المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغتنا الجميلة ( 16 - 19 )



موسى بن ربيع البلوي
10-04-2010, 08:03 PM
لغتنا الجميلة (16)

أيمـن بن أحمـد ذوالغـنى


أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صَحيحَيهما – وهما أصَحُّ كتابَين بعد كتاب الله العَظيم – ما رَوَتْهُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي اللهُ عنها؛ عن مِحنَتها في حادثة الإِفْك، وعِظَمِ الابتِلاءِ الذي ابتلاها اللهُ به، وما عانَتْه من جَرَّاء ذلكَ من ضِيقٍ وهَمٍّ وكآبَة.


ولقد أصابَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مثلُ ما أصابَها من حُزن وغَمٍّ، فالخَطبُ عَظيمٌ جَلَل؛ ليس بالهَيِّن على زوجٍ لم يَعرف من زوجَته إلا الغَفْلَةَ عن مَواطنِ الرِّيبَة والزَّلَل؛ حتى جاء الفَرَجُ من ربِّ العِزَّة جلَّ جَلالُه بشَهادَتِه لها بالطُّهر والبَراءةِ مما قَذَفَها به بعضُ مَن لا خَلاق لَهُم من المنافقينَ، بقُرآنٍ يُتْلى إلى يومِ الدِّين.


وحينما اشتدَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يقولُه هَؤلاءِ الخَرَّاصُون مُتَوَلُّو كِبْرِ الإِفْكِ ومُفتَرُوه؛ صَعِدَ مِنبَرَه وخَطَبَ أُمَّتَه قائلاً: ((يا مَعشَرَ المُسلِمينَ، مَن يَعْذِرُني مِن رَجُلٍ قَد بَلَغَ أذاهُ في أَهْلِ بَيتي؟! فَوَاللهِ ما عَلِمتُ على أَهلي إلاَّ خَيرًا، ولقَد ذَكَرُوا رَجُلاً ما عَلِمتُ عَليهِ إلاَّ خَيرًا)).
ومَعنى قولِه: ((مَن يَعْذِرُني مِن رَجُلٍ)) أي: مَن يَقومُ بعُذْري إن كافَأتُهُ على سُوءِ صَنيعِهِ، فَلا يَلومني؟.


وما أَوَدُّ التنبيهَ عليه من كَلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هوَ ضَبطُ الفعل (عذر) في صيغَتَي المضارع والأمر، فقد كَثُرَ الخَطَأُ في ضَبطِهما وشاعَ، حتى باتَ الصَّوابُ فيهما عَزيزًا نادِرًا، فغالبًا ما يُضبَطان: (يَعْذُرُ) و(اُعْذُر) بضمِّ عين الفعل، [وهي حرفُ الذال هنا]، والصَّوابُ كسرُها؛ لأن هذا الفعلَ يتصَرَّفُ من البابِ الثاني (فتحُ كسرٍ)، يُقال: عَذَرَهُ على ما صَنعَ يَعْذِرُهُ عُذْرًا ومَعْذِرَةً: إذا رَفَعَ عنهُ اللومَ فيه، وأوجَبَ له العُذْر.
قال ابن قُتيبةَ: الناسُ لا يَعْذِرُونَ بالعُذْرِ الواضِحِ، فكيفَ بالعُذْر المُلْتَبِس؟!
ويُقال: اِعْذِر أخاكَ ولا تُكثِر مَلامَتَه يَصْفُ لكَ وُدُّه.


هذا، ويتصَرَّفُ الفعلُ (عذر) من البابَينِ الأوَّلِ والثَّاني معًا، ولكنْ بمعنَيَيْنِ آخَرَينِ؛ يُقال: عَذَرَ الرَّجُلُ يَعْذِرُ ويَعْذُرُ (بكسر الذال وضمها): إذا كَثُرَت عُيوبُه. وعَذَرَ الفارسُ جَوادَهُ يَعْذِرُه ويَعْذُرُه: إذا شَدَّ عِذارَهُ وأَلجَمَهُ. والعِذارُ: هوَ ما سالَ على خَدِّ الفَرَسِ منَ اللِّجام.


- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (49) ، شهر جمادى الأولى 1427هـ.
- نشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (20)، شهر جمادى الآخرة 1427هـ.



