المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللقاء والحوار الساخن مع معالي الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله



عمر البلوي
09-22-2003, 02:12 PM
اللقاء والحوار الساخن مع معالي الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله لكل خير مع جريدة " الوطن "


الجزء الأول

الرياض : سليمان العقيلي
في هذا الظرف الدقيق الذي تواجه فيه الأمة محنة النيل من عقيدتها ودينها بسبب ما استند عليه منفذو الأعمال الإرهابية من اجتهادات عقدية. وبسبب ما وجه إلى المملكة ورسالتها الدينية من اتهامات بعدم التسامح وتشجيع التطرف. كان لا بد من الحوار مع واحد من كبار قادة المؤسسة الدينية السعودية، هو وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. الذي عرف ليس بوصفه رجل دولة فحسب, بل أيضاً بصفته عالماً شرعياً ومفكراً إسلامياً ضليعاً.
الشيخ صالح ألقى الضوء على مناطق خافتة في الدعوة السلفية وبين أنها دعوة اجتهادية لا تقدس الأشخاص. كما تطرق إلى أحداث 11 سبتمبر. ونفى أي دور لتراجع دور العلماء في انتشار التطرف والعنف، مستشهداً بأن هذا حصل في وقت الخلفاء الراشدين وهم أفضل علماً وأكثر خيرية. لكن الشيخ الذي أبرز تسامح الدعوة السلفية ووسطيتها، لم يتزحزح قيد أنملة عن ما يراه ثوابت في صحيح الدين. فإلى نص الحوار:

أحداث 11 سبتمبر عن هجمات 11 سبتمبر وبمناسبة مرور عامين عليها، تردد أن الهجمات ذات دافع ديني، وقال آخرون إنها ذات دوافع سياسية أعطيت تخريجات فقهية دينية. في رأيكم ما هي الدوافع؟
- أعتقد أن أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من أقوال واتهامات وإفرازات وتكوين مجموعات سواء في أمريكا أو الوطن العربي والإسلامي. مازالت تحتاج إلى المزيد من الدراسة لفهم الأمر أولاً. ثم لتحليل معطيات هذا الحدث وما نتج عنه. وإلى الآن أنا لم أقف على دراسة جادة ومتكاملة حول هذا الموضوع. لكن يمكن أن أجمل القول في محاور عامة لفهم هذه القضية :
أولاً: يجب دائماً أن نفرق ما بين ما يفسر وبين ما يبرر فقد تكون هناك قضايا يوجد تفسير لها. وقد يعرض التفسير على أنه تبرير. من تعاطى مع هذا الموضوع من جانب من أوقعوا هذه الهجمات وعملوا بها أو في الجانب الآخر ممن واجهوا هذا الفعل برد فعل. لم يفرقوا بين التبرير والتفسير. لا أحد يبرر الاعتداء على إنسان بدون وجه حق. وفي الشرع ونصوص القرآن والسنة قاطعة مليئة وهي معلومة حول هذا الأمر. بل جعل الله من إحياء النفس كإحياء الناس جميعاً فقد قال الله تعالى "ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً".
فهناك أشياء تفسر ما وقع من وجود بعض المظالم، ووجود الاعتداءات، ووجود السياسات الانتقائية. ووجود بعض الظلم من واقع الممارسات التي يواجه بها المسلمون هنا وهناك. وهذه فسرت قيام مجموعات بتكوين خلايا وجماعات جعلتها تقوم بشكل أو بآخر بهذه الأعمال. ومهما حصل نحن نقول إنه لا يبرر لهم القيام بما حدث لأن فعل هذه التفجيرات في أي مكان - حتى طالتنا هنا في المملكة العربية السعودية - هذه كلها مضادة لأصل الشريعة والكتاب والسنة وإجماع أهل العلم. كذلك الجهة المضادة مما صدر عن دوائر الإعلام الأمريكي والقرار الأمريكي من وجود ما يضاد هذا الأمر. ويبرر لهم كل ما فعلوه في مضادة ما حدث في 11 سبتمبر. أعتقد كنا في حاجة لمزيد من الدراسة والعقلانية في معالجة الأمور، حتى لا تتفاقم لأن من أصعب الأشياء؛ هو التعامل مع النفس الإنسانية، فالنفس ليست حالة تعطيها شيئاً وتتوقع منها مخرجاً معيناً. وليست مصنعاً أو شركة تعطيها معطيات وتجد مخرجاً, النفس الإنسانية فيها الكثير من الأحوال قد لا تتعمق في دراستها فتظن أنك ستحدث مصلحة فتحدث مفسدة. لذلك كنا في حاجة إلى التأني في التحليل. التأني كان مطلوباً من العالم الإسلامي أو من الولايات المتحدة ؟
- كل الأطراف كانت في حاجة إلى التأني في فهم الأمر ومواجهته. لكن بالنسبة للعالم الإسلامي كان وجود هذه الجماعات بشكل أو بآخر، وأبرزها تنظيم القاعدة, وجود هذا التنظيم منذ سنين قبل أحداث 11 سبتمبر بسنين والجميع يعرف به, وما كان التعامل معه بحجم التعامل معه بعد الأحداث. وهذا يعطينا درساً بأننا يجب علينا أن نستبق الأمور وأن لا نفسر الأحداث بتفسير بسيط. بل يجب علينا - خاصة في مجال الفكر والتوجهات العقدية من جميع الاتجاهات - علينا عمل نظرة واقعية متأنية تتسم بالفهم وبالغوص في الحقائق وبعدم التساهل في الأمر لأن هذه الأشياء تنمو كما ينمو الوليد. كل يوم تزيد.

