المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الشباب (3)



اشراقة الدعوة
04-27-2011, 11:13 AM
إستكمالا لسلسلة أساليب الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في التعامل مع الشباب



أسلوب التشويق وإثارة الانتباه


لقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب التشويق والإثارة ، إما بطرح سؤال يثير به النشاط الذهني ، ويجذب به الانتباه والتشويق لما سيقوله ، وذلك أن النفس البشرية تتطلع إلى استكشاف كل جديد . ويوضح ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء؟ )) قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : (( ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )) .


وكذلك الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة قائلاً : (( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم حدّثوني ماهي ؟ )) فوقع الناس في شجر البوادي ، ثم قالوا : حدثنا ما هي يارسول الله ؟ قال : (( هي النخلة )) ]مسلم [.

فالرسول أشرك الصحابة في الحديث واستثار هممهم لا ستكشاف الإجابة ، ولم يلجأ لأسلوب الإلقاء .


ويتجلى أسلوب التشويق في قوله صلى الله عليه وسلم : (( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )) . فكم كان تشوق الصحابة وتلهفهم لرؤية ذلك الصحابي الذي بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ثلاث مرات ؛ مما حدا بشاب من شباب الصحابة وهو عبدالله بن عمرو بن العاص للوقوف على أعمال ذلك الصحابي ليقتدي به .

استخدام وسائل الإيضاح للتوضيح والبيان وتقريب المعنى


لقد سبق الرسول صلى الله عليه وسلم التربية الحديثة بأربعة عشر قرناً حيث كان صلى الله عليه وسلم يدعم قوله في بعض أحاديثه برسومات ووسائل إيضاح تقرّب المعنى للأذهان فمن ذلك :

مارواه ابن مسعود قال : خطّ النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً وخطّ خطاً في الوسط خارجاً عنه ، وخطّ خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال : (( هذا الإنسان ، وهذا أجله محيطاً به – أو قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا )) ]البخاري [ وهذه دعوة للمعلمين لا ستخدام الرسومات في الكتابات مع الشرح للمساعدة في إيصال المعلومة بشكل سريع .




ومن الوسائل المرئية التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه القمر ، كما في حديث جرير بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : (( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ، ثم قرأ :{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}(قّ: من الآية39) ]رواه البخاري [.


واستخدم الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة تشترك فيها الحواس الثلاث معاً ، فقد استخدم صلى الله عليه وسلم الجُمّار والنخلة ، فهم يرونها ويمسونها بأيديهم ويأكلون منها ، فعن عبدالله بن عمر قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمّار فقال : (( إن في الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم )) ، فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم فسكتُّ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هي النخلة )) . ]رواه البخاري [.


واستخدم النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه للإيضاح وتقريب المعنى ، فعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضـاً )) ثم شبّك بين أصابعه .. ]رواه البخاري [




و عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين في الجنة )) وضم أصابعه . ]رواه مسلم [.

منهج النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة أخطاء الناشئة


كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على شباب أمته ليسيروا على المنهاج الصحيح الذي يوافق شرع الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم ينبّه الشباب على الأخطاء التي يقعون فيها ، أو يحتمل وقوعهم فيها قبل حصولها . ولقد كانت له صلى الله عليه وسلم طريقة فريدة من نوعها في معالجة الأخطاء .


التعريض دون التصريح

كان صلى الله عليه وسلم يُشهرّ بالخطأ ويذمه ، ولا يشهر بصاحب الخطأ ، ولذلك لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه شباب أمته بالخطأ أمام الناس ؛ لأن ذلك يؤذي إلى تحطيم شخصية المخطئ وإذلال نفسيته .


عن عائشة قالت : رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ، فتنزّه عنه ناس من الناس ؛ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب حتى بان الغضب في وجهه ، ثم قال : (( ما بال أقوام يرغبون عما رُخص لي فيه ، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية )) ]رواه مسلم [.




وعن أنس بن مالك قال : إن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم : لا أتزوج النساء . وقال بعضهم : لا آكل اللحم . وقال بعضهم : لا أنام على فراش . فحمد الله وأثنى عليه فقال : (( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) ]متفق عليه [.


قال الدكتور أحمد بن نافع المورعي : (( وفيه عدم مواجهته المدعو بالنقد والعقاب والملامة حتى لا تتأثر نفسيته ، وتحدث أمور عكسية ليست في الحسبان ، فقد تؤدي إلى إثارة الشكوك وحصول الضغينة والبغضاء ، وظهور العداوة والخلاف )) .


وما أحسن قول الشافعي رحمه الله :


تغمدني بنصحك في انفراد ...... وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع ...... من التوبيخ لا أرضى استماعه


ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب كثيرة ، فلا يخفى على الكثير خطابه صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه : (( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ..)) .. (( ما بال رجال يتأخرون عن النداء .. ))) .. (( ما بال أقوام يرفعون أبصارهم
إلى السماء ...)) وقوله صلى الله عليه وسلم في حق ابن اللتبية : (( ما بال عامل ابعثه فيقول هذا لكم وهذا أُهدي إليّ )) وذلك عندما استعمله الني صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، فلمّا قدم قال : هذا لكم وهذا أُهدي إليّ .