لغتنا الجميلة (17)



كان نشر العلاَّمة د. محمود الطَّناحي رحمه الله تعالى مقالةً بمجلَّة الهلال، عدد (تمُّوز/ يوليو) 1998م، تكلَّم فيها على كلمة (تترى)، تأصيلاً واشتقاقًا، وتحريرًا لمعناها، مع ذكر شواهدها من الشِّعر والنَّثر، وإعرابها في سياقها.


وقد حملَهُ على بَسط القول فيها ما رآهُ من كثرة الخطأ في استعمالها، وجُنوح خاصَّة الكُتَّاب عن الصَّواب فيها، بَلْهَ عامَّتَهم، فقد دَرَجَ الكثيرون على جعل (تترى) فعلاً مضارعًا، يقولون: تترى المصائبُ على الإنسان، ظانِّينَ أنها بمعنى: تتواترُ وتتتابعُ!


وهذا عينُه ما دفعَني إلى تلخيص مقالته؛ نُصحًا لحمَلَة الأقلام، وتعميمًا للفائدة.


فما وجهُ الصَّواب في هذه الكلمة؛ أفعلٌ هي أم اسمٌ؟


(تترى): اسمٌ، مصدرٌ، وأصلها: (وَتْرى)، ثم أُبدلَت الواو تاءً، وهي من المواتَرَة.
وإبدالُ التاء من الواو كثيرٌ شائعٌ في العربيَّة، مثل: تُراث، أصلها: وُراث، من الفعل وَرِثَ. وتُقاة، أصلها: وُقاة، من الفعل وَقى. وتُجاه، أصلها: وُجاه، من الوَجه...إلخ.


نقول: المصائبُ على الإنسان تترى، أي: متتابعةٌ مُتواتِرَة. وجاء القومُ تترى، أي: مُتتابعينَ مُتواتِرين.


ومن الأدلَّة القاطعة على اسميَّة (تترى) أن فيها لغةً بالتنوين: (تترًا)، ولا يخفى أن التنوينَ من خصائص الأسماء، وأن الأفعالَ لا تُنوَّن.
فمَن نوَّن هذا الاسمَ اعتدَّ الألفَ التي في آخره للإلحاق، ووزنُه: (فَعلاً)، مثل: ضَربًا ونَصرًا. ومن لم ينوِّنه يعتدُّ الألفَ في آخره للتأنيث، ووزنُه: (فَعْلى)، مثل: دَعْوى من دَعا، وذِكْرى من ذَكَر.


ويستشهد علماءُ العربيَّة على ذلك بقوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون:44]، فقد قرأ ابنُ كَثير وأبو عَمرو: (تترًا) بالتنوين، وقرأ بقيَّةُ السَّبعة: (تترى) بغير تنوين.


وإعرابُ (تترى) في الآية يحتملُ وَجهَين؛ الأوَّل: أنه حالٌ من (رسلنا)، أي: أرسَلنا رسُلَنا مُتَواتِرين؛ واحدًا بعد واحد.
والآخَر: أنه صفةٌ لمصدر محذوف، أي: أرسَلنا رسُلَنا إرسالاً مُتتابعًا، أو إرسالاً بعد إرسال.


وتقدَّم أن (تترى): من المواتَرَة والتَّواتُر، وقد ذهب جَمهرةٌ من أهل العربيَّة إلى التفريق بين التَّواتُر والتَّتابُع؛ بأن جعلوا التَّتابُعَ: في الأشياء يأتي بعضُها في إثْر بعض بلا فاصل، والتَّواتُرَ: في الأشياء يكونُ بينها فاصِل.
قال ابنُ الأثير في "النِّهاية" في شَرحه حديث أبي هُريرَة: لا بأسَ بقَضاء رمضانَ تَتْرى. أي: مُتفَرِّقًا غيرَ مُتتابِع.


وفي ختام هذه المقالَة أكتفي بإيرادِ بيتَين من الشِّعر وردَ فيهما هذا الاسمُ؛ وذلك اجتزاءً بالقَطْرَة عن اليَنْبوع.
قال ابنُ قَلاقِس يمدحُ الحافظَ أبا طاهرٍ السِّلَفيَّ:

يا مَنْ أَيادِيهِ تَتْرَى ليسَ يَجحَدُها إلا أُناسٌ لفَضْلِ اللهِ قَد جَحَدوا





أي: يا مَن أياديه مُتواتِرَةٌ بالعطاء والجُود.