تراجع دور العلماء هل توافقون على أن انتشار حركات العنف والتطرف الديني جاء بسبب تراجع دور العلماء ؟
- أولاً العنف والتطرف بدأ في عهد الخلفاء الراشدين. بدأ في عهد عثمان رضي الله عنه. وفي عهد علي كرم الله وجهه. وهو العهد الذي كان الصحابة بعلمائهم وأخيارهم موجودين يقومون بدورهم. فهو انحراف إنساني قد يوجد في المسلمين وقد يوجد في غيرهم. هو انحراف ليس لتراجع دور العلماء سبب رئيس فيه. الأحداث الإرهابية التي وقعت في المملكة العربية السعودية قبل أكثر من 20 سنة ابتداء من أحداث الحرم حتى وقتنا الحاضر. كان فيها العلماء يقومون بواجبهم. كبار العلماء يناصحونهم. لكن هذه التيارات والمجموعات لها أهداف، هي لا تستجيب للعلماء. لأنهم يرون العلماء لا يمثلون الدين الصحيح. هم يرون أن مصداقية العلماء ليست في قوتها ؟
- لا .. هم يرون أن من لا يكون معهم ليس بمسلم صادق في إسلامه. عن السياسة والدين؛ هل يمكن المزج بين المصالح السياسية وهي جزء من المصالح الشرعية والأصول الدينية. من دون أن تتأثر مصداقية العالم ؟
- ما ذكرته أنا الحظه كثيراً. لذلك أرى من العلاج أن تكون هناك مواد خاصة في الجامعات بل حتى في التعليم العام تتعلق بمفهوم السياسة الشرعية. ومفهوم المصالح والمفاسد. مفهوم الحوار. مفهوم النظم الإسلامية. حيث يقل الآن من يفهم مجموعة النظم التي تشكل الدولة الإسلامية، لذلك يأتي من يقول إن هناك صح و خطأ فقط. لم يكن هناك كثيرون يفهمون أن الدولة الإسلامية لها اجتهاداتها الواسعة. وليس معنى الدولة الإسلامية أنها لا بد أن تكون مثل دولة إسلامية قامت قبل سنين أو قرون. الدولة الإسلامية مهمتها كبيرة, وهي قد تتجدد وتتطور بحسب تحقيق المصلحة .

الولاء والبراء هل يمكن أن يكون هناك تفسير معاصر لمبدأ الولاء والبراء ؟
- الولاء والبراء هذا شئ منصوص عليه في القرآن والسنة. وأصبحت قضية عقدية. ويجب أن نعتقد بالولاء والبراء. الولاء للإيمان بالله - جل وعلا - ولرسوله ولكتابه. والبراء من الكفر. وليس البراء من الكفار ؟
- من ضمن الولاء أن توالي المؤمن وأن تعادي الكافر الذي يعاديك ويظلمك. لان الله جل وعلا قال " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ", المسالم المعتدل المتفاهم, الذي ليس بينك وبينه عداء, هذا يشرع أن نبره ونحسن إليه اختياراً .
مفهوم الولاء والبراء منصوص عليه في القرآن. الإشكالية جاءت من التوسع في فهم هذه الكلمة مثل التوسع في مفهوم الجهاد، وفي مفاهيم التكفير والتفسيق والتبديع. هذه اصلها شرعية ويجب أن نعتقدها. لكن من الذي يفسر. لذا يجب أن نرجع في تفسيراتنا إلى نص الكتاب والسنة. وإلى فهم السلف, وإلى فهم علماء الأمة. أما إذا أتى واحد يقول أنا مفسر هذه النصوص بتفسيري الخاص فنقول له "تفسير غير مقبول" .

