-
من بدر الي الحديبية
غزوة ذات الرقاع
(الشبكة الإسلامية)
بعدما كُسرت شوكة جناحين من الأحزاب : اليهود ، ومشركي مكة من قبل المسلمين ، بقي جناح ثالث : وهم الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد ، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين وقت وآخر .
فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم تأديبهم ، وإخماد نار شرهم ، ولما كانوا بدواً لا بلدة أو مدينة تجمعهم ، بات لا يجدي معهم سوى حملات التأديب والتخويف ، فكانت غزوة ذات الرقاع .
وجرت أحداث هذه الغزوة في السنة السابعة من الهجرة ، بعد خيبر، كما رجحه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
وبدأت حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم باجتماع قبائل : أنمار أو بني ثعلبة ، وبني محارب من غطفان ، فأسرع بالخروج إليهم بأربعمائة أو سبعمائة من الصحابة ، واستعمل على المدينة أبا ذر ، وقيل عثمان بن عفان ، وسار متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل ، ولقي جمعاً من غطفان ، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال ، إلا أنه صلى بالصحابة صلاة الخوف ، فعن جابر قال : (خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نخل ، فلقي جمعاً من غطفان ، فلم يكن قتال ، وأخاف الناس بعضهم بعضاً ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف )رواه البخاري .
وكان لكل ستة بعير يتعاقبون على ركوبه ، حتى تمزقت خفافهم ، ولفّوا على أرجلهم الخرق ؛ ولذلك سميت الغزوة بذات الرقاع ، ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال : (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه ، فنقبت أقدامنا ، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري ، وكنا نلف على أرجلنا الخرق ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع ؛ لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا) .
ومما صاحب هذه الغزوة قصة الأعرابي ، ففي البخاري ، عن جابر رضي الله عنه قال : (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال : تخافني ، قال : لا قال فمن يمنعك مني؟ قال: الله فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقيمت الصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ، وللقوم ركعتان ).
وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة ، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها ، بل استكانت حتى استسلمت ، وأسلمت ، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين .
وبهذا تم كسر أجنحة الأحزاب الثلاثة ، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة ، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام ونشر الخير.
الثلاثاء:01/07/2003
-
من تبوك الي الوفاة
حجة الوداع
(الشبكة الإسلامية)
بعد أن أتم النبي صلى الله عليه وسلم إبلاغ الرسالة ، وفُتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، فرض الله الحج على الناس وذلك في أواخر السنة التاسعة من الهجرة ، فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج ، وأعلن ذلك ، فتسامع الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الحج هذا العام ، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يحج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يأتم به ، فخرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة ، وانطلق بعد الظهر حتى بلغ ذي الحليفة ، فاغتسل لإحرامه وادهن وتطيب ، ولبس إزاره ورداءه ، وقلد بدنه ، ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما ، وواصل السير وهو يلبي ويقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) ، فلما قرب من مكة ، نزل بذي طوى ، وبات بها ليلة الأحد من اليوم الرابع من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل ، ودخل مكة نهاراً من أعلاها ، فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحل من إحرامه ، لأنه كان قارناً وقد ساق الهدي معه ، وأمر من لم يكن معه هدي من أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة ، فيطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يحلوا من إحرامهم ، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء .
وفي ضحى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة - وهو موضع بالقرب من عرفات وليس من عرفات - ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حتى نزل بنمرة ، ولما زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن وادي عرنة ، وقد اجتمع حوله الألوف من الناس ، فخطب الناس خطبة جامعة ذكر فيها أصول الإسلام ، وقواعد الدين ، وكان مما قاله -صلى الله عليه وسلم - : ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ).
ثم أذن المؤذن ثم أقام فصلى بالناس الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى موقف عرفات ، فاستقبل القبلة ، ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وهنالك أنزل عليه قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة 3) .
فلما غربت الشمس أفاض من عرفات، وأركب أسامة بن زيد خلفه ، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : ( أيها الناس عليكم السكينة ) ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم نام حتى أصبح ، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ، ثم ركب ، حتى أتى المشعر الحرام - وهو موضع بالمزدلفة - ، فاستقبل القبلة ، ودعا الله وكبره وهلله ووحده ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر الصبح وانتشر ضوء ه ، ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس ، وهو يلبي ولا يقطع التلبية ، وأمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات ، فلما وصل إلى منى رمى جمرة العقبة راكباً بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة .
ثم خطب الناس خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر وفضله عند الله وحرمة مكة على غيرها ، وأمرهم بالسمع والطاعة ، وأن يأخذوا عنه مناسكهم ، ويبلغوا عنه ، ونهاهم أن يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض .
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم أمر علياً أن ينحر ما بقي من المائة .
فلما أكمل - صلى الله عليه وسلم - نحر الهدي استدعى الحلاق فحلق رأسه ، وقسم شعره بين من حوله من الناس .
ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة راكباً ، وطاف بالبيت طواف الإفاضة ، وصلى بمكة الظهر ، ثم رجع إلى منى في نفس اليوم ، فبات بها ، فلما أصبح انتظر زوال الشمس ، فلما زالت ودخل وقت الظهر أتى الجمرات ، فبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ، يرمي كل جمرة بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، وفعل ذلك في بقية أيام التشريق ، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام التشريق بمنى يؤدي المناسك ، ويعلم الشرائع ، ويذكر الله ، ويقيم التوحيد ، ويمحو معالم الشرك .
وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، نفر النبي صلى الله عليه وسلم من منى ، فنزل بخيف بني كنانة من الأبطح ، وأقام هناك بقية يومه وليلته ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ونام نومة خفيفة ، وبعدها ركب إلى البيت ، فطاف به طواف الوداع ، ثم توجه راجعاً إلى المدينة .
وهكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه ، بعد أن بين للمسلمين مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم ، وما حرم عليهم ، فكانت حجة البلاغ ، وحجة الإسلام ، وحجة الوداع ، ولم يمكث بعدها أشهرا ًحتى وافاه الأجل ، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
الإثنين :03/02/2003
-
من تبوك الي الوفاة
تأملات في خطبة الوداع
(الشبكة الإسلامية)
كان تعليم مناسك الحج وأحكامه من آخر ما علمه صلى الله عليه وسلم أمته، بعد أن بلَّغ ما أُنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه؛ وقد فُرضت شعيرة الحج في السنة التاسعة من الهجرة، قُبيل مغادرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الدنيا لِيلحق بالرفيق الأعلى.
وكان من مقاصد تشريع هذه الفريضة غسل ما عَلِقَ بها من أدران، وما خالطها من أوهام، لإعادتها نقية صافية تشع بنور التوحيد، ولتقوم على أساس العبودية للواحد القهار، ونبذ كل ما سواه من آلهة وأوثان.
لقد كانت خطبة الوداع - التي تخللت شعائر الحج - لقاءً بين أمة ورسولها؛ كان لقاء توصية ووداع. توصيةَ رسول لأمته، لخص لهم فيه أحكام دينهم ومقاصده الأساسية في كلمة جامعة مانعة، خاطب بها صحابته والأجيال من بعدهم، بل خاطب البشرية عامة، بعد أن أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح للأمة في أمر دينها ودنيها.
وكانت الخطبة كذلك لقاءَ وداعِ رسول لأمته، وداعاً لهذه الدار الفانية إلى دار باقية، لا نَصَبَ فيها ولا تعب.
ما أروعها من ساعة تلك التي اجتمع فيها من أرسله الله رحمة للعالمين مع الجموع المؤلفة خاشعين متضرعين، وكلهم آذان صاغية لكلمات الوداع وكلمات من لا ينطق عن الهوى {إن هو إلا وحي يوحى}(النجم:4) كلمات تجد صداها عند كل من يستمع لها، لأنها تخرج من القلب إلى القلب.
لقد أنصتتِ الدنيا بأسرها - بلسان حالها ومقالها - لتسمع كلام أصدق القائلين وهو يقول: ( أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ).
لقد أنصتت الدنيا بأسرها - بلسان حالها ومقالها - لتسمع قوله صلى الله عليه وسلم وهو يُلخص لأمته - بل للبشرية جمعاء - مبادئ الرحمة والإنسانية، ويرسي لها دعائم السلم والسلام، ويقيم فيها أواصر المحبة والأخوة، ويغرس بأرضها روح التراحم والتعاون؛ وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم - بما أطلعه الله عليه - أنه سيأتي على الناس حين من الدهر يودِّعون فيه هذه المبادئ، ويلقونها ورائهم ظهريًا، ويسيرون في عالم تسود فيه معايير القوة والظلم - ظلم الإنسان لأخيه الإنسان - ويُقدم فيه كل ما هو مادي على ما هو إنساني.
أما ما تضمنته خطبة الوداع من مبادئ وتوصيات، فنقف عند بعضٍ منها، فيما تبقَّى من هذه السطور:
المبدأ الأول حرمة سفك الدماء بغير حق، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: ( أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا..) فأين أمة الإسلام اليوم من تطبيق هذا المبدأ، وقد أخذ بعضها برقاب بعض، وتسلط القوي فيها على الضعيف، وآل أمرها إلى ما هو غير خاف على أحد، حتى أضحت في موقع لا تحسد عليه.
وقد كرر عليه الصلاة والسلام هذه الوصية في خاتمة خطبته - كما ذكر ابن هشام في سيرته - مؤكدًا ضرورة الاهتمام بها بقوله: ( تعلَمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين أخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب منه، فلا تظلمن أنفسكم..) .
المبدأ الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، دماء الجاهلية موضوعة...وربا الجاهلية موضوع..) وهذا نص واضح، وتصريح صارخ أن كل ما كان عليه أمر الجاهلية قد بَطَل، ولم يبقَ له أي اعتبار، بل هو جيفة منتة، لا يمكن أن ينهض بأمة، بَلْهَ أن يبني حضارة تكون هدى للبشرية، بل هو إلى الهدم والخراب أقرب.
وثالث المبادئ في خطبته صلى الله عليه وسلم وصيته بالنساء خيرًا ( واستوصوا بالنساء خيرًا) ما أروعها من وصية، وما أحرى بالإنسانية اليوم أن تلتزم بها وتهتدي بهديها، بعد أن أذاقت المرأة أشد العذاب - تحت مسمى حرية المرأة - ودفعت بها إلى مهاوي الذل والرذيلة، وجردتها من كل معاني الكرامة والشرف، تحت شعارات مزيفة، لا تمت إلى الحقيقة في شيء.
لقد جهل أصحاب تلك الشعارات بل تجاهلوا الفرق بين كرامة المرأة وحقوقها الطبيعية التي كفلها لها شرع الله، وما نادوا به من شعارات تطالب بحرية المرأة، وهي عند التحقيق والتدقيق دعوة لاستباحة الوسائل المختلفة للتمتع بالمرأة والتلهي بها.
إن المرأة اليوم - كما لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة - تنجرف مع تيار كاسح يكاد يختزل المرأة وقيمتها ووظيفتها في الجسد المزوَّق، والمظهر المنمَّق، المعروض في كل مكان، والمبذول لكل راغب ومريد!!
أما المبدأ الرابع فكان وصيته عليه الصلاة والسلام لأمته التمسك بكتاب ربها والاعتصام به، مبينًا أنه سبيل العزة والنجاح ( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله ) صدقت يا رسول لقد ضمنتَ لأمتك الأمان من كل شقاء وضلال إذا هي تمسكت بهدي هذا الكتاب. وهل وصلت أمة الإسلام إلى ما وصلت إليه إلا بهجر كتاب ربها وترك منهج نبيها، ولا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
كم هي البشرية اليوم بحاجة ماسَّة - بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه - إلى مراجعة نفسها وتدارك أمرها والاهتداء بهدي من أرسله الله رحمة للعالمين، فهل تفيء البشرية إلى رشدها أم تبقى في غيِّها لا تلوي على أحد، ولا تُقيم وزنًا لدين أو خلق. وفقنا الله لصالح القول العمل، وختم لنا بالحسنى، والحمد لله رب العالمين.
الأحد :17/11/2002
-
من تبوك الي الوفاة
غزوة تبوك
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
إن القتال الذي شرعه الله تعالى، وخاض معاركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، لهو أشرف أنواع الجهاد، فقد كان فريضة لحماية الحق، ورد المظالم، وقمع العدوان، وكسر الجبابرة، ومن ذلك غزوة تبوك والتي سنقف على تفصيلها في هذا المقال:
تعتبر هذه الغزوة التي وقعت في رجب من صيف عام تسع للهجرة - استجابة طبيعية لفريضة الجهاد , فالروم أقرب الناس إلى جزيرة العرب , فقد قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار , وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أن الله مع المتقين }( التوبة 123) .
وقد قضى الإسلام على الوثنية في شبه جزيرة العرب , وبقيت أمامه المجوسية في بلاد فارس والنصرانية في بلاد الشام . وتبوك تقع شمال الحجاز وتبعد عن المدينة 778 كيلا حسب الطريق المعبدة حالياً.
وقد سميت غزوة "العسرة" أيضاً لما كان أصاب المسلمين من الضيق الاقتصادي وقتها .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة , فسارع أغنياء الصحابة وفقراءهم الى تقديم الأموال , وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه أكثرهم انفاقاً على جيش العسرة فوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة .
وكان عدد الجيش ثلاثين ألفاً , وحاول المنافقون تثبيط الناس عن الخروج , وكان الحر شديداً , وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار , فكان المنافقون يستغلون ذلك لإشاعة التخاذل . كما كانوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف مبدين الأعذار الكاذبة .
وقد ابتنى المنافقون مسجداً قبيل الخروج إلى تبوك , ليجتمعوا فيه مكايدةً للمسلمين , وقد طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه , فنهاه الله تعالى عن ذلك وسمّاه مسجداً "ضراراً" .
وقد تخلف معظم المنافقين عن الغزوة , ومضى بعضهم مع الجيش يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف . ولم يتخلف من الصحابة إلا عدداً يسيراً من ذوي الأعذار سوى ثلاثة لم يكن لهم عذر . ونظراً لبعد الشقة وكثرة الأعداء فقد كشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجهته للمسلمين , ليستعدوا لذلك خلافاً لنهجه في الحروب فانه لا يعلن وجهته حتى لا يصل الخبر الى عدوه فيأخذون أهبتهم ..
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب أن يخلفه في أهله , فقال علي : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى , غير أنه لا نبيّ بعدي " .
