المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من احداث التاريخ الاسلامي في شهر صفر



بدر الالبد
03-24-2005, 03:29 PM
بعث خالد بن الوليد إلى العراق
لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة بعث إليه الصديق أن يسير إلى العراق، وأن يبدأ بفرج الهند، وهي الأبلة ويأتي العراق من أعاليها، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله عز وجل، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية، فإن امتنعوا من ذلك كله قاتلهم في الله، وأمره أن لا يكره أحدا على المسير معه، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام، وإن كان قد عاد إليه، وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين، وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش إمدادا لخالد، رضي الله عنه.
قال الواقدي: اختلف في خالد، فقائل يقول: مضى من وجهه ذلك من اليمامة إلى العراق. وقائل يقول: رجع من اليمامة إلى المدينة ثم سار إلى العراق من المدينة فمر على طريق الكوفة حتى انتهى إلى الحيرة . قلت: والمشهور الأول.
وقد ذكر المدائني بإسناده أن خالدا توجه إلى العراق في المحرم سنة اثنتي عشرة، فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة، وعلى الكوفة المثنى بن حارثة الشيباني.
وقال محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان إن أبا بكر كتب إلى خالد أن يسير إلى العراق، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريات من السواد يقال لها: بانقيا، وباروسما، وأليس وصاحبها جابان، فصالحه أهلها.
قلت: وقد قتل منهم المسلمون قبل الصلح خلقا كثيرا، وكان الصلح على ألف درهم، وقيل: دينار. في رجب، وكان الذي صالحه بصبهري بن صلوبا، ويقال: صلوبا بن بصبهري. فقبل منهم خالد، وكتب لهم كتابا، ثم أقبل حتى نزل الحيرة فخرج إليه أشرافها مع قبيصة بن إياس بن حية الطائي، وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر، فقال لهم خالد: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة؛ جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فقال له قبيصة: ما لنا بحربك من حاجة، بل نقيم على ديننا ونعطيكم الجزية. فقال لهم خالد: تبا لكم! إن الكفر فلاة مضلة، فأحمق العرب من سلكها، فلقيه منهم رجلان؛ أحدهما عربي والآخر أعجمي، فتركه واستدل بالعجمي. ثم صالحهم على تسعين ألفا. وفي رواية: مائتي ألف درهم. فكانت أول جزية أخذت من العراق وحملت إلى المدينة هي والقريات قبلها التي صالح عليها ابن صلوبا.
قلت: وقد كان مع نائب كسرى على الحيرة ممن وفد إلى خالد عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة، وكان من نصارى العرب، فقال له خالد: من أين أثرك؟ قال: من ظهر أبي. قال: ومن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي. قال: ويحك! على أي شيء أنت؟ قال: على الأرض. قال: ويلك! وفي أى شيء أنت؟ قال: في ثيابي. قال: ويحك! تعقل؟! قال: نعم وأقيد. قال: إنما أسألك. قال: وأنا أجيبك. قال: أسلم أنت أم حرب؟ قال: بل سلم. قال: فما هذه الحصون التي أرى؟ قال: بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجيء الحليم فينهاه. ثم دعاهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فأجابوا إلى الجزية بتسعين أو مائتي ألف، كما تقدم.
ثم بعث خالد بن الوليد كتابا إلى أمراء كسرى بالمدائن ومرازبته ووزرائه، كما قال هشام بن الكلبي عن أبي مخنف، عن مجالد، عن الشعبي قال: أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن من خالد بن الوليد إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمتكم وسلب ملككم، ووهن كيدكم، وإنه من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا، أما بعد، فإذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرهن، واعتقدوا مني الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة. فلما قرأوا الكتاب أخذوا يتعجبون.