وقال أميرُ الشعراء أحمد شَوقي في مدحه النبيَّ صلى الله عليه وسلم:

والآيُ تَتْرَى والخَوارِقُ جَمَّةٌ جِبريلُ رَوَّاحٌ بِها غَدَّاءُ





والمراد: والآيُ كثيرةٌ مُتواتِرَةٌ.


- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (55)، شهر ذي القعدة 1427 هـ.


لغتنا الجميلة (18)
يروي الإمامُ أحمد عن البَراء بن عازِبٍ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قَدِمَ من سَفَرٍ قال: ((آيِبُون، تائِبون، عابِدون، لرَبِّنا حامِدون)).
وروى الشيخانِ عن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قَدِمَ من سَفَرٍ بدأ بالمسجد فركعَ ركعتَين وجلس للناس في فُتياهم ومسائلهم..


وما يعنينا في هذه الحلقة هو الحديثُ عن الفعل (قدم)، وبيانُ الأبواب التي يتصرَّف منها، والمعاني التي يؤدِّيها، وخطأُ العامَّة والخاصَّة في استعماله.


يتصرَّف هذا الفعلُ من ثلاثة أبواب: الباب الأول، والباب الرابع، والباب الخامس.
1- الباب الأول (فتح ضم): أي مفتوحُ العين في الماضي مضمومُها في المضارع، بوزن: نَصَرَ يَنصُرُ وقَتَلَ يَقتُلُ. ويكون حينها بمعنى: سَبقَ وتَقدَّم.
نقول: قَدَمَ الطالبُ المجِدُّ زُمَلاءهُ يَقْدُمُهُم، قَدْماً؛ إذا: تقدَّمَهُم وسَبَقَهُم وصار أمامَهُم.
قال تعالى عن فرعونَ: {يَقْدُمُ قَومَهُ يومَ القِيامَة} [هود: 98]، أي: يَسبِقُهُم ويتقَدَّمُهُم إلى جَهنَّم.


2- الباب الرابع (كسر فتح): أي مكسورُ العين في الماضي مفتوحُها في المضارع، بوزن: لَعِبَ يَلعَبُ وتَعِبَ يَتعَبُ. ويكون بمعانٍ بحسَب السِّياق.
نقول: قَدِمَ المسافرُ من سَفَره يَقدَمُ، قُدوماً ومَقْدَماً؛ إذا: رَجَعَ وآبَ.
وقَدِمَ فلانٌ إلى الأَمر يَقدَمُ؛ إذا: قَصَدَ له. ومنه قولُه تعالى: {وقَدِمنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فجَعَلناهُ هَباءً مَنثُوراً} [الفرقان: 23]، أي: عَمَدنا وقَصَدنا.
وقَدِمَ العاملُ على عمله يَقدَمُ؛ إذا: أقدَمَ عليه وأَقبَلَ.
وقَدِمَ الغريبُ المدينةَ يَقدَمُها؛ إذا: دَخَلَها.


3- الباب الخامس (ضم ضم): أي مضمومُ العين في الماضي والمضارع معاً، بوزن: كَرُمَ يَكرُمُ وشَرُفَ يَشرُفُ. ومعناه حينها: ضدُّ حَدُثَ.
نقول: قَدُمَ الشيءُ يَقدُمُ، قِدَماً وقَدامَةً، فهو قَديم؛ إذا: مَضى عليه زمنٌ طَويلٌ.


وبعدُ، فلم يعُد خافياً أن الخطأَ في هذا الفعل أكثرُ ما يكون حين استعماله بصيغة المضارع بمعنى رجَعَ وآبَ، فقد غَلَبَ على العامَّة ضمُّ عينه، يقولون: سيَقدُم فلانٌ من السفر غداً، وهذا خطأٌ، والصواب فيه الفتح: سيَقدَمُ، على ما بيَّنَّا.


لغتنا الجميلة (19)
لعلَّ من المكرور المعاد التنبيهَ على الخطأ الشائع على ألسنة العامَّة وهو ضبطُهم الخاء من كلمة (الخطبة) بالضمِّ، في نحو قولهم: من السُّنَّةِ أن ينظرَ الشابُّ إلى الفتاة عند خُطبتِها، فكثيرٌ ممَّن صنَّفَ في لحن العامَّة والتثقيف اللغويِّ نصُّوا على أن الصَّوابَ في ضبطها الكسرُ، أي: خِطبتِها.