وهكذا شأن أصحاب العقيدة , لا يفرحون بالثمار والظلال , بل يؤثرون الحر والظمأ والجوع في سبيل الله , فهي غنيمتهم التي يدّخرونها لآخرتهم .
قالأبو خيثمة الأنصاري : " تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدخلت حائطاً , فرأيت عريشاً قد رش بالماء , ورأيت زوجتي , فقلت : ما هذا بانصاب , رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم , فقمت إلى ناضحٍ لي وتمرات فخرجت , فلما طلعت على العسكر فرآني الناس , قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كن أبا خيثمة ". فجئت , فدعا لي . وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم المرض أو العجز عن النفقة عن الخروج الى حد البكاء شوقاً للجهاد , وتحرجاً عن القعود حتى نزل فيهم قرآن { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج }رواه البخاري .
ولما بلغ المسلمون تبوك أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء الأعظم للصديق رضي الله عنه , وحملت كل قبيلة الرايات والألوية . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد مع عدد من الصحابة الى دومة الجندل فأسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي , وفتح الدومة , وحاز غنائم عظيمة . ولم يقع قتال في هذه الغزوة سوى فتح الدومة , إذ لم يلق المسلمون جموع الروم والقبائل العربية المنتصرة , وآثر حكام المدن الشمالية الصلح على أن يدفعوا الجزية .
وفي طريق العودة من تبوك الى المدينة , مر المسلمون بالحجر في ديار ثمود وهم الذين امتحنوا بالناقة فنحروها , فأخذتهم الصيحة لعصيانهم . وقد سارع الناس الى دخول بيوت الحجر , فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم , أن يصيبكم ما أصابهم , الا أن تكونوا باكين " ، ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه واسرع السير حتى أجاز الوادي , كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه , وأن يعلفوا إبلهم ما عجنوه من عجين بمائها.
ولما اقترب الجيش من المدينة خرج الصبيان الى ثنية الوداع يتلقونه , ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , فصلّى في مسجده ركعتين , ثم جلس للناس , وجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار , فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله , وجاء كعب بن مالك , وقد سبقه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع , وقد أقر الثلاثة بأنه لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة .ولم يرضوا أن يضيفوا إلى ذنب التخلف ذنباً جديداً هو الكذب , فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام مع الثلاثة , فاجتنبهم الناس خمسين ليلةً , وأمرت نساؤهم باعتزالهم , فذهبن عند أهلهن إلا زوجة هلال إذ كان شيخاً كبيراً , فبقيت لخدمته فقط بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد ضاقت بهم الدنيا , وحاول ملك الغساسنة استغلال الموقف فراسل كعب بن مالك ليلحق به , لكن كعباً أحرق الرسالة وذكر إنها زيادة في امتحانه .
واستمرت المقاطعة حتى تاب الله عليهم بنزول الآية { وعلى الثلاثة الذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم }( التوبة 118) .
لقد حققت هذه الغزوة أهدافها بتوطيد سلطان الإسلام في الأقسام الشمالية من شبه الجزيرة العربية . وكانت تمهيداً لفتوح بلاد الشام.
السبت :07/09/2002
-
خصوصيات الرسول
جملة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
في وقفة سابقة تحدثنا عما خصَّ الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من خصائص ، وأيده به من معجزات لا يرقى إليها أحد من الأنبياء فضلاً عن بقية البشر ، وأشرنا أيضاً إلى أن خصائصه صلى الله عليه وسلم متعددة ومتنوعة ، منها ما يكون في الدنيا ، ومنها ما يكون في الآخرة ، ونحن من خلال هذا المقال نواصل الحديث عن تلك الخصائص لعلنا نزداد حباً لنبينا واتباعاًله ، عسى أن يشملنا قوله تعالى:{ وإن تطيعوه تهتدوا }(النور:54) ، وقوله تعالى : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } (غافر :51) .
فمن خصائصه - صلى الله عليه وسلم- غير ما ذكرنا أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، ففي الحديث ( فأكون أول من تنشق عنه الأرض )رواه البخاري.
ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم- أنه أكثر الناس تبعاً يوم القيامة ، فعن أنس بن مالكرضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ) رواه مسلم .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة ، قال : فكبرنا ، قال : أرجو أن يكونوا ثلث أهل الجنة ، قال : فكبرنا ،قال : أرجو أن تكونوا الشطر ) ، رواه الإمام أحمد ، وصححه شعيب الأرنؤوط .
ثم إنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ، وهو سيد ولد آدم ، وبيده لواء الحمد ، كما صح في حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ ، آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر )رواه الترمذي ، وقال :حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني .
ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم- أنه أول من يفتح له باب الجنة فيدخلها ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وأنا أول من يقرع باب الجنة ) رواه مسلم .
وهو صلى الله عليه وسلم أول من يشفع ، ويشفّع في الجنة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعا ) رواه مسلم.
تلك هي بعض خصائصه -صلى الله عليه وسلم- التي اختصه الله بها دون غيره من الأنبياء ، ذكرناها على وجه الإجمال لتكون على بينة من أمرها ، ونحيل تفصيل القول فيها إلى شراح الحديث . وفقنا الله جميعاً لمعرفة قدر هذا النبي ، ومكانته التي أكرمه الله بها بين خلقه ، وألهمنا سبحانه الاقتداء بـهديه ، والسير على نهجه ، ففي ذلك الفلاح والنجاح{وإن تطيعوه تهتدوا}(النور :54) والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:07/07/2004
-
خصوصيات الرسول
أسماؤه - صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
في الأمثال يقولون: الاسم دال على المسمى، ويقولون أيضاً: لكل شخص من اسمه نصيب. وكثرة الأسماء في معهود العرب تدل على شرف المسمى، وعلو مكانته، والعرب من عادتها إطلاق الأسماء الكثيرة على كل من كان ذا شأن عظيم ومنزلة رفيعة..واختيار الأسماء من الأمور التي اهتم بها الإسلام وندب إليها..
وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله بها واختصه بها عمن سواه، تلك الأسماء العديدة، والصفات الحميدة، ذات المعاني الفريدة، فكانت أسمائه صلى الله عليه وسلم دالة كل الدلالة على معانيها، ومتجسدة حقيقة في سلوكه وشؤونه... فمن أسمائه صلى الله عليه وسلم :
01 محمد : وهو أشهرها، قد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (الفتح:29)، وبه سُمّيَ في التوراة صريحاً كما ذكره ابن القيم في: جلاء الإفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام.
02 أحمد : وهو الاسم الذي سمّاه بهِ المسيح، وجاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } (الصف:6).
والفرق بين محمد وأحمد من وجهين:
الوجه الأول : أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه ، وأحمد تفضيل من الحمد يدل على أنه الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره ، فمحمد زيادة حمد في الكمية وأحمد زيادة في الكيفية ، فيُحمد صلى الله عليه وسلم أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر 0
والوجه الثاني : أن محمداً هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدلَّ أحد الاسمين وهو محمد على كونه محموداً ودل الاسم الثاني وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه .
03 الحاشر : وهو الذي يحشر الناس على قدمه، فكأنه بُعِثَ ليحشر الناس 0
04 الماحي : وهو الذي محا الله به الكفر 0
05 العاقب : وهو الذي يَخْـلُفُ من كان قبله فـي الـخَيْرِ، وهو قد عقب الأنبياء، وكان آخرهم عليهم الصلاة والسلام. وقد جاء الحديث الصحيح على تلك الأسماء الخمسة، فعن جبير بن مطعم قال : سمّي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء فقال : ( أنا محمد وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يُحشَرُ الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي ) رواه البخاري و مسلم .
06 المتوكل : وهو الذي يتوكل على ربه في كل حالة، وفي البخاري عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة...
07 نبي التوبة : وهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض.
08 نبي الرحمة : فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) رواه مسلم .
09 نبي الملاحم : وهو الذي بعث بجهاد أعداء الله، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: ( بينما أنا أمشي في طريق المدينة قال : إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى، فسمعته يقول: أنا محمد، وأنا أحمد، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، والحاشر، والمقفى، ونبي الملاحم ) رواه أحمد 0
010 الرؤوف الرحيم: قال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } (التوبة:128)، وعن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر، الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، الذي ليس بعده أحد، وقد سماه الله رؤفا رحيما ) رواه مسلم .
011 الفاتح : وهو الذي فتح الله بهِ باب الهدى، وفتح بهِ الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف، وفتح الله بهِ أمصار الكفار وأبواب الجنة وطرق العلم والعمل الصالح.
ويلحق بهذه الأسماء :
سيد ولد آدم : فقد روى مسلم في صحيحه أنه قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ) 0
الضحوك القتّال : وهما اسمان مزدوجان لايفرد أحدهما عن الآخر فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس ولا مقطب ، ولا غضوب ، ولا فظ ، قتّال لأعداء الله ، لا تأخذه فيهم لومة لائم، وقد ورد هذان الاسمان في التوراة على ما ذكره ابن القيم وغيره0
وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان :
النوع الأول : خاص به لا يشاركه فيه أحد غيره من الرسل كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة 0
والنوع الثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كماله فهو مختص منه بأكمل الأوصاف، كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ، ونبي الرحمة ونبي التوبة.
كنيتـــه :
كان صلى الله عليه وسلم يكنّى أبا القاسم بولده القاسم وكان أكبر أولاده 0
فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( سمّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ) رواه البخاري 0
هذا هو النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وتلك هي بعض أسمائه الطيبة الحسنة، الدالة على معانيها العظيمة الرائعة، فهو صلى الله عليه وسلم عظيم مكرم في أسمائه وصفاته وخلقه وكل شمائله، فهل يعي ذلك أتباعه، ويتدبر الأمر أعداؤه وحساده.
الأربعاء:05/05/2004
-
خصوصيات الرسول
الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
من جملة خصائصه صلى الله عليه وسلم، تخصيصه بالصلاة والسلام عليه, فلا يجوز أن تُتخذ شعاراً دائماً إلا له صلى الله عليه وسلم.
ومعنى صلاة الله تعالى على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما ثبت ذلك عن أبي العالية رحمه الله، قال : "صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء".
والسلام معناه طلب السلامة من الآفات، فهذه الصيغة فيها سؤال الله تعالى أن يحقق الخيرات لنبيه صلى الله عليه وسلم بالثناء عليه في الملأ الأعلى وإزالة الآفات والسلامة منها.
أما المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي فهي :
1- تشهد الصلاة ، لما ورد في "صحيح ابن حبان" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا ثم دعاه فقال له: ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء ) رواه أحمد و أبو داود و الترمذي وصححه الحاكم و الترمذي و ابن حبان .
2- عند ذكره وسماع اسمه ، أو كتابته، وعند الأذان : لقوله صلى الله عليه وسلم ( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ) رواه أحمد و الترمذي .
3- يوم الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟- أي بليت- قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام ) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن.
4- عند دخول المسجد : فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي، وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
5 - في مقدمات الرسائل ، وما يكتب بعد البسملة والحمد.
6- بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة، لما روى مسلم في صحيحه : من حديث عبد الله بن عمرو ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) .
7- ومن المواطن أيضاً إضافة إلى ما سبق: الصلاة عليه في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، وفي الخطب : كخطبة الجمعة ، والعيدين ، والاستسقاء ، وغيرها.
أما كيفية الصلاة عليه والتسليم : فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية، إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله، قد عَلِمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) متفق عليه.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى صيغ الصلوات الإبراهيمية هو الأكمل، ويجوز أن نقول اللهم صل على محمد، أو صلى الله على محمد ونحو ذلك.
أما فضل الصلاة والسلام عليه فعن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) رواه مسلم .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ) رواه الإمام أحمد و النسائي .
فاللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
الخميس :19/02/2004
-
زواجه صلى الله عليه وسلم وزوجاته
(الشبكة الإسلامية)
هذه وقفة من الوقفات نواصل فيها الحديث عن بعض خصائص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، تلك الخصائص التي ميزه الله بها على غيره من البشر ، مما يظهر علو قدره ، وارتفاع مكانته .
فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم ، أنه أبيح له الزواج بأكثر من أربع ، وذلك أنه معصوم من الجور الذي قد يقع فيه غيره في جانب النساء ، إضافة لما في زواجه بأكثر من أربع من مصالح عامة ، والتي منها : نشر الدعوة الإسلامية ، ونقل سيرته الخاصة عن طريق زوجاته ، والارتباط بعدد من القبائل ورجالها بالمصاهرة مما يعطي الدعوة قوة ومنعة .
وقد بلغت زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل بهنّ إحدى عشرة امرأة ، كما ذكر ابن حجر في "فتح الباري" وابن القيم في "زاد المعاد" .
فكانت أولاهنّ خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها ، وقد كانت له سنداً في بداية تبليغه رسالة ربه . وقد ثبت في الصحيحين أنها خير نساء زمانها ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال فيها : (ما أبدلني الله خيراً منها).
ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة القرشية ، وهي التي وهبت يومها لعائشة .
ثم تزوج بعدها أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وكانت من أحب زوجاته إليه ، ولم يتزوج بكراً سواها .
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب.
ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .
ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية ، واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة ، وهي آخر نسائه موتاً وقيل آخرهن موتا صفية .
ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة -وهي ابنة عمته أميمة - وهي التي نزل القرآن بحقها في قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) ، وكانت أولا عند زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبناه ، فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته في نكاح أزواج من تبنوهم ، وكانت تفاخر بذلك الزواج فتقول : " زوجني الله من رسوله وزوجكن آباؤكن وأقاربكن" ، وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وتزوج صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بني المصطلق ، فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها .
ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية.
وتزوج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من ولد هارون ابن عمران أخي موسى ، فهي ابنة نبي وزوجة نبي وكانت من أجمل النساء .
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهي آخر من تزوج بهن .
وقيل : من أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية وقيل القرظية سبيت يوم بني قريظة فكانت من نصيب رسول الله فأعتقها وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها.
ومما خصه الله به ، أن نساءه اللاتي دخل بهن ، يحرم على غيره الزواج منهن ، قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً } (الأحزاب:53) ، وقد أجمع العلماء قاطبة على حرمة الزواج ممن توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، ولأنهن أمهات المؤمنين .
ونقل ابن القيم في زاد المعاد عدم الخلاف في أنه صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع زوجات : عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية .
وقد كان يَقْسم بين ثمانٍ منهن ، حيث إن سودة وهبت يومها لعائشة ، رضي الله عنهن جميعاً .
