منفعة الإنجاب والنسلِ.
والحكم البالغة في إباحة تعددِ الزوجات كثيرة؛ فقاتل الله من يحاولُ سد هذا الطريق وتعطيل هذه المصالحِ.
*والنكاح من حيث الحكم الشرعي على خمسة أنواع: تارة يكون واجبًًا, وتارة يكون مُستحبًا, وتارة يكون مُباحًا, وتارة يكون حرامًا, وتارة يكون مكروهًا:
--فيكون النكاح واجبًا على من يخاف على نفسه الزنى إذا تركه؛ لأنه طريقٌ لإعفاف نفسه من الحرام, وفي هذه الحالةِ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وإن احتاج الإنسان إلى النكاح, وخاف العنَتَ بتركه؛ قَدَّمهُ على الحج الواجب)-حاشية الروض المربع-. وقال غيره: يكونُ له أفضلَ من الحج التطوع والصلاة والصوم التطوع.
قالوا: ولا فرق في هذه الحالة بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه.
قال الشيخ تقي الدين: ( ظاهر كلام أحمد والأكثرين عدم اعتبار الطَّولِ؛ لأن الله وعَدَ عليه الغنى بقوله: << إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله>>-النور/32-, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصبح وما عنده شيءٌ, ويمسِي وما عنده شيءٌ-متفق عليه-, وزوج رجلاً لم يقدر على خاتم من حديد-متفق عليه-).
-ويُستحبُّ النكاح مع وجود الشهوة وعدم الخوف من الزنى؛ لاشتماله على مصالح كثيرةٍ للرجالِ والنساءِ.
-ويباحُ النكاحُ مع عدم الشهوةِ والميل إليه؛ كالعِنينِ والكبير, وقد يكون مكروهًا في هذه الحالة؛ لأنه يفوتُ على المرأةِ الغرض الصحيح من النكاح, وهو إعفافها, ويُضرُّ بها.
-ويحرم النكاح على المسلم إذا كان في دار كُفار حربيين؛ لأن فيه تعريضًا لذريته للخطر واستيلاء الكفار عليهم, ولأنه لا يأمن على زوجته منهم.
*ويُسنُّ نكاحُ المرأة الدَّيَّنَةِ ذات العفاف والأصل الطيب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( تنكحُ المرأة لأربع: لمالها, ولحسبها, ولجمالها, ولدينها؛ فاظفر بذاتِ الدين, تربتْ يداكَ))-متفق عليه-.
وقد ورد النهي عن نكاح المرأة لغير دينها؛ قال صلى الله عليه وسلم: (( لا تنكحوا النساء لحُسنِهن فلعله يُرديهن, ولا لمالهنَّ فلعله يُطغيهن, وانكحوهن للدين))-ابن ماجة-.
*وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار البِكرِ, فقال لجابرٍ رضي الله عنه: (( فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟))-متفق عليه-, ولما في زواج البكر من الألفة التامة؛ حيث لم يسبق لها التزوج بمن قد يكون قلبها متعلقًا به؛ فلا تكون حاجتها للزوج الأخير تامة. ويُسن اختيار الزوجة الولود؛ أي: بأن تكون من نساءٍ يُعرفنْ بكثرة الأولاد؛ لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))-النسائي وغيره-, وجاء في معناه أحاديث.
*وحُكْمُ التزوج يختلف باختلاف حال الشخص وقدرته الجسمية والمالية واستعداده لتحمل مسؤوليته.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج المبكر؛ لأنهم أحوجُ إليه من غيرهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاءٌ))-متفق عليه-.
و((الباءة)): قيل هي الجماع, وقيل: هي مُؤنُ النكاحِ, و لا تنافي بين القولين؛ لأن التقدير: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاحِ.
وقوله: ((أغض للبصر))؛ أي: أدفعُ لعين المتزوج عن النظر إلى الأجنبية.
وقوله: ((أحصن للفرج))؛ أي: أشد منعًا وحِفظًا له من الوقوع في الفاحشةِ.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (( ومن لم يستطع))؛ أي: لايقدر على النكاح ومؤنه: ((فعليه بالصوم))؛ أي: يتخذُ الصوم علاجًا بديلاً. ((فإنه له وجاءٌ))؛ أي: يدفعُ الشهوة ويجنبه خطرها كما يقطعها الوجاءُ, وهو الاختصاءُ؛ لأن الصائم بتقليل الطعام والشراب يحصلُ له انكسار الشهوة, ويحصل له شعورٌ خاص في حال الصيام من خشية الله وتقواه؛ كما قال تعالى: << يأيها الذين أمنوا كُتبَ عليكم الصيام كَمَا كُتِبَ على الذين من قبلكُم لعلكم تتقون>>-البقرة/183-, وقال تعالى: << وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون>>-البقرة/184-.
فأمر صلى الله عليه وسلم بمقاومة الشهوةِ واتقاء خطرها بأمرين مرتبين: الأمر الأول: الزواج عند المقدرة عليه, والثاني: الصيام لمن لم يقدر على الزواجِ؛ مما يَدُلُّ على أنه لا يجوز للإنسان أن يترك نفسه في مدارج الخطر, وهذا كقوله تعالى: <<وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم...>>-النور/32-, إلى قوله تعالى: << وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله>>-النور/33-



