اليوم المشهود للشيخ عبد الله بن محمد العسكر

أيها الإخوة أتحفكم بجزء من محاضرة (اليوم المشهود) للشيخ عبد الله بن محمد العسكر
وهذا رابط المحاضرة
http://www.soutiat.com/open.php?_wm_file=1659&_wm_action=open

( اليوم المشهود)
إنه يوم عظيم ، مجموع له الناس وذلك يوم مشهود .
قال تعالى : {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ{104} يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105} فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107} هود(104-107) , يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: " يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فتدنوا منهم الشمس[1] – تخيل معي أخي الكريم تخيلي أختي الكريمة حينما تدنوا الشمس على رؤوس الخلائق فيبلغ منهم الجهد والعرق والضنك شيء لا يعلمه إلا الله حفاة عراة _تقول عائشة لما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك : عراة يا رسول الله ، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ وا سوأتاه يا رسول الله, فقال صلى الله عليه وسلم _مبينا أن ذلك اليوم غير أيام الدنيا_ :" يا عائشة الأمر أجل من أن ينظر بعضهم إلى بعض "[2].
نعم إنه يوم القيامة {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }إبراهيم48.
إنه يوم عظيم "يوم يقوم الناس لرب العالمين ".
قال صلى الله عليه وسلم: " ليقف الناس في ذلك الموقف خمسين ألف سنة " [3].
يوم كمقدار خمسين ألف سنة فلما يبلغ منهم الجهد مبلغه والعرق مبلغه حتى روي بعض الآثار إن العاصي في ذلك الموقف من شدة ما يجد من الحر ومن الضنك يدعو ربه يقول : "ربي أرحني ولو إلى النار "[4] ولو إلى النار إنه لم يعرف ما هي النار، لم يرها بعد ، ولكن ما فيه من العذاب وما فيه من الحر الشديد يريد أن ينجو حتى ولو إلى النار أجارنا الله وإياكم منها .
عند ذلك يجتمع الناس بعضهم إلى بعض فيقولون انظروا من يشفع لنا عند ربنا ليخلصنا مما نحن فيه يريدون أن ينظروا أهم من أهل الجنة أم من أهل النار فيذهبون إلى آدم عليه السلام ويقولون : أنت أبو الأنبياء ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما حل بنا ؟ اشفع لنا عند ربك فيقول آدم الذي خلقه الله بيديه وأسكنه جنته يقول : نفسي نفسي لا أسألك ربي غير نفسي إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله اذهبوا إلى نوح . فيذهبون إلى نوح فيقول لهم مثل ذلك ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى وكل يقول : لا نفسي نفسي ربي لا أسألك غير نفسي .
فيقول لهم عيسى عليه الصلاة والسلام : اذهبوا إلى محمد نبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون إلى نبينا صلى الله عليه وسلم تأتي تلك الحشود العظيمة إلى رسول صلى الله عليه وسلم فيقولون يا محمد: ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما بلغنا ؟ اشفع لنا عند ربك فيقول عليه الصلاة والسلام : أنا لها ، أنا لها"[5] .
الله أكبر إنه المقام المحمود إنها كرامة هذا النبي عند الله جل وعلا قال صلى الله عليه وسلم :" فأخر تحت العرش ساجدا لربي عز وجل فيلهمني الله من المحامد والثناء عليه شيئا لم أعرفه من قبل ، ثم لا أزال ساجدا لله حتى يقال لي – ومن الذي يقول إنه الله جل وعلا - : يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع .
عند ذلك تخرج أول كلمة من فم رسولنا صلى الله عليه وسلم على ما كان يهمه في قلبه ، على الهم الذي عاشه طول حياته بل وحتى بعد مماته فيقول ربي : أمتي ، أمتي ، أمتي, ربي أسألك لأمتي .
أول من يبدأ بهم من الخلق فيقول الله :" يا محمد إنا لن نخزيك في أمتك أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء مع الناس في ما سوا ذلك من الأبواب"[6] .
ثم بعد ذلك ينزل الله تبارك وتعالى من عرشه في ظلل من الغمام والناس جثي على الركب وكل الأمم في مشهد مهيب وفي مشهد مروع مخيف ينتظرون ملك الملوك وجبار السموات والأراضين ينتظرون الله جل وعلا للفصل بين الحساب .
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً }طه108
عند ذلك يأمر الله بجهنم فتسحب {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى }الفجر23
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد إلى أرض المحشر لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ولو تركوها لأتت على كل بر و فاجر " [7] فإذا اقتربت وسحبت رأت من بعيد وقد جعل الله لها عينين تبصر بهما رأت العصاة والمجرمين رأت أولئك الفجرة {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً }الفرقان12, أجل إنها تتغيظ تتميز من الغيظ على أولئك العصاة .
عند ذلك تزفر زفرة عظيمة قال صلى الله عليه وسلم: " لا يبقى بعدها ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبته يقول : "اللهم سلم سلم "
ملك مقرب ، ونبي مرسل فكيف سيكون حال العصاة؟
كيف سيكون حينما نسمع تلك الزفرة ، والله الذي لا إله غيره لنسمعنها جميعا يوم القيامة .
بعد ذلك يأتي الموعد العظيم والساعة الفاصلة إنه الحساب فينادي الله عز وجل وتخيل نفسك أخي الكريم ، تخيلي نفسك أختي الكريمة في ذلك الموقف حينما ينادي الله عز وجل أحضروا فلان بن فلان ، أحضروا فلانة بنت فلان فيأتيك ملكان ويأخذانك من بين الناس من بين تلك الأمم العظيمة لا يخطئنك لا يذهبان يبحثان عنك يعرفانك جيدا فيأخذانك ليوقفاك أمام الذي عنت له الوجوه لتقف أمام رب عظيم فإن كان العبد من الصالحين وقف أمام الله جل وعلا وأعطاه الله صحيفته فقرأ أول ما يقرأ سيئاته التي فعلها في الدنيا فيخاف ويشفق وإذا به يجد في آخرها هذه سيئاتك وقد غفرها الله لك بل وقد عدلها الله لك حسنات .
أو عجبتم عباد الله أما سمعتم قول الرحيم الكريم {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان70.
فلا تسل عن فرحتك عندئذ حينما ترى سيئاتك التي كنت تخاف منها وإذا بها أصبحت جميعها حسنات بعد ذلك تقرأ حسناتك العظيمة سجلاتك البيضاء الناصعة تأتيك صلاتك, يأتيك قيامك لليل, تأتيك صدقتك, تأتيك دمعة كرأس الذباب ذرفتها خشية لله جل وعلا ستجدها في هذا الكتاب تجدها تثقل موازين حسناتك, تجد مسحة على رأس يتيم تجد صلة الأرحام تجد الدعاء تجد الاستغفار تجد تبسمك في وجه أخيك {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }الزلزلة7.
فإذا وجد العبد هذه الحسنات ازداد استبشاره وفرحه وثم أخذ بعد ذلك لتوضع تلك الحسنات والسيئات في الميزان, كفتان لهذا الميزان كفة للحسنات وأخرى للسيئات,
فإذا وضعت الحسنات رجحت على تلك السيئات عند ذلك يكون هنالك ملك موكل عند الميزان ليعلن النتيجة بين الخلائق أجمعين الله أكبر أي نتيجة تلك يقول الملك بعد أن ترجح الحسنات على السيئات يصيح بصوت يسمعه القاصي والداني ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا شقاء بعدها أبدا, فلا تسل أخي ولا تسلي أختي عن فرحتك في ذلك الوقت.
فتأخذ كتابك بيمينك فرحا مستبشرا تنطلق بين الخلائق مسرورا {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ }الحاقة19 , فيأتي الملائكة ذات اليمين وذات الشمال تحف به في موكب مهيب إلى أين ؟؟ إلى الدار التي طالما انتظرها وطالما اشتاق إليها إلى الدار التي طالما عفر جبهته في التراب يطلبها من ربه إلى الجنة .

