< إدمان من نوع خاص >
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين
.
( مدخـل )
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : « من فوائد الذكر: أنه قوة القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته. وحضرتُ شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله ـ تعالى ـ إلى قريبٍ من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ الغداء سقطت قوتي. أو كلاماً قريباً من هذا. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكرٍ آخر، أو كلاماً هذا معناه »
.
قال الإمام أحمد :
( الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه . )
.
قال الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله : ( لو أحصيت معدّل الساعات التي كنت أطالع فيها لزادت على عشر في اليوم ... فلو جعلت لكل ساعة عشرين صفحة أقرأ من الكتب الدسمة نصفها ومن الكتب السهلة نصفها, لكان في كل يوم مئتا صفحة, أتنازل عن نصفها احتياطاً وهرباً من المبالغة وخوفاً من الكذب, وإن كنت لم أكذب ولم أقل إلا حقاً فهذه مئة صفحة في اليوم, فاحسبوا كم صفحة قرأت من يوم تعلمت النظر في الكتب وامتدت يدي إليها. سبعون سنة, في كل سنة اثنا عشر شهراً, في كل شهر ثلاثون يوماً, في كل يوم مئة صفحة... كنت ولا أزال اقرأ في كل علم: في التفسير, وفي الحديث وفي الفقه وفي التاريخ وفي الأدب: الأدب العربي , والأدب الفرنسي, وفي العلوم على تنوّعها وتعددها . )
انتهى
وقفة :
فيه هذه العجالة سأتحدث عن إدمان من نوع خاص ، لن أتحدث عن إدمان المخدرات المدمر للحياة و المال رغم أهمية معالجته ، كما أنني لن أتطرق إلى إدمان بعض العادات السيئة المدمرة للصحة أيضاً مثل التدخين و السهر غيرها .
و إنما سوف تكون وقفتنا مع النصوص الواردة في مدخل حديثنا و الخاصة بإدمان العادات الحسنة النافعة لنا في الدنيا و الآخرة و لو أردت أن أسهب و أضرب الأمثلة من السلف و الخلف عن مدى اهتمامهم بوقتهم بما ينفعهم لاحتجت إلى مجلدات و مجلدات و قد كانوا يحرصون على ما ينفعهم في أخراهم ثم دنياهم .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ==== إن التشبه بالكرام فلاح
أحبتي الأفاضل ما أجدرنا أن نتأمل أمثلة المبدعين من سلفنا و خلفنا و الذين كانوا يستغلون كل ثانية من وقتهم بالمفيد ، نحتاج إلى وقفة صادقة مع النفس و نبدأ بحصر العادات السيئة التي أدمناها ثم نبدأ مباشرة بتصحيح وضعنا و نستبدل تلك العادات السيئة بأخرى نافعة ، من يدمن سماع المعازف يستبدلها بسماع المواد النافعة و التي تضيف لنا علماً نافعاً و من يقضي وقته بقراءة ما هو غير مفيد يبدله بقراءة المفيد .
من يدمن الجلوس على الشبكة العنكبوتية بالساعات الطوال يبدأ أولاً بالقضاء على هذه العادة السيئة ثم يوجه تواجده في الشبكة العنكبوتية بما ينفعه و يضيف إليه لا أن يأخذ منه .
نتخلص من إدمان السفريات الخارجة عن الحاجة و إدمان الألعاب الإلكترونية و القائمة تطول و تطول و العاقل من يحاسب نفسه و يوجهها التوجيه السليم ليفيد نفسه ثم يفيد مجتمعه مما أكتسبه من العلم النافع في شتى المجالات و هذا لا يتأتى إلا بالمثابرة في طلب العلم سواء انتظاماً أو تعلمياً ذاتياً بالبحث و المطالعة و القراءة .
و الآن أحبتي لنتأمل و نتمعن في قول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية رحمهما الله في مدخل حديثنا حينما تحدث عن إحدى فوائد الذكر ثم تطرق إلى إدمان الشيخ ابن تيمية للجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر و بماذا كان يشغل نفسه إنه يشغل نفسه بغذاء الروح الذي هو أهم من أي غذاء آخر ، و ما أجمله من إدمان ، إدمان ذكر الله و ما أروعه من إدمان إنه يعطر اللسان و يزكي النفس و يطهر القلب و يجلب السعادة و الطمأنينة ، ثم لنقيس هذا على باقي العبادات التي نحتاج إلى إدمانها و لا أقصد العبادات المفروضة فهي واجبة و إنما أقصد النوافل مثل قيام الليل و السنن الرواتب و صيام التطوع و الصدقة و كل هذه الأعمال عندما ندمنها فإننا نحس بلذة لا تعادلها لذة كيف لا و هي غذاء الروح .
ثم تأتي مقولة الشيخ أحمد بن حنبل و الذي أوضح مدى حاجة الناس إلى العلم و المقصود به هنا العلم الشرعي و كم نحن بحاجة إلى إدمان طلب العلم .
ثم يأتي المثال الثالث الذي يشير إلى قراءة و مطالعة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله و هذه الجزئية ( أي القراءة ) تتحدث عن غذاء العقل و يدخل فيها أيضاً طلب العلم ، و قد كان الشيخ رحمه الله حريصاً على انتقاء ما يقرأ لينتفع و يترك ما يشوبه و قد ذكر ذلك الشيخ في ذكرياته فقال :
(( فانتبهوا - يا أيها القراء - لما تنظرون فيه من كتب ومجلات , وما تسمعونه من إذاعات ومحاضرات , وما تشاهدونه من مسلسلات ومسرحيات , ولا تظنوا أنّ أثر ذلك يذهب مع إكمال الكتاب أو انتهاء المحاضرة أو إسدال الستار على المسرحية .. بل إن بعضه يبقى ما بقيت الحياة !)) .
أقف هنا
و لعل في تدبرنا و تأملنا ووقفتنا هذه ما يفيدنا
و أترك لأحبتي ممن يقرأ الآن هذه السطور مشاركتي هذه الوقفة و أن تكون
وقفة مع النفس و نبدأ نعدل سلوكياتنا الخاطئة و إدماننا للعادات غير المفيدة
و نقرر البدء في التغيير و لا نريد أن نقرأ هذه السطور و نتحمس ثم نقف و إنما ننفذ التغيير الإيجابي الآن
و صلى الله وسلم على نبينا محمد و آله و صحبه الكرام
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته