المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحالة في الجزيرة ...ومرافقه غضيان ابن رويحل الجزء الاول



فايز ابن رويحل
06-10-2005, 12:58 AM
الجمعة قبل طلوع الشمس بساعة بدأ الخطيب عبد الله- وهو من أهل شقراء - بقراءة القرآن في الفناء بصوت عال، ثم جاءنا الإفطار المكون من الزبد واللبن وأسوأ أنواع التمر، وسرعان ما بدأ الزوار يتوافدون ومن بينهم التاجر الفارسي سلطان بوجهه الذي لا أطيق النظر إليه، وما أسعدني حينما قال لي صانع الأسلحة زيدان: يجب علينا أن نذهب إلى القصر الدائر لنرى هناك بعض النقوش المكتوبة على الحجر! وبينما رجع هوبر إلى البيت، ذهبت أنا مع زيدان لنتفقد السور الشرقي لتيماء القديمة والذي يمتد بعرض متر واحد، وقد عثرت في مكان منه على بقايا أساسات برج مربع الشكل، وحينما تمزقت نعالي هناك اضطررت إلى السير حافي القدمين، فوصلت البيت بعد ثلاث ساعات من المسير وقد تمكن مني التعب والعطش، أما هوبر فقد كان في تلك الأثناء يحاول الحصول على جمال من أجل رحلتنا القادمة، ولكن جهده ذهب هباء منبثا، فلم يكن في المدينة سوى ذلول واحدة تصلح لنا، طلب صاحبها نظير بيعها لنا مبلغ 60 مجيديا (200 مارك)، وعندما رفضنا شراءها في الحال رفع سعرها حينما عدنا إليه مرة ثانية إلى 100 مجيدي. لذلك يجب على نومان وعواد الذهاب إلى مخيم عشيرة الفقراء ليحضروا منهم جملين قويين. في المساء جاء زيدان مرة أخرى وأعطاني غليونين نحتا من الحجر.
السبت ذهبنا لتلبية دعوة الإفطار عند فهد الطلق، وهناك حاول محمد العتيق أن يستغلنا بتحريض من التاجر الفارسي قائلا: إن عاجلا أم آجلا ستضطرون لشراء الحجر (نقش مكتوب على حجر) بأي ثمن أطلبه. في حوالي الساعة العاشرة غادر نومان وعواد إلى قبيلة الفقراء. وعند الظهر ركبنا برفقة عبدالعزيز بن رمان وشخص آخر اسمه عطا الله، لكي نجرب ذلوله في الجهة الشرقية من واحة تيماء، حيث اشتريناها منه بمبلغ 50 مجيديا (180 ماركا). بعد أن تركنا السبخة على يسارنا، واجتزنا بطن الشعيب وصلنا إلى سور المدينة القديم والممتد من شرق المدينة إلى شمالها، وخلفه يقع المنخفض المحاط بجبل كشكل قوس يسمى غار الحمام الذي وجدنا في شعابه عددا من النقوش الثمودية وأخرى مكتوبة بخط عربي كوفي، ولكنني بسبب قوة الرياح لم أتمكن من عمل بصمات ورقية لها بل اكتفيت بنسخها فقط.
الأحد 9/3/1884 ذهبنا في الصباح إلى ثويني لتناول طعام الإفطار، وهناك جاء إليه شخص يريد أن يبيع ذلوله علينا، فقلنا له: إن عليه إحضارها لكي نراها. وبعد ذلك دخل علينا شخص آخر يسحب معه صخرة منقوشة، ولكن الحجر يبدو أنه أسيء استخدامه، مما جعل الحروف عليه غير ظاهرة البتة. وعند الظهر كانت حدة الريح قد تزايدت لدرجة أن المرء يصعب عليه الخروج.
والآن بعد أن انتهى التبغ الذي أحضرته معي من حائل أصبح لزاما علي شئت أم أبيت أن أعتاد على التبغ المحلي الأخضر، لذلك يجب علي في البداية أن أقوم بجمعه ثم تنظيفه من الشوائب مثل الأتربة، والأحجار الصغيرة، وألياف النخيل، والصوف، ونوى التمر، وفضلات ألضأن وما شابه ذلك. بعد ظهر هذا اليوم جاء إلينا في منزلنا أربعة من الغزاة، كانوا قد حلوا ضيوفا على عبدالعزيز العنقري، وهم ينتمون إلى فخذ سنجارة من شمر وشيخهم هو ضيف الله المعيقل، حيث قدموا تواً على ظهر ذلولين من جبة لكي يقوموا ببعض المغازي قي مناطق سكنى قبيلة بلي، كما كانوا يأملون في القبض على حسن أبو ذراع، وذلك ما تمنيناه هذا أيضا. وعند المساء حل هنا أربعة من أفراد قبيلة الهتمان الذين أرادوا أيضا تجربة حظهم هنا مستفيدين من حلول الربيع، وقد أقاموا لدى ثويني، الذي دعانا جميعا إليه لتناول طعام العشاء المكون من الشعير فقط. وحينما رجعنا إلى المنزل أعددنا فراشنا في الفناء، تاركين غرفة الضيوف لأولئك الأربعة المنتمين لعشيرة سنجارة، وقد ظل واحد منهم يشخر بصوت مرتفع طوال الليل.
