المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إهداء للأخ بشير العصباني وجميع أعضاء المنتدى



الطارش
10-14-2008, 03:47 PM
عندما شاهدت توقيع زميلنا الفاضل بشير العصباني (صورة الشيخ علي الطناوي ) أحببت أن أهدي هذه القصة له ولجميع الأعضاء الأفاضل ورحم الله الطنطاوي وجميع أموات المسلمين






ممّا وقع لي في بغداد تلك السنة (1939) أنني دخلت في فرقة الملاكمة فتعلّمت من هذا المدرّب الألماني وقفة الاستعداد وأنواع اللكمات: المستقيمة الأمامية والمنحنية الجانبية والقصيرة الصاعدة. والقاعدة عندهم أن يستعمل المبتدئ في بداية التدريب يده اليسرى وحدها، حتّى إن من المدربين من يربط اليمنى حتّى لا يستعملها.

تدرّبت أولاً على الكيس الثقيل، ثم شرعت أنازل بعض الطلاّب، أضربهم ويضربونني، فإذا دخلت الفصل عدت مدرّساً وعادوا طلاّباً. وأشهد أن طلاّب العراق يعرفون الانضباط تماماً. ولبثت على ذلك شهوراً، حتّى كان يوم أصابَتني فيه ضربة من طالب تورّمَت منها عيني وظهر أثرها عليها، فقلت للمدرب: إلى هنا وبَسْ (وكلمة "بس" بمعنى "فقط" فصيحة معرَّبة من القديم).
ولكن سرعان ما طبّقت ما تعلمتُه من دروس الملاكمة؛ ذلك أنني زجرت يوماً طالباً مسيئاً يبدو أنه من أسرة غنيّة وجيهة، فحقد عليّ أهله. وكنت في صباح يوم مطير من أيام الشتاء أمرّ أمام وزارة الخارجية ذاهباً إلى المدرسة، فاعترضني رجل طويل ممّن يُدعَون في بغداد "أبو جاسم لِرْ" أي من صنف الفتوّات كما يُقال في مصر أو القَبَضايات كما يُقال في الشام. وكلمة "لر" تركية هي علامة الجمع عندهم. ففتح معي باباً للشرّ وقال: لماذا شتمت فلاناً (يعني من الطلاّب؟) أما عرفت من هو؟ وهل بلغ من قدرك أن تتطاول على ابن فلان؟
فقلت له: حافظ على أدبك، وإن كان لك كلام فراجع مدير المدرسة.
فقال قولاً بذيئاً وهدّدني وأمسك بصدر ردائي حتّى كاد يشقّه، ثم لوّث ثوبي بحذائه المحمّل بالوحل والطين فترك عليه أثراً ظاهراً. وكان يمشي إلى يساري، فقبضت يدي وتناولته بلكمة جانبية جاءت تحت صدغه لم يكُن يتوقّعها.
وتجمّع الناس وحالوا بيني وبينه، ولم أعد أستطيع المشي إلى المدرسة بهذا الثوب الملطّخ بالوحل فأخذت عربة (عَرَبانة كما يقولون) وذهبت فبدّلت ثيابي، ومررت بالأخ الكبير الذي كان مَفْزَعنا في كلّ مُلِمّة تُلِمّ بنا، الأستاذ بهجة الأثري، فخبّرته. فقال: لا تدير بال (أي لا تُدِرْ لها بالاً).
ووصلت المدرسة متأخراً فوجدت شيئاً عجيباً؛ الطلاّب جميعاً يستقبلونني يحفّون بي، يقولون: "خاطر الله شنو هذا" ماذا عملت؟ كيف ضربته؟ وأسئلة كثيرة من أمثال هذه كرّت عليّ باكراً. قلت: ويحكم، خبّروني أولاً ما القصّة؟
فإذا القصّة أن هذا الذي ضربتُه معدود في حيّه من أبطال الرجال لا يقدر عليه أحد، أو هو يوهم مَن حوله بأنه لا يقدر عليه أحد. فلما يئس من أن ينتقم مني بيده ذهب إلى المخفر وشكاني، وكانت اللكمة قد أصابت أصول أسنانه فنزل منها الدم، فهوّل الأمر على الضابط وكبّره حتّى أحالوه إلى الطبيب الشرعي. ويظهر أنه استمال الطبيب فربط وجهه بالرباط الأبيض ورجعه إلى الضابط، فبعثه الضابط مع شرطي إلى المدرسة يفتّش عن المجرم الذي اعتدى على هذا البطل... وكنت أنا ذلك المجرم.
فكانت دعاية لي بأنني قهرت مَن هو أقوى الرجال وأنني صرت بذلك من الأبطال، وذهبوا فحدّثوا بالقصّة إخوانهم وأهليهم، وزادوا في سردها على عادة الناس في المبالغات، وملّحوها وفَلْفَلوها ووضعوا لها الحواشي والذيول، فكانت النتيجة أنني صرت بطلاً. والحقيقة كما قال المثل: "مُكرَه أخوك لا بطل"!

موسى بن ربيع البلوي
10-14-2008, 05:35 PM
شكراً لك أخي الفاضل /
قصة ماتعة و أسلوب أخاذ كما هي عادة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .

بشير العصباني
10-15-2008, 08:44 AM
الأخ الفاضل الطارش


شكرا لك على هذا الإتحاف الرائع لإحدى قصص


الشيخ على الطنطاوي رحمه الله فالشيخ جمع بين العلم وبين الكتابة والتبحر في القراءة


قيل أنه رغم اشغاله كان يقرأ في اليوم سبعين صفحة أو يزيد في شتى العلوم


لذلك كان برنامجه على مائدة الإفطار مليئا بالحكم والفوائد والدرر


يجمل بين بساطة الإسلوب وسهولة الطرح والبعد عن التكلف


وهذا ما يجعل العامي والمتعلم والصغير والكبير ينشد معه أثناء الحديث.


شاكر ومقدر لك أخي على هذه اللفتة الرائعة.

محمد مطلق المعيقلي
10-16-2008, 12:10 AM
اختيار موفق

حفظك ربي

يوسف صالح العرادي
10-17-2008, 02:30 PM
بارك الله فيك على اتحفنا بهذه القصه الرائعه و اختيار موفق

رحم الله الشيخ

الطارش
10-17-2008, 06:04 PM
الأخوة الأفاضل
( موسى بن ربيع البلوي )
(بشير العصباني )
(محمد مطلق المعيقلي)
(يوسف صالح العرادي )
أشكر لكم مروركم وتقبلوا تحياتي