الخطاب الديني أوصى اللقاء الوطني للحوار الفكري بتطوير الخطاب الدعوي ؛ وهو يحتاج إلى تصحيح وإلى تطوير. ما هي ملامح تطوير الخطاب الدعوي في رأيكم ؟
- أولاً كل رسول أرسله الله - جل وعلا - إلى قومه بلسانهم كما قال جل وعلا " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " واللسان يشمل اللغة ومحتوى اللغة وطريقة الأداء. ولذلك نرى أنه في القرآن تعددت الأساليب مع اختلاف الأنبياء. وأسلوب إبراهيم الخليل عليه السلام مع قومه كان أسلوب الحوار, جادلهم وناظرهم "لما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" " لما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي " ولما رأى الكوكب .. الخ، أخذ يجادلهم ويناظرهم بهذه الطريقة. ونرى شعيباً وعيسى وموسى عليهم السلام نفس الشيء. دعوة الأنبياء واحدة, لكن طريقة حوارهم مع قومهم مختلفة. فإذاً الأصل الشرعي أن محتوى اللسان يشمل طريقة الخطاب والإقناع. وهذا لا يمنع بل هذا يدعونا إلى أن نطور اللفظ والمحتوى والطريقة. هذا يدعونا أن نطور لغة اللسان الذي نخاطب به الذي يصل إلى عقلياتهم, فالعقليات مختلفة ؛ عقلية العربي تختلف عن عقلية الغربي، وعقلية الأمريكي تختلف عن عقلية الياباني, فلذلك اللسان الذي يشمل المحتوى واللغة وطريقة الإقناع لابد أن تختلف وأن تتنوع, بل تتنوع بتنوع الزمان, وبحسب الثقافة. الذي يناقش البادية ليس كمن يحاور المثقفين. أو من يناقش شخص لديه شبهات ليس كمن يناقش أو يحاور صحيح العقيدة .
هذا الحوار الوطني هو وسيلة لتجديد الخطاب الدعوي في خطاب معين حتى يثمر. وهو جزء من الحوار الوطني

