المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نربي أبناءنا على اتخاذ القرار؟



أم حبيبة البريكى
06-08-2004, 04:01 PM
كيف نربي أبناءنا على اتخاذ القرار؟


تربية الأبناء على اتخاذ القرار مسألة ليست بالسهلة ولابد أن يبدأ بها الوالدان منذ الصغر ونتساءل كيف نربي أبناءنا على اتخاذ القرار، ومتى نسمح لهم بالتدخل في القرارات الأسرية ومتى نسمح لهم بالاستقلال في آرائهم؟

حملنا هذه الأسئلة وغيرها وتوجهنا إلى الدكتور عبد الرزاق ظفر أمين عام الهيئة الإسلامية للتعليم ليلقي لنا الضوء على هذه القضية الشائكة، التي لا يجيد الكثير منا فن إدارتها في بيوتنا، وكان هذا اللقاء.



أشركه في قراراته الخاصة

الفرحة: كيف نربي أبناءنا على اتخاذ القرار؟
د. عبد الرزاق ظفر: السؤال الذي ينبغي أن يسبق ما طرح هو لماذا نربي أبناءنا على اتخاذ القرار؟ فكثير منا يجهل أهمية هذه العملية ودورها في تكوين شخصية الطفل، وتعويده على الثقة بنفسه واحترام ذاته والجرأة في التعبير عن رغباته، والأهم من ذلك تعليمه المسؤولية، ودفعه للتفكير في عواقب قراره، فإذا انتقلنا للرد على سؤالكم بالحديث عن كيفية ذلك، فعلينا أولاً أن نشرك الابن في القرارات المتعلقة بخصوصياته، مثل ملابسه وطعامه وألعابه وتنظيم مكان معيشته ونومه، ولا يعني هذا بالضرورة النزول عند رغبات الابن في كل الحالات، بل المهم أخذها بعين الاعتبار، وإخضاعها للمناقشة والإقناع، وتنفيذ ما يصلح منها بلا غضاضة، ومع تقدم المرحلة العمرية والخلفية الثقافية للابن، ينبغي أن يفسح له المجال في هذا الجانب، خاصة فيما يتعلق باختيار التخصص العلمي، والهوايات والأصدقاء، بحيث يتقلص دور الآباء إلى الرقابة والتوجيه، وهو دور مهم لا ينبغي إغفاله أو التنازل عنه.

إشاعة روح الفريق
الفرحة: متى نسمح للأبناء بالتدخل في القرار الأسري؟
د. عبد الرزاق ظفر: حتى هذا النوع من القرارات يمكن إشراك الأبناء فيه مبكرًا، فمثلاً إذا ناقشنا موضوع كيفية قضاء العطلة الصيفية، فهو يعني الأبناء أكثر منا وصغارهم قبل كبارهم، فكيف نعزلهم عن المشاركة في مناقشته، وكذلك القرارات الخاصة بتغيير محل السكن، وتبديل أثاث المنزل وما شابهها، فهذه القرارات يتأثر بها جميع أفراد الأسرة وبالتالي ينبغي أن يسهم الجميع في اتخاذها.

ولكن هذا لا يعني إغفال الفوارق العمرية والقدرات العقلية والخبرات الثقافية، فالبيت ليس برلمانًا نسعى فيه لاستقصاء رأي الجميع للوصول إلى حل وسط، ولكنه سفينة لها ربان يتحمل مسئوليتها ويسعى للوصول إلى أفضل القرارات من خلال إشراك الجميع في اتخاذها، لإشاعة روح الفريق.

أهلية تحمل المسئولية
الفرحة: متى نسمح للأبناء بالاستقلال في اتخاذ القرارات التي تخصهم؟
د. عبد الرزاق ظفر: لا يمكننا وضع حدود سنِّية فاصلة لمثل هذا الأمر فالقدرات العقلية للإنسان تتفاوت وفقًا للعديد من العوامل على رأسها السن والبيئة والثقافة والحالة الذهنية وغيرها، وهذا أمر مشاهد وملموس في حياتنا العملية، حيث نجد من يتميز بالفطنة والذكاء مبكرًا، ومن قد تصاحبه سذاجة الطفولة وتهور المراهقة إلى مرحلة متقدمة من العمر، وفي القرآن الكريم شاهد على ذلك، إذ يقول الله عز وجل {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، فالحكم الشرعي هنا مبني على ما نلمسه من الشاب من تصرفات تعكس الرشد، أي القدرة على التفكير السليم وتحمل المسئولية، وبالتالي فإن الإجابة على سؤالكم 'متى'، تختلف تبعًا للقضية محل البحث ودرجة خطورتها وتأثيرها على حياة الابن ومستقبله، أما المسائل الثانوية فلا تحتاج لهذا التدقيق.

الصبر والمناقشة

الفرحة: كيف يتعامل الأبناء مع آبائهم المتسلطين في آرائهم؟
د. عبد الرزاق ظفر:

أولاً: أعتقد أن هذه الفئة وهي الآباء تقلصت كثيرًا في وقتنا الحاضر بسبب انتشار التعليم والثقافة ووسائل الإعلام.

ثانيًا: لابد أن يدرك الابن الذي يتعامل مع هذا النمط من الآباء، أن أباه مهما كان متسلطًا فهو لا يسعى أبدًا لأن يضره، بل على العكس يستهدف مصلحته ويسعى إلى خيره ولكن من وجهة نظره الشخصية التي قد تكون ضيقة، وجلنا مثلاً نشأ في كنف آباء كان معظمهم 'سي السيد' الحاكم الآمر الذي لا يقبل النقاش، ورغم ذلك فبفضل تربية هؤلاء الآباء بلغنا ما بلغناه.

ثالثًا: نوصي الابن بالصبر والسعي إلى مناقشة والده بالحلم والحكمة، ولا بأس من إشراك ذوي التأثير على الوالد لإقناعه كالأم والأقارب وأصدقاء الوالد، وإمام المسجد، ولا بأس من التنازلات المشتركة حفاظًا على كيان الأسرة ومكانة الأب، ولكن هناك حالات أجاز فيها الشرع لجوء الابن للحاكم أو القاضي، مثل الشابة التي منعها أبوها عن الزواج تعسفًا وتخشى العنوسة، وكلي يقين أن الحوار بالمعروف لا بد أن يأتي بخير.

منهاج الحياة
الفرحة: متى يؤثر قرار الأبناء على زعزعة الحياة الزوجية، وكيف يتفادى الزوجان ذلك؟
د. عبد الرزاق ظفر: في البداية أستبعد حدوث ذلك؛ لأنه إن وقع سيكون دليلاً على أن العلاقة بين الزوجين هشة والتفاهم بينهما معدوم أو ضعيف، وهذا مشاهد في الأسر التي نجد فيها انحيازًا من أحد الأبوين لبعض فئات الأبناء كالذكور مثلاً على حساب الإناث، أو الابن الأكبر، أو الصغير المدلل، وتفضيله على باقي الأبناء، وتلبية رغباته بلا تردد، ففي هذه البيوت التي تعاني خللاً في العلاقات، يمكن أن تحدث هذه الزعزعة، وبالتالي فإن تفاديها يحتاج إلى الاستكشاف المبكر لكل من الزوجين لطبيعة الآخر، وتقديم مصلحة الكيان الأسري على نزعات التسلط الشخصي، على أن تغرس في الابن منذ نعومة أظفاره قيم احترام الوالدين وطاعتهما والبر بهما، ولا يكون هذا إلا من خلال التربية الدينية وتعاليم الإسلام الحنيف، التي ينبغي أن تكون منهاج حياة لكل أسرة.