المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دعوة للتأمل



موسى بن ربيع البلوي
02-22-2005, 10:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم







(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)



(وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)



(عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)



الحمد لله، أصبحت له الوجوه ذليلة عَانِيَة، وحذرته النُّفوس مجدّة ومتوانية، ذمَّ الدنيا إذا هي حقيرة فانية، وشوَّق لجنة قطوفها دانية، وخوَّف صرعى الهوى أن يُسقوا من عين آنية .







أما بعد، أحبتي في الله، إنها دعوة، دعوة إلى التأمل، دعوة موجَّهة إلى القلوب الذاكرة، العابدة، الخاشعة، دعوة إلى من يتفكرون، ويسمعون، ويعقلون، ويؤمنون، ويفقهون، إلى أولي الألباب، إلى أولي الأبصار، إلى أولي الأحلام والنُّهَى، إلى من يتأملون، ويتدبرون فينتفعون، فلا عند حدود النظر المشهود للعيان يقفون، بل إلى قدرة القادر في خلقه ينظرون.



وهي كذلك دعوة إلى الغافلين، السَّاهين، اللاهين، المعْرِضين، إلى من لهم عيون بها لا يبصرون، وآذان بها لا يسمعون، وقلوب بها لا يفقهون.إلى من هاجموا التوحيد ولم يفهموه، وهاجموا الإسلام ولم يعرفوه، ونقدوا القرآن ولم يقرؤوه. إلى من يمرُّون على آيات الله وهم عنها معرضون، إليهم هذه الدعوة؛ علَّهم يستيقظون، ويفقهون، ويعقلون، فيقدرون الله حقَّ قدره، لا إله إلا هو فأنى يؤفكون. (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) إنها باختصار دعوة إلى العلم بالله علمًا يقود إلى خشيته ومحبته، فمن كان به أعلم كان له أخشى (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وهي أيضًا دعوى لتعبد الله بمقتضى ذلك العلم، في تمام خضوع وذل ومحبة من طريقين اثنين؛ الأول: التدبر في آيات الله الشرعية المتلوة في كتابه العزيز، والثاني: النظر في مخلوقات الله، وآياته الكونية المشهودة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْل وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

موسى بن ربيع البلوي
02-22-2005, 10:21 PM
- 1 -

فتعالَ معي أخي لجولة أرجو ألا يستطيلها مَلُول، وألا يستكثرها مشغول، نرتاد فيها هذا الكون بسماواته وأرضه وأحيائه، متأملين، متدبِّرين (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فاللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحَزن إذا شئت سهلا.

تأمل في الوجود بعين فكر *** ترى الدنيا الدنيئة كالخيال

ومن فيها جميعًا سوف يفنى *** ويبقى وجه ربك ذو الجلال

تأمَّل واطعن برمح الحق كل معاندٍ *** واركب جواد العزم في الجولان

واجعل كتاب الله درعًا سابغًا *** والشرع سيفك وابْدُ في الميدان

السماء بغير عمدٍ ترونها من رفعها؟ بالكواكب من زيَّنها؟ الجبال من نصبها؟ الأرض من سطحها وذلَّلها وقال: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) الطبيب من أرداه، وقد كان يرجى بإذن ربه شفاه؟. المريض وقد يُئِس منه، من عافاه؟ الصحيح من بالمنايا رماه؟ البصير في الحفرة من أهواه؟ والأعمى في الزِّحام من يقود خُطَاه؟ الجنين في ظلماتٍ ثلاثٍ من يرعاه؟ الوليد من أبكاه؟ الثعبان من أحياه، والسُّم يملأ فاه؟! الشَّهد من حلاَّه؟ اللبن من بين فرث ودم من صفَّاه؟ الهواء تحسُّه الأيدي ولا تراه من أخفاه؟ النَّبت في الصحراء من أرْبَاه؟ البدر من أتمَّه وأسراه؟ النخل من شقَّ نواه؟ الجبل من أرساه؟ الصخر من فجَّر منه المياه؟ النهر من أجراه؟ البحر من أطغاه؟ الليل من حاك دُجَاه؟ الصُّبح من أسفره وصاغ ضحاه؟ النوم من جعله وفاة؟ واليقظة منه بعثًا وحياة؟!! العقل من منحه وأعطاه؟ النحل من هداه؟ الطير في جو السماء من أمسكه ورعاه؟ في أوكاره من غذَّاه ونمَّاه؟ الجبار من يقصمه؟ المظلوم من ينصره؟ المضطَّر من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ العاري من يكسوه؟ الجائع من يشبعه؟ الكسير من يجبره؟ الفقير من يغنيه؟. أنت، أنت مَنْ خلقك؟ من صوَّرك؟ من شق سمعك وبصرك؟ من سوَّاك فعَدَلَك؟ من رزقك؟ من أطعمك؟ من آواك ونصرك؟ من جعل ملايين الكائنات ترتادُ وأنت لا تشعر فَمَك؟ ولو اختفت لاختلفت وظائف فمك. من هداك؟ إنه الله الذي أحسن كل شيء خلقه. لا إله إلا هو. أنت من آياته، والكون من آياته، والآفاق من آياته، تشهد بوحدانيته. إن تأملت ذلك عرفت حقًا كونه موحدًا خالقًا؟ وكونك عبدًا مخلوقًا، الكون كتاب مسطور ينطق تسبيحًا وتوحيدًا، وذراته تهتف تمجيدًا: (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)

لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداك

ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك

والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولْتَ تفسيرًا لها أعياك

قل للطبيب تخطَّفته يد الردى *** من يا طبيب بطبِّه أرْدَاك؟

قل للمريض نجا وعُوفيَ بعدما *** عجزت فنون الطب من عافاك؟

قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا يا صحيح دهاك؟

قل للبصير وكان يحذر حفرة *** فهَوَى بها من ذا الذي أهواك؟

بل سائل الأعمى خَطَا بين الزحام *** بلا اصطدام من يقود خطاك؟

قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راعٍ ومرعى ما الذي يرعاك؟

قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة ما الذي أبكاك؟

وإذا ترى الثعبان ينفث سمَّهُ *** فاسأله من ذا بالسموم حَشَاكَ؟

واسأله كيف تعيش يا ثعبان *** أو تحيى وهذا السمُّ يملأ فَاكَ؟

واسأل بطون النَّحل كيف تقاطرت *** شهدًا وقل للشهد من حلاَّك؟

بل سائل اللبن المُصَفَّى كان *** بين دم وفرث ما الذي صفَّاك؟

وإذا رأيت الحي يخرج من *** حَنَايا ميتٍ فاسأله من أحياك؟

قل للهواء تحثُّه الأيدي ويخفى *** عن عيون الناس من أخفاك؟

قل للنبات يجفُّ بعد تعهُّدٍ *** ورعاية من بالجفاف رَمَاك؟

وإذا رأيت النَّبت في الصحراء *** يربو وحده فاسأله من أَرْبَاكَ؟

وإذا رأيت البدر يسري ناشرًا *** أنواره فاسأله من أسْرَاك؟

واسأل شعاع الشمس يدنو وهي *** أبعد كل شيء ما الذي أدناك؟

قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمرِّ من دون الثمار غذاك؟

وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله من يا نخل شقَّ نواك؟

وإذا رأيت النار شبَّ لهيبها *** فاسأل لهيب النار من أوراك؟

وإذا ترى الجبل الأشَمَّ مناطحًا *** قِمَمَ السَّحاب فسَلْه من أرساك؟

وإذا ترى صخرًا تفجر بالمياه *** فسله من بالماء شقَّ صَفَاك؟

وإذا رأيت النهر بالعذب الزُّلال *** جرى فسَلْه من الذي أجراك؟

وإذا رأيت البحر بالملح الأُجاج *** طغى فسَلْه من الذي أطغاك؟

وإذا رأيت الليل يغشى داجيًا *** فاسأله من يا ليل حاك دُجاك؟

وإذا رأيت الصُّبح يسفر ضاحيًا *** فاسأله من يا صبح صاغ ضُحَاك؟

ستجيب ما في الكون من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك

ربي لك الحمد العظيم لذاتك *** حمدًا وليس لواحد إلاَّك

يا مدرك الأبصار والأبصار *** لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا

إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين عُلاك

يا منبت الأزهار عاطرة الشَّذَى يا مجري الأنهار عاذبة الندى ما خاب يومًا من دعا ورَجَاك يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراك؟

أحبتي في الله، الله نصب لخلقه دلالات، وأوضح لهم آيات بيِّنات في الأنفس والأرضين والسماوات (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)

وتحسب أنك جِرْم صغير *** وفيك انطوى عالم أكبر

سلمان العرادي
02-23-2005, 02:03 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد

مــوســى ربــيــــع

بوركت أيها العذب على هــذهـ الجوله الرائـعــه في أرجاء هــذا الكون

سلمت يمناك ولا عدمناك

سـلـمـان الـعــــــــــــــرادي

موسى بن ربيع البلوي
02-23-2005, 09:45 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد


مــوســى ربــيــــع

بوركت أيها العذب على هــذهـ الجوله الرائـعــه في أرجاء هــذا الكون

سلمت يمناك ولا عدمناك

سـلـمـان الـعــــــــــــــرادي

س1

الاخ الفاضل و الصديق العزيز : سلمان العرادي

تواجدك هنا أيه الكريم اثلج صدري فشكرا لك .

سليم الجذلي
02-23-2005, 02:50 PM
أحبتي في الله، إنها دعوة، دعوة إلى التأمل، دعوة موجَّهة إلى القلوب الذاكرة، العابدة، الخاشعة، دعوة إلى من يتفكرون، ويسمعون، ويعقلون، ويؤمنون، ويفقهون، إلى أولي الألباب، إلى أولي الأبصار، إلى أولي الأحلام والنُّهَى، إلى من يتأملون، ويتدبرون فينتفعون، فلا عند حدود النظر المشهود للعيان يقفون، بل إلى قدرة القادر في خلقه ينظرون. ]وهي كذلك دعوة إلى الغافلين، السَّاهين، اللاهين، المعْرِضين، إلى من لهم عيون بها لا يبصرون، وآذان بها لا يسمعون، وقلوب بها لا يفقهون.إلى من هاجموا التوحيد ولم يفهموه، وهاجموا الإسلام ولم يعرفوه، ونقدوا القرآن ولم يقرؤوه. إلى من يمرُّون على آيات الله وهم عنها معرضون، إليهم هذه الدعوة؛ علَّهم يستيقظون، ويفقهون، ويعقلون، فيقدرون الله حقَّ قدره، لا إله إلا هو فأنى يؤفكون. (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) إنها باختصار دعوة إلى العلم بالله علمًا يقود إلى خشيته ومحبته، فمن كان به أعلم كان له أخشى (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وهي أيضًا دعوى لتعبد الله بمقتضى ذلك العلم، في تمام خضوع وذل ومحبة من طريقين اثنين؛ الأول: التدبر في آيات الله الشرعية المتلوة في كتابه العزيز، والثاني: النظر في مخلوقات الله، وآياته الكونية المشهودة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْل وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)


سبحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـان الله
اخي :::: موسي ربيع البلوي وفقك رب السمـــــــــــــــاوات والارض نعم حفظك الله انها دعوة للتأمل في أيات الرحمن
واشكرك اخى مرة ثانية وثالثة على موضوعك الذي اسأل الله ان يجزيك عنا خير الجزاء،،،،،

موسى بن ربيع البلوي
02-23-2005, 10:14 PM
أحبتي في الله، إنها دعوة، دعوة إلى التأمل، دعوة موجَّهة إلى القلوب الذاكرة، العابدة، الخاشعة، دعوة إلى من يتفكرون، ويسمعون، ويعقلون، ويؤمنون، ويفقهون، إلى أولي الألباب، إلى أولي الأبصار، إلى أولي الأحلام والنُّهَى، إلى من يتأملون، ويتدبرون فينتفعون، فلا عند حدود النظر المشهود للعيان يقفون، بل إلى قدرة القادر في خلقه ينظرون. ]وهي كذلك دعوة إلى الغافلين، السَّاهين، اللاهين، المعْرِضين، إلى من لهم عيون بها لا يبصرون، وآذان بها لا يسمعون، وقلوب بها لا يفقهون.إلى من هاجموا التوحيد ولم يفهموه، وهاجموا الإسلام ولم يعرفوه، ونقدوا القرآن ولم يقرؤوه. إلى من يمرُّون على آيات الله وهم عنها معرضون، إليهم هذه الدعوة؛ علَّهم يستيقظون، ويفقهون، ويعقلون، فيقدرون الله حقَّ قدره، لا إله إلا هو فأنى يؤفكون. (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) إنها باختصار دعوة إلى العلم بالله علمًا يقود إلى خشيته ومحبته، فمن كان به أعلم كان له أخشى (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وهي أيضًا دعوى لتعبد الله بمقتضى ذلك العلم، في تمام خضوع وذل ومحبة من طريقين اثنين؛ الأول: التدبر في آيات الله الشرعية المتلوة في كتابه العزيز، والثاني: النظر في مخلوقات الله، وآياته الكونية المشهودة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْل وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)




سبحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـان الله


اخي :::: موسي ربيع البلوي وفقك رب السمـــــــــــــــاوات والارض نعم حفظك الله انها دعوة للتأمل في أيات الرحمن
واشكرك اخى مرة ثانية وثالثة على موضوعك الذي اسأل الله ان يجزيك عنا خير الجزاء،،،،،

س1
أهلا بأخي سليم الجذلي
و شكرا لك أخي هذا التفاعل

وفقك الله

موسى بن ربيع البلوي
02-23-2005, 10:19 PM
- 2 -

تأمل –أخي- مدى معرفة الناس بالجنين قبل حوالي ثلاثين عامًا، لقد كان كائنًا حيًا لا يُعْلَم عنه إلا حركاته التي يصدرها داخل بطن أمه، ومع تطور وسائل الملاحظة والمشاهدة، ووصولها إلى بطن الجسم الإنساني -وكل ذلك بإذن الله – كالتصوير والتسجيل الضوئي والصوتي، علم أن للجنين نفسية لا ينفصل فيها عن أمه تمامًا، فتراه في حالات انكماش واكتئاب مرة، وحالات انشراح وانبساط أخرى، بل يبدي الانزعاج لبعض مخالفات أمه؛ كالتدخين مثلًا، عافانا الله وإياكم والمسلمين عمومًا.

يطلب طبيب مجرب من أم حامل في شهرها السادس كانت تعتاد التدخين أن تمتنع عنه لمدة أربع وعشرين ساعة، وهو يتابع الجنين بأجهزة التصوير الضوئي، فإذا به ساكن هادئ، وبينما هو كذلك، إذ قدم لها الطبيب لفافة؛ لفافة سيجارة –عافانا الله وإياكم- وما أن وضعتها بين أصابعها، وتمَّ إشعالها إلا وأشار المقياس إلى اضطراب الجنين تبعًا لاضطراب قلب أمه. فسبحان من جعله في وسط ظلمات ثلاث، يتأذى مما تتأذى منه أمه تبعًا، وإن لم تشعر أمه بذلك. أمكنهم أن يروه مضطربًا حينما تقع أمه في أزمة انفعال حادة؛ كغضب وخجل، أو في تأثر جسدي كوقوع على الأرض، أو اصطدام بشيء تبعًا لتأثر أمه بذلك. ثم أمكن الأطباء أن يروه هادئًا عندما تنصت أمه لسماع ما تستريح إليه من قرآن وأناشيد وغيرها. وحينما تسمع صوت أبيه، فتنصت له، رأوه كالمنصت له تبعًا لأمه. أما بعد الولادة، في أسبوعه الأول وجدوه أنه يأنس ويتبسم لصوت أبيه دون سائر الأصوات، إنها أمور مذهلة ، بل آيات بيِّنة بالغة، دالَّة على عظمة الله -سبحانه وتعالى- وعلى أحقِّيَّته بالتَّفرُّد في العبادة لا شريك له. أيضًا رأوا أنه حين ترغب الأم في الحمل، ثم تحمل، تجدها ترسل إليه -بإذن الله- موجاتٍ من العواطف المكثَّفة، وتغمره بفيض زاخر من الرضا والحنان، فيبادلها الشعور مبتهجًا، وكأنه يشكرها على حسن لقائها ورعايتها. ويعبر عن امتنانه لها بحركات لطيفة ساحرة، لا حد لعذوبتها على قلب أمه، فسبحان الله، وتبارك الله أحسن الخالقين! وحين لا ترغب الأم في الحمل، ثم تحمل مكرهة، تقطع الصِّلة العاطفية مع الجنين، فتراه يحيا منكمشًا، ثم يبدأ يتَّجه نحو المشاكسة، ويعبر عن ذلك بركلات من قدميْه تعبر عن احتجاجه واستنكاره، ولربما يصبح إسقاطا فيما بعد، وإن لم يسقط فإنه يبدو مهيأ للعناد، والرفض، والعدوان بعد ولادته، ويظهر ذلك في أول أيام ولادته.



يذكر صاحب سنريهم آياتنا أن امرأة حملت مكرهة، وحاولت إسقاط الجنين، ولم تستطع؛ إذ قد ثبته الله، فجعله في قرار مكين؛ فأنَّى لأحدٍ أن يسقطه؟. ولدت بعد ذلك، وكان المولود أنثى، ولما وُلدت رفضت أن تتناول ثدي أمها، وأصرَّت أيامًا على هذا، ولكنها مع ذلك قبلت أن ترضع من مرضعة أخرى غير أمها، عندها أغمضت عيناها، وأعيدت إلى أمها معصوبة العينين، فرفضت ثديها مرة أخري وهي لم تره، فأجرى الطبيب حوارًا مع أمها، تبين أن الأم لم تكن راغبة في الحمل، فحملت على كُرْه، وحاولت الاعتداء عليه بإسقاطه، فانعكس ذلك على الجنين بعد ولادته، فسبحان الله رب العالمين! إنها أحاسيس ومشاعر وأفعال أمه، تنعكس عليه فحسب، وإلا فهو لا يعلم شيئًا بنص قول الله -جل وعلا-: (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

فيا أيها العبد العاصي، ألك قَدْر إن فارقت صراط الله ودربه؟ (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَه) تحتَجُّ على مولاك وقد هداك، وتحيد عن الطريق وقد دلَّك وأرشدك؟ بئس العبد عبد سها ولهى ونسيَ المبدأ والمنتهى. بئس العبد عبد طغى وعَتَا ونسي الجبار الأعلى. السماء تستأذن ربها أن تَحْصدَه، والأرض أن تخسف به، والبحر أن يغرقه، من أنت؟ وما تكون الأرض وما عليها؟ ثق أنك سقطت من عين الله، ولو كان لك قدرٌ عند الله لعصمك من المعاصي.

يا أيها الماء المهين من الذي سوَّاك *** ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك

ومن الذي غذَّاك من نَعْمَائِه *** ومن الكروب جميعها نجَّاك؟

ومن الذي شقَّ العيون فأبصرت *** ومن الذي بالعقل قد حلاَّك؟

ومن الذي تعصي ويغفر دائمًا *** ومن الذي تنسى ولا ينساك

موسى بن ربيع البلوي
02-24-2005, 02:16 PM
- 3 -

تأمل السماء ثم ارجع البصر إليها أخرى، انظر فيها وفي كواكبها، دورانها، وطلوعها، وغروبها، واختلاف ألوانها وكثرتها، وشمسها وقمرها، باختلاف مشارقها ومغاربها، حركتها من غير فتور ولا تغير في سيرها، تجري في منازل قد رتِّبت لها بحساب مُقدَّر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها فاطرها. تأمل تجد أنه ما من كوكب إلا ولله من خَلْقِه حِكْمَة، في مقداره، في شكله، في لونه، في موضعه في السماء، في قربه من وسطها وبُعْدِه، في قربه من الكواكب التي تليه وبعده، على صفحة سماوات ترونها أُمْسِكت مع عِظَمِها وَعِظَم ما فيها، فثبتت بلا علائق من فوقها، ولا عُمُدٍ من تحتها. (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) والإنسان العاقل أمام بديع صنع الله في سماواته يتوقف طويلا أمام أصغر جسم، وأعظم جسم، يرى فيها فتثبت له أدلة الإيمان، بعظمة الخالق في ملكوته، فما يملك إلا أن تخشع جوارحه، وتخضع، وتذل، وتستجيب، فتَقْدُر الله حقَّ قَدْرِه، وتفرده بالعبادة وحده لا شريك له.

