ودعتها وقبلت جبينها كما افعل كل مره عندما تنتهي الزيارة ودعتها هذه المرة وفي قلبي شعور مختلف شعور مرير يتراقص أمامي ويسخر مني قائلا قبلي جبينها ودعيها الآن فهذه آخر مرة سترينها فيها.
تسارعت أنفاسي متناغمة مع دقات قلبي تمنيت أن تطول تلك الزيارة إلى الأبد تصارعت أفكاري وأسئلة كثيرة بدأت تطرح نفسها أحسست بشعور العاجز شعور لم أشعر أبدا من قبل.
انظر إليها كانت كزهرة بدأت تذبل شيئا فشيء وأنا لم املك إلا أن أراقب في ألم مرير ذبولها واعجز عن فعل شيء حتى أن امنحها الماء.
غرقت في زوبعة أفكاري وأنا انظر إليها ودموعي تسابقني ونحيب قلبي المتواصل وسوداوية مشاعري تصارعت مع أمل قد لاح لي من بعيد ولدي أمنيه ذاهبة وهي تعرف أنها راحلة أمل منح قلبي المذعور مزيدا من النحيب وتلك الحقيقة المرة تظهر بين الحين والآخر وتسخر مني.
حتى انتصرت تلك الحقيقة وقد رحلت وتركتني في ذهول وعجز من نوع آخر لم يزل هناك أمل في أن تعود وهل ستعود؟!
أنا اقبع هناك يلفني السكون ويكللني السواد وعيون الجميع الدامعة تنتظر لحظة جنوني وأنا لازلت احلم بعودتها وأمنع عبراتي المتتالية واهرب من أجواء الحزن لأطرد أسراب الألم وأُلاحق ذاك الأمل المحال.
نهضت فجاءه وتوجهت نحو سريرها كما كنت افعل كل مساء وأوجه حديثي لوسادتها ولحافها اللذان تعلقت بهما بعد مرضها ظنًا مني أنهما سيعيدانها فهل فعلا ؟!
عيون الجميع ترقبني تنتظر لحظة جنوني التي كانت قد بدأت الآن حيث تسرب ذاك الأمل في أن تعود وبدأتُ في نحيب متواصل وأضع اللوم على نفسي وعلى الأطباء وعلى الجميع حتى تمنيت الموت وقتها.
قد رحلت الآن وظلت ملامحي ترسم الحزن الأليم على رحيلها وساعة كانت تزين معصمها لسنوات مديدة وتوقفت عن الدوران يوم مماتها توقفت مع توقف نبضها وفضلت الفناء على البقاء بعد رحيلها (الثامنة و14 دقيقه) هذا الوقت الأليم الذي ألومه هو أيضا على وفاتها. .. وكيف لا؟! فقد فقدنا أنا وهي الحنان والأمان ولن نجدهما بعدها
ساعتها التي احتفظ بها تحت وسادتي انظر إليها كل مساء ابحث في عقاربها عن حنانها ونبض حبها فأنا صغيرتها التي تعودت أن تنام بحضنها ولا تفكر بالغد أو المجهول حيث وجودها هو سعادتي وامني.
أطالع ساعتها كل مساء علي ألمحها أناديها حتى عييت من النداء فأجيبيني أرجوك يا أماه أتسمعين ندائي؟
يجيبني الصمت المؤلم وعقارب الساعة المحمومة ودقات قلبي المتسارعه فأتوسل إليها أن اصمتي دعيني أُصغي علي اسمعها فتسارعت غير عابئة بألمي بمطلبي وأدخلتني في صراع مرير مع الزمن زمن يأمرني بالنسيان وأرجوه بالعودة بالتوقف والابتعاد .. فهل يصغي ؟
أرسلت عيوني الدامعة في الظلمة حولي علي ألمح طيفها فعانقت أنظاري السواد والفراغ ولوعة تسكن جوانحي وساعة حائط تأبى التوقف وتتناغم مع رجفات قلبي.
فكيف حالي بعد رحيلك؟! وأي رحيل هو ذاك ؟!
رحيلك الذي بات أحاديث حزن أبت حتى أن ترويها عباراتي
فأي رحيل هو ذاك؟
أماه إن الحزن يكاد أن يغمرسماواتي...
وحنين بات يشكو من لهيب ينكأ جراحاتي..
وخيالا راح يحجب عن عيني رؤيتك فمن لي كي أخلدك..إني أعاني من حرمان ينتزع الدمع من عيني في مأتمي وفي ابتساماتي
يا نداءات ليس يرجع صداها أثمري عن شيء وأوصلي لها عباراتي قوليلها ما أطيب وصالها فلتعد لاحتضاني
فيتعثر ندائي على شفتي يحتضر ثم يحترق فتبلل دموعي الباردة رماده
أبتلعه بحرقة ليغص بي ويئن صارخاً : أوقفي النداء فهو لن يعيدها إلى الحياة فما من عودة.
نعم ما من عودة أظننت القدرة يومًا على إعادة الرماد إلى ما كان .
فأبحث عنها في ذاكرة قلبي .. هي موجودة هناك في لهفة .. ترجو مني نظرة تبعث فيها الأمان .. يهزني الشوق وتخونني الكلمات وصدى قلبي المبحوح يردد دائما.. أتسمعين ندائي أماه ؟؟!
هاهي أحزاني تتأرجح على أوتار الذكريات وحماماتي السوداء تثور على قيودها فأطلق سراحها لتفر هاربة من سجن أحداقي ناثرة في طريقها رماد دموعي ... دموع تنزف كل يوم .. تسرقني النور وتهديني العتمة لأتخبط فيها باحثة عن صدى صوتك الحنون الذاهب ودفء أحضانك الراحلة فأعود حينها إلى مملكة اليباب خالية الوفاض إلا من الخواء ومآقي تعاني الجفاف ومشاعر تفتقد الأمان وكلمة أعجز عن نطقها..
أماه
إن روحك تُبعث من جديد بين كلماتي
بإيماءتي
بخطاي
وبكائي
كم أود أن أكون معك الآن
من خلالك أنت يا قلمي
أكون أنا
وتكون هي معي
منها أُولد ثانية
من جديد
بوجودها
سيصبح لدنياي غاية
وحروفي سيشار لها بالبنان
هي الآن نبع هذا الألم
وقد كانت نبع الفرح
لم يزل لها اثر خالد بذاكرتي
كنغمة بائدة وشعاع بطيء ضئيل
جئت هنا ابحث عن لحن جميل
يخلدك من جديد
عن أصدقاء
عن قمر مكتمل
شمس بكامل نورها
وبحر واسع ثائر
وسماء تتلامع النجوم في أديمها
يتكاثف حزني ليمطر دمعا
وأصابع الغياب الباردة
توقظني دوما
أصوات الوداع تراتيل حزن
تتهادى في قلبي
لتبكي على شفاهي آيات الفقد
وأُمنية تعرف أنها راحلة
فأنفث سيجارة الليل الطويل
ليُخيل لي أنك هنا معي تشاركيني ترانيم الحزن