فصلى الله وسلم على نبينا محمد ، صاحب الخصال الحميدة ، والفضائل المجيدة ، والخصائص الفريدة ، ورضي الله عن زوجاته أمهات المؤمنين ، اللاتي أكرمهن الله بالاقتران بخير الناس أجمعين ، وجمعنا الله بهم في دار النعيم.
الأربعاء:16/04/
-
من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
اختصَّ الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بخصائص لم تكن لأحد من الخلق قبله ولا بعده. ولا عجب في ذلك، فهو أكرم مخلوق على الله سبحانه، وهو خير نبي أرسله، وللعالمين أجمعين بعثه.
وذكر خصوصياته صلى الله عليه وسلم لا يحيط بها كتاب، فضلاً أن يستوعبها مقال، وحسبنا في مقامنا هذا أن نقف عند بعض خصوصياته التي وردت في الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد قبلي، نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت ليَ الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) رواه البخاري ومسلم.
فمما اُختص به نبي هذه الأمة نصرته بالرعب مسيرة شهر، وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، فهو منصور حتى لو كان وحده من غير رجال أو عتاد. وهل هذه الخاصية حاصلة لأمته من بعده؟ قال ابن حجر: فيه احتمال. ويُرجِّح هذا الاحتمال، كون معظم الخصائص التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كانت عامة له ولأمته.
وخُص عليه الصلاة والسلام أيضاً بجعل الأرض له مسجداً وطهوراً، وهذه الخاصية ثابتة لأمته من بعده أيضاً بنص الحديث، فكل مسلم أدركته الصلاة يصلي في المكان الذي هو فيه، وهذا خلاف ما عليه الشرائع الأخرى، حيث لا تؤدى العبادات فيها إلا في أماكن مخصوصة، لا تجوز في غيرها.
ومن خصوصياته عليه الصلاة والسلام إحلال الغنائم له، ولم تكن أُحلِّت لأحد من قبله، حيث كانت الغنائم تُجمع ثم تحرق، أو تجمع وتترك إلى أن تأتيَ نار من السماء فتأكلها، فأحلَّها الله إكراماً لخير أنبيائه، وجعل هذه الخاصية شاملة لأمته من بعده، تبعاً له صلى الله عليه وسلم.
ومن جملة ما اختص الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى، حيث يشفع في الخلائق ليريحهم من هول الموقف وطول الوقوف؛ انتظاراً للحساب يوم القيامة، بعد أن يعتذر جميع الأنبياء عن ذلك. والشفاعة العظمى - وهي المقام المحمود - ثبتت له خاصَّة - عليه الصلاة والسلام - في أحاديث عدة، بلغت مبلغ التواتر، نقتطف منها حديثاً واحداً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع ) رواه مسلم.
والشفاعة - كما ذكر العلماء - أنواع، فمنها الشفاعة في الخلاص من هول الموقف يوم القيامة، ومنها الشفاعة في قوم يدخلون الجنة بغير حساب، ومنها الشفاعة في رفع الدرجات، ومنها الشفاعة في إخراج قوم من النار، وكل هذا وردت فيه أدلة ليس هذا مكان ذكرها.
يُضاف إلى خصوصياته - غير ما تقدم - أن دعوته صلى الله عليه وسلم كانت دعوة للناس كافة، بينما كانت دعوة من قبله من الرسل لأقوامهم خاصة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ}(سـبأ:28) وفي رواية لمسلم:(وبعثت إلى كل أحمر وأسود) وفي رواية أخرى له: (وأرسلت إلى الخلق كافة).
ولو تأملنا في هذه الخصائص النبوية الخمس، التي أتينا على ذكرها، لوجدناها تتفق تمام الاتفاق مع هذه الشريعة المباركة - شريعة الإسلام - التي جاء بها رسولنا الكريم، فهي الرسالة الخالدة، والرسالة العامة للناس كافة، وهي الرسالة الوسط، فلا إفراط فيها ولا تفريط، وهي الرسالة الشاهدة على الناس أجمعين يوم القيامة.
هذا ما يسَّره الله لنا من ذكر بعض خصائصه صلى الله عليه وسلم، كما وردت في هذا الحديث، ولا تظن - أخي الكريم - أن خصائصه صلى الله عليه وسلم محصورة في هذه الخمس، بل إن وراء ذلك خصائص أُخر، عدَّ منها ابن حجر نحو سبع عشرة خصلة اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، يمكن الرجوع في معرفتها إلى كتب السيرة النبوية، التي تحدثت عنها بإسهاب وتفصيل، ككتاب "زاد المعاد" لـ ابن القيم، وكتاب "سبل الهدى والرشاد" لـ الصالحي، وغير ذلك من الكتب التي فصَّلت سيرته - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - أدق تفصيل.
وحاصل القول في المسألة، أن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنواع، فهناك ما اختص به عن أمته وعن غيره من الأنبياء، كالشفاعة. وهناك ما اختص به وأمته عن غيره من الأمم والأنبياء،كجعل الأرض له ولأمته مسجداً وطهوراً.
وسيكون لنا وقفات أخرى مع بعضٍ من خصوصياته، إن شاء الله، نسأله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهدي نبيه، والسائرين على دربه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير الخلق أجمعين.
الأحد :30/06/2002
-
صاحب الكوثر صلى الله عليه وسلم
(الشبكة الإسلامية)
هذه وقفة أخرى مع بعض خصائص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، تلك الخصائص التي تبين مكانته العظيمة ، ومنزلته الرفيعة ، مما اختصه به سبحانه عن غيره من الأنبياء وسائر خلقه .
فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه صاحب الكوثر ، وهو النهر العظيم الذي وعده الله به في الجنة ، يُسقى منه أتباعه من أمته ، ويُبعد عنه آخرون لمخالفتهم لما جاء به ، وانحرافهم عن نهجه صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسماً، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله. قال : لقد أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ {إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر}(الكوثر:1-3) . ثم قال أتدرون ما هو الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم ، فأقول رب إنه من أمتي ، فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك)رواه الإمام مسلم.
والكوثر نهر داخل الجنة يصب ماؤه في الحوض ، ويطلق على الحوض "كوثر" لكونه يُمدُّ منه ، فالنهر مادة الحوض .
قال أهل العلم : مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به ، أن الله خصّ نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالكوثر ، المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة المشتهرة ، التي يحصل بها العلم القطعي ، وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف.
ومن خصائص نهر الكوثر أنه يجري من غير شق ، وحافتاه قباب ، وترابه مسك ، وحصاه لؤلؤ ، قال-صلى الله عليه وسلم- :(بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف ، قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر )رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {إنا أعطيناك الكوثر} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، ولم يشق شقا ، فإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة ، وإذا حصاه اللؤلؤ )رواه الإمام أحمد وصححه الألباني .
ومن خصائص هذا النهر أن له آنية كثيرة للشاربين ، ففي الحديث :( هل تدرون ما الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة ، آنيته أكثر من عدد الكواكب ) رواه النسائي ، وصححه الألباني .
ومن خصائص هذا النهر- إضافة لما تقدم - أن لونه أشد بياضاً من اللبن ، وطعمه أحلى من العسل ، ففي مسند الإمام أحمد (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما الكوثر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجُزُر- الإبل- ، فقال عمر بن الخطاب : إنها لناعمة يا رسول الله . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آكلوها أنعم منها)وصححه الألباني.
فهنيئاً للمتبعين لرسول الله ، المقرَّبين منه يوم القيامة ، الشاربين من حوضه ، فهم الفائزون يوم يخسر الخاسرون ، وهم السعداء يوم يحزن المحدِثُون المبدلون ، والحمد لله رب العالمين
الثلاثاء:25/02/2003
-
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية ، من بني النضير ، من سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، ثم من ولد هارون بن عمران ، أخي موسى عليه السلام .
كانت مع أبيها وابن عمها بالمدينة ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر ، وقُتل أبوها مع من قُتل مِن بني قريظة .
تزوجها قبل إسلامها سلام بن أبي الحقيق ، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق ، وكانا من شعراء اليهود ، فقتل كنانة يوم خيبر ، وأُخذت هي مع الأسرى ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت ماشطتها أم سليم التي مشطتها ، وعطرتها ، وزفتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن أنس قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها ، ثم صنع حيساً- الأَقِطُ يخـلط بالتمر والسمن- في نِطع- وعاء من جلد- صغير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آذن من حولك ، فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ، ثم خرجنا إلى المدينة . قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحوِّي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره ، فيضع ركبته ، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب ) رواه البخاري .
ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخدها لطمة فقال: ما هذه ؟ فقالت : إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب، فسقط في حجري ، فقصصت المنام على ابن عمي بن أبي حقيق فلطمني ، وقال : تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب ، فهذه من لطمته .
وكان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها ، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها ، إضافة إلى إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفف عداءهم ، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها .
وأدركت صفية رضي الله عنها ذلك الهدف العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة ، فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام ، وذاقت حلاوة الإيمان ، وتأثرت بخلق سيد الأنام ، حتى نافس حبه حب أبيها وذويها والناس أجمعين ، وعند مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثرت رضي الله عنها لمرضه ، وتمنت أن لو كانت هي مكانه ، فقد جاء في كتاب الإصابة، عن زيد بن أسلم قال: "اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله لوددتُ أنّ الذي بك بي ، فتغامزت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : والله إنها لصادقة " .
كانت رضي الله عنها امرأة شريفة ، عاقلة ، ذات حسب ، وجمال، ودين ، وحلم ووقار رضي الله عنها ، ومن مواقفها الدالة على حلمها وعقلها، ما ذكرته كُتب السير من أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها فقالت : أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ماحملكِ على ما صنعت ؟ قالت : الشيطان قالت : اذهبي فأنت حرة .
عايشت رضي الله عنها عهد الخلفاء الراشدين، حتى أدركت زمن معاوية، حيث كانت وفاتها سنة خمسين للهجرة ، ودفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:23/09/2003
-
أزواج النبي
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية القرشية ، أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وأخواها معاوية وعتبة ، ولدت قبل الإسلام، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ، وقد أسلمت مع أوائل من أسلم في مكة.
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ، ولما ارتدَّ عن الإسلام ، أعرضت عنه وهجرته إلى أن مات . فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ليخطبها له ، وعهد للنجاشي بعقد نكاحه عليها ، ووكلت هي خالد بن سعيد بن العاص ، فأصدقها صاحب الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، وجهزها بأشياء ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وكان ذلك سنة 7هـ ، وكان عمرها 36سنة ، ودخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل إسلام أبيها ، وعندما جاء أبوها زائراً لها رفضت أن تجلسه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : أنت مشرك.
وكانت من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس من أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ، ولا من تزوج بها وهي نائية الديار أبعد منها.
زارت أخاها معاوية في دمشق ، وقد كان لها - رضي الله عنها- حرمة وجلالة ، ولاسيما في دولة أخيها ، ولمكانه منها قيل له : خال المؤمنين.
كانت رضي الله عنها من فصيحات قريش ، ومن ذوات الرأي والحصافة ، وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام عندما تنصر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد مواساتها بزواجه منها .
روت رضي الله عنها عدداً من الأحاديث النبوية ، منها ما جاء في "الصحيحين" : أنه لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث ، فمسحت عارضيها وذراعيها ، وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ) .
ماتت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين للهجرة ، وقد بلغت من العمر 72سنة .
فرضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة مأواها ، والحمد لله رب العالمين .
الأحد :14/09/2003
-
أزواج النبي
أم سلمة المخزومية رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين ، أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية القرشية ، كان أبوها يُسمى : زادُ الراكب ، أحد الأجواد الكرام ، تزوجت من ابن عمِّها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، وهي بنت عم خالد بن الوليد ، سيف الله رضي الله عنه ، وبنت عم أبي جهل بن هشام .
كانت رضي الله عنها من السابقين إلى الإسلام ، رافقت زوجها في الهجرة الأولى إلى الحبشة فراراً بدينها ، ولما عادا إلى مكة ، وأرادت الهجرة مع زوجها إلى المدينة ، صدها قومها ، وانتزعوها منه هي وابنها سلمة ، فهاجر الزوجُ وحيداً ، ثم انتزع بنو أسد آل سلمة ابنها منها بالقوة حتى خلعوا يده ، وفرقوا بين الولد وأمه ، وهكذا تفرقت الأسرة ، وابتليت بلاءً عظيماً ، فالزوج هاجر إلى المدينة ، والزوجة عند أهلها في مكة ، والولد مع أهل أبيه حُرم حنان أمه وأبيه ، فكانت أم سلمة تخرج كل يوم إلى بطحاء مكة تبكي ، وتتألم لما أصابها ، حتى شفع فيها شافع من قومها فردوا عليها ولدها ، فأخذته وانطلقت به مهاجرة إلى الله ورسوله لاحقة بزوجها في المدينة ، فاجتمع شمل الأسرة بعد شتات .
وفي غزوة أحد أُصيب زوجها بجرح عميق ، وبعد شهور تُوفي رضي الله عنه متأثراً بجرحه ، وهذا ابتلاء آخر يصيب أم سلمة ، إذ يرحل الزوج من الدنيا تاركاً أربعة من الأولاد هم: برة وسلمة، وعمر، ودرة ، فأشفق عليها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكرالصديق - رضي الله عنه- فخطبها ، إلا أنها لم تقبل ، وصبرت مع أبنائها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في أمر تلك المرأة الكريمة ، المؤمنة الصادقة ، الوفية الصابرة ، فتقدم لها وتزوجها مكافأة ومواساة لها ، ورعاية لأبنائها .
ففي الحديث قالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله { إنا لله وإنا إليه راجعون } اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ، فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت: إن لي بنتاً وأنا غيور-أي تغار من ضرائرها من النساء - ، فقال صلى الله عليه وسلم : أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة ) رواه مسلم ، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة.
وكانت- رضي الله عنها- من النساء العاقلات الناضجات ، وكانت تُعَدُّ من فُقهاء الصحابيات ، يشهد لهذا ما حدث يوم الحديبية ، بعد كتابة الصلح، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من نسكهم ، وحثهم على النحر ثم الحلق ، فصعب ذلك على الصحابة الكرام ، ولم يفعلوا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهو حزين، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره، فقالت- رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك، اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك.
فقام وخرج، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضاً ، والحديث في البخاري .
وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها ، وكانت قد بلغت من العمر أربعاً وثمانين سنة ، فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً رضي الله عنها ، عُمِّرت حتى بلغها مقتَلُ الحسين ، فوجَمَت لذلك، وحَزِنَت عليه كثيراً ، و غُشيَ عليها ، ولم تلَبث بعدهُ إلا يَسيراً .
فرضي الله عنها ، وعن جميع أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
الإثنين :25/08/2003
-
أزواج النبي
ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين ، ميمونة بنت الحارث بن حَزْن الهلالية . أختها لبابة الكبري زوجة العباس و لبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة ، فهي خالة ابن عباس ، و خالد بن الوليد .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من عمرة القضاء سنة سبع في ذي القعدة ، فهي آخر امرأة تزوجها ، وفي الحديث عن ميمونة بنت الحارث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) رواه مسلم . ودخل بها "بسرف"، وهو موضع من مكة قرب التنعيم. وكان عمرها رضي الله عنها عندئذٍ 26سنة، بينما عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 59سنة، وقام بتزويجها زوج أختها العباس ، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها عنه أربعمائة درهم .
وكان هدفه صلى الله عليه وسلم من هذا الزواج اتخاذ وسيلةٍ لزيادة التفاهم بينه وبين قريش ، إلى جانب مواساة ميمونة رضي الله عنها بسبب وفاة زوجها.
وكان اسمها بَرَّة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ميمونة .
كانت رضي الله عنها من سادات النساء ، وروت عدداً من الأحاديث عن رسول الله صلى عليه وسلم.
وكان ابن عباس رضي الله عنها يبيت عندها أحياناً في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكسب علماً ، وأدباً ، وخلقاً ، ويبثّه بين المسلمين، من ذلك قوله رضي الله عنهما: ( بت ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بذؤابتي ، فجعلني عن يمينه ) رواه البخاري .
كانت وفاتها رضي الله عنها سنة 51 للهجرة ، عن عمرٍ بلغ 80 سنة، وكان موتها ودفنها بسرف مكان زواجها، فرضي الله عنها وأرضاها، والحمد لله رب العالمين .
الإثنين :25/08/2003
-
أزواج النبي
جويرية بنت الحارث المصطلقية
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية ، أُسرت لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم قومها بني المصطلق سنة خمس أو ست وسباهم ، ووقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة للهجرة ، وهي بنت عشرين سنة بعدما قضى عنها مكاتبتها ، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها .
ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، وكاتبته على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وقد أصابني ما لم يخف عليك ، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال: فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك ، قالت: نعم يا رسول الله ، قال: قد فعلت، وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم - أي أعتقوا- ، فأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، فعن ابن عباس قال : ( كان اسم جويرية بنت الحارث برة ، فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها ، فسماها جويرية ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
وكانت رضي الله عنها ذات صبرٍ وعبادة ، فعن ابن عباس رضي الله عنه عن جويرية بنت الحارث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في مسجد ، ثم مر النبي صلى الله عليه وسلم بها قريباً من نصف النهار ، فقال لها : ما زلتِ على حالكِ ، فقالت: نعم ، قال ألا أعلمكِ كلماتٍ تقولينها : سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
توفيت أم المؤمنين جُويرية في المدينة سنة خمسين، وقيل سنة سبع وخمسين للهجرة وعمرها 65سنة .
فرضي الله عنها ، وعن أمهات المؤمنين أجمعين والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:06/08/2003
-
أزواج النبي
حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأمها زينب بنت مظعون . ولدت في مكة قبل البعثة بخمس سنوات .
تزوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خُنيس بن حُذافة السهمي ، فكانت عنده إلى أن أسلما ، وهاجرت معه إلى المدينة ، وكان رضي الله عنه ممن شهد بدراً .
فلما تُوفي زوجها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة ، ولها قريب من عشرين سنة ، وذلك بعد زواجه بعائشة رضي الله عنها .
وفي "صحيح البخاري" أنه حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي ، قال عمر : لقيت عثمان بن عفان ، فعرضت عليه حفصة ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر ، فلم يرجع إلي شيئاً ، فكنت عليه أوجد - أشد حزناً- مني على عثمان ، فلبثت ليالي ، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر ، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة ، فلم أرجع إليك ، قلت : نعم ، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لقبلتها .
وورد أن النّبي صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة تطليقةً ، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك ، وقال : ( إنها صوّامة ، قوّامة ، وهي زوجتك في الجنة ) رواه الحاكم ، و الطبراني ، وحسنه الألباني .
ومن مناقبها رضي الله عنها أنه جُمع عندها الصحف المكتوب فيها القرآن بعد أن كانت عند أبي بكر ثم عند عمر .
توفيت حفصة رضي الله عنها سنة إحدى وأربعين بالمدينة عام الجماعة .
ومما يستفاد من سيرة حفصة رضي الله عنها ، جواز عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح لزواجها ، وهذا مما لا يعاب عليه الرجل ، بل مما يحمد عليه ، لأنه مطالب بتحري الزوج الصالح لمن كان تحت ولايته .
وهكذا عزيزي القارئ تجد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أسوة وقدوة ، ودروساً وعبرة ، فصلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عن أمهات المؤمنين ، وعن الصحابة أجمعين .
الأحد :22/06/2003
-
أزواج النبي
سودة بنت زمعة رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية . أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية ، من بني عدي بن النجار .
كانت رضي الله عنها سيدة ً جليلة نبيلة ، وتزوجت بداية من السكران بن عمرو ، أخى سهيل بن عمرو العامري ، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً بدينها، ولها منه خمسة أولاد .
وبعد وفاة زوجها خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها من بطش قومها، فأراد مواساتها ، فتزوجها في شوال سنة عشر من البعثة النبوية ..
وهي أول من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، ولم يتزوج معها صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر ، حتى دخل بعائشة رضي الله عنها .
وهي التي وهبت يومها لعائشة ، رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي صحيح البخاري ( أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها -أي جلدها- من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ، -ومعناه تَمنَّت أن تكونَ في مثل هدْيها وطريقتها ، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة -قالت : فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، قالت يا رسول الله: قد جعلت يومي منك لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله، لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ، ففعل، ونزلت هذه الآية : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } (النساء:128) . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . رواه البيهقي في "سننه" .
الأحد :25/05/2003
-
أزواج النبي
زينب بنت جحش رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر الأسدي ، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخوها عبدالله بن جحش أول أمير في الإسلام ، وُلدت سنة 33ق هـ ، وكان اسمها "برَّة"، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب ، وكانت تكنى : أم الحكم ، وهي إحدى المهاجرات الأول .
تزوجها زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمها كتاب الله وسنة رسوله، ثم زوّجها الله من السماء لنبيه صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة ، وأنزل الله فيها قوله : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيداً ، ودُعي "زيد بن محمد " ، فلما نزل قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } (الأحزاب:5) ، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة زيدٍ بعد أن طلقها زيد ، وأُلغي ما كان معروفاً عند الجاهلية من التبني .
وكانت رضي الله عنها تفخرُ بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول كما ثبت في البخاري : زوَّجكنَّ أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزواج "زينب" ، وأطعم عليها يومئذٍ خبزاً ولحماً .
كانت رضي الله عنها من سادة النساء ، ديناً وورعاً وجوداً ومعروفاً ، ، وكانت من أجملهن خَلْقاً وخُلقاً .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور زينب ، ويمكث معها ، ويشرب العسل عندها ، فغارت بعض نسائه ، وأردن أن يصرفنه عن ذلك ، فعن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ، فيشرب عندها عسلا ، قالت: فتواطيت أنا و حفصة : أنَّ أيَّتـُنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير- صمغٌ حلوٌ يؤكل له رائحه غير طيبة - ، فدخل على إحداهما ، فقالت: ذلك له ، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ، ولن أعود له ، فنزل: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}... إلى قوله... {إن تتوبا} لعائشة و حفصة {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} لقوله بل شربت عسلاً ) رواه البخاري و مسلم .
ومن مناقبها رضي الله عنها ، أنها أثنت على عائشة أم المؤمنين خيراً ، عندما استشارها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادث الإفك ، ففي الحديث ( قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني - تعاليني وتفاخرني - من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع ) رواه البخاري و مسلم .
ومن مناقبها أنها كانت ورعة قوامة، كثيرة التصدق وفعل الخير ، وكانت من صُنَّاع اليد ، فكانت تدبغ ، و تخرز ، وتتصدَّق ، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثرة تصدقها وكنَّى عن ذلك بطول يدها، فعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً ، قالت : فكنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطول يداً ، قالت : فكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق ) رواه البخاري و مسلم .
قالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم وهي تصف زينب : ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى.
وكانت حقاً أول زوجاته صلى الله عليه وسلم لحوقاً به ، حيث توفيت سنة 20 للهجرة ، وصلى عليها عمر بن الخطاب ، وهي أول امرأة صنع لها النعش ، ودُفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:19/08/2003
-
أزواج النبي
زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو الهلالية ، كانت تدعى أم المساكين لرحمتها إياهم ، ورقتها بهم ، وكثرة إطعامها لهم ، وصدقتها عليهم ، ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عليها جزوراً ، فكثر عدد المساكين الذين حضروا ، وأكلوا .
وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها في رمضان من السنة الثالثة للهجرة بعد زواجه بحفصة رضي الله عنها ، وقبل زواجه بأختها لأمها ميمونة بنت الحارث ، وكان هدفه صلى الله عليه وسلم من الزواج منها مكافأتها على صلاحها ورأفتها بالمساكين ، إلى جانب مواساتها لما أصابها من فقدها لمن تعاقب عليها من الأزواج ، ومنهم شهيدان ، وكان صداقها أربعمائة درهم .
ولم تلبث في بيت النبوة طويلاً ، حيث توفيت رضي الله عنها في المدينة بعد شهرين أو ثلاثة من زواجه صلى الله عليه وسلم بها ، وهي أول أمهات المؤمنين وفاةً بالمدينة رضي الله عنها .
ولم تذكر المصادر التي ترجمت سيرتها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القليل من أخبارها، ولا سيما علاقاتها ببقية زوجاته ، ولعل مردّ ذلك قصر مدة إقامتها في بيت النبوة .
رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:23/07/2003
-
أزواج النبي
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
نسبها وولادتها :
هي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بن قُحافة ، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكِنَانية ، ولدت في الإسلام، بعد البعثة النبوية بأربع أو خمس سنوات ، وكانت امرأة بيضاء جميلة . ومن ثم كان يُقال لها : الحُميراء .
زواجها :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً وهي بنت ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين ، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ) متفق عليه .
وقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قبل زواجه بها ، ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتُك في المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يُمضه ) متفق عليه .
ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وكانت تفخر بذلك ، فعنها قالت : ( يا رسول الله أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةً قد أُكِل منها ووجدتَ شجراً لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال : في التي لم يرتع منها ، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها ) رواه البخاري .
وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة كما ثبت في الصحيح .
محبة الرسول لها ومداعبته لها :
كان لها رضي الله عنها منزلة خاصة في قلب رسول الله ، وكان يُظهر ذلك الحب ، ولا يخفيه ، حتى إن عمرو بن العاص ، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، ( أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة قال : فمن : الرجال ؟ قال : أبوها) متفق عليه.
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : (كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع فيَّ ، فيشرب ، وأتعرق العرق وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ، ... فيشرب) .
وكان يداعبها ، فعنها قالت : ( والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ) رواه الإمام أحمد ، وصححه الأرنؤوط.
وعنها رضي الله عنها ( أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، وهي جارية ، فقال لأصحابه: تقدموا ، فتقدموا ، ثم قال لها : تعالي أسابقك ) رواه الإمام أحمد وصححه الأرنؤوط.
علمها :
تلقت رضي الله عنها العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت عنه علماً كثيراً طيباً ، فكانت من المكثرين في رواية الحديث ، ولا يوجد في نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم امرأة أعلم منها بدين الإسلام .
روى الحاكم و الدارمي عن مسروق ، أنه قيل له : هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .
وقال الزُّهري : لو جُمعَ علمُ عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان عِلم عائشة أفضل .
وعن أبي موسى قال : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً .
فضلها :
أما فضائلها فكثيرة ، من ذلك ما جاء في الصحيح عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كمُل من الرِّجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مَريم بنتُ عمران ، و آسية امرأةُ فرعون ، وفضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه.
وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، قالت : قلت وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه .
بركتها :
ومن بركتها رضي الله عنها أنها كانت السبب في نزول بعض آيات القرآن ، من ذلك آية التيمم ، فعنها رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت أي ضاعت ( فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها ، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير : جزاكِ الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجاً ، وجعل للمسلمين فيه بركة ) متفق عليه .
محنتها :
ابتليت رضي الله عنها بحادث الإفك الذي اتهمت فيه بعرضها من قبل المنافقين ، وكان بلاءً عظيماً لها ولزوجها ، وأهلها ، حتى فرجه الله بإنزال براءتها من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } (النور: 11-12).
وفاتها : تُوفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين ، وصلى عليها أبو هريرة ، ودفنت بالبقيع ، وكان لها من العمر : ثلاث وستون سنة وأشهر .
قال القحطاني في نونيته :
أكرم بعائشة الرضى من حرة بكر مطهرة الإزار حصان
هي زوج خير الأنبياء وبكره وعروسه من جملة النسوان
هي عرسه هي أنسه هي إلفه هي حبه صدقاً بلا أدهان
أوليس والدهـا يصـافي بعلهـا وهمـا بروح الله مؤتلفـان
رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:10/06/2003
-
بارك الله فيك
موضوع مميز بالفعل
-
أزواج النبي
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
(الشبكة الإسلامية)
من النساء الصالحات القانتات زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى ، وأول من آمن به وصدقه ، واتبعه ، إنها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي ، ولدت بمكة ، ونشأت في بيت شرف ويسار ، كانت تدعى قبل الإسلام بالطاهرة العفيفة ، مات أبوها يوم الفِجار .
تزوجت مرتين قبل رسول الله ، أبا هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، ثم عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، ولها منهما ثلاثة من الولد ، هند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة .
كانت ذات مال كثير وتجارة ، تستأجر الرجال وتدفع إليهم ما آتاها الله من مال ليتاجروا لها فيه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الذين تعاملوا معها، فسافر إلى الشام ومعه غلامها ميسرة ، ,وسمعت عن أمانته وخلقه وبركته الكثير ، وتضاعف ربح تجارتها ، مما دفعها لطلب الزواج منه ، فخطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بخمس عشرة سنة ، وكان عمره حينئذٍ 25 سنة ، وكان عمرها 40سنة ، وقيل 28سنة ، فولدت له : القاسم و عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة ، وكان بين كل ولدين سنة ، وكانت قابلتها سلمى ، والقابلة هي التي تقوم بتوليد المرأة وخدمتها عند الولادة .
وهي-رضي الله عنها- ممن كمُل من النساء . فكانت عاقلة جليلة ديَّنة مصونة كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليها ، ويُفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويُبالغ في تعظيمها ، حتى إن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : ما غِرت من امرأة ما غِرت من خديجة ، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها .
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها ، ورزقه الله منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ولا تسرَّى بجارية إلى أن قضت نحبها ، فحزن لفقدها حزناً شديداً ، فإنها كانت نعم القَرين والأنيس ، وكانت له نعم المعين والنصير.
أما مواقفها فعظيمة مشهودة تدل على رجاحة عقلها ، وقوة شخصيتها ، فها هي تقف إلى جانب زوجها عندما جاء إلى البيت خائفاً - وقد بدأ الوحي ينزل عليه - وهو يقول : ( لقد خَشِيتُ على نفسي، فقالت له : كلا ، والله لا يخزيك الله أبداً ) متفق عليه ، وذكرت خصاله الحميدة ، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل .
وكانت رضي الله عنها أول من آمن برسول الله وصدقه وآزره في دعوته ، فكان لها فضل السبق في ذلك على الرجال والنساء ، مما خفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي "الصحيحين" ، عن عائشة ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) .
وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم فضلها بأنها خير نساء الأرض في عصرها ، حيث قال : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق عليه .
قال النووي رحمه الله : كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها ، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه .
وفي مسند الإمام أحمد ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) وصححه الألباني والأرنؤوط .
توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بنت خمس وستين سنة ، ودفنت بالحجُون .
ويستفاد من سيرة خديجة رضي الله عنها أمور نجملها في النقاط التالية :
1-رغبة خديجة في الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على ما كان يتمتع به صلى الله عليه وسلم من خلق عظيم ، وصلاح كبير ، وأمانة فائقة .
2-أنه لا غضاضة في أن تبدي المرأة رغبتها في الزواج من صاحب الدين والخلق .
3-لم يكن هدف رسول الله من الزواج المتعة الجسدية ومكملاتها ، وإلا لحرص على البكر ، ومن كانت أصغر منه ، أو على الأقل من كانت في سنّه.
4-أن الله عز وجل يرزق الرجل الصالح الطيب المرأة الصالحة الطيبة ، كما قال سبحانه : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (النور:26).
5-إنّ الإسلام يجيز للمرأة التملك ، واستثمار الأموال والمضاربة بها وفق الضوابط الشرعية .
وهكذا - عزيزي القارئ- كانت أم المؤمنين الأولى ، مؤمنة ، صالحة ، مجاهدة ، تحملت الأعباء والمحن ، ورحلت من الدنيا بعدما تركت دروساً وعبراً لا تنسى على مرور الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ، فرضي الله عنها، والحمد لله رب العالمين .
الأربعاء:30/04/2003
-
آيات ومعجزات النبوة
نطق الجماد والحيوان
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات والآيات التي أُعطي إياها النبي صلى الله عليه وسلم ، تأييداً لدعوته، وإكراماً له، وإعلاءً لقدره، إنطاق الجماد له، وتكلم الحيوان إليه، الأمر الذي ترك أثره في النفوس، وحرك العقول، ولفت انتباه أصحابها نحو دعوته التي جاء بها، وأثبت لهم أنها دعوة صادقة مؤيدة بالحجج والأدلة والبراهين، فلا يليق بالعقلاء إلا الاستجابة لها، واتباع هذا الدين العظيم الذي يجلب لهم النفع، ويدفع عنهم الضر، ويرقى بهم بين الأمم، ويضمن لهم سعادة الدارين.
نعم لقد نطق الجماد والحيوان حقاً، فسبّح الطعام، وسلّم الحجر والشجر، وحنَّ الجذع، واشتكى الجمل، إنها آياتٌ وعبر، حصلت وثبتت في صحيح الخبر، فلا بد من تصديقها وقبولها، وإن خالفت عقول البشر.
فمن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الطعام الذي سبح الله وهو يُؤكل ، وقد سمع الصحابة تسبيحه ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقلّ الماء ، فقال اطلبوا فضلة من ماء ، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حيّ على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيتُ الماءَ ينبع من بين أصابعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه البخاري ، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح تسبيح العنب والرطب والحصى .
ومن ذلك تسليم الحجر والجبال والشجر عليه صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلِّم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ) رواه الترمذي و الدارمي ، وصححه الألباني .
ومن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذعٍ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحنَّ الجذع، فأتاه فمسح يده عليه ) رواه البخاري .
وفي سنن الدارمي : (خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد) ، وفي "مسند" أحمد : ( خار الجذع حتى تصدع وانشق ) .
أما نطق الحيوان، فهي معجزة وآية أخرى أكرم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد اشتكى الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم صاحبه له، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال ( أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً- كل ما ارتفع من بناء وغيره-، أو حائش نخل-بستان فيه نخل صغار-، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه- أصل أذنيه وطرفاهما- فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه، وتدئبه- تَكُدُّهُ وتُتعبه-) رواه الإمام أحمد و أبوداود ، وصححه الألباني.
فسبحان من أنطق لنبيه الجماد والحيوان ، وصلى الله وسلم على من كان رحمة للخلق أجمعين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الثلاثاء:01/07/2003
-
آيات ومعجزات النبوة
الإخبار عن المغيبات
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إخباره عن الكثير من المغيبات ، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها، أو ما تعلق بأخبار حياة البرزخ ، وأحداث يوم القيامة والجنة والنار، أو الإخبار عن العوالم الأخرى، كالجن وغيرها.
فمما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الأمم السابقة قصة جريج العابد، التي ثبتت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي، فجاءته أمه، فدعته، فأبى أن يجيبها، فقال: أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فقالت امرأة: لأفتنن جريجاً، فتعرضت له، فكلمته، فأبى، فأتت راعياً، فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: هو من جريج، فأتوه، وكسروا صومعته، فأنزلوه، وسبوه، فتوضأ، وصلى، ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا إلا من طين ) فهذه من الأخبار الماضية التي وقعت في الأمم السابقة وأخبر عنها صلى الله عليه وسلم.
ومن المغيبات ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذكر منازلهم في الجنة، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الراشدين ، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً مما لا يسع المجال لذكره ، وكذلك ما بشر به صلى الله عليه وسلم بعض زوجاته ، فقال: ( بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ) متفق عليه. وبشر مؤذنه بلال رضي الله عنه بقوله: ( فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ) متفق عليه.
ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن أناسٍ أنهم من أهل النار، من ذلك ما ثبت في الصحاح من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة، ولا فاذة، إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، فجرح الرجل جرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه- أي طرفه- بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً، أنه من أهل النار- وذكرنا قصته - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري .
ومن المغيبات - غير ما تقدم- إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن وعلامات الساعة وهذا كثير؛ من ذلك ما رواه أسامة رضي الله عنه قال: ( أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم- أي حصن - من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال، ما حدث به نبي قومه، إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه ) متفق عليه.
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم - خيمة من جلد-، فقال: اعدد ستاً بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص- أي مثل داء يميت الدواب فجأة- الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة، تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية -راية-، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تقاتلون اليهود، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله ) متفق عليه.
ومن المغيبات إخباره صلى الله عليه وسلم عن العوالم الأخرى؛ كالجن والملائكة وغيرها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم .
تلك المغيبات وغيرها كثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، التي خُصَّ بها، كان لها من الفوائد العظيمة، والآثار الجليلة، ما جعل رسالة الإسلام مميزة على غيرها من الشرائع ، محفوظة بحفظ الله لها ومؤيدة بتأييده إياها، لا يعرفها أحد معرفة صحيحة إلا سلّم القياد لها وأذعن لحكمها، ولا ينصفها شخص إلا دخل في ركابها وسار على هديها، إنها الرسالة الخاتمة، العامة، الشاملة، اللهم اهدِ عبادك لما أكرمت به خاتم رسلك، والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
-
آيات ومعجزات النبوة
معجزة انشقاق القمر
(الشبكة الإسلامية)
من المعجزات التي أيَّد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، معجزة انشقاق القمر إلى شقين، حتى رأى بعض الصحابة جبل حراء بينهما. وكان وقوع هذه المعجزة قبل الهجرة النبوية عندما طلب منه كفار مكة آية تدل على صدق دعوته ، ففي الحديث : ( أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما ) متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا ) متفق عليه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر.
وهذه المعجزة إحدى علامات الساعة التي حدثت، ففي الحديث الصحيح ( خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَاللِّزَامُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَالْقَمَرُ ) متفق عليه. واللزام: القحط، وقيل التصاق القتلى بعضهم ببعض يوم بدر، والبطشة : القتل الذي وقع يوم بدر.
وجاء ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم مقروناً باقتراب الساعة ، قال تعالى:{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } (القمر:1)، ولما كان من عادة قريش التعنت والتكذيب فقد أعرضوا عما جاءهم، ووصفوا ما رأوه بأنه سحر ساحر. وقد حكى القرآن لسان حالهم ومقالهم فقال تعالى: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:1-2) .
واحتجاجهم ذلك شبهة مدحوضة، وقد أُجيب عن مثل هذه الشبهة قديماً، فقد نُقل عن أبي إسحاق الزجاج في معاني القرآن أنه قال: "أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله، يفعل فيه ما يشاء، كما يكوره يوم البعث ويفنيه" .
ومما احتج به البعض: أنه لو وقع ذلك الانشقاق لجاء متواتراً ، ولاشترك أهل الأرض في معرفته، ولما اختص به أهل مكة.
وجوابه أن ذلك وقع ليلاً ، وأكثر الناس نيام، والأبواب مغلقة، وقلَّ من يرصد السماء إلا النادر، وقد يقع في العادة أن يخسف القمر، وتبدو الكواكب العظام، وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد من الناس، فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقومٍ سألوا وتعنتوا، فلم يرصده غيرهم، ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذٍ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم.
ونُقل عن الخطابي قوله: "انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيءٌ من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجاً من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر".
وقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة التي اعتنت بدراسة سطح القمر أنه يوجد به آثار انشقاق وانقسام، مما كان له أثر في إسلام البعض لمـّا علم أن القرآن تكلم عن ذلك قبل قرون ، فسبحان الذي أظهر الدلائل والآيات الدالة على ألوهيته وعظيم خلقه، قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (فصلت:53)، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
-
آيات ومعجزات النبوة
نبع الماء من بين أصابعه
(الشبكة الإسلامية)
الماء نعمة من نعم الله العظيمة، التي وهبها الله لعباده ، أنزله من السماء ، فسالت أودية بقدرها، وأودعه الأرض وجعل منه ينابيع وأنهاراً، وجعله شراباً سائغاً ، وجعل أمر الحياة عليه قائما، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } (الانبياء:30)، وإذا كان نبع الماء من الأرض آية ، ونبعه من الحجر الأصم آية أعظم ، فما ظنك إذا كان نبعه من بين الأصابع ، فذلك معجزة وكرامة .
ومعجزة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كانت من المعجزات التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تكرر حصول تلك المعجزة عدة مراتٍ ، وفي مناسبات مختلفة، رأى ذلك الصحابة الكرام، ونقلوه إلينا نقلاً واضحاً بينا .
فمن ذلك ما حدث يوم الحديبية، فيما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة- إناء من جلد-، فتوضأ، فجهش-أسرع- الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
ومن ذلك ما حصل بالزوراء - وهو مكان قرب السوق في المدينة - مما نقله الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه، قال: ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناءٍ وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم، قال قتادة : قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
ومن ذلك أيضاً ما حدث عندما قلّ الماء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على سفر، يحدثنا عن ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ( كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه مسلم .
وفي هذه المعجزة النبوية إشارة واضحة بينّة، ودلالة عظيمة شاهدة على تأييد الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، إذ كان لهذه المعجزة وأمثالها من المعجزات النبوية الأثر البالغ في زيادة الإيمان، وقوة التعلق بالواحد الديان من قبل الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وخاصة أنهم كانوا في ظروف صعبة، نتيجة صراعهم مع أهل الباطل من المشركين واليهود والمنافقين، فكانت مثل هذه الحوادث عوناً لهم ، وزاداً إيمانياً قوياً ، إضافة إلى ما تتركه مثل هذه المعجزات من أثرٍ في نفوس الكافرين والمعاندين، وتلفت الانتباه إلى أن الله هو القوي القادر، الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، فسبحان من لم يقدره العباد حق قدره، ولم يعبده العباد حق العبادة، وهو الغفور الرحيم ، والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003
-
التعبد في غار حراء
(الشبكة الإسلامية)
كانت عند العرب بقايا من الحنيفية التي ورثوها من دين إبراهيم عليه السلام، فكانوا مع -ما هم عليه من الشرك- يتمسكون بأمور صحيحة توارثها الأبناء عن الآباء كابراً عن كابر، وكان بعضهم أكثر تمسكاً بها من بعض، بل كانت طائفة منهم -وهم قلة- تعاف وترفض ما كان عليه قومها من الشرك وعبادة الأوثان، وأكل الميتة، ووأد البنات، ونحو ذلك من العادات التي لم يأذن بها الله، ولم يأت بها شرع حنيف، وكان من تلك الطائفة ورقة بن نوفل و زيد بن نفيل ورسولنا صلى الله عليه وسلم ، والذي امتاز عن غيره صلى الله عليه وسلم باعتزاله الناس للتعبد والتفكُّر في غار حراء، فما هو خبره صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، هذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأمل منذ صغره ما كان عليه قومه من العبادات الباطلة والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلى نفسه، ولم تلق قبولاً في عقله، بسبب ما أحاطه الله من رعاية وعناية لم تكن لغيره من البشر، فبقيت فطرته على صفائها، تنفر من كل شيء غير ما فطرت عليه.