.تطور المؤسسة الدينية ولكن هناك اتهام للمؤسسة الدينية أنها لم تتطور في خطابها أو طريقة تعاملها مع الأجيال أو في طريقة توجيهها لعامة المسلمين وخاصتهم؟
- أولاً التطوير يحتاج إلى وقت وأنا أعتقد أن المؤسسة الدينية متطورة, وقد لا تكون بلغت الطموح, لكن لا شك أنها متطورة ووصلت إلى الناس في توجيهاتها وأفكارها وآرائها. وشرحت الدين ووصل إلى قطاعات كبيرة في العالم. الإشكالية هي أن التطوير يحتاج إلى إمكانات. منها الإمكانات البشرية والمادية. الإمكانات البشرية تحتاج إلى تأهيل, نحن لدينا مثلاً دعاة وطلبة علم وخطباء وأئمة مساجد وكتاب ودعاة في الخارج. هؤلاء يحتاجون إلى تطوير عن طريق الدورات, فهناك المعرفة والمهارة ؛ المعرفة بالعلم لابد من تجديده. والمهارة لابد أن تأتي بالدورات, وهي تحتاج إلى آلية عمل كبيرة ونفقات. فالمؤسسة الدينية متطورة. لكن قد يكون تطور العالم أسرع أو المعطيات أسرع. وكون أننا نوازي بين جهات لديها إمكانات عالية مع جهات إمكانياتها محدودة هذا ليس بإنصاف. إذا نظرنا إلى الإعلام ؛ فالمؤسسة الدينية ترغب أن تخاطب الناس من خلاله بأسلوب عصري, لكن الإعلام يحتاج إلى نفقات. المشكلة ليست في الأدوات, بل في مضمون الرسالة ؛ هل تعتقد أن خطاب المؤسسة الدينية ورسالتها مواكبان للعصر، ويتصفان بالاجتهاد الملائم لروح العصر وللقضايا الشائكة التي تواجهها الأجيال ؟
- لا أحبذ أن يكون اختيارك أو اختيار أي أحد هو أن يفرض على المؤسسة الدينية - إن صح التعبير - أو على العلماء أو طلبة العلم أو الدعاة أن يفرض عليهم اجتهاداً معيناً لغيرهم. هم لديهم تصور للأمور, هذا الاجتهاد عند غيرهم قد لا يوافقونه في كل تفاصيله. لهذا قد يكون من القصور أنه لم يكن هناك التقاء مفتوح ما بين الاتجاهات المختلفة ليسمع كل منهم الآخر ويعرف وجهة نظره في اجتهاده. هناك بعض المسائل يكون فيها اجتهاد خاص. ومثلما ترى كل واحد يرى رأيه هو الصواب. ويأتي من يتهم العلماء أو طلبة العلم بأنهم لم يقوموا بشيء وهو لم يتابع أصلا ما يقومون به يومياً من توجيهات. لكن في ذهنه نوعاً معيناً من العمل لم يقوموا به. وهذا العمل لا يصح أن يفرض على العلماء . ولكننا وصلنا إلى مأزق .. إلى حافة الهاوية فضيلة الشيخ, إذا العلماء لا يتصدون إلى هذه المسائل بالتنوير والتوجيه .
- أي مسألة ؟ مسألة وضع الفكر الإسلامي والانفجار الأمني والسياسي والصراع مع العالم ؟
- من قال إنهم لا يتحدثون، لكنهم قد لا يتحدثون على طريقة اجتهاد معين . الغرب يتهمنا بعدم التسامح ؟
- التسامح أصل شرعي. الله - جل وعلا - يقول " وقولوا للناس حسنى " والتعامل مع الناس يجب أن يكون وفق أصول الشرع التي تدعو إلى أن تحب للناس ما تحب لنفسك وأن تعطيهم ما تعطي نفسك التسامح الذي لا يكون فيه مزية للمؤمن على غيره. هذا غير مطلوب. الشريعة فيها التسامح, ولكن ليس معنى التسامح الذلة والتميع. بل لن يقوم لنا كيان أو مجد إلا بالعزة .
في هذه القضية هناك اتجاهان ؛ من يرى أن التسامح أن توافق الغرب في كل ما يريده حتى تكون مواطناً صالحاً في هذه الأرض. وهناك من يقول التسامح أن تعطي للناس ما يستحقونه وأن تعاملهم بالعدل لكن ليس معنى ذلك أن تتنازل عن ما يميزك. وعن خصوصياتك وعن قدراتك, لأنك إذا ذبت في العالم فإنك ستذوب إلى الأبد, ولكن إذا حافظت على أصولك فإنك ستبقى محافظاً على كيانك وشخصيتك. وهذا يعني البقاء .

لعن الكفار هل يدخل في هذا الإطار ؟
- لعن الكفار منسوخ, النبي صلى الله عليه وسلم لعن أقواما من الكفار, و نزل عليه قول الله جل وعلا " ليس لك من الأمر شيء, أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". العلماء يقولون إن لعن الكافر بعينه منسوخ. وليس مشروعاً أن تلعن الكفار . إذاً أنتم تنبهون دعاتكم وأئمة المساجد وخطبائها بعدم رفع الدعاء على الكفار ؟
- اللعن شيء والدعاء شيء آخر. الدعاء على الكافر فيه تفصيل وضحناه. الدعاء على من ظلم هذا حق لك أن تدعو على من ظلمك. النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " فالكافر إذا كان ظلمنا واعتدى علينا، فإن جزءاً من الدفاع أن تدعو عليه. لكن الكافر المسالم إن تعميم الدعاء على غير الظالم, هذا ليس مأموراً به فالدعاء هو جزء من السلاح الذي توجهه على من ظلمك, وعلى من اعتدى عليك. أما المسالم لا يدعى عليه.

