المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الحكمة في تقديم السلام على النبي صلى الله عليه



ممدوح عبدالله البلوي
06-30-2004, 02:29 PM
الشبكة الإسلامية

ما الحكمة في تقديم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قبل الصلاة عليه ؟

وهلا وقعت البداءة بما بدأ الله به في الآية ، فهذا سؤال أيضاً له شأن لا ينبغي الإضراب عنه صفحاً وتمشية . والنبي صلى الله عليه وسلم كان شديد التحري لتقديم ما قدمه الله والبداءة بما بدأ به . فلهذا بدا بالصفا في السعي . وقال : نبدأ بما بدا الله به . وبدأ بالوجه ، ثم اليدين ، ثم الرأس في الوضوء . ولم يخل بذلك مرة واحدة . بل كان هذا وضوءه إلى أن فارق الدنيا لم يقدم منه مؤخراً ولم يخل منه مقدماً قط . ولا يقدر أحد أن ينقل عنه خلاف ذلك لا بإسناد صحيح ، ولا حسن ولا ضعيف . ومع هذا فوقع في الصلاة والسلام عليه تقديم السلام ، وتأخير الصلاة . وذلك لسر من أسرار الصلاة نشير إليه بحسب الحال إشارة . وهو أن الصلاة قد اشتملت على عبودية جميع الجوارح والأعضاء مع عبودية القلب ، فلكل عضو منها نصيب من العبودية . فجميع أعضاء المصلي وجوارحه متحركة في الصلاة عبودية لله وذلاً له وخضوعاً ، فلما أكمل المصلي هذه العبودية وانتهت حركاته ختمت بالجلوس بين يدي الرب تعالى جلوس تذلل وانكسار وخضوع لعظمته عز وجل . كما يجلس العبد الذليل بين يدي سيده ، وكان جلوس الصلاة أخشع ما يكون من الجلوس وأعظمه خضوعاً وتذللاً . فإذن للعبد في هذه الحال بالثناء على الله تبارك وتعالى بأبلغ أنواع الثناء وهو التحيات لله والصلوات والطيبات ، وعادتهم إذا دخلوا على ملوكهم أن يحيوهم بما يليق بهم ، وتلك التحية تعظيم لهم وثناء عليهم والله أحق بالتعظيم والثناء من كل أحد من خلقه . فجمع العبد في قوله التحيات والصلوات والطيبات أنواع الثناء على الله ، وأخبر أن ذلك له وصفاً وملكاً ، وكذلك الصلوات كلها لله فهو الذي يصلي له وحده لا لغيره ، وكذلك الطيبات كلها من الكلمات والأفعال كلها له فكلماته طيبات وأفعاله كذلك وهو طيب لا يصعد إليه إلا طيب والكلم الطيب إليه يصعد . فكانت الطيبات كلها له ومنه وإليه له ملكاً ووصفاً ، ومنه مجيئها وابتداؤها . وإليه مصعدها ومنتهاها والصلاة مشتملة على عمل صالح وكلم طيب ، والكلم الطيب إليه يصعد ، والعمل الصالح يرفعه . فناسب ذكر هذا عند انتهاء الصلاة وقت رفعها إلى الله تعالى . فلما أتى بهذا الثناء على الرب تعالى التفت إلى شأن الرسول الذي حصل هذا الخير على يديه . فسلم عليه أتم سلام معرف باللام التي للاستغراق مقروناً بالرحمة والبركة . هذا هو أصح شيء في السلام عليه فلا تبخل عليه بالألف واللام في هذا المقام . ثم انتقل إلى السلام على نفسه وعلى سائر عباد الله الصالحين وبدأ بنفسه ، لأنها أهم ، والإنسان يبدأ بنفسه ، ثم بمن يعول ، ثم ختم هذا المقام يعقد الإسلام وهو التشهد بشهادة الحق التي هي أول الأمر وآخره . وعندها كل الثناء والتشهد ، ثم انتقل إلى نوع آخر وهو الدعاء والطلب ، فالتشهد يجمع نوعي الدعاء . دعاء الثناء والخير ، ودعاء الطلب والمسألة والأول أشرف النوعين ، لأنه حق الرب ووصفه ، والثاني حظ العبد ومصلحته وفي الأثر من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين ، لكن لما كانت الصلاة أتم العبادات عبودية وأكملها شرع فيها النوعين . وقدم الأول منهما لفضله ، ثم انتقل إلى النوع الثاني وهو دعاء الطلب والمسألة . . فبدأ بأهمه وأجله وأنفعه له وهو طلب الصلاة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو من أجل أدعية العبد وأنفعها له في دنياه وآخرته ، كما ذكرنا في كتاب تعظيم شأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أيضاً أن الداعي جعله مقدمة بين يدي حاجته وطلبه لنفسه ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله ، ثم لينتخب من الدعاء أعجبه إليه ، وكذلك في حديث فضالة بن عبيد إذا دعا أحدكم . فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ليدع فتأمل ، كيف جاء التشهد من أوله إلى آخره مطابقاً لهذا منتظماً له أحسن النظام ، فحديث فضالة هذا هو الذي كشف لنا المعنى وأوضحه وبينه فصلوات الله وسلامه على من أكمل به لنا دينه ، وأتم برسالته علينا نعمته ، وجعله رحمة للعالمين وحسرة على الكافرين .