المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خاص جداً .. ملفَّات مُشفَّرة



التاج
08-19-2008, 01:02 AM
خاص جداً .. ملفَّات مُشفَّرة



لقد كُلفت ذات مرة بالعمل في مكاتبٍ تخصُّ زملائي الموظفين، وكنت أتأمل في تلك الملفَّات والتي تحوي جميع ما يتعلق بكل موظف وما يستجدُّ في الغالب معه في عمله منذ أن تعين على هذه الوظيفة؛ وإذا بي وأنا أقلب في أدراجها وجدت تفاوتاً بين تلك الملفات ..

فأحدهم ملفه يحوي أوراقاً كثيرة ، وقد امتلأ حتى ثقل حمله ، وبين ثنايا أوراق الملف الواحد أجد فيه ما يرفع الرأس وفيه ما يحطُّ من قدره ، بل وبينها ما يبيض الوجه وأخرى تسوّده .


وملف آخر قد خف حمله ، وسهُل تقليبه ، كلٌ على قدر جهده ، فمُقِلٌّ أو مستكثر .. فيا سبحان الله! كم من ملفات في حياتنا الدنيا قد حفظت لنا أعمالاً عملناها ونسيناها ، ولكنها لا زالت محفوظة علينا ، وهي بين أيدينا ، وأمام مرأى من أعيننا ..


فكيف هو حالنا معها ومع غيرها من تلك الملفات كملفات أجهزة الكمبيوتر وملفاتنا في الدوائر الحكومية ، وذاكرات الجوالات ، ملفات قد حفظت لأغلبنا إن لم نكن كلنا أموراً كثيرة ، منها ما يعلي الدرجات ؛ لأنها كانت في سبيل الله ، ومنها ما يجلب الذنوب والسيئات ..



وإذا أردنا أن نقضي عليها ونمحوها فبِحَرقها أو إتلافها بأي طريقة كانت ، ولكن كيف بنا بسجلاتٍ قد امتلأت بخير وشر منذ سنِّ التكليف إلى أن نموت ؟

(( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ))[الإسراء:13] (( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ))[الإسراء:14] (( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ))[الإسراء:15].

وطائره: هو ما طار عنه من عمله - كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما - من خيرٍ وشر ، ويُلزَم به ويُجازى عليه..


فتأمل يارعاك الله إلى قوله: ( طائره ) أي: أنه من الصعب الإمساك به وإعادته إلا ما نتداركه بالاستغفار والتوبة، قال تعالى: (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ))[الزلزلة:7] (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ))[الزلزلة:8] .

قال ابن كثير في تفسيره : والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره ، ويُكتب عليه ليلاً ونهاراً ، صباحاً ومساءً.

وقال الإمام أحمد عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لََطَائر كل إنسانٍ في عنقه ) ..

وقوله : (( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ))[الإسراء:13] .. أي: نجمع له عمله كله في كتاب يُعطاه يوم القيامة ، إما بيمينه إن كان سعيداً ، أو بشماله إن كان شقياً.

وقوله: ( منشورا ) يقرأه هو وغيره ، فيها جميع عمله من أول عمره إلى آخره (( يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ))[القيامة:13] (( بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ))[القيامة:14] .


إن ملفَّاتنا أيها الأخيار في واقع دنيانا لهي تُذكّرُنَا بما كان من أمرِ الله لملائكته الموكَّلة بكل إنسان منا (( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ))[ق:17] (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))[ق:18] ..

وقال: (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ))[الانفطار:10] (( كِرَامًا كَاتِبِينَ ))[الانفطار:11] ليكون يوم القيامة بعد إذ يوم الفصل والقضاء بين الخلائق (( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ))[الانشقاق:7] (( فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ))[الانشقاق:8].

(( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ))[الحاقة:19] (( إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ))[الحاقة:20] (( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ))[الحاقة:21] (( فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ))[الحاقة:22] (( قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ))[الحاقة:23] (( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ))[الحاقة:24].. جعلنا الله وإياكم منهم ..


وأما الصنف الآخر وبعد عرض السجلاَّت والكتب على أصحابها .. فحالهم يحكيه لنا المولى جل جلاله بقوله : (( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ))[الكهف:49] .

فتزداد الآلام والحسرات، ويظهر الندم والبكاء (( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ))[الحاقة:25] (( وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ))[الحاقة:26] (( يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ))[الحاقة:27] (( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ))[الحاقة:28] (( هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ))[الحاقة:29] (( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ))[الحاقة:30] (( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ))[الحاقة:31] ..

ومما يزيد في الكيل والاحتقار والازدراء لهؤلاء أن يكون حالهم (( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ))[الانشقاق:10] (( فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ))[الانشقاق:11] (( وَيَصْلَى سَعِيرًا ))[الانشقاق:12] (( إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ))[الانشقاق:13] (( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ))[الانشقاق:14] (( بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ))[الانشقاق:15].. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..


نعم أيها الإخوة إننا سنتمكن من تدارك ما أسأنا وقصَّرنا ، وما جنته أيدينا فلطخنا به صحائفنا ، ولن يكون ذلك بنفس طريقة إتلاف ما في الملفات الدنيوية ، لا.. وإنما هو بأيسر من ذلك كله إنه بالاستغفار والتوبة والإنابة الصادقة ..


يا رب اغفر الزلة.. وامحُ الخطيئة.. وارفع الدرجات.. وكفّر السيئات.. وصل اللهم على نبيك محمد ..

(منقول)

مشعل العصباني
08-19-2008, 04:09 AM
جزاك الله خيرا

المرور
08-19-2008, 11:36 AM
الف شكر على الطرح القيم

وبارك الله فيكم

ابن خيشان
02-09-2009, 01:44 AM
احسنت وجزاك الله خير طرح جيد