http://www.alwatan.com.sa/daily/2003-09-20/affair.htm

عمر البلوي
09-22-2003, 02:13 PM
الجزء الثاني



الرياض: سليمان العقيلي
بعد أحداث 11 سبتمبر تكالبت الاتهامات من الغرب على السلفية وما يسمونه بـ (الوهابية) لوجود 15 سعودياً متهماً بالاشتراك في الاعتداءات على نيويورك وواشنطن. ولذا كان لا بد أن نخصص هذا الجزء من الحوار للحديث عن مفاهيم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تصنف أنها دعوة سلفية. والتي تسيطر على التوجه الديني في المملكة. وهنا يصحح وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المفاهيم، ويؤكد أن الحركة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست مذهباً متفرداً، إنما قامت على فهم السلف الصالح لأصول الإسلام، وهي حررت العقل من التقليد، واعتمدت على النص الشرعي دون تقديس العلماء الأربعة أو ابن تيمية. وحول علاقة العقل بالنص أكد الوزير - وهو عالم شرعي - أن العقل آلية لتوظيف وفهم النصوص ولا يتعارض معها. لكنه في نفس الوقت قال إن الذي يأخذ بمفاهيم العقل الغربي بمصادمة النص الشرعي يقدح في دينه. كما أبدى الوزير ترحيباً بالحوار المذهبي والفكري في البلاد، بشرط إلا يؤدي ذلك إلى تحزبات أو تجمعات انعزالية.
وهنا نص الجزء الثاني:
الدعوة في الخارج دعاتكم في الخارج يفتقرون إلى اللغات وقد يكون أفقهم الفقهي قصيراً، هل وضعتم معايير جديدة؟
- دعاة الوزارة في الخارج ليسوا بالكثير. هم يلون المساجد والمراكز الإسلامية. ومنهم عدد في مجالس الإفتاء العالمية، مثل المجلس الأوروبي للإفتاء. والمجلس الأمريكي للإفتاء. وما شابه ذلك. ودعاة الوزارة مختلفون في مستوياتهم كأي منظومة لكن منهم من هم مجتهدون في العلم، ومنهم من له مؤلفات وكتب عديدة. فهم لهم دور كبير في العالم في نشر الوسطية وفهم احتياجات الناس. ونحن راضون في الجملة عن الأداء لكن قد لا يكون الرضى الكامل أو إننا وصلنا إلى تطلعاتنا، لكن وفق الإمكانات فهم يعملون بجد.

تنوع الفتيا بين الداخل والخارج هل الفتيا داخل المملكة نفسها صالحة لمجتمع إسلامي في الغرب مثلاً؟
- هذه معضلة. ذكرت في جواب سابق أن الله جل وعلا يقول " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " والعقليات مختلفة. ولذلك الخطاب يتنوع بتنوع المخاطب (بفتح الطاء). لأن الخطاب الشرعي مقصود منه الإصلاح وهذا الإصلاح لابد أن يصل إلى قلوب الناس. وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان. حتى مؤلفات العلماء تجدها اختلفت ما بين القرن الثاني والثالث الهجري والقرن العاشر والقرن الرابع عشر. فالتنوع مطلوب والتغير مطلوب بحسب البلاد. الفتيا هي تنزيل الحكم الشرعي على الواقع. والفتيا تختلف باختلاف الزمان والمكان والعوائد والأحوال كما يقول العلماء. وإذا اختلف الزمان تختلف الفتيا لكن ربما يكون الحكم الشرعي واحداً. لكن اختلف التنزيل على الواقع، لأن المقصود من الفتوى إصلاح الناس. فقد تكون تفتي بفتوى ربما في زمن ما تكون تضر الناس ولا تصلحهم. لذلك المقصود من الفتوى هو إصلاح الناس وليس أحداث فجوات عندهم.

السلفية وابن تيمية ولكن نحن في المملكة وفي الدعوة السلفية عموماً نعتمد على فتيا أئمة أجلاء ولكنهم كانوا صالحين لزمانهم، مثل الشيخ ابن تيمية والشيخ ابن القيم الجوزية. والتي لربما تكون أطروحاتهم صالحة لكل زمان ومكان لكن بعضها قد لا تلائم الأجيال اللاحقة؟
- أولاً يجب علينا شرعاً أن نحترم أهل العلم، لأن الله جل وعلا أثنى عليهم. العلماء كغيرهم ليسوا بمعصومين. واعتقادنا في الدعوة السلفية أنه ليس هناك عصمة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم. فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي (صلى الله عليه وسلم) فإذا أخذنا بكلام الأئمة الأربعة فنحن مقتنعون إنه يوافق الدليل. إذا نظرنا إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فإذا كان مخالف للنص والدليل فإننا لا نأخذ به. نأخذ بما يوافق النص. وإلا جعلنا ابن تيمية كالنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقول. بل إن ابن تيمية - رحمه الله - قد نص أن من جعل إماماً له يأخذ كل كلامه دون تفريق فإنه يجب أن يعزر لأن هذا ليس إلا للنبي صلى لله عليه وسلم الذي يقبل منه كل ما يقول.
اجتهادات الشيخ ابن تيمية أو ابن القيم أو أئمة الإسلام إلى وقتنا الحاضر هذه الاجتهادات ننظر لها أنها اجتهادات جليلة. إذا كانت مبررات هذا الاجتهاد وعلله اختلفت فإنه لا يؤخذ بكلامه. وكثير من المسائل جرت الفتوى بخلاف كلام ابن تيمية وابن القيم. لذا ليس صحيحاً أن الدعوة السلفية تقدس الأشخاص بل العكس هذه الدعوة ضد تقديس الأشخاص بل الأخذ بالاجتهاد. فنحن في الجملة غير ملزمين بأخذ كلام أحد من الناس إلا النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين وما أجمعت عليه الأمة.