الاثنين 10/3/1884 كان طعام الإفطار الذي قدمه لنا عبدالعزيز العنقري يتكون فقط من التمر واللبن، فقد منعه بخله و محاولته توفير الحطب الغالي من الطبخ لنا، أضف إلى ذلك قوله (تفضل الله يحييك)، والتي يتفوه بها دون استحياء أو وجل رغم ما يبدو عليه من تصنع وسخرية متعمدة، ولعله لا يعلم أن الأكل في سجون بلادي أفضل مما يقدمه لنا. أما الخطيب عبد الله فقد عبر عن شكره وامتنانه لتلك الدعوة بالجشاء، ثم بعد ذلك نظف أسنانه بعظم جمل دقيق.
بعد أن غادر أولئك الغزاة الأربعة مصحوبين بدعواتنا لهم بالتوفيق، ذهبنا نحن إلى رجل يدعى محمد العلاوي، حيث كان ينتظرنا على القهوة، وخلال مسيرنا إلى منزله سلكنا الطريق عبر بساتين النخيل التي أتاحت لنا رؤية منظر جميل ورائع، حيث أشجار النخيل المتصلة مع بعضها البعض، من خلال أشجار العنب، وبينها أشجار الخوخ الفارعة، وقد بدأت في هذا الوقت من العام تتفتح أزهارها الرائعة. وحين عدنا إلى البيت كان الخادم محمود قد أعد لنا بعض الخبز، أما الخادم نصار فقد كان متعاونا جدا، حيث قام بلف النقش الآرامي الكبير، مستخدما ألياف النخل، وقطع القماش، وبساطا اشتريته مقابل 4 مجيديات، أما النقوش الأخرى فقد تم ربطها منذ الأمس في الفناء استعدادا لنقلها. وفي هذه الأثناء أبدى الخادم نصار رغبته في مرافقتنا خلال الرحلة القادمة معللا ذلك بسوء الحال في تيماء، ثم أشار إلى بطنه وأردف قائلا: حين يسمح لي بالذهاب معكم فسيمتلئ بطني ويصبح مقببا. في المساء تناولنا طعام العشاء عند عبدالعزيز بن رمان، وكان يتكون من الخبز والرز والسمن والبيض المطبوخ كالحجر، وخلال الحديث تم إلقاء بعض القصائد القديمة عن تيماء لم أفهم منها سوى القليل، كما تحدث الحاضرون عن جثة بشرية لازالت تحتفظ بشعرها أخرجت من أعماق حفرة مدفونة في أحد البساتين.
الثلاثاء 11/3/1884 يا للمعجزة ا لقد ارتضى العنقري البائس أخيرا أن يقدم لنا على الإفطار أرزا مع التمر، وبينما نحن على الأكل امتلأت القهوة من الأشخاص، ولعل العنقري أمرهم بالمجيء، لكي يشهدوا عظيم كرمه واحتفاءه بضيوفه. ذهبنا بعد الظهر بصحبة عبدالعزيز العنقري إلى الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة، حيث بقايا الأعمدة التي وقفنا عليها من قبل، في هذه الأثناء اعترض طريقنا سلطان الإيراني (من مشهد)، وذكر أنه يعرف مكان أحد النقوش الكبيرة ويريد من هوبر أن يطلع عليه، أما أنا فلن يسمح أن أكون معهم، مما جعل هوبر يقول مازحا: لا بأس، دع عبد الوهاب يذهب معنا وسنقوم بتغطية عينيه كي لا يرى شيئا. على أي حال لقد أوصلنا عبدالعزيز العنقري إلى حيث مكان المعبد القديم، والذي حل محله الآن مقبرة حديثة العهد، فشاهدنا هناك بقايا من أعمدة حجرية، وأماكن أخرى يذكر العنقري أن تحت تربتها السطحية يختفي العديد من الأحجار المنقوشة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يكون معبد الإله صلم ذو هجم هنا؟ ربما يكون ذلك مستبعدا، ولكن الإجابة القاطعة عن ذلك تحتاج إلى قيام حفريات منظمة، وأبحاث علمية جادة تؤكد أو تنفي ذلك. وفي حقيقة الأمر كنت أتمنى لو أنني بدأت فورا بالحفر، وقبلت العرض المقدم لي في السماح بالتنقيب هناك، ولكنني رفضت ذلك أملا في الحفاظ على الموقع، حتى يتوافر الاستعداد اللازم مستقبلا. وقد حاولت أن أظهر لهم أن الأمر لا يستحق كي لا يعبثوا هم في الموقع بعد ذلك، واحتججت لهم بالمقبرة الموجودة هناك، وأنني لا أرغب في التعرض لسكينة الموتى. وعلى مسافة مائة خطوة إلى الشرق من هنا ثمة موقع مشابه ربما يكون معبدا آخر.