****



*أحكام الخِطبةِ*


*قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا خَطَبَ أحدُكم امرأةً؛ فقدر أن يرى منها بعضَ ما يدعوه إلى نكاحها؛ فليفعل))-رواه أحمد وأبو داود-, وفي حديث آخر: ((انظُر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما))-الترمذي, النسائي و ابن ماجة-.
فدل ذلك على الإذن في النظر إلى ما يظهر من المخطوبة غالبًا, وأن يكون ذلك من غير علمِها ومن غير خلوةٍ بها.
قال الفقهاءُ: (ويباحُ لمن أرادَ خِطبةَ امرأة وغلب على ظنه إجابتُه: نظرُ ما يظهرُ غالبًا, بلا خلوةٍ, إن أمن من الفتنة)انتهى.
وفي حديث جابرٍ: (( فكنتُ أتخبأُ لها, حتى رأيتُ منها بعضَ ما دعاني إلى نكاحها))-رواه أحمد وأبو داود-.
فدل ذلك على أنه لا يخلو بها, ولا تكون هي عالمة بذلك, وأنه لا ينظر منها إلا ما جرت العادة بظهوره من جسمها, وأن هذه الرخصة تختص بمن غلبَ على ظنه إجابته إلى تزوجها, فإن لم يتيسر له النظر إليها؛ بعث إليها امرأة ثقة تتأملها ثم تصفها له؛ لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أُمَّ سليمٍ تنظر امرأة, رواه أحمد.
*ومن استُشير في خاطب أو مخطوبة؛ وجب عليه أن يذكر ما فيه من مساوئ وغيرها, ولا يكون ذلك من الغيبة.
*ويحرُمُ التصريح بخِطبةِ المعتدة؛ كقوله: أُريدُ أن أتزوجك؛ لقوله تعالى: <<ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبةِ النساءِ>>-البقرة/235-؛ فأبح التعريض في خطبة المعتدة, وهو أن يقول مثلاً: إني في مِثلكِ لراغبٌ, أو: لا تفوتني بنفسكِ. فدل ذلك على تحريم التصريح؛ كقوله أريد أن أتزوجكِ؛ لأن التصريح لا يحتمل غير النكاحِ؛ فلا يُؤمنُ أن يحملَها الحرصُ على أن تخبِرَ بانقضاءِ عدتها قبل انقضائها.
قال الإمام ابن القيم: ( حَرَّمَ خطبةَ المعتدة صريحًا, حتى حرمَ ذلك في عدو الوفاةِ, وإن كان المرجعُ في انقضائها ليس إلى المرأة؛ فإن إباحة الخِطبةِ قد تكون ذريعةً إلى استعجال المرأة بالإجابة, والكذب في انقضاءِ عدتِها)-حاشية الروض المربع-.
وتُباحُ خِطبةُ المعتدة تصريحا وتعريضًا لمطلقها طلاقًا بائنًا دونَ الثلاث؛ لأنه يُباحُ له نكاحها في عدتها).
وقال الشيخ تقي الدين: (يباحُ التصريح والتعريضُ من صاحب العدة فيها إن كان ممن يَحِلُّ له التزوج بها في العِدةِ)-حاشية الروض المربع-.
*وتُحرمُ خطبته على خِطبة أخيه المسلم؛ فمن خطبَ امرأة, وأُجيب إلى ذلك؛ حَرمَ على غيره خِطبتُها, حتى يأذن بذلك أو يَرُدَّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)), رواه البخاري والنسائي, وروى مسلم: ((لا يَحِلُّ للمؤمن أن يخطبَ على خطبة أخيه حتى يَذَر))-رواه مسلم-.
وفي حديث ابن عمر: ((لا يخطبُ أحدكم على خِطبةِ أخيه)), متفق عليه, وللبخاري: ((لا يخطب الرجلُ على خِطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له)).
فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على تحريم خِطبةِ المُسلم على خِطبةِ أخِيهِ؛ لما في ذلك من الإفساد على الخاطب الأول, وإيقاع العداوة بين الناس, والتعدي على حقوقهم, فإذا رُدَّ الخاطِبُ الأولُ, أو أَذِنَ للخاطب الثاني, أو تركَ تِلكَ المرأة؛ جاز للثاني أن يخطبَ تلك المرأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى يأذن أو يترك)), وهذا من حرمة المسلم, وتحريم التعدي عليه.
وبعض الناس لا يبالي بذلك, فيُقدِم على خِطبةِ المرأة, وهو يعلم أنه مسبوق إلى خطبتها, وأنها قد حَصَلت الإجابة, فيعتدي على حق أخيه, ويفسد ما تم من خطبته, وهذا محرمٌ شديد التحريم, وحري بمن أقدم على خطبة امرأةٍ وهو مسبوق إليها- مع إثمه الشديد- أن لا يوفق وأن يُعاقبَ.
فعلى المسلم أن يتنبه لذلك, وأن يحترم حقوق إخوانه المسلمين؛ فإن حق المسلم على أخيه المسلم عظيم؛ لا يخطب على خِطبته, ولا يبيع على بيعه, ولا يؤذيه بأي نوعٍ من الأذى.

موسى بن ربيع البلوي
09-19-2003, 01:54 AM
س1
بارك الله فيك
و جزاك الله خيرا
الحقيقه ان الناس بحاجة الى التبصر بمثل هذه المواضيع التي عادة ما يكون طرحها و نقاشها قليل ..

كذلك ايضا مسائل الطلاق ... بحاجة الى مزيد طرح و ان شاء الله انك تتحفنا بها في المستقبل القريب

عمر البلوي
09-19-2003, 01:57 AM
جزاك الله خير اخي ابو نادر .
وبالنسبة لموضوع الطلاق باذن الله سوف اتكلم عنه . وتامر امر ياابونادر.
وفقك الله لكل خير

بدر البلوي
09-19-2003, 02:54 PM
مشكور
لقد اتضحت لي امور كثيرة