الغلو والتطرف أعلنتم عن مشروع وطني لمكافحة ورد الغلو في المملكة، ما أبرز مقومات هذا المشروع؟
- هذا المشروع هو في خطواته النهائية إن شاء الله تعالى، وهو يهدف إلى تسخير جميع الطاقات في مجتمعنا ودولتنا من جميع شرائح المجتمع إلى أن تصب في مكافحة الغلو بجميع أنواعه. لاشك أن وجود الغلو يمنع من تحقيق وسطية الشريعة. وأنا مقتنع أن وسطية الشريعة والأخذ بالوسطية هي الوسيلة المضمونة لاستمرار بقاء تمسك الناس بهذه الشريعة، لذلك رغبنا أن تكون مكافحة الغلو (وهو الزيادة في الأمر عن حد من الحدود الشرعية) هذا الغلو يجب أن تسخر له جميع الطاقات. فمن معالم البرنامج أن نستفيد من العلماء والدعاة وخطباء المساجد وكل الاتجاهات الدينية. ونستفيد من ذوي التخصصات الأدبية من أدباء وشعراء وكتاب القصة وكتاب المسرح لوضع مسرحيات وقصص، وكذا المؤرخين. يحققون أهدافاً شرعية؟
- أهداف شرعية وطنية.
وسوف يكون هناك دور لعلماء الاجتماع وعلماء النفس والأطباء وخاصة الطب النفسي لدراسة هذه الأشياء وتقديم رؤية لها. وسوف يشمل البرنامج ويشترك فيه النساء وشرائح المجتمع من طبقات الإعلاميين والصحفيين وفق رؤية معينة. وكذلك رجال الأعمال. ما دور رجال الأعمال، هل سيكونون ممولين؟
- لا سيكون دورهم محدداً في البرنامج. لأن هناك رؤى تقول إن الغلو يظهر بأسباب ومن أسباب هذا الغلو... أن يشترك الجميع في الفهم ووضع الحلول له. وهو برنامج كبير سيعلن عنه. سيأخذ شكل حملة أو على مراحل؟
- حملة على ثلاث سنوات. هذه دراسة مازالت في الوزارة ولم ترفع، وإذا جاءت الموافقة عليها بعد رفعها سيبدأ تنفيذها بعون الله. هل ستحتاج إلى ميزانية؟
- الميزانية ليس فيها مشكلة، والمبالغ التي يحتاجها المشروع موجودة.

سب المذاهب هل من الغلو سب المذاهب الأخرى بما في ذلك الشيعة؟
- ما فيه شك أن سب المذاهب الإسلامية غلو. أولاً أن السب ليس من صفة المؤمن. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس المؤمن بالسباب ولا الشتام ولا الفاحش ولا البذئ " فالتعامل مع من يخالف سواء كان يخالف في بدع أو يخالف في ما فيه جواز المخالفة تحسن محاورته للمصلحة. المذاهب الإسلامية منها مذاهب في إطار السنة والجماعة. ومنها في غير إطار السنة والجماعة. مثل الشيعة وغيرهم. سب المذاهب ليس ديناً. ولا يرتضى. ولا يوجد أحد من أهل العلم يسب مذهباً من المذاهب بإطلاق. لأنه ليس من شيمتنا السب. لكن نرد عليهم، ونتحاور معهم للمصلحة العليا. هل استقبلت علماء شيعة؟
- استقبلت بعضهم. وناقشتهم وحاورتهم؟
- فيما جرى عليه النقاش. وأنا شاركت في الجنادرية بمحاضرة بعنوان (هذا هو الإسلام) وعلق عليها مجموعة من الشيعة وكانوا متقبلين لها.

