الصلاة نور .. كيف؟؟!!
روى أبو هريرة } قال: "كان رجلان من بلي من قضاعة، أسلما مع رسول الله {، فاستشهد أحدهما وأُخرَّ الآخر سنة، فقال طلحة بن عبيدالله: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي {، فقال {: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، وكذا وكذا ركعة - صلاة سنة" (1).
يا ترى ما هذه الصلاة التي قدمت هذا البلوي على أخيه الشهيد؟ أهي صلاة شكلية ظاهرية أم غير ذلك؟ يقول رسول الله {: "إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" (2). وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها"(3).
نعم أيها الأحباب؛ هذه الصلاة هي التي أخبر عنها رسول الله { بأنها نور كما في الحديث الذي رواه أبو مالك الأشعري } قال: قال رسول الله {: "الطهور شطر الإيمان، والحمدلله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمدلله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور..."(4).
لكن كيف تكون الصلاة نوراً؟
يكون ذلك بأمور:
الأول: أن تكون موافقة لصلاة رسول الله { قدر الإمكان؛ لأن رسول الله { قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(5)، وفي حديث أبي أيوب } قال: قال رسول الله {: "من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من ذنبه"(6). وعند ذلك تشعر بحلاوة الاتباع لرسول الله { في كل دقيق وجليل من أمر الصلاة، وما أعظمها من حلاوة!!
الثاني: مراعاة الخشوع في الصلاة؛ لأن الله تعالى مدح الخاشعين بقوله: (قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)) {المؤمنون: 1، 2}، وتأمل في موقف رسول الله { من رجل صلى بلا خشوع فإنه التفت إليه وقال: "يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي فإنما يصلي لنفسه"(7).
ولكن كيف يحصل الخشوع؟
يكون ذلك بأمور كثيرة أهمها أمران:
1- ذكر الموت في الصلاة؛ وفي ذلك يقول رسول الله {: "اذكر الموت في صلاتك؛ فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لايظن أنه يصلي غيرها"(8).
2- تدبر معاني ما يقوله المصلي في صلاته، أو ما يسمعه من إمامه؛ فيستحضر المصلي معنى التكبير وهو يكبر، ويتفكر في معنى الاستعاذة، ويتأمل في البسملة، ويستمر على هذه الطريقة؛ ولذلك نجد رسول الله { يسمع له أزيز كأزيز المرجل من البكاء(9). وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أبا بكر رجل أسيف لا يكاد يسمع الناس من البكاء، وأما عمر رضي الله عنه فيسمع بكاؤه من أواخر الصفوف". وذلك لتأملهم وتدبرهم في ما يقولون في الصلاة.
الثالث: صلاتها جماعة في المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله { همَّ أن يحرق بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة في المسجد(10)، وما ذلك إلا لأنهم فوتوا أمراً من أعظم حِكَم الصلاة ألا وهو جمع المسلمين القريبين من المسجد خلف إمام واحد، في وقت واحد، ومكان واحد؛ فيحصل بسبب ذلك جمع كلمتهم، وقوة شوكتهم؛ ولذا جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله {: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر قيل: يا ابن عباس: ما العذر؟ قال: خوف أو مطر"(11) وعن علي } قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"(12) وقال ابن مسعود }: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق"(13).
أنوار الصلاة:
للصلاة أنوار عدة منها:
الأول: تكفيرها للسيئات، ومثلها كمثل رجل يغتسل كل يوم خمس مرات فيبقى في غاية النظافة، وهذا المثل ورد في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة } مرفوعاً وفي آخره "فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"(14) وعن أبي هريرة } قال: قال رسول الله {: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر"(15)، وفي حديث عظيم يرويه لنا ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا"(16).
وفي سبب نزول قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى" للذاكرين http://jmuslim.naseej.com/Images/Oblong.JPG114) {هود: 114} أن رجلاً استمتع بامرأة لا تحل له دون أن يجامعها فأتى رسول الله { نادماً فأنزل الله هذه الآية فقال: يارسول الله: ألي هذه؟ فقال رسول الله {: لمن عمل بها من أمتي" (17)، وعن عثمان } بعد أن ذكر صفة وضوء رسول الله { قال: "من توضاً نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"(18).
الثاني: من أنوارها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى" عن الفحشاء والمنكرhttp://jmuslim.naseej.com/Images/Oblong.JPG 45 ) {العنكبوت: 45} وقد جاء في الحديث أن رجلاً قال لرسول الله {: "إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق، فقال: سينهاه ما تقول أو قال: ستمنعه صلاته"(19)؛ وذلك لأن فيها صلاح القلب الذي به صلاح الأعضاء.
