كفيت ووفيت يا نايفخالد السليمان
أول مرة ألتقيت فيها الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله كانت في مكتبه بمدينة جدة برفقة رئيس تحرير جريدة الوطن الكويتية محمد عبدالقادر الجاسم لإجراء حوار صحفي، ومما لفت انتباهي في تلك الليلة أن أحد الهواتف رن مرتين متتاليتين ليجيب الأمير المتصل في كل مرة أن «النمرة» التي يطلبها خاطئة، لحظتها تخيلت كيف ستكون ردة فعل ذلك المتصل لو علم أن من يجيبه هو نايف بن عبدالعزيز أو أن الرقم الخاطئ الذي بحوزته هو رقم الاتصال المباشر لوزير الداخلية والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي.
وبعدها بسنوات قدمني له الأستاذ محمد الشدي رئيس جمعية الثقافة والفنون السابق فحرك إصبعيه بإشارة «القرص» وقال مبتسما: مقالاته تقرص أحيانا! فقلت له: سأعتبرها شهادة مدح يا سمو الأمير، فعلق ضاحكا بنصيحة المسؤول المؤمن بأهمية وتأثير الكلمة: نعم المهم تحري الدقة في الكتابة.
لم يكن الأمير نايف شخصا عاديا، فهو من المسؤولين النادرين الذين أثروا لعقود طويلة في مسيرة الدولة ووضعوا لبنات بنائها، ولم تطغ يوما شخصيته الأمنية على شخصيته الاجتماعية لذلك عرفه الناس كرجل دولة يسهر على أمنهم أكثر منه رجل أمن مسؤول عن أمنهم، وفي جميع المناسبات الاجتماعية التي رأيته فيها كان رجل دولة ذا حضور غير تقليدي امتلك بلاغة الكلمة وجزالة العبارة وتميز بشمولية الإلمام بقضايا المجتمع والتحديات والمخاطر التي تواجه الوطن وأبعاد المتغيرات والأحداث التي تحيط به، وفي كل مرة سمعته يتحدث كان حديثه صريحا ومباشرا في مناقشة مشكلات البلاد ومنفتحا على سماع مختلف الآراء، وفي إحدى المناسبات كنت مندفعا في التعليق بشكل شعرت بأنه أثار استياء الأمير لكن حرارة سلام الأمير في نهاية المناسبة جعلني أتيقن من أنه رجل بقلب كبير وعقل منفتح وصدر رحب.
إنني أشعر كمواطن بالعرفان الشخصي للأمير الراحل فقد كان رجل الأمن الساهر طيلة حياتي، وحياة أطفالي، وعندما سألني بعض أطفالي عن معنى خبر وفاته قلت لهم لقد رحل الرجل الذي قاد معركة أمنكم وأمانكم عندما أرادت ضباع الإرهاب أن تغرس أنيابها في أجسادكم وتمد جذور أشواكها في حدائقكم.
لقد أدار رحمه الله المعركة مع الإرهاب بكل كفاءة واقتدار دون أن يعسكر المجتمع أو تطغى الحالة الأمنية على أوضاعه، فعاش الناس كما تعودوا أن يعيشوا بينما سهر نايف ورجاله على أمنهم، وفي دول أخرى تعرضت لأقل مما تعرضت له المملكة من هجمات وأعمال ومؤامرات إرهابية غادرة أعلنت حالات الطوارئ وعسكرت المجتمعات لسنوات طويلة لكن أي من ذلك لم يحدث في المجتمع السعودي.
لقد سخر الأمير نايف بن عبدالعزيز حياته لخدمة وطنه وأدى الأمانة بكل شرف واقتدار فحق له أن يسكن وجدانه ويدون اسمه في أنصع صفحات تاريخه.