في المساء أعد لنا جار الله طعاما جيدا يختلف عن المعتاد، حيث تكون من الرز واللحم المحمر والفقع الذي لا تزال بقايا أحجار صغيرة عالقة به. نتيجة لقلة تنظيفه، وبينما نحن نتناول العشاء قام الخطيب عبد الله بتقطيع أفضل قطع اللحم لي. وفيما بعد جاء أيضا طلق لكي يدعونا للغداء غدا باسم والده فهد، كما تحدث لنا عن إناء نحاسي قديم وجده مدفونا في السبخة (وهي مستنقع ملحي في الشمال)، وأحضره معه إلى المنزل.
الأربعاء 12/3/1884 كانت أولى أفكاري تتجه نحو المعبد، فذهبت إليه فورا، فوجدتهم قد كشفوا النقاب بالأمس عن أحد الأعمدة الذي لم يبق منه سوى قاعدته الحجرية البالغ قطرها 210 سم، وهي مهذبة في نصفها الأعلى وخالية من المونة، وقد توقفت عمليات البحث والتنقيب، بسبب وجود المقابر الحديثة هناك. من هناك توجهنا نحو القصر الدائر، لكي نشاهد الحجر الذي تحدث عنه المشهدي وطلب مقابله مائة مجيدي، وهو حجر طوله 1.5متر، وعليه كتابات كوفية غير واضحة.
أكلنا في المساء أرزا كثير الفلفل عند فهد، وعند عودتنا إلى المنزل وجدنا نومان ومعه بدوي من قبيلة الفقراء اشترى منه ذلولا مقابل 68 مجيديا، حيث قدم الاثنان معا من منطقة الأقرع، بعد أن سارا مدة طويلة، لذلك كانت الجمال متعبة جدا. على أي حال إن لم نستطع اليوم الحصول على جمل قوي خامس فلن نتمكن من حمل النقوش الحجرية معنا، بل يجب علينا أن نوكل المهمة لأحد بنقلها فيما بعد إلى حائل، كي توضع إلى أن يحين الوقت المناسب مع بقية أمتعتنا الكثيرة هناك. وبعد صلاة العشاء جاء إلينا من يسرق في وضح النهار، وخلال الحديث ادعى الشخص الإيراني (من مشهد) أن المسيحيين الغربيين ليسوا هم من اكتشف البرقية، بل سبقهم في ذلك سكان العراق ومنذ أزمنة سحيقة، وبينما كان الآخرون يشككون في ذلك، فإن مضيفنا العنقري وجد نفسه مضطرا لتأكيد ما قاله صديقه الفارسي، حيث أضاف قائلا: إن النبي سليمان بن داود (عليه السلام) كان يعرف البرقية قبلهم.
الخميس 13/3/1884 بعد أن عرف الناس في المدينة أن نومان دفع 68 مجيديا ثمنا لجمل، اقتيد إلينا في البيت ثلاثة جمال خلف بعضها البعض، وطلب من أجل بيعها علينا مبالغ خيالية، لكننا بقينا على القرار الذي سبق أن اتخذناه، وهو إبقاء النقوش الحجرية هنا، والاستغناء عن الحصول على إبل إضافية. على الرغم من ذلك لم يتوقف تجار الجمال عن حضورهم إلينا لدرجة أن القهوة اكتظت بهم، حيث كان الجميع هنا يطمعون ولو لمجرد رؤية النقود، وفي الأخير لم يبق أمامنا سوى إخراجهم دون تكلف. وبعد أن خرجوا شعرت بدبيب القمل في جسمي مما اضطرني إلى الخروج فورا، والبدء برحلة صيد للقمل في ثيابي. وحيث إننا قررنا اليوم ترك تيماء والتوجه إلى الحجر، فقد قمنا حتى لا نضطر إلى تأخير رحلتنا بتفقد أمتعتنا مرة ثانية، وتعبئتها في حقائب الجمال، كما تم أيضا اختبار الأسلحة، وإحضار المؤونة وقرب الماء، أما النقوش الحجرية فقد وضعناها في قصر عبدالعزيز العنقري ليحفظها حتى يأتيه خبر منا.
بينما كنا نتأهب للرحيل دعينا إلى تناول أكلة محلية في بيت المدعو غيث بن دواس الذي كان يرافق هوبر في رحلته الأولى إلى هنا، حيث لم يكن موجودا في تيماء خلال الأسابيع الماضية، ولم يحضر سوى يوم أمس، وقد تعمد تأخير وجبة الغداء- على خلاف العادة المتبعة- حتى الساعة الثالثة عصرا، كي نتمكن من المسير بعد ذلك مسافة أيلول دون الحاجة إلى التوقف لعمل الأكل، وعند الساعة الرابعة رجعنا إلى المنزل، ثم ودعنا مضيفنا عبدالعزيز العنقري وشكرناه على ضيافته، ثم غادرنا تيماء بعد توديع الجميع في الساعة الخامسة إلا ربعا.

