بشر وحسن
هذه القصة كثيراً ما ترد في المجالس دون التعريف بصاحبها وفي أحد
المجالس صادفت رجل من المعاصرين يدعي أن القصة حدثت مع جده
ولكني لم أصدق قوله أما القصة فهي لرجل يدعى بشر كانت له أبنة عم
تسمى حسن من أفاضل النساء فتزوجها ومضى على زواجهما عدد من
السنين ولم يقسم الله لهما أبناء وكانت أم بشر ترغب أن يتزوّج بزوجه
ثانية لعل الله أن يرزقه بأبناء فحثته على الزواج ولكنه رفض لكي لا
يغضب ابنة عمه حسن فلجأت والدته إلى الحيلة وفي ذات يوم قالت لأبنها
بشر أن زوجتك عندما تغيب يدخل في بيتها رجل غريب فلم يصدق وبعد
أن تكرر من أمه أيراد هذا الخبر أراد أن يتأكد فشد راحلته وأبلغ زوجته
أنه ينوي السفر فنزل في أحد الشعاب القريبة من منزله وعندما اظلم
الليل تسلل وأكمن بالقرب من منزله وهو يراقب ما يدور حول المنزل
وكانت والدته تسكن في بيت مجاور لبيت زوجته فما كان من الأم إلا أن
لبست ملابس ابنها ودخلت بيت زوجته من الخلف حتى تأكدت أنه شاهد
الشخص الداخل بملابس رجل فذهبت لبيتها وخلعت ملابس أبنها وجلست
تراقب ماذا يحدث فهجم بشر على زوجته وأشبعها ضرباً حتى كاد أن
يقتلها وهي لا تعلم عن المكيدة التي دبرتها لها أم زوجها حتى وصل الأمر
إلى هذه الحالة ثم قال لها أنتي طالق وأذهبي إلى أرض لا أشوف سمائها
فأعطاها جمل من الأبل ولم يزودها بماء ولا زهاب وهو بذلك يريد أن
تهلك ظمأ وينخلّص فركبت حسن الجمل وهي بحالة لا تحسد عليها
وذهبت هائمة على وجهها وهي لا تدري إلى أين تسوقها الأقدار وبعد
مسيرة طويلة حلت في بيت رجل يقال له أبن حمرون وبقيت عنده مدة من
الزمن فسالها عن قصتها فقالت له أن زوجها وأخوتها قتلوا في أحد
المعارك ولم يبقى من أهلها أحد فبقيت في بيت ابن حمرون ثم عرض
عليها الزواج فوافقت وتزوجها .
هذا ما كان من حسن
أما بشر فقد بقي بدون زوجة متأثراً بما حصل له
ثم أن والته أصيبت بمرض ولزمت
الفراش وبدأ يعالجها ولكن دون جدوى وبعد أن ارهقها المرض عرفت أن
ما حل بها هو عقوبة لها على ظلمها لحسن فرأت أنه من الأفضل أن
تصرّح لبشر بواقع الأمر لعله يبحث عن حسن ويعيدها كونها بنت عمه
وهو ولي أمرها وقد ندمت والدته ولكن لا ينفع الندم فأبلغته بما حصل
وأن سبب ذلك لقصد أنه يطلقها ويتزوّج زوجه منجبه فعض بشر إبهامه ندماً
وقال قصيدته المشهورة التي تتناقلها الرواة عبر الأجيال ومنها قوله
أرقبت راس غنيم غـربي الأطعاس
ولا لوم أنا راعي الهوى لو يحني
مريـت بديـار بـهـا العشب محتاس
عشبه عـلى ديـرة عشيري مجـني
لي بنت عـم ما وطت درب الأدناس
ولا دنسـت يـوم الـنـساء يـدنسني
ضربتها وأحسب الضرب نـوماس
وطلقتها حيـث أفخـت العـقـل مـني
لو ينشكا حبه على الذيب ما نـاس
يـمشي مـع الطـلـيـان مـا يجـفـلني
لو ينشكا حبه على اللي بالأرماس
الـكـل مـن تـحـت النصـايـب يـوني
ولو ينشكا حبه عـلى قب الأفـراس
مــا طـاعـن الـلـي باللجـايـم يعـني