هذا الحال الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم دفع به إلى اعتزال قومه وما يعبدون من دون الله، وحبَّب الله إليه عبادته بعيداً عن أعين قومه وما كانوا عليه من عبادات باطلة، وأوهام زائفة، فكان يأخذ طعامه وشرابه ويذهب إلى غار حراء كما ثبت في الحديث المتفق عليه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (جاورت بحراء شهراً...)وحراء هو غار صغير في جبل النور على بعد ميلين من مكة، فكان يقيم فيه الأيام والليالي ذوات العدد، يقضي وقته في عبادة ربه والتفكَّر فيما حوله من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك الباطلة، والتصورات الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ولا منهج محدد يطمئن إليه و يرضاه.
وكان اختياره لهذه العزلة والانقطاع عن الناس بعض الوقت من الأسباب التي هيأها الله تعالى له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالى للناس أجمعين واقتضت حكمة الله أن يكون أول ما نزل عليه الوحي في هذا الغار.
فهذا ما كان من أمر تعبده صلى الله عليه وسلم، واعتزاله قومه وما كانوا عليه من العبادات والعادات، وقد أحاطه الله سبحانه بعنايته ورعايته، وهيأ له الأسباب التي تعده لحمل الرسالة للعالمين. وهو في حاله التي ذكرنا ينطبق عليه قوله تعالى في حق موسى عليه الصلاة والسلام {ولتصنع على عيني}(طه:39)إنه الإعداد لأمر عظيم تنوء الجبال بحمله، إنها الأمانة التي كان يُعدُّ لحملها إلى الناس أجمعين، ليكون عليهم شهيداً يوم القيامة،تحقيقاً لقوله تعالى{وجئنا بك شهيداً على هولاء}(النحل:89) فجزاه الله عن أمته وعن العالمين خير الجزاء، وجمعنا معه تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، والحمد لله رب العالمين .
السبت :26/07/2003
-
إرهاصات وبشارات النبوة
(الشبكة الإسلامية)
النبوات والرسالات هي أفضل النعم التي تفضل الله بها على الناس، وأفضل هذه الرسالات وأعظمها وأشملها هي رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، ولذلك أحاطها الله بعنايته، وشملها برعايته، وجعل لها دلائل باهرة، وعلامات ظاهرة، فدلت على نبوته صلى الله عليه وسلم دلائل ربانية قبل أن يبعث بل قبل أن يولد، وكانت هذه الدلائل بشائر على مبعثه صلى الله عليه وسلم، وما حملته تلك البعثة من خير للبشرية جمعاء، وهداية لها إلى الحق وإلى طريق مستقيم.فمع هذه الدلائل والبشائر على مبعثه لنا وقفة في هذا المقال.
فمن تلك الدلائل والبشارات التي بشرت بمبعثه قبل مولده صلى الله عليه وسلم، ما رواه الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أن أمية بن أبي الصلت قال له : إني أجد في الكتب صفة نبي يبعث من بلادنا ، وكنت أظن أني هو، ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف ، قال فنظرت فلم أجد فيهم من هو متصف بأخلاقه إلا عتبة بن ربيعة إلا أنه جاوز الأربعين ولم يوح إليه، فعرفت أنه غيره .قال أبو سفيان : فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قلت لأمية عنه فقال: أَمَا إنَّه حق فاتَّبعه ، فقلت له وأنت ما يمنعك ؟ قال: الحياء من نساء ثقيف أني كنت أخبرهن أني أنا هو، ثم أصير تبعاً لفتىً من بني عبد مناف. فهذه علامة وبشارة واضحة تدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منع هذا الرجل من الإيمان به بعد مبعثه -مع علمه أنه حق- إلا الكبر عياذاً بالله.
ومن الدلائل والبشائر على نبوته كذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث سلمة بن وقش قال : كان لنا جار من اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار، فقلنا له : وما آية ذلك ؟ قال خروج نبي يبعث من هذه البلاد ـ وأشار إلى مكة ـ فقالوا متى يقع ذلك ؟ قال فرمى بطرفه إلى السماء ـ وأنا أصغر القوم فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه ، قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث الله تعالى نبيه ، وهو حي ـ أي اليهودي ـ فآمنَّا به وكفر هو بغياً وحسداً.
أما العلامات والدلائل على نبوته صلى الله عليه وسلم والتي كانت عند مولده وبعده، فمنها ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى عليهما السلام ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام) أخرجه أحمد بسند صحيح.
ومن هذه الإرهاصات والعلامات على نبوته بعد مولده صلى الله عليه وسلم ما جاء في قصة حليمة السعدية حيث أخبرت أنها لما أخذته من أمه، كثر اللبن في ثديها، ووجد زوجها اللبن في ناقته، وكثر اللبن في شياهها، إلى غير ذلك من الأمور التي خرجت عن مألوف العادة، والتي حصلت ببركة وجوده بينهم صلى الله عليه وسلم.
ويتوج ذلك كله حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع سنين، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقةً وقال: هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم جمعه فأعاده إلي مكانه ) وهذه الواقعة كانت من أهم البشائر على قرب مبعثه صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً.
ولا يخفى على الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم أن الدلائل والمبشرات بنبوته كثيرة لا يحيط بها مقام كهذا وما ذكرناه يستدل به على ما لم نذكر، والله الموفق والهادي إلى الصواب، والحمد لله أولاً وآخرا.
السبت :26/07/2003
-
السرايا قبل بدر
(الشبكة الإسلامية)
كانت سرية سيف البحر أولى السرايا التي عقد لواءها رسول صلى الله عليه وسلم ، لمواجهة قريش ومنعها مما تنوي القيام به من محاصرة الدعوة ، وتضييق الخناق عليها ، وقد تحدثنا عن تلك السرية في مقال سابق ، وفي مقالنا هذا نتابع الحديث عن بعض السرايا الأخرى التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمتابعة تحركات قريش ونشاطاتها ، فمن تلك السرايا التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1- سرية رابغ
وكانت في شوال من السنة الأولى للهجرة ، بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وكان عدد المسلمين فيها نحو ستين رجلاً من المهاجرين ليس فيهم أنصاري ، فالتقوا بأبي سفيان وهو في مائتين على بطن رابغ ، وترامى الفريقان بالنبل ، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله ، وانفضّ الفريقان بعد ذلك من غير قتال .
2- سرية الخرار
وقعت في ذي القعدة من السنة الأولى للهجرة ، وتتكون هذه السرية من عشرين راكباً بقيادة سعد بن أبي وقاص ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار ، ويسيرون بالليل حتى وصلوا الخرَّار وهو موضع قرب الجحفة ، فوجدوا العير قد مرت .
3- سرية نخلة
وكانت في رجب من السنة الثانية للهجرة ، وتتكون من اثني عشر رجلاً من المهاجرين بقيادة عبدالله بن جحش الأسدي ، وقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً ، وأمره ألا يقرأه إلا بعد مسيرة يومين ، وتضمن الكتاب الأمر بالمُضِّي حتى وصول نخلة بين مكة والطائف ، ثم القيام برصد عيرٍ لقريش ، فساروا حتى بلغوا المكان ، فمرت العير تحمل زبيباً ، وأُدْماً ، وتجارة ، فلحق بها المسلمون حتى أدركوها في آخر يوم من رجب وهو من الأشهر الحرم ، فقتلوا ناساً من القافلة ، ولاذ البعض بالفرار ، وعادت السرية بالعير وأسيرين إلى المدينة ، فعاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتالهم في الشهر الحرام ، واستغل المشركون الحادثة ، وتحدثوا أن المسلمين قد انتهكوا الأشهر الحرم ، ثم نزل القرآن حاسماً للموقف بأنّ ما يقوم به المشركون من الصد عن دين الله ، وعن المسجد الحرام ، وإيذاء المؤمنين ، والشرك بالله ، أشد حرمة من القتال في الأشهر الحرم ، قال تعالى : { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }(البقرة:217).
بعد ذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح الأسيرين ، ودفع دية المقتول إلى أوليائه .
إنّ من النتائج المترتبة على إرسال تلك السرايا والبعوث أنَّ قريشاً أدركت أنّ جانب المسلمين أصبح من المنعة بمكان ، وأنّ طريق تجارتها كذلك أصبح مهدداً من قِبَل المسلمين ، وأنّ عليها أن تفيء إلى رشدها وتذعن لأمر ربها ، أو على الأقل تمتنع من الوقوف في وجه تلك الدعوة المباركة الآخذة في الانتشار والقبول ، هذا على صعيد جانب قريش .
أما على صعيد المؤمنين فإنّ تلك السرايا والبعوث قد زادتهم يقيناً بنصر الله ، وثباتاً على الحق ، واعتقاداً بأن العاقبة للمتقين ، كيف لا وقد بشرهم الله بذلك عندما قال : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَََرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:55) ، وقال تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج: من الآية40) . وفقنا الله لنصرة دينه ، والثبات عليه ، إنّه ولي المؤمنين والحمد لله رب العالمين.
الثلاثاء:01/07/2003
-
غزوة العشيرة
(الشبكة الإسلامية)
خرج المسلمون من مكة مهاجرين إلى المدينة امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذاقوا الأمرين على يد جبابرة قريش وعتاتها ، فكانت هجرتهم نصرا وفتحاً ، نظرا لما كان عليه الحال في مكة من العذاب والذل ، فتركوا أموالهم وديارهم فراراً بدينهم وعقيدتهم .
ولما استقر بهم المقام في المدينة النبوية أصبح الجو مهيأ أكثر من ذي قبل لنشر الدعوة ومواجهة الواقفين في سبيلها ، وكان من أساليب المواجهة التي نهجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يسمى بلغة اليوم المواجهة الاقتصادية ، إذ عمد إلى ضرب اقتصاد المشركين عن طريق التعرض لقوافلهم التجارية المترددة بين مكة والشام ، حتى يسترد المسلمون أموالهم التي سلبتها قريش ، ولتشكل هذه المواجهة ضغطا على المشركين ، يرغمهم على تعديل سياستهم في التعامل مع المسلمين .
ووفق هذه الخطة كانت غزوة العشيرة - موضع بناحية ينبع - ، والتي جرت أحداثها في أواخر جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج صلى الله عليه وسلم في نحو مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين ، معهم ثلاثون بعيرا يتناوبون على ركوبها ، وصاحب اللواء فيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان الخروج في هذه الغزوة اختياريا، فمن شاء خرج ، ومن شاء لم يخرج ، وكان الغرض من الخروج اعتراض قافلة لقريش كانت ذاهبة إلى الشام .
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم العشيرة وجد قافلة قريش قد فاتته بأيام ، فاستغل صلى الله عليه وسلم فرصة وجوده في تلك الناحية ، فعقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ، ثم عاد إلى المدينة في أوائل جمادى الآخرة ، وكما كانت تلك القافلة سببا في غزوة العشيرة ، كانت كذلك سبباً في غزوة بدر ، وذلك في طريق عودتها من الشام .
لقد كانت غزوة العشيرة من أوائل الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الهدف منها - كما بينا - ضرب اقتصاد قريش ، والغزوة وإن لم تحقق هدفها المادي وهو الاستيلاء على القافلة ، إلا أنها - وهو الأهم - قد أدت هدفها المعنوي من إبلاغ رسالة إلى قريش مفادها أننا لن نكون لكم هدفاً سهلا بعد اليوم ، وأننا سوف نواجهكم ما دمتم تقفون عائقا في وجه الدعوة، وسوف نلاحقكم كما تلاحقون المؤمنين وتضطهدونهم ، وإلا فكفوا أيديكم فهو أسلم لكم.
تلك كانت الرسالة ، وهي بلا شك قد وصلت لقريش وفهمتها جيدا ، ومن هنا ندرك حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وحنكته العسكرية ، ومدى خبرته في إدارة الصراعات ، كيف لا وهو النبي الموحى إليه من عند الله سبحانه ، نسأل المولى عز وجل أن يعيننا على السير على خطاه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .
الخميس :23/01/2003
-
معجزات على طريق الهجرة
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص بالشبكة )
بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق، ووعده بالنصر والتأييد، وكان تأييده تعالى لرسوله بأمور كثيرة منها المعجزات والتي هي خوارق العادات، فقد وقعت له معجزات كثيرة ، ومنها ما كان على طريق الهجرة ، وهو ما سنقف عليه في هذه الكلمات.
وقعت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة , ولنقرأ ما سجله الصديق رضي الله عنه عن بداية الرحلة قال : ((أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة , وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد , حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل , لم تأت عليه الشمس بعد , فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ثم بسطت عليه فروة . ثم قلت : نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك , فنام)) . ثم حكى أبو بكر خبر مرور راع بهما , فطلب منه لبناً , وصادف استيقاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب ثم قال : ((ألم يأن للرحيل)) قلت : بلى . قال : فارتحلنا بعدما زالت الشمس , وأتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض .
معجزة في خيمة أم معبد :
وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيمة أم معبد بقديد طالبين القرى , فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها إلا شاة هزيلة لا تدرّ لبناً , فأخذ الشاة فمسح ضرعها بيده , ودعا الله , وحلب في إناء حتى علت الرغوة , وشرب الجميع , ولكن هذه الرواية طرقها ما بين ضعيفة وواهية . إلا طريقاً واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها ((لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله مالنا شاة , وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبه - فما تلك الشاة ؟ فأتى بها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها , ثم حلب عسّاً فسقاه , ثم شربوا , فقال : أنت الذي يزعم قريش أنك صابيء ؟ قال : إنهم ليقولون . قال : أشهد أن ما جئت به حق . ثم قال : أتبعك . قال : لا حتى تسمع أناّ قد ظهرنا . فاتّبعه بعد)) . وهذا الخبر فيه معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم .
قصة سراقة بن معبد :
ولندع رواية سراقة بن مالك تكمل الخبر التاريخي ففيها تفاصيل تكشف عن المعجزة النبوية . قال سراقة : ((لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم . قال : فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال : والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا عليّ آنفاً إني لأراهم محمداً وأصحابه . قال : فأومأت إليه بعيني أن اسكت . ثم قلت : إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم , قال : لعلّه , ثم سكت)) .
ثم ذكر سراقة خروجه في أثرهم , وأن فرسه ساخت به حتى طلب الدعاء له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : قل له وما تبتغي منا ؟ فقال لي ذلك أبو بكر . قال قلت : تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك . قال : اكتب له يا أبا بكر .
فكتب لي كتاباً في عظم أو في رقعة أو في خزفة , ثم ألقاه إلي , فأخذته فجعلته في كنانتي , ثم رجعت فسكت , فلم أذكر شيئاً مما كان)) . ثم حكى خبر لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وإسلامه .
