المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موت أيقظ أمة



أم حبيبة البريكى
03-23-2004, 01:43 PM
موت أيقظ أمة




مفكرة الإسلام : قيل الشيخ وقيل المجاهد وقيل الأستاذ . لكن أحدا لم يجرؤ في يوم أن يذكر أنه المقعد أو المشلول. كان بدنه الواهن أقوى منا جميعا . قال وفعل , تمنى ونفذ , اختار الطريق وهو يعرف الثمن .. ومات ليس كما يموت العاديون . لقد حاولت وأنا صحيح اللسان والبدن أن أقول فيه شعرا , ولكنني لم أجد من الكلمات ما توفيه حقه, لقد اختار الله سبحانه نهاية يضرب بها المثل , فقد استيقظ كالمعتاد ومعظم الأمة يغط في نوم الغفلة الذي لم يعد يوقظهم منه حتى أذان المسجد ومضى الشيخ المقعد عالي الهمة إلى صلاة الفجر في بيت الله رغم أنه في عرف العالم معذور إن لم يكن للإعاقة فبسبب الخوف مما يحيط به شخصيا من عدو متربص سجنه وحاول قتله مرات.

أيوب الأمة هكذا وجدت اللقب الأنسب له , فقد كان على موعد مع الابتلاءات , ووقف لها كالطود الشامخ فقد ولد في عام 1936 وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد الصهاينة في إحدى قرى عسقلان وعندما شارف على الخامسة من عمره فقد والده وعاش يتيما , ومضت محنة الفقد لتخيم على بلاده كلها محنة الشتات المسماة النكبة عام 1948 وكان أيوب العصر الياسين يبلغ من عمره آنذاك الثانية عشرة ، وشاهد بعينيه الرايات العربية المهزومة وكتب بعد ذلك يقول: 'لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث'.

هاجر الشيخ من قريته بصحبة أهله إلى غزة وعانى مرارات الفقر والجوع والحرمان فاضطر إلى ترك الدراسة ليعيل أسرته عن طريق العمل في أحد المطاعم , وعاد بصلابته المعهودة إلى الدراسة مرة أخرى حتى حصل على الثانوية .

في السادسة عشرة من عمره كان على موعد مع الاختبار الكبير فقد أصيب بكسر في فقرات العنق عام 1952 أورثه شللا تاما .

وأثناء التحقيق معه على يد المخابرات 'الإسرائيلية' أصيبت عينه اليمنى بضربة غادرة أدت على فقدانه الإبصار بها , وأصيب على جانب ذلك بضعف شديد في الإبصار بالعين اليسرى والتهاب مزمنة في الأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض المزمنة والالتهابات المعوية.

ورغم الآلام التي تهد الجبال , وقف شامخا وانتصر على آلامه الشخصية وأحزانه الذاتية ليهتف لمصر ولفلسطين مع المتظاهرين أثناء الاحتجاجات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ونشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة .

أنهى ياسين دراسته الثانوية عام 1958 وهو في الثانية والعشرين من عمره وعمل رغم إعاقته مدرسا للغة العربية والدين الإسلامي , أي أنه سخر الجزء المتحرك منه وهو لسانه [ على ضعف في النطق بسبب الشلل ] وعرفته مساجد غزة خطيبا مفوها قادرا على بث الحماس والتفاؤل في نفوس الجموع وهناك كان على موعد مع مخابرات عبد الناصر التي اعتقلته بسبب تعاطفه مع الإخوان المسلمين وظل حبيس زنزانة انفرادية في سجون عبد الناصر قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان. وكان الاعتقال فرصة لمراجعة علاقة الشيخ بالإخوان , أي أن الذين اعتقلوه لم يكن يدور بخلدهم أنهم يصنعون قائدا من قادة الجماعة .

وفي يونيو [ الشهر الذي ولد فيه الشيخ ] من عام 1967 اجتاحت 'إسرائيل' كل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة فألهب الشيخ مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي داعيا على مقاومة المحتل ونشط مع رفاقه لجمع التبرعات لمعاونة أسر الشهداء والمعتقلين , بل إن الشيخ الأستاذ تولى وهو القعيد رئاسة المجمع الإسلامي في غزة .

وفي عام 1982 كان الشيخ على موعد مع السجن من جديد ولكن هذه المرة في الزنازين 'الإسرائيلية' , ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة [ وهو المشلول ! ] وحكم عليه بالسجن 13 عاما ولكنه تنسم هواء الحرية عام 1985 ضمن تبادل للأسرى بين الصهاينة وبين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة .

وفي عام 1987 اتفق الشيخ المجاهد مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة العدو الصهيوني ولتحرير فلسطين وولدت حركة المقاومة الإسلامية المباركة [ حماس ] وأشعلت حماس انتفاضة فلسطينية جارفة وكان لها الدور الأكبر في الانتفاضة التي عرفت آنذاك باسم انتفاضة المساجد وتولى الشيخ الزعامة الروحية لحركة حماس التي زلزلت ذراعها العسكرية الأرض تحت أقدام الصهاينة والتي ابتكرت سلاح الاستشهاد في القرن العشرين عبر شبابها النابض بالحياة .