وقال سيف بن عمر عن طلحة الأعلم، عن المغيرة بن عتيبة، وكان قاضي أهل الكوفة قال: فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى العراق، جنده ثلاث فرق، ولم يحملهم على طريق واحدة، فسرح المثنى قبله بيومين ودليلة ظفر، وسرح عدي بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما مالك بن عباد وسالم بن نصر، أحدهما قبل صاحبه بيوم، وخرج خالد - يعني في آخرهم - ودليله رافع، فواعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به، ويصادموا عدوهم، وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنا وأشدها شوكة، وكان صاحبه يحارب العرب في البر، والهند في البحر، وهو هرمز فكتب إليه خالد، فبعث هرمز بكتاب خالد إلى شيرى بن كسرى، وأردشير بن شيرى، وجمع هرمز وهو نائب كسرى، جموعا كثيرة، وسار بهم إلى كاظمة وعلى مجنبتيه قباذ وأنوشجان - وهما من بيت الملك - وقد تقرن الجيش في السلاسل؛ لئلا يفروا، وكان هرمز هذا من أخبث الناس طوية وأشدهم كفرا، وكان شريفا في الفرس، وكان الرجل كلما ازداد شرفا زاد في حليته، فكانت قلنسوة هرمز بمائة ألف، وقدم خالد ومن معه من الجيش، وهم ثمانية عشر ألفا فنزل تجاههم على غير ماء، فشكى إليه أصحابه ذلك، فقال: جالدوهم حتى تجلوهم عن الماء، فإن الله جاعل الماء لأصبر الطائفتين. فلما استقر بالمسلمين المنزل وهم ركبان على خيولهم، بعث الله سحابة فأمطرتهم حتى صار لهم غدران من ماء، فقوي المسلمون بذلك، وفرحوا فرحا شديدا فلما تواجه الصفان وتقابل الفريقان، ترجل هرمز ودعا إلى البراز، فترجل خالد وتقدم إلى هرمز فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد، وجاءت حامية هرمز فما شغله عن قتله، وحمل القعقاع بن عمرو على حامية هرمز فأناموهم، وانهزم أهل فارس وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل، واستحوذ خالد على أمتعتهم وسلاحهم، فبلغ وقر ألف بعير، وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل؛ لكثرة من سلسل بها من فرسان فارس وأفلت قباذ وأنوشجان، ولما رجع الطلب نادى منادي خالد بالرحيل، فسار بالناس وتبعته الأثقال حتى نزل بموضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم، وبعث بالفتح والبشارة والخمس، مع زر بن كليب، إلى الصديق، وبعث معه بفيل، فلما رآه نسوة أهل المدينة جعلن يقلن: أمن خلق الله هذا أم شيء مصنوع؟! فرده الصديق مع زر وبعث أبو بكر لما بلغه الخبر إلى خالد، فنفله سلب هرمز وكانت قلنسوته بمائة ألف، وكانت مرصعة بالجوهر، وبعث خالد الأمراء يمينا وشمالا يحاصرون حصونا هنالك، ففتحوها عنوة وصلحا، وأخذوا منها أموالا جمة، ولم يكن خالد يتعرض للفلاحين - من لم يقاتل منهم - ولا لأولادهم، بل للمقاتلة من أهل فارس .
ثم كانت وقعة المذار في صفر من هذه السنة. ويقال لها: وقعة الثني. وهو النهر. قال ابن جرير ويومئذ قال الناس: صفر الأصفار، فيه يقتل كل جبار، على مجمع الأنهار. وكان سببها أن هرمز كان قد كتب إلى أردشير وشيرى بقدوم خالد نحوه من اليمامة فبعث إليه كسرى بمدد مع أمير يقال له: قارن بن قريانس. فلم يصل إلى هرمز حتى كان من أمره مع خالد ما تقدم، وفر من فر من الفرس، فتلقاهم قارن، فالتفوا عليه فتذامروا واتفقوا على العود إلى خالد: فساروا إلى موضع يقال له: المذار . وعلى مجنبتي قارن قباذ وأنوشجان، فلما انتهى الخبر إلى خالد، قسم ما كان معه من أربعة أخماس غنيمة يوم ذات السلاسل، وأرسل إلى الصديق بخبره مع الوليد بن عقبة وسار خالد بمن معه من الجيوش حتى نزل على المذار وهو على تعبئته، فاقتتلوا قتال حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو إلى البراز، فبرز إليه خالد، وابتدره الشجعان من الأمراء، فقتل معقل بن الأعشى بن النباش قارن، وقتل عدي بن حاتم قباذ، وقتل عاصم أنوشجان، وفرت الفرس، وركبهم المسلمون في ظهورهم، فقتلوا منهم يومئذ ثلاثين ألفا وغرق كثير منهم في الأنهار والمياه، وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب إلى من قتل - وكان قارن قد انتهى شرفه في أبناء فارس - وجمع بقية الغنيمة وخمسها، وبعث بالخمس والفتح والبشارة إلى الصديق مع سعيد بن النعمان، أخي بني عدي بن كعب، وأقام خالد هناك حتى قسم أربعة الأخماس وسبى ذراري من حضره من المقاتلة، دون الفلاحين؛ فإنه أقرهم بالجزية، وكان في هذا السبي حبيب أبو الحسن البصري، وكان نصرانيا، ومافنة مولى عثمان، وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة ثم أمر على الجند سعيد بن النعمان وعلى الجزية سويد بن مقرن، وأمره أن ينزل الحفير، ليجبي إليه الأموال، وأقام خالد يتحسس الأخبار عن الأعداء.
ثم كان أمر الولجة في صفر أيضا من هذه السنة، فيما ذكره ابن جرير، وذلك لأنه لما انتهى الخبر بما كان بالمذار من قتل قارن وأصحابه، إلى أردشير، وهو ملك الفرس يومئذ بعث أميرا شجاعا يقال له: الأندرزغر. وكان من أبناء السواد ولد بالمدائن ونشأ بها، وأمده بجيش آخر مع أمير يقال له: بهمن جاذويه. فساروا حتى بلغوا مكانا يقال له: الولجة . فسمع بهم خالد فسار بمن معه من الجنود، ووصى من استخلفه هنالك بالحذر وقلة الغفلة، فنازل أندرزغر ومن تأشب معه، واجتمع عنده بالولجة، فاقتتلوا قتالا شديدا هو أشد مما قبله، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، واستبطأ كمينه؛ الذي كان قد أرصدهم وراءه في موضعين، فما كان إلا يسير حتى خرج الكمينان من هاهنا ومن هاهنا، ففرت صفوف الأعاجم، فأخذهم خالد من أمامهم، والكمينان من ورائهم، فلم يعرف رجل منهم مقتل صاحبه، وهرب الأندرزغر من الوقعة فمات عطشا، وقام خالد في الناس خطيبا فرغبهم في بلاد الأعاجم، وزهدهم في بلاد العرب وقال: ألا ترون ما هاهنا من الأطعمات؟ وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في سبيل الله والدعاء إلى الإسلام، ولم يكن إلا المعاش، لكان الرأي أن نقاتل على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن أثاقل عما أنتم عليه. ثم خمس الغنيمة، وقسم أربعة أخماسها بين الغانمين، وبعث الخمس إلى الصديق، وأسر من أسر من ذراري المقاتلة، وأقر الفلاحين بالجزية.
وقال سيف بن عمر عن عمرو، عن الشعبي قال: بارز خالد يوم الولجة رجلا من الأعاجم يعدل بألف رجل، فقتله، ثم اتكأ عليه وأتي بغدائه فأكله وهو متكئ عليه. يعني بين الصفين.
ثم كانت وقعة أليس في صفر أيضا، وذلك أن خالدا كان قد قتل يوم الولجة طائفة من بكر بن وائل، من نصارى العرب ممن كان مع الفرس، فاجتمع عشائرهم، وأشدهم حنقا عبد الأسود العجلي، وكان قد قتل له ابن بالأمس، فكاتبوا الأعاجم فأرسل إليهم أردشير جيشا مددا، فاجتمعوا بمكان يقال له: أليس . فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله، إذ غافلهم خالد بجيشه، فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد، وقال أمير كسرى، واسمه جابان: بل ننهض إليه. فلم يسمعوا منه. فلما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك من الأعراب: أين فلان، أين فلان؟ فكلهم نكلوا عنه إلا رجلا يقال له: مالك بن قيس، من بني جذرة، فإنه برز إليه، فقال له خالد: يا بن الخبيثة، ما جرأك علي من بينهم وليس فيك وفاء؟! فضربه فقتله. ونفرت الأعاجم عن الطعام، وقاموا إلى السلاح، فاقتتلوا قتالا شديدا جدا، والمشركون يرقبون قدوم بهمن مددا من جهة الملك إليهم، فهم في قوة وشدة وكلب في القتال، وصبر المسلمون صبرا بليغا، وقال خالد: اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم. ثم إن الله عز وجل منح المسلمين أكتافهم فنادى منادي خالد: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر. فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم خالد يوما وليلة، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر، فقال له بعض الأمراء: إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه، فتبر يمينك، فأرسله فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمي نهر الدم، إلى اليوم، فدارت الطواحين بذلك الماء المختلط بالدم العبيط ما كفى العسكر بكماله ثلاثة أيام، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا، ولما هزم خالد الجيش ورجع من رجع من الناس، عدل خالد إلى الطعام الذي كانوا قد وضعوه ليأكلوه، فقال للمسلمين: هذا نفل فانزلوا فكلوا. فنزل الناس فأكلوا عشاء. وقد جعل الأعاجم على طعامهم جردقا كثيرا، فجعل من يراه من أهل البادية من الأعراب يقولون: ما هذه الرقع؟ يحسبونها ثيابا. فيقول لهم من يعرف ذلك من أهل الأرياف والمدن: أما سمعتم برقيق العيش؟ قالوا: بلى. قالوا: فهذا رقيق العيش. فسموه يومئذ رقاقا، وإنما كانت العرب تسميه القرن.
وقد قال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، عمن حدث عن خالد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك غير متأثليه.
وكان كل من قتل بهذه الوقعة يوم أليس من بلدة يقال لها: أمغيشيا فعدل إليها خالد وأمر بخرابها، واستولى على ما بها، فوجدوا بها مغنما عظيما، فقسم بين الغانمين فأصاب الفارس بعد النفل ألفا وخمسمائة، غير ما تهيأ له مما قبله. وبعث خالد إلى الصديق بالبشارة والفتح والخمس من الأموال والسبي مع رجل يقال له: جندل. من بني عجل، وكان دليلا صارما، فلما بلغ الصديق الرسالة، وأدى الأمانة، أثنى عليه وأجازه جارية من السبي، وقال الصديق: يا معشر قريش، إن أسدكم قد عدا على الأسد، فغلبه على خراذيله، عجزت النساء أن تلدن مثل خالد بن الوليد ثم جرت أمور طويلة لخالد في أماكن متعددة يمل سماعها، وهو مع ذلك لا يكل ولا يمل ولا يهن ولا يحزن، بل كل ما له في قوة وصرامة وشدة وشهامة، ومثل هذا إنما خلقه الله عز وجل، عزا للإسلام وأهله، وذلا للكفر وشتات شمله.