وقد ذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من الاثنين حتى سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت , وأبو بكر يكثر الالتفات , كما ذكر أنه عرض عليهما الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئاً , وأن وصيته كانت : اخف عنا .
وتذكر رواية صحيحة أنه صار آخر النهار مسلمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان جاهداً عليه أوله . وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا عليه فصرعه الفرس . وقد احتاط الاثنان في الكلام مع الناس الذين يقابلونهم في الطريق , فإذا سئل أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا الرجل يهديني السبيل , فيحسب الحاسب إنه إنما يعني الطريق , وإنما يعني سبيل الخير . وقد صح أن الدليل أخذ بهم طريق السواحل
وبالجملة: فإن المعجزات جند من جنود الله تعالى أيد بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكرمه بها، فله الحمد في الأولى والآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
السبت :11/05/2002
-
بناء المسجد النبوي
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
إن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، ففيها يعبد الله تعالى ويذكر فيها اسمه، { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والآصال رجال...) ولم يكن هديه صلى الله عليه وسلم في المسجد قاصرا على الصلاة فحسب، بل كما كان مكان للعبادة فهو مكان للحكم والقضاء، وإدارة الدولة وسياستها، وتجييش الجيوش وغير ذلك من المهام . ولما كان المسجد بهذه المكانة فأول أمر بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله المدينة بناء المسجد وهذا ما سنقف عليه في المقال التالي:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى المدينة المنورة يصلي حيث أدركته الصلاة ، ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين ، من بني النجار ، وقد أشترها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها ، وقطع نخيلها ، وصفوا الحجارة في قبلة المسجد التي كانت تتجه نحو بيت المقدس آنذاك ، وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم ، وهم يرتجزون .
وكانت سواريه من جذوع النخل وأعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين . ثم أعيد بناء المسجد سنة 7هـ حيث اشترك في بنائه أبو هريرة ، وطلق بن علي الحنفي ـ أسلما سنة 7هـ وقد جرت توسعة المسجد عند إعادة بنائه هذه.
وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم موقع المنبر : وبنى بيوت أزواجه بحيث تحد المسجد من جهة الشمال والشرق والجنوب ،وتحدد موقع مصلاه بدقة حيث اتخذ محرابا من بعده ، وكانت ثمة اسطوانة تحدد موقعه ، وصارت تمسى باسطوانة المخلفَّة والقرعة ، وهي الآن في ظهر المحراب القديم ، وقد وضع المصحف في صندوق عند هذه الاسطوانة في جيل الصحابة ، وعرف المكان ما بين بيت عائشة رضي الله عنها والمنبر باسم " الروضة ". و تحددت في زمنه صلى الله عليه وسلم اسطوانة التوبة داخل الروضة ، وهي الاسطوانة الرابعة شرق المنبر ، وكان مصلى العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم في موقع مسجد الغمامة اليوم ، وكان ما بينه وبين المسجد النبوي مبلطا بالحجارة ويعرف بالبلاط حيث بنى كثير من المهاجرين بيوتهم في جهته. ولم يوقد في حياته صلى الله عليه وسلم في المسجد قنديل ، ولا بسط فيه حصير .
وللمسجد أهمية عظيمة في المجتمع الإسلامي ، فهم يجتمعون فيه للصلاة خمس أوقات كل يوم يتقربون إلى الله بالعبادة ، ويتعرفون على أحوال إخوانهم
ويتعاونون على البر والتقوى . ثم إن المسجد كان مركزا للقضاء بين الناس ومنطلقا لقوافل الجهاد حيث يعلن فيه النفير .
وقد احتل المسجد مكاناً هاماً في تعليم المسلمين وتثقيفهم ، وتلاوة ما ينزل من قرآن ، وقد جلس فيه معلمون لتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة .
وهكذا تنوع النشاط الذي احتضنه المسجد النبوي ما بين عبادة وعلم وخدمة اجتماعية وثقافية وعسكرية ، كما صار المسجد النبوي بالمدينة مناراً ومرشدا ومعلما بارزا في الحياة الإسلامية ، وتابعته المساجد الأخرى التي بنيت في المدن والأمصار الإسلامية على مر العصور.
الإثنين :01/04/2002
-
من نتائج الهجرة قيام الدولة الإسلامية
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري (خاص بالشبكة )
لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة , واستقروا في الأرض الجديدة , مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة , بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم , ومواساته بالنفس , حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة ؛ لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . وأبرز نتائج الهجرة تتمثل في قيام الدولة الإسلامية الأولى , وهي أول دولة أقامها نبي في الأرض , وذلك لأن دين الإسلام يجمع ما بين العبادة والتشريع والحكم .
وقد هيأت الهجرة الأمة والأرض لإقامة دولة نموذجية تهدف إلى إيجاد ظروف ملائمة لتحقيق العبودية الخالصة لله وحده , ولبناء مجتمع تسوده الأخوة الدينية وينأى عن العصبية الجاهلية , وكانت طاعة الله ورسوله هي الوسيلة لبناء المجتمع والدولة على أسس جديدة . وفيما يلي توضيح لنتائج الهجرة وقيام الدولة الإسلامية .
من أسس الدولة :
أ- تحقيق العبودية الخالصة لله وحده .
أحدث الإسلام نقلة عميقة وشاملة في عالم العقيدة , فلم يعد ثمة مجال لعبادة الأصنام والكواكب والأوهام , ولا لممارسة السحر والكهانة , ولا للتشبث بالتمائم والرقى , بل اتجه سكان الدولة الإسلامية إلى توحيد الله في التصور والعبادة والسلوك , فالله واحد { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}) (البقرة: من الآية163) وهو { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } (الأنعام: من الآية103) ولا يشبه شيئاً من المخلوقات , وقد وصف نفسه بصفات السمع والبصر والعلم والحياة وغيرها من الصفات التي وردت في القرآن والسنة ؛ لكن هذه الصفات لا تماثل صفات المخلوقين{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير } (الشورى: من الآية11) .
وأحدث الإسلام انقلاباً جذرياً في حياة الفرد والجماعة , بحيث تغيّر سلوك الأفراد اليومي وعاداتهم المتأصلة تغيراً كلياً , كما تغيرت مقاييسهم وأحكامهم ونظرتهم إلى الكون والحياة . وكذلك تغيرت بنية المجتمع بصورة واضحة , فاختلفت مظاهر وصور , وبرزت معالم وظواهر جديدة . فالنقلة كبيرة بين ما كان عليه الإنسان في جاهليته , وما صار إليه في إسلامه . إذ لم يعد العربي متفلتاً من الضوابط في معاملاته وعلاقاته الاجتماعية , بل صار منضبطاً بضوابط الشريعة الإسلامية في جزئيات حياته من أخلاق وعادات كالنوم والاستيقاظ , والطعام والشراب , والزواج والطلاق , والبيع والشراء , ولا شك أن العادات تتحكم في الإنسان , ويصعب عليه التخلص منها واكتساب عادات وصفات جديدة , ولكن ما ولّده الإسلام في أنفسهم من إيمان عميق مكّنهم من الانخلاع من الشخصية الجاهلية بكل ملامحها واكتساب الشخصية الإسلامية بكل مقوماتها , فاعتادوا على عبادة الله تعالى وحده , بالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد , وقصده بكل أعمال الخير الأخرى , والتقرب إليه بالذكر والشكر , والصبر على البلوى , والإنابة إليه , والدعاء إليه , والرغبة في فضله ورحمته , وامتلاء القلب بالتوحيد والإخلاص والرجاء .
واعتادوا أيضاً على استحضار النية لله في نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ؛ لان العبادة في الإسلام مفهومها واسع يمتد لكل عمل يقوم به الإنسان إذا قصد به وجه الله وطاعته . وإلى جانب الاعتياد على الطاعات , فإن المسلمين تخلصوا من العادات المتأصلة التي نهى عنها الإسلام كشرب الخمر و الأنكحة الجاهلية والربا ومنكرات الأخلاق من الكذب والخيانة والغش والغيبة والحسد والكبر والظلم ... وهكذا فإن الدولة الإسلامية التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة كونت مجتمعاً ربانياً يسعى أفراده في العمران الأدبي والمادي للأرض ويتطلعون إلى ما عند الله من النعيم المقيم .
ب- الأخوة ووحدة الصف :
إن الأساس الذي بنيت عليه العلاقات في مجتمع الدولة الإسلامية هو الاخوة الإيمانية التي حددتها الآية الكريمة { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات: من الآية10) ,
فالأخوة الصادقة لا تكون إلا بين المؤمنين , وهم يقفون صفاً واحداً للجهاد في سبيل الله ولبناء قوة الدولة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية , وذلك برص صفوفهم , والتعاون فيما بينهم , وشيوع المحبة والألفة في مجتمعهم . قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } (الصف:4)
ج- الطاعة بالمعروف في المنشط والمكره :
اتسم جيل الصحابة رضوان الله عليهم بالطاعة الكاملة لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم , فقد كانوا يقرؤون القرآن وكأنه ينزل على كل واحد منهم - رجلاً كان أم امرأة - غضاً طرياً , وكانت لغة التخاطب بينهم هي الفصحى التي نزل بها القرآن , وقد أعانهم ذلك على فهم الخطاب الإلهي بسهولة ويسر , كما ولّد الأثر القوي في نفوسهم , وسرعة الاستجابة التامة لتعاليمه وأحكامه . فكان جيل الصحابة قادراًُ على التخلص من عادات الجاهلية وتقاليدها وأعرافها , حتى لو كانت العادات قد استقرت منذ قرون , وصارت عرفاً مشروعاً وتقليداً مقبولاً . فمن ذلك أنه لما نزل قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة:90)
خرجت الأنصار بدنان الخمر إلى الأزقة وأراقوها وقالوا : انتهينا ربنا انتهينا ربنا . وشرب الخمر الذي أقلعوا عنه كان عادة متأصلة في حياة الفرد والمجتمع , والخمر الذي أراقوه كان مالاً ضحوا به تسليما لله رب العالمين .
ومن ذلك أن قوماً من المسلمين وفدوا على رسول الله صلى الله عيه وسلم في أول النهار , فإذا هم عراة حفاة يلبسون أكسية الصوف وعليهم السيوف ,
فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إشفاقا عليهم , وجمع الناس , وحثّهم على الصدقة , وقرأ عليهم الآيات في ذلك ومنها { اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد } (الحشر: من الآية18) فتتابع الناس حتى جمعوا كومين من طعام وثياب , فتهلّل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فرحاً بمبادرة الصحابة إلى معونة إخوانهم وطاعة ربهم وكذلك بادرت الصحابيات إلى طاعة أمر الله تعالى , قالت عائشة رضي الله عنها : "يرحم الله نساء المهاجرات الأول , لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن }( النور 31) شققن مروطهنّ فاختمرن به" رواه البخاري .
لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يلتزمون بالبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده , وكان للبيعة قيمة عالية , فهي التزام حرّ , وتعاقد بين الطرفين , وقد دللّوا دائما على صدق التزامهم فلبّوا داعي الجهاد , وخاضوا غمار المعارك في أماكن نائية عن ديارهم , ودفن كثير منهم في أطراف الأرض , وما عرفوا القعود عن الجهاد , والحفاظ على الكرامة ' والذود عن العقيدة . فجزاهم الله عن هذه الامة وهذا الدين خير الجزاء، وسلك بنا سبيلهم، وحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه خير مسؤول، والحمد لله أولاً وآخرا.
السبت :23/03/2002
-
الغزوات قبل بدر
(الشبكة الإسلامية)
أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم دولة الإسلام في المدينة بعد مهاجره من مكة المكرمة ، ثم شرع في متابعة تبليغ دعوته لقبائل العرب ، وكان من الطبيعي أن يلقى معارضة ممن يكيد لهذا الدين ولا يريد أن تقوم له قائمة . وكانت موقعة بدر من المواقع الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية ، نصر الله فيها الحق على الباطل ، والإيمان على الشرك ، وقد تقدمها بعض الوقائع التي كانت بمنزلة التمهيد والإعداد لهذه المعركة الفاصلة ، وكان مما تقدمها الغزوات الآتية :
1- غزوة الأبْواء (وَدّان)
كانت في صفر من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من المهاجرين بعد أن استخلف سعد بن عبادة على المدينة بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ، وهي أول غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان حامل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وفيها عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفاً مع بني ضمرة على ألا يغزوهم ولا يغزوه ، ولا يعينوا عليه أحدا ، ولم يحدث قتال في هذه الغزوة .
2- غزوة بُوَاط
وكانت في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه بعد أن استخلف سعد بن معاذ على المدينة ، وكان الهدف من الغزوة اعتراض عيرٍ لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ، ومائة رجل من قريش ، وألفان وخمسمائة بعير ، وكان حامل اللواء في هذه الغزوة سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه، وقد رجع المسلمون من غير قتال حين لم يعثروا على القافلة ، "وبواط" جبال من جبال جهينة من ناحية رضوى .
3- غزوة سَفَوان
وكانت كذلك في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع سبعين رجلاً في طلب كُرْز بن جابر الفِهْري الذي أغار على مراعي المدينة ، في قوات من المشركين ، ونهب المواشي ، فطارده المسلمون حتى بلغوا وادياً يقال له : سفوان من ناحية بدر ، ولذلك تسمى هذه الغزوة : "بدر الأولى" .
وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة ، وكان حامل لوائها علي بن أبي طالب .
ورجع المسلمون من هذه الغزوة دون حرب ؛ حيث أنهم لم يدركوا كُرز الفهري .
4- غزوة ذي العشيرة
وكانت في جمادى الأولى والآخرة من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة من المهاجرين ، على ثلاثين بعيراً ، بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ذاهبة إلى الشام ، فلما بلغ الجيش ذا العشيرة وجدوا العير قد فاتتهم بأيام ، وقد طلبها المسلمون أثناء عودتها من الشام ، فكانت سبب غزوة بدر الكبرى ، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وحمل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
وكان من نتائج هذه الغزوة عقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني النضير .