الإيحاء بالغضب



كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه المخطئ بفعله أحياناً ، ولكنه يغضب لذلك فيعرف في وجهه ، فقد روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه .


وروت عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقالت : يارسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ، فماذا أذنبت ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما بال هذه النمرقة ..)) ]مسلم [.


الإقناع بالخطأ

لقد انتهج الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوباً رفيعاً في تعليمه للشباب وتقويم أخطائهم ومن ذلك : إقناعه صلى الله عليه وسلم لذلك الشاب من قريش حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يارسول الله ، ائذن لي في الزنا ؟ فأقبل عليه القوم فزجروه ، فقال : (( ادنه )) ، فدنا منه قريباً ، قال : فجلس . قال : (( أتحبه لأمك ؟ )) قال : لا والله جعلني الله فداءك . قال : (( ولا الناس يحبونه لأمهاتهم )) . قال : أفتحبه لابنتك ؟ )) . قال : لا والله يارسول الله جعلني الله فداءك . قال : (( ولا الناس يحبونه لبناتهم )) . وما زال النبي يسأل والشاب يجيب : لا والله جعلني الله فداءك ، فوضع يده عليه وقال : (( اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصّن فرجه )) ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
فهذا شاب عارم الشهوة ، ثائر الغريزة ، صريح في التعبير عن نزواته ، فلقيه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الرفق العجيب والحوار الهادئ ، فقام ذلك الفتى مقتنعاً بخطئه عازماً على عدم الالتفات إليه .


الإشعار بعظم الخطأ
عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال : لا إله إلأ الله ، فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته ، قال : فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا أسامة ، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ! )) قال : قلت : يارسول الله ، إنما كان متعوذاً ، قال : فقال : (( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ! )) قال : فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك ا ليوم )) ]رواه مسلم [.

ولما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا بعد فتح مكة يدعون الناس للإسلام ولم يأمرهم بالقتل ، وبعث خالد على رأس سرية داعياً ولم يأمره بالقتال ، فوصل إلى بني جذيمة ، فوضعوا السلاح فأمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضوا على السيف فقُتل منهم من قُتل ، فلمّا انتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء وقال : (( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد )) ] المصدر : هذا الحبيب ، ص402[.

فقد أخطأ خالد في اجتهاده فيما أقدم عليه ، فكان تبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من فعل خالد مشعراً بعظم الخطأ الذي وقع فيه خالد .


التوبيخ والتأنيب
وى البخاري عن أبي ذر قال : سببت رجلاً فعيّرته بأمه ( قال له : يا ابن السوداء ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يأ أبا ذر ، أعيّرته بأمه ، إنك امرؤ فيك جاهلية ..)) ]انظر صحيح الجامع ، برقم (7822) [. فقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أبي ذر حين عيّر الرجل بسواده بالتوبيخ والتأنيب ثم وجهه لما يجب فعله .

وقد عاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاب معاذ بن جبل وأنّبه عندما أطال بقومه الصلاة ، حيث جاء رجل يشكو معاذاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( يا معاذ ، أفتّان أنت ؟ ... )) ]انظر صحيح الجامع ، برقم (7966) [.



الــثــنـــاء



يحتاج الشباب إلى التقدير والثناء عليهم وبيان حسناتهم ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يستغل هذه الحاجة في الوقت المناسب لإصلاح أخطاء الشباب ، فعن خريم بن فاتك الأسدي قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نعم الرجل أنت يا خريم لولا خلّتان فيــك )) قلت : وما هما يارسول الله ؟ قال : (( إسبال إزارك ، وإرخاؤك شعرك )) ]قال صاحب المنهاج ، ص338 ، أخرجه الإمام أحمد [.


وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر : (( نعم المرء عبدالله لو كان يصلـي من الليل )) قال سالم : فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلاً .


الإرشاد إلى الخطأ بالتوجيه والملاطفة والرفق


روى البخاري عن عمر بن أبي سلمة قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا غلام ، سمّ الله وكُل بيمينك ، وكل مما يليك )) ]متفق عليه [


وعن معاوية بن الحكم السلمي قال : بيّنا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله . فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أُمّياه ، ما شأنكم تنظرون إليّ ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يُصمّتونني لكني شكتُّ . فلمّا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، قال : (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )) .

قال النووي : (( فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى به ، ورفقه بالجاهل ، ورأفته بأمته وشفقته عليهم ، وفيه التخلُق بخُلُقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل ، وحسن تعليمه واللطف به ، وتقريب الصواب إلى فهمه )) .



يتبع بإذن الله بقية الأساليب اللهم صل على حبيبنا وقدوتنا
محمد عليه أفضل الصلاة وأتم االتسليم

عبدالله سليمان شبيث الوحيشي
08-17-2011, 05:09 AM
جزاك الله خير