بدر الالبد
03-24-2005, 03:35 PM
ذكر أول المغازي، وهي غزوة الأبواء ويقال لها: غزوة ودان وأول البعوث، وهو بعث حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث كما سيأتي في المغازي
قال البخاري: كتاب المغازي قال ابن إسحاق أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة. ثم روى عن زيد بن أرقم أنه سئل: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة. شهد منها سبع عشرة أولهن العسيرة أو العشيرة. وسيأتي الحديث بإسناده ولفظه والكلام عليه عند غزوة العشيرة إن شاء الله وبه الثقة.
وفي "صحيح البخاري" عن بريدة قال غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة ولمسلم عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة وفي رواية له عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وقاتل في ثماني منهن
وقال الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان يوم بدر وأحد والأحزاب والمريسيع وقديد وخيبر ومكة وحنين وبعث أربعا وعشرين سرية
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي التنوخي ثنا الهيثم بن حميد أخبرني النعمان عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثمانية عشر غزوة قاتل في ثمان غزوات أولهن بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم قريظة ثم بئر معونة ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ثم غزوة خيبر ثم غزوة مكة ثم حنين والطائف. قوله: بئر معونة بعد قريظة فيه نظر والصحيح أنها بعد أحد كما سيأتي.
قال يعقوب: حدثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب يقول: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة. وسمعته مرة أخرى يقول أربعا وعشرين فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعه بعد ذلك.
وقد روى الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة.
وقال عبد بن حميد في "مسنده": حدثنا سعيد بن سلام ثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير عن جابر قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة.
وقد روى الحاكم من طريق هشام عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين. ثم قال الحاكم: لعله أراد السرايا دون الغزوات فقد ذكرت في "الإكليل" على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة. قال: وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب نيفا وسبعين. هذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا وحمله كلام قتادة على ما قال فيه نظر.
وقد روى الإمام أحمد: عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون أربع وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة خرج في ثمان منها بنفسه بدر وأحد والأحزاب والمريسيع وقديد وخيبر وفتح مكة وحنين.
وقال موسى بن عقبة عن الزهري: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة ثنتين ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق - وهو يوم الأحزاب وبني قريظة - في شوال من سنة أربع ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان من سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان ثم حج أبو بكر سنة تسع ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر وغزا ثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال وكانت أول غزاة غزاها الأبواء .
وقال حنبل بن إسحاق عن هلال بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي عن مطرف بن مازن اليماني عن معمر عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الآية بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان. إلى أن قال: ثم غزا بني النضير ثم غزا أحدا في شوال - يعني من سنة ثلاث - ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع ثم قاتل بني لحيان في شعبان سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست ثم قاتل يوم الفتح في شعبان سنة ثمان وكانت حنين في رمضان سنة ثمان وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها فكانت أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم العشيرة ثم غزوة غطفان ثم غزوة بني سليم ثم غزوة الأبواء ثم غزوة بدر الأولى ثم غزوة الطائف ثم غزوة الحديبية ثم غزوة الصفراء ثم غزوة تبوك آخر غزوة. ثم ذكر البعوث. هذا كتبته من تاريخ الحافظ ابن عساكر وهو غريب جدا والصواب ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله مرتبا.
وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به والاعتبار بأمره والتهيؤ له كما رواه محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي عن أبيه سمعت علي بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن. قال الواقدي: وسمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت عمي الزهري يقول في علم المغازي: علم الآخرة والدنيا.
وقال محمد بن إسحاق رحمه الله في"المغازي" بعد ذكره ما تقدم مما سقناه عنه من تعيين رؤس الكفر من اليهود والمنافقين لعنهم الله أجمعين وجمعهم في أسفل سافلين: ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيأ لحربه وقام فيما أمره الله به من جهاد عدوه وقتال من أمره به ممن يليه من المشركين. قال: وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة فأقام بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة . قال ابن هشام واستعمل على المدينة سعد بن عبادة قال ابن إسحاق حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء قال ابن جرير ويقال لها: غزوة ودان أيضا يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه منهم مخشي بن عمرو الضمري وكان سيدهم في زمانه ذلك ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الأول قال ابن هشام وهي أول غزوة غزاها عليه السلام.
قال الواقدي: وكان لواؤه مع عمه حمزة وكان أبيض.
قال ابن إسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثماني راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في سبيل الله في الإسلام ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار قال ابن إسحاق وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل وروى ابن هشام عن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه قال كان عليهم مكرز بن حفص
قلت وقد تقدم عن حكاية الواقدي قولان أحدهما أنه مكرز والثاني أنه أبو سفيان صخر بن حرب وأنه رجح أنه أبو سفيان فالله أعلم.
ثم ذكر ابن إسحاق القصيدة المنسوبة إلى أبي بكر الصديق في هذه السرية التي أولها:
أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث

أرقت وأمر في العشيرة حادث

ترى من لؤي فرقة لا يصدها

عن الكفر تذكير ولا بعث باعث

رسول أتاهم صادق فتكذبوا

عليه وقالوا لست فينا بماكث

إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا

وهروا هرير المحجرات اللواهث


القصيدة إلى آخرها وذكر جواب عبد الله بن الزبعرى في مناقضتها التي أولها.
أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث

بكيت بعين دمعها غير لابث

ومن عجب الأيام والدهر كله

له عجب من سابقات وحادث

لجيش أتانا ذي عرام يقوده

عبيدة يدعى في الهياج ابن حارث

لنترك أصناما بمكة عكفا

مواريث موروث كريم لوارث


وذكر تمام القصيدة وما منعنا من إيرادها بتمامها إلا أن الإمام عبد الملك بن هشام رحمه الله وكان إماما في اللغة ذكر أن أكثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين.
قال ابن إسحاق وقال سعد بن أبي وقاص في رميته تلك فيما يذكرون.
ألا هل اتى رسول الله أني

حميت صحابتي بصدور نبلي

أذود بها أوائلهم ذيادا

بكل حزونة وبكل سهل

فما يعتد رام في عدو

بسهم يا رسول الله قبلي

وذلك أن دينك دين صدق

وذو حق أتيت به وفضل

ينجي المؤمنون به ويخزى

به الكفار عند مقام مهل

فمهلا قد غويت فلا تعبني

غوي الحي ويحك يا بن جهل


قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لسعد.
قال ابن إسحاق فكانت راية عبيدة فيما بلغنا أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين. وقد خالفه الزهري وموسى بن عقبة والواقدي فذهبوا إلى أن بعث حمزة قبل بعث عبيدة بن الحارث والله أعلم. وسيأتي في حديث سعد بن أبي وقاص أن أول أمراء السرايا عبد الله بن جحش الأسدي.
قال ابن اسحاق: وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة . وهكذا حكى موسى بن عقبة

سلمان العرادي
03-26-2005, 03:01 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد

الالـــبـــــــــــد

http://alftaalmoslm999.jeeran.com/Mashckor.gif

سـلـمـان الـعــــــــــــرادي