فسبحان الله لا يَقْدُر الخَلْقَ قَدْرِه *** ومن هو فوق العرش فردٌ موحَّد

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) نظر أحد علماء الفلك الكفار إلى السماء من خلال منظار بَنَاه بنفسه، فرأى ما أذهله في هذا الكون، فقال: إن الإنسانية لن تنتهي من سَبْر أغوار الكون، ولن تعرف من الكون إلا مقدار ما نعرفه من نقطة ماء في محيط عظيم. فهل آمن مع ذلك وصدَّق؟ لا، وصدق الله (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) وقال آخر أيضًا: إن وضع الأجرام السماوية ليس مجرد مصادفة وعشوائية، بل هي موضوعة في الفضاء بدقَّة وإتقان؛ إذ أن القمر لو اقترب من الأرض بمقدار ربع المسافة التي تفصلنا عنه لأغرق مدّ البحر الأرض كلها، وما علاقة القمر بالبحر؟! الله يعلمها الذي قال وصدق: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ولا يزال علماء الفلك يكتشفون من خلال تجاربهم ومراصدهم ومناظيرهم كل يوم ما يشْدَهُ ويدهش العقول في هذا الكون الفسيح، حتى قال مكتشف الجاذبية معبرًا عن اكتشافه وضآلة ما اكتشفه بجانب ذلك الخلق العظيم، يقول: لست أدري كيف أبدو في نظر العالم، ولكني في نظر نفسي، وأنا أبحث في هذا الكون أبدو كما لو كنت غلامًا يلعب على شاطئ البحر، ويلهو بين حين وآخر بالعثور على حَجَر أملس، أو محارة بالغة الجمال، في الوقت الذي يمتد فيه محيط الحقيقة أمامي دون أن يسبر أحد غوره، نعم (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا) لقد رأى البروج الصغيرة وهي تتألف من عشرة ملايين نجم قد عُرِف منها ما عُرِف، ورأى العملاقة وقد وصل عدد نجومها المعروفة لنا إلى عشرة آلاف مليار نجم يرتبط بعضها ببعض في غاية دقة وإحكام.

الله أحكم خلق ذلك كله *** صنعًا وأتقن أيما إتقان

نعم، لقد رأى مجموعة النظام الشمسي، وقد تألَّفت من مائة مليار نجم، قد عُرِف وعرف منها الشمس، وتبدو هذه المجموعة كقرص قطره تسعون ألف سنة ضوئية، وسمكه خمسة آلاف سنة ضوئية، ومع هذا البعد الشاسع فإن ضوء الشمس يصلنا في لحظات، وكذلك نور القمر. بل قد رأى هناك مجموعات تكبرها بعشرات المرات، أحصى منها مائة مليار مجموعة تجري، كلها في نظام دقيق بسرعة هائلة، كل في مساره الخاص دون اصطدام، كل يجري لأجل (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) هذا الذي رآه، وما لم يره أكثر، فقد قال الله -عز وجل-: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ)

موسى بن ربيع البلوي
02-24-2005, 02:21 PM
ملاحظة :
سوف أذكر المصدر في آخر السلسلة

بنت ابوها
02-24-2005, 08:23 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبو نادر

بارك الله فيك
ووفقك الله لما يحبه ويرضاه
والله إنها كلمات تجعلنا نتوقف لنراجع حساباتنا ومعتقداتنا

والله المستعان
الله يهدي الجميع


بنت ابوها

موسى بن ربيع البلوي
02-25-2005, 12:19 AM
الفاضلة : بنت أبوها
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكرا لك مرورك
و نفعنا الله بما قرأنا و جعلنا ممن يستمع القول و يتبع أحسنه

موسى بن ربيع البلوي
02-25-2005, 09:38 PM
- 4 -

إن السماء وتناثر الكواكب فيها أجمل مشهد تقع عليه العين، ولا تمل طول النظر إليه أبدًا، ولهذا أخي المسلم فإني أدعوك إلى أن تطلع على شيء من علم الفلك، ثم اخلُ بنفسك بضع دقائق في ليل صفا أَدِيمه، وغاب قمره، ثم تأمل عالم النجوم ، واعلم أن ما تراه ما هو إلا جزء يسير من مائة مليار مجموعة قد عرفت، وكثير منها لم يعرف، كل منها في مسارها يسير، لا يختلط بغيره. وأنت تتأمل انقل تفكيرك إلى ما بثَّه الله في السماوات من ملائكة لا يحصيهم إلا هو، فما من موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم لله؛ راكع أو ساجد، يطوف منهم بالبيت المعمور في السماء السابعة كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه إلى قيام الساعة. "أطَّت السماء وحقَّ لها أن تئط" كما جاء في الصحيح. ثم انقل نفسك أخرى وتجاوز تفكيرك إلى بصيرة يسير قلبك بها إلى عرش الرحمن، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته، عندها تعلم أن السماوات بملائكتها، ونجومها، ومجرَّاتها، ومجموعاتها، والأرضين بجبالها، وبحارها، وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة مُلْقاة بأرض فلاة. فلا إله إلا الله! وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير

الملائكة حفت من حول العرش، يسبحون، ويحمدون، ويقدسون، ويكبرون، والأمر يتنزل من الله بتدبير الممالك التي لا يعلمها إلا الله. يتنزل الأمر بإحياء قوم، وإماتة آخرين، وإعزاز قومٍ، وإذلال قوم، وإنشاء مُلْك، وسلب ملك، وتحويل نِعَم، وقضاء حاجات، من جبر كسير، و إغناء فقير، وشفاء مريض، وتفريج كرب، ومغفرة ذنب، وكشف ضُر، ونصر مظلوم، وهداية حيران، وتعليم جاهل، وردّ آبق، وأمان خائف، وإجارة مستجير، وإغاثة ملهوف، وإعانة عاجز، وانتقام من ظالم، وكف عدوان من معتدٍ. مراسيم تدور بين العدل والفضل، والحكمة والرحمة، تنفذ أقطار العالم، لا يشغله سمع شيء منها عن سمع غيره، ولا تُغلطه كثرة المسائل والحوائج على تباينها واتحاد وقتها، لا يتبرم من إلحاح الملحِّين، لا تنقص ذرة من خزائنه، لا إله إلا هو! ذلكم الله ربكم، فتبارك الله رب العالمين. عندها حق للقلب والجوارح أن تسجد مطرقة لهيبته، عانية لعزَّته، سجدة لا يرفع الرأس منها إلى يوم المزيد، يلْهَج صاحبها مرددًا (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارَ)

