المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بخصوص التخرص والخوض في الأمور المستقبلية الغيبية



موسى بن ربيع البلوي
01-11-2003, 11:44 PM
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد ، فقد لوحظ في الآونه الاخيره كثرة التخرص في علم الغيب ، وذكر التنبؤات التي تحدد الأحداث المستقبلية التي هي من علم الغيب ، والذي لا يعلمه إلا الله ، وهذا له تبعاته الخطيرة على عقيدة عموم المسلمين .

فانطلاقًا من واجب النصيحة ، والتحذير من مغبة الانسياق وراء هذا المنهج نذكر الجميع بما يلي :

أولا ـ من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة أن علم الغيب علم لا يعلمه إلا الله ، فلا يعلمه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلا من طريق الوحي .

دل على ذلك جملة من النصوص ، نُذكّر ببعضها :

1 ـ قول الله تعالى تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (الجـن:26) ، قال السعدي ـ رحمه الله ـ : أي من خلق ، بل انفرد بعلم الضمائر ، والأسرار ، والغيوب . اهـ .

2 ـ وهاهو نبي الله نوح ـ عليه السلام ـ ينكر علمه للغيب كما قال تعالى : وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ (هود:31) .

3 ـ وقال تعالى لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ : قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ (الأنعام:50) .

4 ـ وأيضًا قال الله تعالى : وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ (الأعراف:188) .

5 ـ روى البخاري وغيره عن بن عمر عن النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ قال : (مفاتيح الغيب خمس ، لا يعلمها إلا الله ، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) .

6 ـ روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : من حدثك أن محمدًا يعلم الغيب فقد كذب ، وهو يقول : (لا يعلم الغيب إلا الله) . اهـ .

والنصوص في هذا الباب كثيرة ، ولعل فيما ذكرناه الكفاية .

ثانيا ـ يجب الانتباه والحذر بأن ادعاء علم الغيب هو ضرب من الكهانة .

قال ابن القيم : من يدعي علم شيء من المغيبات ، فهو إما داخل في اسم الكاهن ، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به . اهـ .

وصدق ـ رحمه الله ـ ، فمن يمعن النظر في ما يقوم به البعض من التخرص في علم الغيب بتحديد الأحداث المستقبلية وتواريخها يعلم أن هذا ضرب من الكهانة ؛ لأن الكهانة هي : أن يخبر عن الكوائن المستقبلية ، ويدعي معرفة الأسرار ، ومطالعة علم الغيب فيشبه حالا بحال ، ثم يحكم لهما بحكم واحد ، وهو باب يؤدي إلى الكهانة الكاذبة ، والتخرص في علم الغيب ، والتحذلق في الاستدراء على الله تعالى وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما لم يأذن به الله ـ عز وجل ـ نعوذ الله من ذلك .

بل مجرد دعواه علم الغيب يعد من الكفر كما قال ذلك في "شرح كتاب التوحيد" ص362 .

وكما قال الطحاوي : ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين . اهـ .

ثالثا ـ يجب التفريق بين الاستنتاجات العقلية للأحداث المستقبلية المبنية على استقراء التاريخ والأحداث ، ومخططات أصحاب الهيمنة ، والتقارير الصحفية ، والتصريحات السياسية وهي المسماة بـ (التحليلات السياسية) ، وبين التخرص في علم الغيب المبني على الوهم ، والأحلام ، والرجم بالغيب.

فالتحليلات السياسية ، تقوم على أساس حسي من علم الشهادة ، وهو ظني الحدوث .

أما المتخرص في علم الغيب ، فتقوم رؤيته على أساس خيالي من علم الغيب .

فالبعض يتخرص في علم الغيب بشبهات يظنها بينات ، فيوقع عامة الناس في بلبلة بسبب اجتهاداته الخاطئة ، فيترتب على ذلك فتن ومفاسد لا تخفى ، منها تكذيب الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وقد سبق ووقع شيء من ذلك لبعض أهل العلم ، فأنكر عليه علماء الأمة هذا التأويل .

