المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعدد



ابوبدر عبدالله السرحاني
07-06-2010, 02:42 PM
سعادة مدير التعداد في مدينتنا الفاضلة، لقد قمت بناء على توجيهات سعادتكم بعد سكان المدينة واحدا واحدا، ولكنني قبل أن أعلن عن النتيجة النهائية لمجموع سكان المدينة أود أحاطتكم بالملاحظات التالية: الرجال لا يريدون اعتبار النساء مواطنات يمكن احتسابهن ضمن مجموع السكان لأن ذلك يمكن أن يذكرهن بحقوقهن الضائعة، والمواطنون ذوو الأصول العريقة لا يوافقون على عد المواطنين الذين لا يتكافئون معهم بالنسب لأنهم من وجهة نظرهم مجرد كائنات طارئة لا يصح وضعها معهم جنبا إلى جنب، والمحافظون المتشددون يرفضون عد المواطنين ذوي التوجهات العصرية المنفتحة لأنهم يعتقدون أنهم مصيبة ابتلي بها المجتمع لذا لا يجوز عدهم، والتنويريون يرفضون عد المحافظين المتشددين لأنهم يعتبرونهم جزءا من الماضي السحيق بينما وجد التعداد أصلا لقراءة المستقبل، والأغنياء الذين يقضون أغلب أوقاتهم خارج البلاد يرفضون عد الفقراء لأنهم يسمعون عنهم ولا يرونهم، والموظفون يرفضون تسجيل العاطلين في التعداد لأن وضع أي اعتبار لهذه الفئة سوف يربك مسيرة التنمية، وجميع سكان المدينة لا يرون حاجة لإضاعة الوقت في حساب سكان القرى لأن هؤلاء الناس اختاروا أن يعيشوا حياة العزلة، وسائقو السيارات يرفضون وضع أدنى اعتبار لسائقي السيارات الأخرى لأنهم يعتقدون بأن الطريق لهم وحدهم، وأبناء الحواضر يرون أن أس المشكلة يكمن في عد أبناء البوادي فهولاء يتكاثرون بشكل غير منطقي فيزاحمونهم على الوظائف والخدمات، وأبناء البوادي يرفضون عد أبناء الحواضر لأنهم يرون أنهم الأغلبية الغالبة منذ القدم، واللصوص الكبار الذين يشفطون المليارات يرفضون عد اللصوص الصغار الذين يسرقون إطارات السيارات لأن هؤلاء يسيئون إلى مهنتهم العريقة، والإباء لا يريدون عد أبنائهم لأنهم يعتبرون هذا الأمر تدخلا سافرا من إدارة التعداد في شؤونهم الأسرية، والوزارات عموما ترفض عد الموظفين المعلقين على بند الأجور لأن عقودهم مؤقتة وحقوقهم ضائعة، والأطباء يرفضون احتساب المواطنين الذين لم يجدوا أسرة للعلاج لأنهم معنيون فقط بالمرضى الذين دخلوا المستشفى بالواسطة، وهوامير الأسهم يرفضون احتساب المغامرين الصغار الذين خسروا كل ما لديهم في السوق لأنهم حلموا بالثراء السريع دون وجه حق، والإرهابيون فكريا يرفضون احتساب الإرهابيين تفجيريا لأن هؤلاء خرجوا عن قواعد اللعبة وافضحوهم، والأدباء لا يريدون عد الشعراء الشعبيين لأنهم لا يكتبون أشعارهم باللغة العربية الفصيحة، والنساء المنقبات يرفضن عد النساء اللواتي يكشفن عن وجوههن باعتبارهن حالات نادرة، والمواطنون عموما لا يرون حاجة لعد المقيمين لاعتقادهم بأن علاقة هؤلاء بالبلد تنتهي بانتهاء صلاحية أقاماتهم، والمقيمون يرفضون عد المواطنين لأن هؤلاء يشكلون خطرا على وظائفهم المرموقة، وإدارة الجوازات ترفض عد مخالفي الإقامة باعتبارهم غير موجودين من الناحية القانونية، والتقليديون لا يقبلون بوضع أدنى اعتبار للمواطنين الذين درسوا في جامعات غربية لأنهم يرون أن أدمغة هؤلاء تعرضت للتلوث الفكري، والصحافيون الورقيين يرفضون عد الصحافيين الإلكترونيين لأنهم من وجهة نظرهم مجرد هواة، وعشاق الهدوء لا يريدون عد المساجين ونزلاء دور الرعاية الاجتماعية والمصحات النفسية لأنهم يعتبرونهم فئات شاذة لا تستحق الاهتمام.
لذلك، ياسعادة المدير، بما أن كل شخص في هذه المدينة يرفض عد أي شخص آخر غيره، فإن النتيجة التي يمكن أن ترضي جميع الأطراف هي أن نقول بأن نتيجة تعداد السكان: (واحد نسمة)!.

منقول من جريدة عكاظ