بدر البلوي
02-26-2005, 12:47 AM
جزاك الله خير

موسى بن ربيع البلوي
02-26-2005, 11:23 PM
- 5 –

هل تأملت اختلاف الألسنة واللغات وتباينها من عربية وعجمية؛ كرومية وفارسية وتركية، وغيرها من اللغات، لا لغة تشبه لغة، ولا صوت يشبه صوتًا إِنَّ في ذلك لآَية ثم هل تأملت اختلاف الألوان من بيض وسود، وحمر وصفر وخضر، لا لون يشبه لونًا، حتى صار كل واحدٍ متميزًا بينكم لا يلتبس هذا بذاك. بل في كل فرد ما يميزه عن غيره، مع أن الجميع أولاد رجل واحد، وامرأة واحدة؛ آدم وحواء –عليهما السلام-. إن في هذا من بديع قدرة الله ما يستحق أن يفرد معه بالعبودية، وما يعقله إلا العَالِمُون، ولا يفهمه إلا المتفكرون. (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ) تأمل تعاقب الليل والنهار بصورة معتدلة، وتفاوت الليل عن النهار، وكلا عن مثله، فلا ليل يشبه ليلا، ولا نهار يشبه نهارًا مذ خلق الله الخلق وحتى قيام الساعة، إن ذلك من أعجب وأبدع آيات الله الدالة على ربوبيته وألوهيته وحكمته (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْل وَالنَّهَار) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) إن تعاقب الليل والنهار نعمة عظيمة؛ إذ هي تنظم وجود الأحياء على الأرض، من نمو النبات، وتفتُّحُ الأزهار، ونضج الثِّمار، وهجرة الطيور والأسماك والحشرات، ومن شاء فليتصور ليلا بلا نهار، أو نهارًا بلا ليل، كيف تكون الحياة؟ (قُلْ أَرأيتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرأيتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ) أما إنها لو سكنت حركة الشمس لغرق نصف الأرض في ليل سرمدي، وغرق نصفها الآخر في نهار سرمدي، وتعطلت مع ذلك مصالح ومنافع، ومن عاش في المناطق القطبية بعض الوقت عرف نعمة تعاقب الليل والنهار؛ إذ يبقى النهار لمدة ستة أشهر، والليل كذلك. (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يقول رائد الفضاء السوفيتي الملحد عندما أصبح حول الأرض، ونظر من كُوَّة مركبته فرأى بديع خلق الله في السماوات والأرض، فقال: ماذا أرى؟! أنا في حلم أم سُحِرَت عيناي، ثم يقول: في الفضاء يحل الليل بصورة مفاجئة، وبسرعة تقطع الأنفاس، وتعمي العيون بلا تدرج كما هو الحال على الأرض، وليل الفضاء الخارجي من أشد الأشياء السوداء التي رأيتها في حياتي، يقول: ثم تظهر الشمس فجأة، وتلمع كأنها ضوء صاعقة مبدّدة خلال ثوانٍ في وسط الليل الحالك، فلا تدرج في الفضاء، بل ثوان وأنت في ليل مظلم في أَحْلَك الظلمات، وثوان أخرى وأنت في نهار ساطع النور وهاج يبدد الظلمات. فيا لها من نعمة، نعمة الشروق والغروب، والليل والنهار، التي أقسم الله –عز وجل- بها في عدة آيات فقال: (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) وقال: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا).

موسى بن ربيع البلوي
03-02-2005, 10:33 AM
- 6 –

تأمل هذه الأرض بينما هي هادئة ساكنة وادعة؛ مهاد وفراش، قرار وذلول، خاشعة، إذا بها تهتز، تتحرك، تثور، تتفجر، تدمّر، تبتلع، تتصدع، زلازل، خَسْف، براكين، تجدها آية من آيات الله، وكم لله من آية يخوف الله بها عباده لعلَّهم يرجعون!، وهي مع ذلك جزاء لمن حقَّ عليه القول. وهي –أيضًا- تذكير بأهوال الفزع الأكبر، يوم يُبعثون ويُحشرون، وعندها لا ينفع مال ولا بنون. يذكر صاحب علوم الأرض القرآنية أنه قبل حوالي خمسة قرون ضرب زلزال شمال الصين عشر ثوان فقط، هلك بسببه أربعمائة ألف وثلاثون ألف ألف شخص، وقبل ثلاثة قرون ضرب زلزال مدينة <لشبونة> في <البرتغال> لعدة ثوان، هلك فيه ستمائة ألف، وشعر الناس برعب وهَلَع وجزع إثر ارتجاج الأرض تحت أقدامهم على مساحة ملايين الأميال، فنعوذ بالله أن نُغْتَال من تحتنا.

وانفجرت جزيرة <كاراكات> في المحيط الهندي قبل قرن، فسُمِع الانفجار إلى مسافة خمسة آلاف كيلو متر، وسجلته آلات الرصد في العالم، وتحولت معه في ثوان جزيرة حجمها عشرون كيلو مترًا مربعًا إلى قطع نثرها الانفجار على مساحة مليون كيلو متر مربع، وارتفعت أعمدة الدخان والرَّماد إلى خمسة وثلاثين كيلو متر في الفضاء، وأظلمت السماء على مساحة مئات الكيلو مترات حاجبة نور الشمس لمدة سنتين، وارتفعت أمواج البحر إلى علوّ ثلاثين مترًا، فأغرقت ستة وثلاثين ألف نسمة من سكان <جاوا> و <سمطرا> و ما حدث أخيراً في جنوب شرق آسيا عنا ببعيد .(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُو) (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)

(قتل الإنسان ما أكفره) يسمع ويرى آيات الله من زلازل وبراكين وأعاصير وأوبئة تحصد الآلاف في ثوانٍ فلا يتأمل ولا يتدبر ولا يرعوي ولا يقدر الله حق قدره بل يعيد ذلك أحياناً إلى الطبيعة في بلادة وبلاهة لا مثيل لها (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)