فالطبري ـ رحمه الله ـ تأول حديث أبي ثعلبة مرفوعًا : (لن يعجز هذه الأمة من نصف يوم) رواه أبو داود والحاكم بإسناد صحيح ، فادعى ـ رحمه الله ـ أنه بقي من الدنيا نصف يوم أي (خمسمائة عام) ، فخالف بذلك صريح القرآن والحديث ، وفاته أن الحديث ليس صريحًا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك ، ويكفي في الرد عليه ـ رحمه الله ـ أن الأمر وقع بخلاف ما قال ، فقد مضى أكثر من ألف سنة ولم تقم الساعة !!.

المقصود أنه لو أخبر أحدهم مثلا عن حادثة وقعت في الماضي أو الحاضر ، لوقف الجميع في وجهه يطالبه بالدليل ومصدر خبر هذه الحادثة ، وإلا أتهم بالكذب والافتراء . مع أنه يتكلم عن علم الشهادة !! .

فكيف يكون الحال لو تكلم عن علم الغيب ؟ فيخبرنا بأنه في شهر كذا سوف يحدث كذا ، وفلان من الناس هو القحطاني ؟!! وأن هذه الدولة ستزول !! ثم عندما نسأله عن مصدر هذه المعلومات ؟ يخبرنا بأنه منام ، فهذا بلا ريب ضرب من الكهانة ، ومزاحمة لله في صفة من صفاته ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور:63) .

فالتوسع والتساهل في باب المنامات يفضي بلا ريب إلى الكهانة ، والرجم بالغيب ، والاستدراء على الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، خاصة وأن من يزعم مثل ذلك يذكره على سبيل الجزم ، كأنه اطلع على اللوح المحفوظ برؤيته المزعومة !!.

إذا تقرر هذا ، فنهيب بجميع الأخوة الأعضاء الالتزام بعقيدة أهل السنة والجماعة بعدم التخرص في علم الغيب جملة وتفصيلاً ، والله الهادي إلى سواء السبيل .



والله تعالى الموفق .









المصدر : منتدى الفجر

ناصر
01-12-2003, 08:28 PM
اخي الكريم ابو نادر
السلام عليكم

اشكرك جزيل الشكر علي حسن انتقاء المواضيع المفيدة

نسمع كثيرا عن مثل هذه الامور وكثير منا يصدقها وهذا الجهل بعينه

ففي بداية كل سنة نري صحفنا ومنها الاسلامية تطالعنا بتوقعات المنجمين للعام الجديد وتقول ان هذا العام سوف يشهد كذا وكذا ,,,, الخ
وتعزز الصحف هذا الكلام حينما تخبرنا بان المنجم الفلاني توقع مثلا انهيار الاتحاد السوفيتي مما يكسب كلامه اهمية خاصة لدي القراء
والكثير منا يقع في هذا الفخ

المهم في الامر هو اتباع تعاليم ديننا الحنيف الذي اوصانا لبتكذيب هؤلاء وعدم الانتباه لما يقولون
بنظري هم مجموعة من النصابين والدجالين الذبين يجدون من يصدقهم

واما الامر الثاني المهم والذي تناولته المقاله هو قضية التحليلات السياسية
" يجب التفريق بين الاستنتاجات العقلية للأحداث المستقبلية المبنية على استقراء التاريخ والأحداث ، ومخططات أصحاب الهيمنة ، والتقارير الصحفية ، والتصريحات السياسية وهي المسماة بـ (التحليلات السياسية) ، وبين التخرص في علم الغيب المبني على الوهم ، والأحلام ، والرجم بالغيب"
وهذا الامر مهم جدا التفريق بينه وبين الادعاء بعلم الغيب

لك خالص تحياتي

موسى بن ربيع البلوي
01-26-2003, 05:12 PM
اشكرك اخي ناصر على مرورك و تعليقك الرائع