موظف مخلص لربه ودينه..؟؟
(1)
قال لنفسه: لماذا لا أذهب لرئيس المؤسسة وأقول الحقيقة..؟
أقول إنهم يسرقون، وينهبون ويأكلون
حقوق الناس وحقوق المؤسسة بالباطل...
ولكن الرئيس سيقول: أين الدليل..؟
والأدلة كلها تحت أيديهم وسيطرتهم،
فهم متمرسون ومخيفون في الوقت نفسه..
إنهم ينهبون، ويختلسون، وكل الذين في المؤسسة يعرفون ذلك.
لكنهم لا يجرأون على الكلام.. كل يخاف على نفسه..
سأذهب للرئيس وأحكي له كل شيء..؟
وعندما أقبل على مكتب الرئيس أخذته رجفة،
وساوره قلق، وخوف، فرجع...؟؟
(2)
في الليل حكى لزوجته.. قال لها:
إنهم ينهبون المؤسسة والمشكلة أن الرئيس يثق فيهم..
بل يثني عليهم.. تصوري لديهم خطابات شكر وثناء..!!
تخيلي خطابات شكر لحرامية، وقطّاع طرق..
ياللبشاعة، ويا للغش والخداع...
قالت له زوجته: إياك أن تفعل. لا تكن مجنوناً..
سوف يرمونك كال*** في الشارع إن أنت فعلت..
سوف يجوع أبناؤنا، ولن يرحمنا أحد ليس هناك قانون
ولا نظام يحميك ويكفل حقوقك.. أسمعت؟
قال: نعم سمعت.. ولكن أين الضمير..
أين الخوف من الله؟!
ثم أتبع إن المؤسسة في خطر.. أتسمعين المؤسسة تغرق..
سوف تفلس، وسوف تموت أفواه كثيرة.. ما ذنب المواطنين؟
ما ذنب أولئك الذين وضعوا مستقبلهم، ومستقبل أبنائهم فيها؟
إني أشعر بالألم.. أشعر أني أشارك في اللصوصية والخيانة..
قالت له: لا تكن أحمق.. إياك أن تفعل..
لن يصدقك أحد.. إنهم أقوى منك ومن مثالياتك وأخلاقك..
بل إنهم عند الرئيس أصدق، وأكثر منك إخلاصاً..
إنهم يحجبون عنه الحقيقة..
أفهمت..؟
نعم.. نعم.. أفهم ما تقولين ولكنني لن أفهم أن يخون المرء ضميره..
أن يرى عود الثقاب مشتعلاً بجانب خزان النفط ولا يحاول إطفاءه..؟
قالت: اسمع إن فعلتها فهذا فراق بيني وبينك..
أتريد أن تقتلنا.. أن تغتال الفرح في عيون أطفالنا..
أقول لك مرة أخرى إن فعلت ذلك فهذا فراق بيني وبينك!!
قال في حزن: أتقولين فراق بيني وبينك؟! وكاد يبكي..
ولم ينم تلك الليلة، وأخذ يتململ من شدة الأرق والقلق، والضيق..
(3)
وفي الصباح جلس على مكتبه، وهو يعاني من صداع عنيف..
يشعر بنار تشب في قلبه وبين جوانحه..
دخل في دوامة من الصراع والألم..
هل يرضي ضميره، ويخسر زوجته وربما عمله..؟
أم يبتلع النار في جوفه ويصمت ؟!!
ولكن من يدري فقد يُصدقه الرئيس فيربح الجولة..
يُرضي ضميره وينقذ المؤسسة من اللصوص والإفلاس.. آه،
ولكنه قد يخفق فيخسر زوجته، ويخسر كل شيء..
وفجأة شعر بشيء يدفعه وكأن قوة خارقة هبطت عليه..
ولم يداهمه تردد أو رهبة، وإنما اندفع إلى مكتب الرئيس كبطل
يشق طريقه إلى ساحة المبارزة..
دخل إلى مكتبه فوجده منهمكاً يتحدث في التلفون...
سمع الرئيس يقول: (أثق تماماً.. كل شيء يسير وفق المطلوب..
أعرف أن العمل منضبط كالساعة..
وأن جميع المدراء رائعون، وأمناء..
كلكم مكان الثقة..!!
لا داعي للتأكيد يا عزيزي، ثقتي فيكم عمياء مطلقة..!!).
شعر هو أن أطناناً من الماء البارد تراق على بدنه،
شعر أنه تماماً مثل جمرة ألقيت في الماء..
حينما أغلق الرئيس الهاتف التفت إليه وقال: نعم.. ماذا لديك..؟
نظر إلى الرئيس بعينين زائغتين..
ورن صوت زوجته في أذنيه، وسمع ضحك أطفاله..!!
وتذكر أن شيخاً من قريته كان يردد:
(لا تصارع ثيراناً.. الثور لا يعرف عنتر).
قال الرئيس مرة أخرى مرحباً.. ماذا لديك..؟
أحس أن حماسته وغيرته تحولت إلى رصاصة تتجه نحو صدره..
شعر بطنين في أُذنيه، وأن رأسه سينفجر..
قال: أسعد الله صباحكم يا سعادة الرئيس..
جئت كي أقول.. أريد أن.. نعم أريد أن أقول..؟؟
قال الرئيس في ضيق: نعم ماذا تريد أن تقول..؟
لا.. لا أريد أن أقول شيئاً،
بل فقط أريد أن أؤكد لكم أن كل المدراء
الذين يعملون في المؤسسة..
أن كلهم.. قال الرئيس في حدة وانفعال: كلهم ماذا..؟
فاختلج صوته وحاول أن يبتلع ريقه
فلم يستطع وقال بصوت مخذول:
كلهم يا سيادة الرئيس..
نعم يا سيادة الرئيس.. كلهم..؟؟
كلهم.. وانفجر باكياً وخرج..؟؟
بعد يومين صدر قرار بفصله من العمل
لأنه رجل مختل..!!
ولكم تحيات المخلص
ماجد البلوي