موسى بن ربيع البلوي
03-02-2005, 10:47 AM
- 7 -

تأمل معي أخرى كيف مد الله البحار ، وخلطها ، وجعل مع ذلك بينه حاجزاً ومكاناً محفوظاً ، فلا تبغي محتويات بحرٍ على بحر ، ولا خصائص بحرٍ على آخر عندما يلتقيان ، (إن في ذلك لآياتٍ لأولي النهى) في <إيران> أنهار عندما تلتقي بمياه البحر ترجع مياهها عائدة إلى مجاريها التي جاءت منها ، ونهر<الأمازون> يجعل مياه المحيط الأطلسي عذبة لمئات الكيلو مترات من مصبه فيه فلا يختلط بمياه المحيط الأطلسي ، وتلتقي مياه المحيط الأطلسي بمياه البحر الأبيض فتبقى مياه البحر الأبيض أسفل لثقلها ولكثرة ملحها وتعلو مياه المحيط لخفتها ، وكل بمقدرة ، وكذلك لا تختلط مياه البحر الأسود بمياه البحر الأبيض عندما تلتقي بل تشكل مجريين متلاصقين فوق بعضهما البعض ، فمياه الأسود تجري في الأعلى نحو مياه البحر الأبيض لأنها أخف ، ومياه البحر الأبيض تجري في الأسفل لأنها أثقل فتجري نحو البحر الأسود ، فتبارك الذي (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجورا لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون ) ، عجائب البحر أعظم من أن يحصيها أحد إلا الله ، كشف علماء البحار من النصف الثاني من القرن العشرين أن في البحار أمواجاً عاتية دهماء مظلمة حالكة ، إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها فعلى عمق ستين متراً عن سطح البحر يصبح كل شيء مظلماً في البحار ، بمعنى أننا لا نستطيع رؤية الأشياء في أعماق تبعد ستين متراً عن سطح البحر ، ولذلك زود الله الأحياء البحرية التي تعيش في أعماق البحار اللجية بنور تولده لنفسها ومن لم يجعل الله له نوراً في تلك الظلمات فما له من نور ، نسي هؤلاء المكتشفون أن الله ذكر تلك الظلمات في قوله قبل أن يخلقوا وآباؤهم وأجدادهم (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) ، تُرْجِمَ معنى هذه الآية لعالم من علماء البحار أفنى عمره في ذلك وظن أنه على شيء وأنه اكتشف شيئا وجاء بشيء فيه إبداع فقال في دهشة بعد ترجمة الآية : إن هذا ليس من عند محمد الذي عاش حياته في الصحراء ، ولم يعاين البحر ولججه وظلماته وأمواجه وشعبه ، إن هذا من عند عليم خبير ثم شهد شهادة الحق ودخل في دين الله ، نعم لا يملك إلا ذلك ، من واصف الظلمات في قعر البحار سوى الله العليم الباري ، سبحانه ملكاً على العرش استوى وحوى جميع المُلْكِ والسلطان ، لا إله إلا الله كيف تعمى العيون وتعمى القلوب عن آيات الله ، أإله مع الله ، تعالى الله سأل رجل أحد السلف عن الله ، قال له :ألم تركب البحر؟ ، قال : بلى ، قال فهل حدث لك مرة أن هاجت بكم الريح عاصفة قال نعم ، قال وانقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة ، قال نعم ، قال فهل خطر ببالك وانقدح في نفسك بأن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء ، قال نعم ، قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً ، (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنه أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) .

موسى بن ربيع البلوي
03-12-2005, 11:16 PM
- 8 -

تأمل تلك النملة الضعيفة ، وما أعطيت من فطنة وحيلة في جمع القوت وادخاره ، وحفظه ودفع الآفة عنه ، ترى عبراً وآيات باهرات تنطق بقدرة رب الأرض والسماوات وتقول : (أإله مع الله قليلاً ما تذكرون) ، انظر إليها تخرج من أسرابها طالبة أقواتها ، فإذا ظفرت بها شرعت في نقلها على فرقتين اثنتين ، فرقة تحملها إلى بيوتها ذاهبة ، وأخرى خارجة من بيوتها إلى القوت ، لا تخالط فرقة أخرى كخيطين أو جماعتين من الناس ، الذاهبون في طريق والراجعون في أخرى في تناسق عجيب ، ثم إذا ثقل عليها حمل شيء ، استغاثت بأخواتها فتعاونت معها على حملها ، ثم خلوا بينها وبينه ، وبلا أجرة ، تنقل الحب إلى مساكنها ثم تكسره اثنتين أو أربعة ، لئلا ينبت إذا أصابه بلل ، وإذا خافت عليه العفن ، أخرجته إلى الشمس حتى يجف ، ثم ترده إلى بيوتها ، ولعلك قد مررت يوماً عليها ، وعلى أبواب مساكنها حب مكسر ، ثم تعود من قريب فلا ترى منه حبة واحدة ، والنمل مع ذلك يعتني بالزراعة وفلاحة الأرض ، فقد شاهد أحد العلماء في إحدى الغابات قطعة من الأرض قد نما فيها أرز قصير من نوع بري مساحة القطعة خمسة أقدام في ثلاثة ، ويترائى للناظر إلى هذه البقعة من الأرض أن أحداً لا بد أن يعتني بها ، الطينة مشققة ، والأعشاب مستأصلة والغريب أنه ليس هناك مناطق أرز حول ذلك المكان ، ولاحظ ذلك العالم أن طوائفاً من النمل تأتي إلى هذه المزرعة الصغيرة وتذهب ، فانبطح على الأرض ذات يوم ليراقب ماذا يصنع النمل ، فإذا به يفاجأ أن النمل هو صاحب المزرعة ، وإنه اتخذ الزراعة مهنة تشغل كل وقته فبعضه يشق الأرض ويحرث ، والبعض يزيل الأعشاب الضارة وينظف ، وطال الأرز واستوى ونضج ، وبدأ موسم الحصاد ، وهذا لا زال بمناظيره يراقب ، فانظر ، يشاهد صفاً من النمل وهو في وقت الحصاد وهو متسلقاً شجر الأرز ، إلى أن يصل إلى الحبوب فتنزع كل نملة حبة من تلك الحبوب ، ثم تهبط سريعاً إلى الأرض ، ثم تذهب بها إلى مخازن تحت الأرض لتخزنها ثم تعود ، وطائفة أخرى اعجب من ذلك تتسلق مجموعة كبيرة منها أعواد الأرز ، فتلقط الحب وتلقي به فبينما هي كذلك ، إذ بمجموعة أخرى تحتها تتلقى هذا الحب وتذهب به إلى المخازن ويعيش النمل هناك عيشة مدنية في بيوت بل في شقق وأدوار أجزاء منها تحت الأرض وأجزاء أخرى فوقها ، له حراس وخدم وعبيد وهناك ممرضات تعنى بالمرضى ليلاً ونهاراً ، وقسم آخر يرفع جثث الموتى ويشيعها ليدفنها ، كل هذا يتم بغريزة أودعها الله في هذا القلب ، فتبارك الله (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) ، عالم النمل عالم عجيب ، من تأمله ازداد إيماناً ويقيناً بأن وراء ذلك التنظيم المحكم حكيما خبيرا ، بإفراد العبادة له جدير ، لا شريك له ، إنها تعرف ربها ، وتعرف أنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه ، بيده كل شيء يوم ضل من ضل ، روى الإمام أحمد في الزهد من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ يرفعه قال : "خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون ، فإذا هم بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تدعو ربها ، فقال ارجعوا فقد سقيتم بغيركم "، للنمل مدافن جماعية يدفن فيها موتاه كالإنسان ، والنمل ذكي ، جد ذكي ، ويصطاد بطريقة ذكية ، يأتي إلى شجرة فينقسم إلى قسمين ، قسم يرابط تحت الشجرة قرب جذعها ، وآخر يتسلق جذعها لمهاجمة الحشرات التي تكون عليها ، وبذلك يحكم الطوق على كل حشرة لا تطير ، فتسقط التي تنجو من النمل المتسلق فتقع في شباك النمل المتربص بها عند قاعدتها ، من هداها؟ ، من هيأ لها رزقها؟ إنه القائل ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ألا له الخلق والأمر لا إله إلا هو وحده لا شريك له) .