الثالث: من أنوارها أنها طريق إلى الجنة، وفي قصة عجيبة لطفل من أطفال الصحابة اسمه ربيعة بن كعب } أنه أحضر ذات مرة لرسول الله { وضوءه وحاجته فأراد رسول الله { أن يكافئه فقال له: سلني، فقال ربيعة: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال ربيعة: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود"(20)، ولا غرو في ذلك؛ فإن الصلاة أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله كما في حديث ابن مسعود } أنه سأل رسول الله {: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها.." متفق عليه.
الرابع: من أنوارها: أنها شكر لله تعالى على نعمه؛ ولذلك نجد أن رسول الله { يقوم حتى تتفطر قدماه فتقول له عائشة رضي الله عنها: تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال رسول الله {: "أفلا أكون عبداً شكوراً"(21). وكل مفصل في الإنسان يحتاج إلى شكر يومي؛ لحديث بريدة } قال: قال رسول الله {: "في الإنسان ستون وثمانمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة قالوا: فمن يطيق ذلك يارسول الله؟ قال: النخاعة تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك"(22).
متممات لنور الصلاة:
هناك متممات لنور الصلاة، وسبب الحاجة إليها أن من طبيعة أعمال البشر النقص؛ ولذا فلا بد أن يسد هذا النقص في صلاته بأمور منها:
1- أن يحرص على النوافل؛ فإنها تجبر النقص في الفرائض؛ لقول رسول الله {: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته؟ ثم الزكاة ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك"(23)، والأفضل أن يصليها في بيته؛ لقول رسول الله {: "صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(24)، بل جاء أنها تعدل فضل الفريضة على النافلة؛ كما في حديث صهيب بن النعمان } قال: قال رسول الله {: "فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة"(25).
2- أن يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام، لما ورد عن أنس } قال: قال رسول الله {: "من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق"(26).
3- أن يحرص على الصف الأول؛ لأنه خير صفوف الرجال؛ كما في قول رسول الله {: "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"(27)، وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله {: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"(28).
@ الهوامش:
1- رواه أحمد(145/6)، وابن حبان وزاد: "بينهما أبعد مما بين السماوات والأرض"، وحسنه المنذري في الترغيب (536) وقال الهيثمي في المجمع (37/1): رواه أحمد ورجاله ثقات.
2- رواه أحمد وأبو داود (796) وابن حبان (1889) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما وهو حديث حسن.
3- مجموع الفتاوى لابن تيمية (612/22).
4- رواه مسلم (223).
5- رواه البخاري (631) عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
6- رواه أحمد والنسائي (90/1) وابن ماجه (1396)، وابن حبان (1039) وسنده حسن.
7- رواه مسلم (423)، والنسائي (119/2)، وابن خزيمة (241/1)، عن أبي هريرة }.
8- رواه الطبراني وقال الألباني في صحيح الجامع: حسن، ونقل رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1421) عن السيوطي تحسين الحافظ ابن حجر لهذا الحديث.
9- كما عند النسائي (12/3) وأبي داود (904).
10- رواه البخاري (644) ومسلم(651).
11- رواه ابن ماجه (793) والدارقطني وابن حبان (2061) والحاكم(245/1) وإسناده صحيح.
12- رواه البيهقي في سننه (174/3) .
13- رواه مسلم (654).
14- رواه البخاري (528)، ومسلم (667).
15- رواه مسلم (233).
16- أخرجه الطبراني بسند حسن كما في صحيح الترغيب والترهيب (518) والمجمع (299/1).
17- رواه البخاري (148/2) ومسلم (79/17) .
18- رواه البخاري(1934) ومسلم (226).
19- رواه أحمد عن أبي هريرة } وصححه الألباني في الضعيفة 16/1 .
20- رواه مسلم (489).
21- رواه ابن حبان وقال الألباني في الصحيحه(67): سنده جيد.
22- رواه أحمد (354/5) وأبو داود (5242) بسند صحيح وفي مسلم (720) من حديث أبي ذر رضي الله عنه بمعناه.
23- رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود بسند حسن.
24- رواه البخاري (731) ومسلم (781).
25- رواه الطبراني والبيهقي وقال المنذري: وإسناده جيد إن شاء الله وحسنه السيوطي كما في فيض القدير (436/4).
26- رواه الترمذي (241) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
27- رواه مسلم (440).
28- رواه البخاري (615) ومسلم (437).
