الكاتب محمد على الهرفي
صحيفة عكاظ
أموال الناس المنهوبة.. من المسؤول عن إعادتها؟
لأنني أعتقد أن بعض الضمائر الميتة قد يكتب الله لها الحياة في رمضان فإني فضلت أن أكتب وأن أخاطب أولئك النفر في هذا الشهر لعل ضمائرهم تصحو فيعيدون للناس أموالهم التي نهبوها ظلما وعدوانا واستمتعوا بها على حساب أولئك الذين فقد بعضهم حياته وفقد البعض الآخر عقله أو جزءا من صحته أو أسرته أو غير ذلك من أنواع المآسي التي ضاقت بهؤلاء نتيجة فقدانهم أموالهم كلها وبصورة مفاجئة مما جعلهم يرزحون تحت وطأة الحاجة والمرض هم وأسرهم.
سأتحدث في هذا المقال وباختصار عن بعض صور نهب أموال الناس ولعل الفرصة تتاح لي لأتحدث عنها بالتفصيل في وقت آخر.
الصورة الأولى تتمثل في ظاهرة تشغيل الأموال، وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم بل يمتد تاريخها إلى عشرات السنين وظهرت في معظم مناطق المملكة وبصور متشابهة وبنتائج متماثلة غالبا هي سرقة أموال معظم الناس والفرار بها أو خضوع المشغلين للمحاكمة والسجن ولكن لا شيء ــ غالبا ــ يعود للناس إذ تبقى أموالهم في أيدي خاطفيها!!
الصحافة المحلية تحدثت عن هذا الموضوع كثيرا، فهناك من قام بهذا العمل في جدة والدمام وأبها والطائف وسواها، ولم تقصر الصحافة في تتبع هذه الظاهرة والحديث عنها بالتفصيل، ولكنه يبقى حديثا ولا شيء آخر نظرا لضعف الإجراءات التي لم تستطع أن تعيد للناس حقوقهم.
تحدثت الصحافة عن «الأجهوري» الذي سجن طويلا وهو يصر على عدم قدرته على الدفع، ثم خرج من سجنه ليرتب أموره مع من أخذ أموالهم، لكنه ــ وبحسب الصحافة ــ دفع جزءا قليلا وصدر معظم أمواله للخارج غير عابئ بكل الآخرين ولا بالتعهدات التي التزم بها.
وتحدثت الصحافة عن «جمعة الجمعة» في الدمام والذي أخذ أموال حوالى ثمانية آلاف شخص ولا تزال هذه الأموال في ذمته.. سجن فترة ثم خرج لتبدأ المحاكم في تناول قضيته، ولتستمر هذه المحاكمة التي لا يعرف متى تنتهي ولا كيف، ولكن مأساة الثمانية آلاف شخص لا تزال كما هي منذ سنوات طويلة وإلى اليوم، وتبقى النهاية مجهولة، وتبقى مآسي الناس كما هي.
بطبيعة الحال هناك آخرون على نفس الشاكلة ولكن الحال هي الحال والمآل هو نفس المآل.. والسؤال: من المسؤول عن هذه الحالة تحديدا؟؟، الذي أراه أن المواطن الذي دفع أمواله لهؤلاء مسؤول بصورة ما عن ضياع ماله، كما أن مدعي توظيف الأموال مسؤول بصورة أكبر، وكذلك الجهات الرقابية التي كان عليها أن توقف هؤلاء مباشرة وقبل أن يستفحل أمرهم لكنها لم تفعل إلا بعد «أن وقع الفاس في الراس» وأصبحت الحالة شبه ميؤوس من حلها.