هي جنة طابت وطاب نعيمها

من كل فاكهة بها زوجان


أنهارها تجري لهم من تحتها

محفوفة بالنخل والرمان


غرفاتها من لؤلؤ وزبرجد

أو فضة من خالص العقيان[8]

فيسير بين الخلائق وهم يغبطونه يرونه يساق إلى جنة عرضها السموات والأرض فإذا اقترب من باب الجنة وانفهق له بابها ثم أتاه من نسائمها وهبت في وجهه أطايب المسك.
عند ذلك يرى ولدانه مدى البصر يرى خدّامه، ويرى زوجاته من الحور العين يستقبلنه بالمعانقة والمصافحة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل المؤمن الجنة استقبلته زوجه من الحور العين بالمعانقة والمصافحة بأي بنان ستعاطيه لو أن بعض بنانها بدا لأضاء له المشرق والمغرب ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت المشرق والمغرب ريحا " [9].


[1] صحيح البخاري حديث رقم (3340) .

[2] صحيح مسلم حديث رقم (7377).

[3] بنحوه في مسند أحمد بن حنبل حديث رقم (5912) وصححه الأرناؤوط.

[4] المعجم الأوسط للطبراني (4579).


[5] صحيح البخاري حديث رقم (3340) .

[6] صحيح البخاري حديث رقم (4712).

[7] صحيح مسلم حديث رقم (7343).


[8] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم والأبيات له ص(7) .

[9] بنحوه عند الطبراني في المعجم الأوسط حديث رقم (8877)