ثم ذهب بشر يبحث عن زوجته لعله يجدها فوجدها عند رجل يدعى أبن
حمرون قد تزوجها وانجبت منه أبناء فحل ضيفاً على أبن حمرون
وعرفها وهي لم تعرفه وكان يرى خدمتها لزوجها كما كانت معه فجلس
عند ابن حمرون كأنه فداوي ولوحظ أنه كثير البكاء من تأثره على زوجته
أبنة عمه وهو لا يدري كيف يصنع بعد أن وجدها في عصمة رجل لا
يدري ماذا يحدث لو فاتحه بالصراحة كما أنه لا يعرف كيف يشعرها أنه
هو أبن عمها وزوجها السابق وبعد أن امضى مدة وهو كثيراً ما تخنقه
العبرة وهو أيضاً قليل الأكل لاحظه ابن حمرون وابلغ زوجته بأن هذا
الرجل أمره غريب فقال ابن حمرون بيتاً من الشعر على مسمع الضيف
لعله يصرّح بما يجول بخاطره فقال ابن ابن حمرون :
يا حسن عيا ياكل الـزاد ضيفنـا هـيـا جـمـيـع نـشـاركـه بـبـكــاه
فأجابته حسن قائله :
خـيـر المـلأ عندي بشر مـا بكـيتـه وبـاقـي الـمـلأ لـو مـات مـا نـنـعـاه
فقال بشر :
يـا حسـن يـا حسنيـة الـدل طـالـعي عـلي أبـن حمرون يهـوز عـصاه
فعرفته أنه بشر وقالت :
أمـنع عـنه يا فـارس الخيل بالقـنـا عـسى جـمـيـع الحـاضـريـن فـداه
فقال بشر :
يا حسن وش تجزين من جاك عاني مـن الـغــرب وخــلا الـوده وراه
فقالت حسن :
أجـزاه أنـا فـي حـبـة مـن ذبــلـــي مـن اشـافـي مـا شـافـهـن ســواه
وذلك لكي تغضب ابن حمرون
فقال ابن حمرون :
مـن عـافـنـا عفنـاه لـو كـان غـالي ومن جأذ حبلي مـا وصلت رشـاه
وطلقها ابن حمرون ثم أن بشر شرح لأبن حمرون قصته وما حصل معه
واسمعه قصيدته السابقة ورجع بشر ومعه حسن إلى أهلهم وسامحت
والدته بما اقترفت من جرم بحق حسن ثم أنها شفيت
من المرض الذي كانت تعاني منه وهكذا انتهت القصة .
* من مقاطع الشعر الذي لم نتوصل لمعرفة أصحابها هذه الأبيات لشاعـر
يتأسف على شرب الدخان وينتقد من يشربه فيقول :
الـتـتـن هـم وزاود الـتـتـن هــمــي
وأنـا قـبـل مـانـي خـلـي ابـلا هـــم
يـا هـم قـلـبي فـوق الألـفيـن يـمـي
كلن غـرف من بيـر همـه وأنا جـم
أنـا صـويـب ولا صـوابـي بــدمــي
قريص خرسا وقاطب لـه على سم
شراب بـول إبليس ما هـو امسمي
كــم واحــدٍ حّــرم شــرابـه ولا تــم
ينفـق غـوالي المـال مـا هـو منمي
وينشق بجوفه ريحتـه كـل ما شـم
* وهذه الأبيات بالقهوة لشاعر فاتني ذكر أسمه كما أنني نسيت من رواها
لي وهي لرجل من عنزة ولا أدري لعلها لشاعـر من المعاصرين وهو
يسند على رجل اسمه حمود فيقول :
يا حمود قـم يالقـرم ولـع لـي النـار
يجـذب هـواشيل البـراري سنـاهـا
وأحضر من الماجود من بن وبهار
وحـذراك تحـرقـهـا وحـذرا نيـاهـا
وأحـزب من الـلي كلهم فيـك نـظـار
يـنقـدك عـفـن مـا بحياتـه شراهـا
درها على يمناك عن كشف الأسرار
مـن خوف شكت واحـدٍ في ولاها
وبعـده بهـا خـص العـوايـد إلـى دار
وأسق الظوامي لين تقطع ظماها
المد ما يقصر من الجود وأن سـار
والبخـل دلـوه مـا تجي فـي ملاهـا
اليـا خضعت النفس للضيف والجار
أحتسب لـلي معـتـلي فـي سمـاهـا