تيماء - الحجر- العلا
الخميس 13/3/1884 كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب حينما انطلقت قافلتنا الصغيرة تاركة المدينة خلفها، لقد كنا أربعة أشخاص، ونمتطي أربعة جمال هوبر وأنا، والخادم محمود، والدليل نومان، وبينما كنت أتمايل على ظهر راحلتي خالجني شعور ينم عن الفرح والسرور، وحين تركنا آخر بيوت المدينة خلف ظهورنا، وبدأنا نضرب في الصحراء وذلك العالم الفسيح شعرت بانتفاخ صدري من جراء التفكير بأنني مع كل خطوة إلى الأمام أتقدم نحو الهدف الحقيقي الذي قدمت من أجله، نعم سأصل خلال الأيام القادمة الأماكن التي طالما تطلعت إلى رؤيتها، تلك هي مقابر الحجر المنحوته في الصخر، وأطلال بلدة العلا القديمة. لقد جعلني هذا الشعور المبهج لا أبالي حينما قال لنا نومان: إننا سنصل بعد يومين من السير الجاد إلى منطقة غير آمنة، حقا لقد كنت في تلك اللحظة مشحونا بطاقة لا تقبل المزيد ومستعدا لتحمل الصعاب، واجتياز الأخطار مهما كان نوعها. امتد طريقنا من حوض تيماء التي يطل عليها جبل غنيم من الجهة الجنوبية الشرقية، آخذا بالارتفاع التدريجي حتى 100 متر تقريبا، إلى ذلك السهل المنبسط بعرض كيل واحد تقريبا، وطول يتراوح ما بين ثلاثة الى أربعة كيلومترات، والمكتظ بأكوام الأحجار المصفوفة خلف بعضها البعض، وهناك يمكن للمرء أيضا رؤية بيوت صغيرة مبنية من الحجر بشكل مربع ومنخفض، وهي تشابه تلك التي رأيناها في مدينة الموتى شوهر. وتمنيت كثيرا لو أن أهالي تيماء أخبروني عن هذه المقابر القديمة فربما تمكنت من زيارتها بدلا من تضييع الوقت في تيماء، فمن المؤكد أن في هذا المكان دلائل وإشارات عن سكان تيماء القدماء. على أي حال لم يكن في وسعي سوى إلقاء سؤال على نفسي مؤداه: هل من الممكن أن يكون في هذه المقبرة شاهد قبر أو حجر منقوش؟ في الحقيقة كنت أتمنى لو نزلت من راحلتي، ووقفت عن كثب على هذه القبور، ولكن هوبر رفض أي خروج عن مسار الرحلة، فكان لزاما علي أن أقبل تعاليمه على مضض، استمرت مسيرتنا خلال ظلام الليل، وبعد ساعة من ظهور القمر أي حوالي الساعة التاسعة أقمنا مخيمنا في منطقة آمنة تسمى الخبو.
يتبع .......

ماهر سالم العرادي
06-22-2005, 09:16 PM
الله يعطيك العافيه

فايز ابن رويحل
06-22-2005, 10:36 PM
هلا بك ماهر
ومشكور على المرور

حماد سعد السحيمي
06-23-2005, 07:17 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منت هين انت وجدانك

الف شكر ياغلاهم

فايز ابن رويحل
06-23-2005, 07:20 AM
ههههههههههههههههههههههههه
الله يحييك يا حماد
ولا هنت