منهم: محمَّد العَدناني في (معجم الأخطاء الشائعة)، وزُهدي أبو خَليل في (تصويب أخطاء لغويَّة شائعة)، ود. أحمد مُختار عمر في (العربيَّة الصَّحيحة)، ود. شوقي ضَيف في (تحريفات العاميَّة للفُصحى)، وصلاح الدِّين الزَّعبلاوي في (معجم أخطاء الكُتَّاب)، ومروان البوَّاب في (دليل الأخطاء الشَّائعة في الكتابة والنطق).


وللتفريق بين الضَّبطَين نقول:
الخِطبَةُ (بالكسر): طلبُ الرجل المرأةَ للزَّواج. قال تعالى: {ولا جُناحَ علَيكُم فِيما عَرَّضْتُم بهِ مِنْ خِِطْبَةِ النِّساء}. [البقرة: 235].
والخُطبَةُ (بالضم): ما يُلقيه الخطيبُ على الناسِ من المِنبَر، وخُطبَةُ الكتاب: مُقدَّمتُه.


قال الراغبُ الأصفهانيُّ في (مفردات ألفاظ القرآن): الخُطبَةُ تختصُّ بالموعظَة، والخِطبَةُ بطلب المرأة.


أما ما أودُّ التنبيهَ عليه في هذه الحلقة فهو خطأٌ مُحدَثٌ لم يَشِع على ألسنة الناس، بل لا يكادُ يُخطئ به العاميُّ، ولكنه بدأ يَشيعُ على ألسنة بعض كبار المثقَّفينَ والأدباء المَرموقينَ، وهو ضبطُهم عينَ الفعل المضارع (يخطب) بالكسر، عند استعماله بمعنى طلب الزَّواج، يقولون مثلاً: إذا أردتَّ أن تَخطِبَ فعليكَ بذات الدِّين.


وقد جرَّهم إلى هذا الخطأ توهُّمُهم أن المضارعَ من الخِطبَة: يَخطِبُ، ومن الخُطبَة: يَخطُبُ.
والصَّواب أن هذا الفعلَ مضمومُ العين في المضارع، سواءٌ كان من إلقاء الخُطبَة، أو من طلبِ الزَّواج. فهو بالمعنيين يتصرَّف من الباب الأوَّل، نقول:
خَطَبَ الناسَ، وخَطَبَ فيهم، وخَطَبَ عليهم، يَخطُبُ، خَطابةً وخُطبَةً: إذا ألقى عليهم خُطبةً. وخَطَبَ المرأةَ يَخطُبُها، خَطْباً وخِطبَةً: إذا طلبَ الزَّواجَ منها.


قال الرَّازي في (مُختار الصَّحاح): "(خَطَبَ) على المِنبَر (خُطبَةً) بضمِّ الخاء، و(خَطابةً). و(خَطَبَ) المرأةَ في النِّكاح (خِطبَةً) بكسرِ الخاء، (يَخطُبُ) بضمِّ الطاء فيهما".


وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَخطُبْ بعضُكُم على خِطبَةِ بعضٍ)). [أخرجه الشيخان من حديث عبدالله بن عمر].
ورَوَيا من حديث أبي هريرةَ قال: نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَخطُبَ الرجلُ على خِطبَةِ أخيه.


هذا، ولم يبقَ إلا أن نذكرَ أنَّ الفعل (خطب) يتصرَّف من الباب الخامس أيضاً، يقال: خَطُبَ الرجلُ يَخطُبُ: إذا صارَ خَطيباً يُحسن الكلامَ والخَطابةَ على المنابِر وفي المَحافِل.


- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (63)، شهر رجب 1428 هـ.



__ إنتهت بهذا هذه السلسلة المباركة ، نفعنا الله بما نقلنا __

مشعل بن مشحن السرحاني
10-04-2010, 09:22 PM
ماشاء الله لاقوة إلا بالله

سلمت أياديك أبا نادر ............

يوسف صالح العرادي
10-05-2010, 12:24 AM
الله يعطيك العافيه أبو نادر

متابعين معك هذه السلسله الرئعه

سعود السحيمي
10-05-2010, 06:38 AM
الله يعطيك العافية يابو نادر ..

متابعين لطرحك المفيد

موسى بن ربيع البلوي
10-05-2010, 05:29 PM
ماشاء الله لاقوة إلا بالله

سلمت أياديك أبا نادر ............


تسلم أخي الفاضل ن نفعنا الله بهذه السلسلة

وشكرا لك تواجدك العذب