موسى بن ربيع البلوي
03-12-2005, 11:19 PM
- 9 -

وقفة ولعلها استراحة مع عجائب الأحياء ، يذكر صاحب من الثوابت العلمية في القرآن من بعض التصرفات الذكية الألمعية عند الحيوان ، ما يلقي الضوء على معنى قول الله (ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) ، يُذْكَرُ أن طبيباً وجد في طريقه كلباً كسرت إحدى قوائمه ، فأخذه إلى عيادته واهتم بها وقومها وجبرها واعتنى به حتى شفي تماماً ، ثم أطلق سراحه ، وبعد ذلك بزمن سمع الطبيب قرعاً لطيفاً على باب عيادته فوجد الكلب نفسه مصطحباً معه كلباً آخر مكسور الرجل ، جاء به إلى المعاينة والعلاج ، فسبحان الله ولا إله إلا الله ، هذه عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها .

والأعجب من ذلك قصة هرٍ اعتاد أن يجد طعامه اليومي أمام بيت أحد المهتمين به فيأكله وفي أحد الأيام لاحظ رب البيت أن الهر لم يعد يكتفي بالقليل مما كان يقدم له من قبل ، أصبح يسرق غير ذلك فقام رب البيت يرصده ويراقبه فوجده يذهب بالطعام إلى هرٍ أعمى فيضع الطعام أمامه ، فتبارك الله (ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) .

ومن عجيب أمر القردة ما ذكره البخاري في صحيحه عن [عمرو بن ميمون] ، قال : رأيت في الجاهلية قرداً وقردةً زنيا فاجتمع عليهم القرود فرجموهما حتى ماتا ، عجباً لها من قرود ، تقيم الحدود حين عطلها بعض بني آدم .

موسى بن ربيع البلوي
03-12-2005, 11:21 PM
- 10 -

هل تأملت النحل وأحواله وأعماله وما فيها من العبر والآيات الباهرات ، ألم ترى أقراص شمعها السداسية في دقتها الحسابية وإتقان بنائها وإحكام صنعها ، الذي أدهش وما زال يدهش علماء النحل والحساب ، ماهي آلات الحساب والمقاييس التي سمحت لهذا المخلوق بالوصول إلى هذا العمل الهندسي الدقيق ، هل هذا بواسطة قرنين استشعار والفكين الذين يدعي علماء الأحياء أن الطبيعة زودتها بهما ، سبحان الله ، وتبارك الله ، عجيب وغريب منطق هؤلاء ، يتسترون وراء كلمات جوفاء كالطبيعة والتطور والصدفة ، كلما وقفوا أمام بديع صنع الله وإعجازه في الخلق فأنى يؤفكون وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم .

النحل مأمور بالأكل من كل الثمرات خلافاً لكثير من الحشرات التي تعيش على نوع معين من الغذاء ، وتعجب أنها لا تأكل من التبغ فلا تأكل إلا الطيبات فهل يعتبر بذلك أهل الغفلات ، زودها الله بقرنين استشعار وجعل فيهم شعيرات عصبية دقيقة يصل عددها إلى ثلاثين ألفاً تشكل حاسة الشم والسمع واللمس ، وتعمل كالكشاف في ظلام الخلية ، فسبحان من وهبها ذاك وبه زودها ، للنحلة عيون كثيرة ، في حافتي الرأس عينان ، وعينان أخريان في أعلى الرأس وتحتهما عين ثالثة ، مما جعل لها سعة أفق في النظر ، فالنحلة ترى أقصى اليمين وأقصى الشمال والبعيد والقريب في وقت واحد ، علماً بأن عيونها لا تتحرك ، ولذا فالنحل يعيش في أماكن يعيش فيها السحاب معظم شهور السنة مع أن رؤية الشمس كما هو معلوم ضرورية لمعرفة مكان الحقول التي فيها غذاء النحل ، وهنا تكمن الحكمة في قوة رؤية النحل ، فبإمكانها رؤية الشمس من خلال السحب ، كل ذلك لئلا يموت جوعاً في حالة اختفاء الشمس خلف الغمام ، كما هو في بعض البلدان ، إنها لحقيقة مذهلة ، تدل على حكمة الله ، وقدرة الله ، ووحدانية الله ، وكمال تدبيره فتبارك الله أحسن الخالقين ، أما فم النحلة فمن أعاجيب خلق الله في خلقه ، إذ هو مزود بما يمكنه من أداء جميع الوظائف الحيوية فهو يقضم ويلحس ، ويمضغ ويمتص ، وهو مع هذا شديد الحساسية لما هو حلو الطعم طبيعياً ، ولا يتحرج من المواد المرة ، إذ يحولها إلى حلوة بإذن ربه الذي ألهمه فسبحانه وبحمده لا شريك له ، أما سمع النحل فدقيق جداً ، يتأثر بأصوات وذبذبات لا تستطيع أن تنقلها أذن الإنسان ، فسبحان من زوده بها ، وتحمل مع ذلك النحلة ضعفي وزنها ، وبسرعة أربعمائة خفقة جناح في الثانية الواحدة ، فسبحان الله ، سبحان من خلق فسوى وقدر فهدى ، عُبِدَ وَوُحِّدَ وصُلِّيَ له وسُجِدَ له ، هناك من النحل مرشدات ، عندما تجد مصدراً للغذاء تفرز عليه مادة ترشد إليه بقية الجانيات للرحيق ، وعندما ينضب وينتهي الرحيق تفرز عليه المرشدات مواد منفرة منه ، حتى لا يضيع الوقت في البحث فيه ، ثم تنتقل إلى مصدر آخر ، من علمها وأرشدها؟ إنه الله ، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها فلا إله إلا هو ، تستطيع العاملة خارج الخلية الرجوع إلى خليتها والتعرف عليها من بين عشرات الخلايا ، بلا عناء ولا تعب ، ولو ابتعدت عنها آلاف الأميال ، ولذا يقول أحد علماء الأحياء الكفار ، وقد رصد النحل بمناظيره فترة طويلة ، يقول: يا عجباً لها تنطلق آلاف الأميال من شجرة إلى ثمرة إلى زهرة ، ثم تعود ولا تخطئ طريقها ، ربما أن لها ذبذبات مع الخلية ، أو أنها تحمل لاسلكياً يربطها بالخلية ، ربما ، ربما ، ثم يقف حائراً بليداً تائهاً ، أما نحن فلا ، إنا نوقن أن الله ألهمها ذلك ، وأوحى إليها ، وعندنا سورة في كتاب الله تسمى سورة النحل ، (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) ، تأمل قدرة الله بخلقه يوم جعل من النحل حراساً للخلية يستطيعون أن يميزوا كل غريب ودخيل عليهم من النحل ، فيطرحوه خارجاً أو يقتلوه ، علماً أن تعداد الخلية يصل إلى ثمانين ألف نحلة أو أكثر فسبحان من ألهمه ، سبحان من ألهمه معرفة صاحبه من غيره ، سبحان ربك رب العِزِّ مِنْ مَلِكٍ ، من اهتدى بهدى رب العباد هُدِي ، الكل في النحل يعمل في الخلية لأجل الكل ، لا حياة لفرد عند النحل بدون جماعة ، ولذلك أذهل ذلك علماء النحل (صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه وأنظفه ، ولذلك لا تلقي مخلفاتها في خليتها ، بل تطير ثم تلقيها بعيداً عنها ، وتأبى النتن والروائح الكريهة ، تأبى القذارة ، ولذلك إذا رجعت إلى الخلية بالعشية ، وقف على باب الخلية بواب منها ، ومعه أعوان كثر ، وكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها فإن وجد فيها رائحة منكرة ، أو رأى بها قَذَراً منعها من الدخول وعزلها إلى أن يدخل النحل كله ، ثم يرجع إلى الممنوعات المعزولات فيتبين ويتثبت ، ويتفقدها مرة أخرى ، فمن وجدها وقعت على شيء نجس أو منتن ، قدها وقطعها نصفين ومن كانت جنايتها خفيفة ، بها رائحة وليس عليها قَذَر ، تركها خارج الخلية حتى يزول ما بها ثم يسمح لها بالدخول ، وهذا دأب وطريقة البواب كل يوم في كل عشية ، فتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها ، لا تضل عنها تسيح سهلاً وجبلاً خماصاً ، فتأكل من على رؤوس الأشجار والأزهار ، فتجني أطيب ما فيها ثم تعود إلى بيوتها بطاناً ، فتصب فيها شراباً مختلفاً ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية .

موسى بن ربيع البلوي
03-12-2005, 11:23 PM
سبحان الله حتى الشجر يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى الدارمي بإسنادٍ صحيح كما قال صاحب المشكاة ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأقبل أعرابيٌ فلما دنا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، قال ومن يشهد على ما تقول ، قال هذه السلمة ـ حِجرة السلمة ـ فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في شاطئ الوادي فأقبلت تهز الأرض حتى قامت بين يديه ، فاستشهدها صلى الله عليه وسلم فشهدت ثلاثاً أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، ثم رجعت إلى منبتها ، إن في ذلك لآية ، وروى الترمذي أيضاً كما في الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد بما أعرف أنك نبي ، بما أعرف أنك نبي ، قال صلى الله عليه وسلم إن دعوت هذا العذق شهد أني رسول الله ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل العذق من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم شهد ثم قال صلى الله عليه وسلم له ارجع ، فرجع إلى مكانه ، فقال الأعرابي وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ، ودخل في دين الله "، ألم يمر بذهنك وأنت تعلم عبودية الشجر لله ما روى البخاري عن[ سهل بن سعد] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها ، فاشتاقت نفسك لظل هذه الشجرة فأحسنت التعامل مع الله لتكون من أهلها بإذن الله ، وأرجو الله أن نكون جميعاً من أهلها ، الجبال والحجارة تخشى الله ، فأين الخشية والخوف من الله ، وإن منها لما يهبط من خشية الله (لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) ، يا عجباً من مضغة لحمٍ أقسى من هذه الجبال ، تسمع آيات الله تتلى فلا تلين ولا تخشع ، من حكمة الله أن جعل لها ناراً إذا لم تلن بذكره ومواعظه فبها تلين ، فمن لم يلن قلبه في هذه الدار ولم يتب إلى الله ويخشه فليتمتع قليلاً ، فإن المرد إلى عالم الغيب والشهادة ، فنشكو إلى الله القلوب التي قست وران عليها كسب تلك المآثمِ ، من خشية المولى هوى الجبل الذي في الطور ، لانت قسوة الأحجار ، أو لم يئن وقت الخشوع فلا تغرن الحياة سوى مغرار ، الطير تصلي صلاةً لا ركوع فيها ولا سجود ، الله يعلمها ونحن لا نعلمها (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ).

ما ميزان الصلاة عند الإنسان ، إنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ختم بها حياته ، ومع ذلك فرط فيها من فرط ، وضاع فيها من ضاع ، وذل بتركها من ذل بعد العز ، سبحانك ما أعظمك ، فهل عظمت الله وقدرته حق قدره فانقدت واستسلمت وأخلصت وأنبت وانسجمت مع هذا الكون صغير وكبيره فكان حالك ومقالك : سبحانك ما أعظمك ، سبحان من لو سجدنا بالعيون له على شبا الشوك والمحمى من الإبر ، لم نبلغ العشر من معشار نعمته ولا العشير ولا عشراً من العشر ، أحبتي في الله ، الأدلة على وحدانية الله ،وأنه المستحق للعبادة لا شريك له كثيرة لا تعد ولا تحصى ولعل فيما تقدم ما يكفي لأولي الأحلام والنهى ، حمداً لك اللهم أقولها في البؤس والإيسار والإعسار، وعلى الرسول الهاشمي وآله ليلي أصلي دائباً ونهاري ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

محمود الجذلي
03-13-2005, 02:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة,,

جـــــــــــــزاكــ الله خيراً

وجعلها في موازيين حسناتكــ..

كن بخير

محمود

موسى بن ربيع البلوي
11-26-2005, 11:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة,,


جـــــــــــــزاكــ الله خيراً

وجعلها في موازيين حسناتكــ..

كن بخير

محمود

س2

جزاك الله خير

نواف النجيدي
11-27-2005, 01:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الله يوفقك اخي موسى على الجهود الممتازة التي والله انها تدل على انك تحب الخير والله يحفظك ويرعاك