أما الآن فهناك جهتان مسؤولتان عن إعادة الحقوق لأصحابها؛ الأولى: المحاكم التي تنظر في هذه القضايا، وللأسف فهذه المحاكم تتحرك مثل السلحفاة غير عابئين بظروف الناس مدعين قلة أعداد القضاة وتعقد الحالات وما إلى ذلك من الأعذار غير المقبولة أمام الحالات المأساوية التي يعيشها أصحاب الحقوق ولا يجدون أمامهم غير المحاكم التي ثبت أنها لم تتفاعل مع مشكلاتهم ونظرت إليها مثل أية قضية أخرى مع الاختلاف الكبير بين قضايا أناس ضاعت أموالهم وفقدوا صحتهم واستقرارهم وبين قضايا تختلف عن ذلك تماما.. والجهة الأخرى هم أولئك الذين استولوا على أموال الآخرين، وماطلوا في التسديد أو لايريدون التسديد أصلا مستحلين الحرام في أبشع صوره، فهؤلاء لو تخيلوا ــ ولو لدقائق ــ أنهم محل أولئك الذين دمروا حياتهم ربما تحركت ضمائرهم وأعادوا حقوق الناس لاسيما أن بعضهم يدعي قدرته على ذلك.
الصورة الثانية من صور نهب أموال الناس تتمثل في بعض المساهمات العقارية حيث يتم الإعلان عن مساهمة ما ولأكثر من شهر في معظم الصحف المحلية، وعندما يساهم الناس في هذه الأرض ويستلم المعلنون أموالهم يفاجؤون إما باختفاء أصحاب المساهمة واختفاء الأموال معهم ــ طبعا ــ وإما بأن جهة حكومية تعترض على المساهمة لأن الأرض فيها مشكلة ولا يجوز طرحها للاكتتاب!!
والعجب أن الإعلانات تتكرر وعلى مدى شهر تقريبا، ويكتب في الإعلانات أن جميع الجهات ذات العلاقة موافقة وتنشر أرقام وتواريخ الموافقات، فكان من واجب الجهة المعترضة أن تتحرك فورا لإيقاف المساهمة وإنقاذ الناس مما سيقعون فيه وليس الانتظار حتى «يقع الفاس في الراس»، ثم التحرك الذي يصب في مصلحة «الهامور» ويوقع المصائب على رؤوس «الربيان» الذي وقع ضحية تلاعب شخص وإهمال جهة حكومية.
ومرة أخرى ــ وللأسف أيضا ــ أن هذه الحالات المتكررة وفي معظم مناطق المملكة ولسنوات طويلة لا تزال مآسيها مستمرة وحتى الآن، ويتم التعامل مع هذه القضايا مثل التعامل مع القضايا التي أشرت إليها سابقا ويبقى الإنسان المسكين هو الضحية الذي يدفع الثمن وحده.. يدفعه من استقراره ومن صحته.. والمحاكم للأسف لا تعير هذه القضايا ذات الأهمية الخاصة أي اعتبار وكأنها إحدى القضايا العادية، ولهذا تبقى في أروقة المحاكم سنوات. ولست أدري لماذا يتم إهمال هذه القضايا الحساسة جدا إلى هذا الحد وكأن حياة الناس لا قيمة لها!!
الشيء الذي يحيرني ولا أجد له تفسيرا أن الغالبية العظمى من مشغلي الأموال ومن أصحاب المساهمات هم ممن يظهر عليهم ــ خارجيا ــ سمات المتدينين!!، أقول: لعلهم اتخذوا هذه السمات لكي يسهل عليهم اصطياد الفرائس تحت مظلة الدين و «لاحول ولا قوة إلا بالله».
أما حالات مصابي الأسهم فهي كثيرة ولا تطاق، ولعلي أتحدث عنها في مقال مستقل.
أخيرا.. أقول لمن تورط في أخذ أموال الناس: اتقوا الله في من ظلمتموهم طويلا.. أعيدوا لهم أموالهم.. اجعلوا من رمضان شهر توبة صادقة.
وأقول لكل قاض ينظر هذه القضايا: الناس في أمس الحاجة لأموالهم.. هناك أرامل وعجائز وأطفال لايجدون قوت يومهم.. هناك مرضى في أمس الحاجة للعلاج ولا يجدون ثمن الدواء.. قدروا مآسي الناس.. أنجزوا قضاياهم مهما كانت التكاليف فهذا يومكم والناس يتطلعون إلى مواقفكم فلا تخذلوهم.
يا قوم.. رمضان ليس شهر امتناع عن الطعام والشراب.. إنه شهر امتناع عن كل الموبقات.. إنه بداية إلى تعلم الحق والصدق في كل يوم وإلى نهاية الحياة، فهل تعقلون!!.
* أكاديمي وكاتب
