المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بلاغة القرآن / مختارات من كلام ابن القيم رحمه الله



هااني البلوي
05-25-2008, 04:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اما بعد ,

توطئة : إنه كتاب الله تعالى العظيم ، خاب وخسر من لم يتذوق حلاوة عباراته وجمال معانيه ، خاب وخسر من لم يتدبر كلام الله ولم يعمل به ولم يعلم كم فات عليه من جنان الدنيا وهو يقرأ دون تدبر وتأمل وقد قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ، إنها دعوة للتأمل والتفكر في كتاب الله ، وتذوق بلاغة القرآن في رحلة بيانية بلاغية مع هذا الإمام الحافظ ؛ ابن القيم ؛ رحمه الله تعالى وهي مختارات من تأملاته وفوائده من كتبه القيمة أسأل الله تعالى أن ينفع بها من قرأها ..

بلاغة القرآن ( إبن القيم رحمه الله تعالى )

قال ابن القيم في قوله تعالى ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى ) .

ولفظ السعيي هو العمل لكن يراد به العمل الذي يهتم به صاحبه ويجتهد فيه بحسب الإمكان ، فإن كان يفتقر إلى عدو بدنه عدا ، وإن كان يفتقر إلى جمع أعوانه جمع ، وإن كان يفتقر إلى تفرغ له وترك غيره فعل ذلك ، فلفظ السعي في القرآن جاء بهذا الاعتبار، ليس هو مرادفاً للفظ العمل كما ظنه طائفة بل هو عمل مخصوص يهتم به صاحبه ويجتهد فيه؛ ولهذا قال في الجمعة ( فاسعوا إلى ذكر الله ) ) وهذه أحسن من قراءة من قرأ ( فامضوا إلى ذكر الله ) .

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ، فلم ينه عن السعي إلى الصلاة فإن الله أمر بالسعي إليها، بل نهاهم أن يأتوا إليها يسعون فنهاهم عن الإتيان المتصف بسعي صاحبه والإتيان فعل البدن وسعيه عدو البدن وهو منهي عنه .

وأما السعي المأمور به في الآية فهو الذهاب إليها على وجه الاهتمام بها والتفرغ لها عن الأعمال الشاغلة من بيع وغيره والإقبال بالقلب على السعي إليها.

وكذلك قوله في قصة فرعون لما قال له موسى ( هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى )، فهذا اهتمام واجتهاد في حشر رعيته ومناداته فيهم .

وكذلك قوله ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ) هو عمل بهمة واجتهاد ومنه سمي الساعي على الصدقة والساعي على الأرملة واليتيم .

ومنه قوله ( إن سعيكم لشتى ) وهو العمل الذي يقصده صاحبه ويعتني به ليترتب عليه ثواب أو عقاب بخلاف المباحات المعتادة فإنها لم تدخل في هذا السعي قال تعالى : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ).

ومنه قوله تعالى ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ).
وقوله ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ). ( 1 ) .

وقال رحمه الله تعالى في قوله تعالى : ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) .

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التبتل، قال الله تعالى ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) والتبتل : الانقطاع ، وهو تفعُّل من البتل وهو القطع ؛ وسميت مريم البتول لانقطاعها عن الأزواج وعن أن يكون لها نظراء من نساء زمانها ؛ ففاقت نساء الزمان شرفاً وفضلاً وقطعت منهن .

ومصدر ( بتَّل ) : تبتُّلاً ، كالتعلم ، والتفهم ، ولكن جاء على التفعيل مصدر ( تفعَّل ) لسرٍّ لطيف ، فإن في هذا الفعل إيذاناً بالتدريج والتكلف والتعمل والتكثر والمبالغة ، فأتى بالفعل الدال على أحدهما بالمصدر الدال على الآخر ، فكأنه قيل : بتل نفسك إلى الله تبتيلاً وتبتل إليه تبتلاً ، ففُهم المعنيان من الفعل ومصدره ، وهذا كثير في القرآن ، وهو من أحسن الاختصار والإيجاز .( 2 ) .

وقال رحمه الله تعالى : وتأمل طريقة القرآن في إضافة الشر تارة إلى سببه ومن قام به كقوله ( والكافرون هم الظالمون ) وقوله ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) وقوله ( فبظلم من الذين هادوا ) وقوله ( ذلك جزيناهم ببغيهم ) وقوله ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) .

وهو في القرآن أكثر من أن يذكر هاهنا عشر معشاره؛ وإنما المقصود التمثيل .

وتارة بحذف فاعله كقوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) فحذفوا فاعل الشر ومريده وصرحوا بمريد الرشد ، ونظيره في الفاتحة ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ، فذكر النعمة مضافة إليه سبحانه والضلال منسوباً إلى من قام به والغضب محذوفاً فاعله .

ومثله قول الخضر في السفينة ( فأردت أن أعيبها ) وفي الغلامين ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) ومثله قوله ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) ، فنسب هذا التزيين المحبوب إليه ، وقال: ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ) فحذف الفاعل المزين .

ومثله قول الخليل صلى الله عليه وسلم ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) فنسب إلى ربه كل كمال من هذه الأفعال ونسب إلى نفسه النقص منها وهو المرض والخطيئة .

وهذا كثير في القرآن الكريم، ذكرنا منه أمثلة كثيرة في كتاب ( الفوائد المكية ) وبينا هناك السر في مجيء ( الذين آتيناهم الكتاب ) ( الذين أوتوا الكتاب ) والفرق بين الموضعين ، وأنه حيث ذكر الفاعل كان من آتاه الكتاب واقعاً في سياق المدح ، وحيث حذفه كان من أوتيه واقعاً في سياق الذم أو منقسماً ، وذلك من أسرار القرآن الكريم ، ومثله ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) وقال : ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ) .

وبالجملة فالذي يضاف إلى الله تعالى كله خير وحكمة ومصلحة وعدل، والشر ليس إليه . ( 3 ) .

وصلى الله على محمد .

يوسف صالح العرادي
05-25-2008, 06:27 PM
بارك الله فيك على هذا الطـــرح

سلمان العرادي
05-26-2008, 06:14 AM
جزيت خير الجزاء على هذا الطرح ..

ماجد دويهيس
05-26-2008, 09:08 AM
جزاك الله كل خير أخوي هاااني

نواف النجيدي
05-27-2008, 12:06 PM
الله يباركـ فيكم

المرور
05-27-2008, 05:40 PM
الف شكر على الطرح الرائع

وبارك الله فيكم

هااني البلوي
06-27-2008, 08:48 PM
بارك الله فيكم على المرور العطر وجعلة الله في ميزان حسناتكم

مشعل العصباني
06-28-2008, 01:38 AM
اخي الحبيب

جزاك الله خيرا و لكن اسمح لي بنقله للقسم المناسب

عبدالله سليمان شبيث الوحيشي
06-28-2008, 09:52 PM
http://albluwe.com/~uploaded/8931/1214678743.gif