الحوار المذهبي يطالب بعض أصحاب المذاهب بفتح مكاتب أو جمعيات. هل هناك توجه للتجاوب مع مثل هذه الأفكار؟
- نحن في المملكة يجب أن لا يكون لدينا تمييز. فلم تقم المملكة على تأسيس المذهبيات والفرق. وإن كانت موجودة. لكن يجب أن ينصهر الجميع في إطار الدولة وخدمة المصالح الواحدة. وأن يفهم الجميع إنه ليس لدينا تمييز. وهذه الأنشطة إن كان المقصود منها تأسيس فرق. أو تأسيس انفصال (عن السياق الاجتماعي) فهذا يضاد التجمع الواحد. فيجب أن ينصهروا في توحيد الموجود مثل الأنشطة الثقافية والأدبية وغيرها. تقصد أن لا يكون هناك نشاط انعزالي؟ وإنما في إطار السياق الاجتماعي؟
- الجميع واحد، من حق كل مواطن أن يشارك في أي نشاط وفي أية جمعية أو مؤسسة قائمة حالياً بصرف النظر عن توجهه. ولكن ما رأيكم في الحوار المذهبي، هل تعتقدون أنه يؤدي إلى مفسدة أو منفعة؟
- إذا كان الحوار بآدابه الشرعية. وإذا كانت المناقشة وفق أصولها للوصول إلى الحق (فلا بأس). أحياناً النقاش يراد منه إثبات الوجود فقط. هذا ليس هو المقصود الشرعي من الحوار. صار الآن مدخلا سياسيا. إذا أنا أحاورك أو تحاورني لكي أقول أنا موجود كفرقة أو كمذهب. صار مجرد إثبات وجود، أما إذا كان المقصود من الحوار لخدمة الوطن وخدمة مصالح الدولة والأمة وخدمة الإسلام في إطاره العام. فهذا حوار مطلوب. أما إذا كان الحوار لكي نؤسس أحزاب مذهبية داخل الوطن الواحد فهذا مرفوض. الحوار لخدمة الوطن والدين وليس لتفتيت الوطن وتقسيم المسلمين.

معنى الوهابية عن ( الوهابية ) كيف نشأ هذا الاسم. وهل استخدمه أحد من علماء الحركة الإصلاحية؟
- اسم ( الوهابية ) أطلقه أعداء الدعوة الإصلاحية الأعداء الدينيون أم الأعداء الاستعماريون؟
- بل الاستعماريون هم أول من أطلق هذا الاسم. وهناك كتاب لأحد الرحالة الغربيين وأطلق هذا الاسم في حدود عام 1810 م. وهناك كتاب صدر في فرنسا من 3 مجلدات باللغة الفرنسية بعنوان (أحوال الوهابية) طبع عام 1830 م. فالتسمية كانت غربية. ثم بعد ذلك طبعت بعض المطابع في الهند رد الشيخ سليمان بن عبد الوهاب أخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وسموه (الرد على الوهابية) لكن هذه التسمية لاحقة. فالتسمية ليست صحيحة. ونحن نقول ربما أنهم ما قصدوها. لكن هم نسبونا للوهاب والوهاب هو الله جل وعلا. والذي ينتسب إلى الله فهذا أعظم انتساب. لكن التسمية لا نقرها. ولا نعترف بها. ولم يتسم بها أو يستخدمها أحد من علماء الدعوة. بل نحن لا نميز باسم. الحركة هي حركة إصلاحية تجديدية سارت على منوال أهل السنة والجماعة. هل تعتنق مذهباً جديداً؟
- ليست كذلك. بل هي وفق أقوال الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. لكن علماء هذه الدعوة يقولون إذا ظهر لنا نص نخالف الأئمة الأربعة وكأنها مذهب؟
- نخالف شخصاً. لكن لا نخالف الإجماع.إذا أجمع العلماء على شيء فالدعوة تأخذ به. والشيخ محمد بن عبد الوهاب نص في أحد رسائله قال: وإنما دعوتكم إلى ما اجتمعت عليه الأمة. حتى هو يرعى ( يدرأ ) الخلاف. هل درس خارج نجد والحجاز، حيث تعددت الروايات في ذلك؟
- درس في نجد ثم في مكة المكرمة مدة والمدينة المنورة مدة، واخذ إجازات من علماء مكة والمدينة. ثم ذهب إلى البصرة ولازم الشيخ المجموعي هناك عدة أشهر.