وفي أغسطس 1988 داهمت السلطات 'الإسرائيلية' المجرمة منزل الشيخ المجاهد وفتشته وهددته بالنفي إلى لبنان [ وهو المنفي من قبل إلى غزة من قريته العسقلانية ] ولما لم يستجب الشيخ لجلاديه قاموا باعتقاله في 18 مايو 1989 وفي 16 أكتوبر أصدرت إحدى المحاكم 'الإسرائيلية' حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى بتهمة التحريض على اختطاف وقتل جنود 'إسرائيليين' وتأسيس حركة حماس بجهازيها العسكري والأمني .

وفي عام 1997 خرج الشيخ الأستاذ المجاهد من سجنه في مسرحية أردنية – 'إسرائيلية' ظاهرها الاستجابة للملك حسين وباطنها الظن بأن الشيخ على وشك الموت بسبب أمراضه المزمنة وخشية 'إسرائيل' أن يموت في سجونها بعد الإحراج الشديد الذي سببه فشلها في اغتيال خالد مشعل في الأردن .

ووجد الشيخ في استقباله الملك حسين شخصيا وجاءه عرفات مهرولا ومقبلا .. ظن الجميع أن الشيخ يمكن أن يموت على سريره .. ولكن عاشق الشهادة تغلب على آلامه وهزم المرض والواقع المهين وعاد على غزة محمولا على الأعناق ليقود الجموع الغاضبة من جديد أقوى وأشد وأعز واصلب من ذي قبل .. وانقلب السحر على الساحر وقرر عرفات [ رهين المحبسين الآن ] الذي أصبحت له سلطات وضع الشيخ المجاهد رهن الإقامة الجبرية لكن الشيخ لم يأبه بذلك وواصل نضاله [ ويبدو أن 'إسرائيل' قررت وضع عرفات رهن الإقامة الجبرية بسبب فشله في السيطرة على الشيخ المجاهد ] ! .

وفي 6 سبتمبر 2003 حاولت 'إسرائيل' اغتيال الشيخ حيث استهدفت مروحيات أمريكية الصنع شقة في غزة كان يوجد بها الشيخ برفقة القيادي في حماس إسماعيل هنية وأصيب الشيخ في ذراعه اليمنى ولم يقتل .. وفوجئ الصهاينة وأذنابهم به يخرج بعد أقل من أسبوع ليشارك أبناء شعبه صلاة الجمعة والتظاهرات التي عمت منددة بالاحتلال .

وفي فجر الاثنين 22 مارس 2004 كان الشيخ الأستاذ على موعد مع التكريم بعد حياة حافلة بالجهاد في سبيل الله .. كانت الأمة تغط في نومها إلا قلة قليلة سمعت حي على الفلاح فلبت .. استيقظ الشيخ كعادته كل ليلة ولسانه يلهج بذكر الله والابتسامة الصافية لا تفارق وجهه السمح الطيب وصدى صوته يتردد بين السماء والأرض ' أملي أن يرضى الله عني '.. مضى الشيخ مع مرافقيه إلى بيت الله وأدى الصلاة وعاد وهو في ذمة الله ليصيبه ما كان يتمناه فتطلق عليه المروحيات 'الإسرائيلية' ثلاثة صواريخ أصابه أحدها مباشرة .. وتحول الشيخ إلى أشلاء على باب المسجد الذي عرفه خطيبا ضد الاحتلال .. كانت المعادلة هذه المرة صعبة بل مستحيلة .. شيخ مقعد على كرسي في مواجهة صاروخ .. وانتصر الشيخ هذه المرة أيضا فرغم أن الصاروخ حول البدن الضعيف على أشلاء وتدلى دماغه على الأرض ولكن المعجزة أن وجهه لم يتأثر وحتى شعيرات لحيته التي غطاها الشيب لم تحترق وظلت ابتسامة الشيخ تنير وجهه .. ذهب البدن كله وبقيت هامة الشيخ مرفوعة على أكتاف الآلاف من محبيه .. تحطم الكرسي ومعه البدن المعوق لكن روح الشيخ الطليقة حلقت إلى السماء .. مات الشيخ ربما ولكن .. لتعيش الأمة .

أيمن جمال الدين

Haymanh33@hotmail.com

موسى بن ربيع البلوي
03-23-2004, 03:27 PM
رحم الله الشيخ
فعلا ان في سيرته لشيء يبعث على الهمه و نادر مثله في زماننا...

رحمه الله

ناصر
03-25-2004, 07:44 PM
الف شكر اخت ام حبيبة

ولعل في استشهاد الشيخ ما يشكل نقطة تحول لدي قيادات وشعوب امتنا العربية والاسلامية