سلفيات لا سلفية يعرف عن المملكة أنها تنتهج في عقيدتها الدينية منهج السلف الصالح أو ما يطلق عليها العقيدة السلفية، لكن السلفية أصبحت الآن سلفيات؛ السلفية التقليدية، والسلفية العلمية، والسلفية الجهادية وغيرها. حتى تم تشويه السلفية وخاصة من قبل السلفية الجهادية. هل خرجت السلفية عن سيطرة العلماء التقليديين وكيف يتم تقييم هذا الوضع؟
- هذا سؤال يثير الشجون ولا يمكن الإجابة عليه في هذه العجالة. لكن يمكن أن أختصر في عدة نقاط أساسية:
أولاً: السلفية هي الفهم الصحيح - فيما نعتقد - للإسلام لأنه يعتمد على النص من الكتاب والسنة على فهم السلف، أي فهم الصحابة. لأن الكثيرين يقولون نحن نعتمد على الكتاب والسنة. لكن لا يعتمدون على رؤية وفهم السلف، فيما نص عليه القرآن والسنة. الأمور الاجتهادية فيها أمور للاجتهاد فيها مجال.
ثانيا: أن السلفية نسب إليها من ليس منها أو من لا يمثلها. مثل من معالي الشيخ؟
- مثل الخوارج هم انتسبوا للإسلام - وهم مسلمون لا نكفرهم - لكنهم ظاهرة سيئة في الإسلام. لأنهم قتلوا الصحابة وعثمان وعلي، ومع ذلك لا يمكن لأحد أن ينظر للإسلام بمنظار الخوارج. لقد تمثلوا بالسلفية ولكنهم لا يمكن أن ينسبوا لها. لأن السلفية لها أصولها الشرعية.
ثالثاً: السلفية ليست قالباً واحداً، وهي فهم الكتاب والسنة على طريقة السلف، لذا فهي قالب واسع يمكن أن تتعدد فيه المفاهيم فيما لم ينص عليه في النصوص. لذلك هي قابلة للاجتهاد. المذاهب الإسلامية في العالم - كما ترى - فيها حركات إصلاح. والمقصود بالسلفية هي إصلاح الناس بالرجوع إلى الأصول.

العقل والنص هل يمكن اعتبار الحركة الإصلاحية للسلفية حركة عقلية؟
- هي صححت العقل بلا شك في شيء مهم وهو عدم الخضوع للتقليد. الذي يوقف العقل عن أن يتطور أو يجدد أن ترضى بتقليد من سبقك. إذاً تبعاً لذلك فمن يطلق عليهم العقلانيون لا تطلق عليهم مسبة في الدين من وجهة النظر السلفية؟
- العقلانيون الذين يقدمون العقل على النص، هذه ليست بمحمودة، بل مذمومة. الواجب أن يكون العقل في إطار النص. العقل لا يتعارض مع النص عموماً. لأن النص من الله. والعقل الذي يوافق المصالح سيكون في الشرع. لكن العقول كثيرة. وعندما نتكلم عن العقلانيين أول ما يتبادر إلى الذهن العقلانيون كمدرسة ترى الأخذ بالعقل وعدم الأخذ بالنص. العقل والنص لا يتعارضان. والعقل هو إطار فهم النص ولذلك إذا أخذنا بالعقل في إطاره المحدد فإنه سيخدمنا جميعاً. لأن النص فهمه متطور، والشريعة صالحة لكل زمان ومكان. فالعقل هو آلة توظيف فهم النصوص بما يناسب الزمن. لكن العقل الذي يقول نأخذ بالعقل الغربي بمصادمة النص الشرعي، هذا ذوبان وضياع ويقدح في دين من قاله. لذلك نقول إن الدعوة السلفية حررت العقل من التقليد والتبعية، ودعت إلى العقل لفهم النص. العقل الذي يرعى المصالح والمفاسد.
المملكة العربية السعودية كدولة - فيما أحسب - هي مثال لنمو وتطور الفهم السلفي فهي تأخذ بأصول العقيدة السلفية. وتأخذ أيضاً بمتطورات العصر.

http://www.alwatan.com.sa/daily/2003-09-21/affair.htm

بدر البلوي
09-22-2003, 02:48 PM
مشكووووور
الى المزيد