من خلال هذه الغزوات استفاد المسلمون فوائد متعددة ، منها ما يتعلق بتخويف العدو ، وبعث رسالة للواقفين في وجه الدعوة الإسلامية ، ومنها ما يتعلق بتقوية جيش المسلمين ، وتدريبه على القتال ، والصبر ، والقيادة ، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم ، يعطي اللواء في كل مرة لقائد من القواد ، فتتنقل الراية من حمزة إلى سعد بن أبي وقاص ، إلى علي ، ثم تعود إلى حمزة مرة أخرى - رضي الله عنهم جميعاً - ، وكان يُنوِّع في الاستخلاف على المدينة ، فمرة سعد بن عبادة ، وأخرى سعد بن معاذ ، وثالثة زيد بن حارثة ، ورابعة أبا سلمة المخزومي ، وهذا فيه دلالة عظيمة على حنكة القائد ، وفطنته ، وفيه تدريب على تحمل المسؤولية ، والاستفادة من قدرات الجميع وإمكاناتهم ، وفيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربي قادة ، ويعلم أمة ، ويرسم منهاجاً ، فهل يعي المسلمون ذلك ؟ خاصة أنهم في أمس الحاجة إلى النظر والتدبر في سيرة قائدهم ، وأسوتهم صلى الله عليه وسلم .
الثلاثاء:01/07/2003
-
أوائل المهاجرين
(الشبكة الإسلامية) الدكتور /أكرم ضيار العمري ( خاص للشبكة )
اشتد الأذى بالمؤمنين في مكة حتي صارت جحيماً لايطاق، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة حتي يأمنوا على أنفسهم، ويقيموا شعائر دينهم، فاستجاب المؤمنون لله ورسوله فهاجروا، وكان منهم سابقون إلى الهجرة، فمن أول من هاجر من الصحابة؟ هذا ما سنستعرضه في مقالنا التالي
يتفق موسى بن عقبة وابن إسحاق على أن أبا سلمة بن عبد الأسد هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة بعد أن آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة , فتوجه إلى المدينة قبل بيعة العقبة بسنة .
وكذلك فإن مصعب بن عمير وابن مكتوم كانا من أوائل المهاجرين حيث كانا يقرئان الناس القرآن .
وقد تتابع المهاجرون فقدم المدينة بلال بن رباح وسعد ابن أبي وقاص وعمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة .
وقد سعت قريش بشتى الطرق إلى عرقلة الهجرة إلى المدينة , وإثارة المشاكل أمام المهاجرين , مرة بحجز أموالهم ومنعهم من حملها , ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم , وثالثة بالاحتيال لإعادتهم إلى مكة، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة , فالمهاجرون كانوا على أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة .
قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها : ( لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره , ثم حملني عليه , وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري , ثم خرج بي يقود بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها , أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت : فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه ، قالت : وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة . قالوا : لا والله لاتترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ، قالت : فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم , وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ، قالت : ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ، قالت : فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح , فما أزال أبكي حتى أمسي , سنة أو قريباً منها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي - أحد بني المغيرة - فرأى مابي , فرحمني , فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ؟ قالت : فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت ، قالت : وردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابني .
قالت : فارتحلت بعيري , ثم أخذت ابني فوضعته في حجري , ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة , وما معي أحد من خلق الله . قالت : فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي . حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار , فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت : فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال : أو معك أحد ؟ قالت : فقلت : لا والله إلا الله وبنيّ هذا . قال : والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير . فانطلق معي يهوي بي , فوالله ماصحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه , كان إذا بلغ المنزل أناخ بي , ثم استأخر عني , حتى إذا نزلت عنه استأخر ببعيري فحط عنه , ثم قيده في الشجرة , ثم تنحّى إلى الشجرة فاضطجع تحتها , فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدّمه فرحّله ، ثم استأخر عني فقال : اركبي , فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه , فقاد بي حتى ينزل بي , فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية - وكان أبوسلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة . قال فكانت تقول : والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة . وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة ).
وقد سقت الخبر بطوله لما فيه من دلالة على الصعوبات التي واجهها المهاجرون وهي تشير إلى أصر العصبية في اتخاذ العشائر القرشية مواقفها من الأحداث ، فقد انحاز قوم أبي سلمة إليه رغم مخالفتهم له في العقيدة , ثم إن الخبر يكشف عن صورة من صور المروءة التي عرفها المجتمع القرشي قبل الإسلام تتمثل في موقف عثمان بن طلحة وتطوعه في مصاحبة المرأة وإحسان معاملتها مما يدل على سلامة الفطرة التي قادته أخيراً إلى الإسلام بعد صلح الحديبية , ولعل إضاءة قلبه بدأت منذ تلك الرحلة مع المرأة المسلمة .
وثمة صورة تاريخية لحدث آخر هو هجرة عمر بن الخطاب كما حدّث بها بنفسه قال : ( اتعدت - لما أردنا الهجرة إلى المدينة - أنا وعياش بن أبي ربيعة , وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب - موضع - من أضاءة بني غفار فوق سرف , وقلنا أينا لا يصبح عندها فقد حبس , فليمض صاحباه .قال : فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة التناضب , وحبس عنها هشام , وفتن فافتتن .
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء , وخرج أبو جهل بن هشام , والحارث بن هشام إلى عياش ابن أبي ربيعة - وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما - حتى قدما علينا المدينة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة - فكلماه وقالا : إن أمك قد نذرت ألا يمسّ رأسها مشط حتى تراك , فرقّ لها . فقلت له : يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم .
فقال : أبرّ قسم أمي , ولي هناك مال فآخذه .
فقلت : والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً , فلك نصف مالي ولا تذهب معهما . فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما . فلما أبى إلا ذلك قلت : أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول , فالزم ظهرها , فإن رابك من القوم ريب فانج عليها , فخرج عليها معهما . حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل : والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا , أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال : بلى . قال : فأناخ وأناخ ليتحول عليها , فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه , ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن .
قال : فكنا نقول : ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبةً ؛ قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم .
قال : وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم , وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون } ( الزمر 53-55) .
قال عمر بن الخطاب : فكتبتها بيدي في صحيفة , وبعثت بها إلى هشام بن العاص .
قال فقال هشام : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوّب ولا أفهمها . حتى قلت : اللهم فهمنيها . قال : فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا . قال : فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما ما روي من إعلان عمر لهجرته وتهديده من يلحق به بثكل أمه فلم يصح .
وهكذا وصلت طلائع الهجرة إلى المدينة المنورة، ووجدوا الأمن والأمان، والأخوة الصادقة من الأنصار، وأقاموا شعائر دينهم، فلله الحمد والمنة.
الثلاثاء:10/09/2002
-
وصول رسول الله إلى المدينة
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة , فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه , حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم , حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه انتظروه حتى لم يبق ظل يستظلون به فعادوا , وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا بيوتهم , فبصر به يهودي فناداهم , فخرجوا فاستقبلوه , وكانت فرحتهم به غامرة ، فقد حملوا أسلحتهم وتقدموا نحو ظاهر الحرة فاستقبلوه .
وقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء .
ولما عزم رسول الله صلى عليه وسلم أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم .
وقد سجلت رواية أن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار ، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر وهما راكبان , ومضى الموكب داخل المدينة , ( وقيل في المدينة : جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ) . وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت , وتفرق الغلمان في الطرق ينادون : يا محمد يا رسول الله , يا رسول الله .
قال الصحابي البراء بن عازب - وهو شاهد عيان - :" ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم "
أما تلك الروايات التي تفيد استقباله بنشيد (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع) فلم ترد بها رواية صحيحة .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب الأنصاري فتساءل : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يا نبي الله , هذه داري وهذا بابي . فنزل في داره .
وقد ورد في كتب السيرة أن زعماء الأنصار تطلعوا إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم , فكلما مر بأحدهم دعاه للنزول عنده , فكان يقول لهم : دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب ، وكان داره طابقين , قال أبو أيوب الأنصاري : ((لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأم أيوب في العلو , فقلت له : يا نبي الله - بأبي أنت وأمي - إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك , وتكون تحتي , فاظهر أنت في العلو , وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب : إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت.
قال : فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء , فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه)).
وقد أفادت رواية ابن سعد أن مقامه صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب سبعة أشهر .
وقد اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين , وآثروهم على أنفسهم , فنالوا من الثناء العظيم الذي خلّد ذكرهم على مرّ الدهور وتتالي الأجيال , إذ ذكر الله مأثرتهم في قرآن يتلوه الناس : {والذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون} ( الحشر9) .
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار ثناء عظيماً فقال : (لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار) و (لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة , ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين من بني النجار .
وقد اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقام المسلمون بتسويتها وقطع نخيلها وصفوا الحجارة في قبلة المسجد , وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم وهم يرتجزون :
اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة .
وقد بناه أولاً بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين، وقد واجه المهاجرون من مكة صعوبة اختلاف المناخ , فالمدينة بلدة زراعية , تغطي أراضيها بساتين النخيل , ونسبة الرطوبة في جوها أعلى من مكة , وقد أصيب العديد من المهاجرين بالحمى منهم أبو بكر وبلال .
فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشدّ , وصححها , وبارك لنا في صاعها ومدّها , وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة)). وقال : ((اللهم امض لأصحابي هجرتهم , ولا تردهم على أعقابهم)) .
لقد تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة , واستقروا في الأرض الجديدة مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة , بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام ومواساته بالنفس , حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . والحكم يدور مع علته , ومقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه , وإلا وجبت . ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر , فقد صارت البلد به دار إسلام , فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام .
وعندما دون التاريخ في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذت مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي , لكنهم أخروا ذلك من ربيع الأول الى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم , إذ بيعة العقبة الثانية وقعت في أثناء ذي الحجة , وهي مقدمة الهجرة . فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم , فناسب أن يجعل مبتدأ التاريخ الإسلامي. والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
الثلاثاء:02/04/2002
-
نظرة في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص بالشبكة )
إن رباط الأخوة في الإسلام رباط عظيم ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأكده، وكان من أوائل الأمور التي قام بها بعد وصوله المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار.
ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة مواساة وتعاون وتناصح دون أن يترتب على ذلك حق التوارث بين المتآخين ،
وهكذا وردت أخبار تفيد أنه آخى بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق مما جعل الواقدي والبلاذري ينكران ذلك .
وكذلك أنكر ابن كثير مؤاخاة جعفر بن أبي طالب لمعاذ بن جبل لأن جعفراً قدم في فتح خيبر أول سنة 7هـ .
ومثل ذلك مؤاخاة الحتات مع معاوية بن أبي سفيان ؛ لأن معاوية أسلم بعد فتح مكة سنة 8هـ .
وكذلك فإن الحتات قدم المدينة في وفد تميم في العام التاسع للهجرة ، وإذا اعتبرنا المؤاخاة مستمرة إلا ما يتعلق بحق التوارث الذي أبطل بعد بدر فلا موجب لهذا الاعتراض والإنكار الذي أبداه المؤرخون تجاه هذه الروايات .
وكذلك إذا قبلنا وقوع مؤاخاة دون إرث قبل وبعد تشريع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فإن ذلك سوف يفسر الالتباس الذي وقع فيه ابن إسحق عندما أورد في قائمة المتآخين خبر مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بن حارثة وكلهم مهاجرون في حين أن سائر الأسماء الأخرى التي وردت في قائمته توضح أن المؤاخاة كانت بين مهاجري وأنصار .
وقد عقب ابن كثير على مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بأنه لا معنى لهذه المؤاخاة إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من صغره . وإلا أن يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار .
ولكن هذا التعليل الذي قدمه ابن كثير غير مقبول لأن المصادر ذكرت مؤاخاة حمزة ابن عبد المطلب لكلثوم بن الهدم وغيره , كما ذكرت مؤاخاة زيد بن حارثة لأسيد بن حضير .
كما أن المؤاخاة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي تقتضي التوارث , والنبي لا يورث كما جاء في الحديث , كما أن البلاذري ذكر مؤاخاة علي لسهل بن حنيف .
وكذلك فإن البلاذري ذكر وقوع مؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وحمزة وزيد بمكة
ونخلص من ذلك إلى أن هذه المؤاخاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وبين حمزة وزيد إذا كانت قد وقعت , فإنها مؤاخاة تقتضي المؤازرة والرفقة دون حقوق التوارث وأنها جرت في غير الوقت الذي أعلن فيه نظام المؤاخاة في دار أنس بن مالك .
وأخيراً فإن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين باقية لم تنسخ سوى ما يترتب عليها من توارث فإنه منسوخ , وبوسع المؤمنين في كل عصر أن يتأخوا بينهم على المواساة والارتفاق والنصيحة ويترتب على مؤاخاتهم حقوق أخص من المؤاخاة العامة بين المؤمنين. والله نسأل ان يؤلف بين المؤمنين ويجعلهم أخوة متحابين متناصرين. والحمد لله رب العالمين.
الإثنين :25/03/2002
-
تشريع الجهاد
(الشبكة الإسلامية) الدكتور / أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
شرع الجهاد لأول مرة في العهد المدني ، وقبل ذلك كان المسلمون مأمورين بعدم استعمال القوة في مواجهة المشركين وأذاهم، فكان الشعار المعلن ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) (النساء :77) . فقد كانت الدعوة في المرحلة المكية جديدة مثل النبتة الصغيرة تحتاج إلى الماء والغذاء والوقت لترسخ جذورها وتقوى على مواجهة العواصف ، فلو واجهت الدعوة آنذاك المشركين بحد السيف فإنهم يجتثونها ويقضون عليها من أول الأمر ، فكانت الحكمة تقتضي أن يصبر المسلمون على أذى المشركين ، وأن يتجهوا إلى تربية أنفسهم ونشر دعوتهم.
فلما قامت للإسلام دولة في المدينة، شرع الله الجهاد دفاعاً عن النفس فقط في أول الأمر: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(الحج:39) . (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) ثم أذن بمبادرة العدو للتمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات، ولصرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادتهم الحرة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (البقرة:193) .
وقد التزم المقاتلون المسلمون بضوابط الحق والعدل والرحمة، فسجل التاريخ لهم انضباطهم الدقيق، حيث لم ترد أية إشارة إلى القيام بمجازر، أو سلب الأموال، أو الاعتداء على الأعراض في المناطق المفتوحة مما يقع عادة في الحروب المدنية خلال مراحل التأريخ المختلفة . وقبل ذلك كله لم تفرض العقيدة الإسلامية بالقوة على سكان المناطق المفتوحة ، بل سمح لأهل الكتاب بالمحافظة على أديانهم الأخرى ، ولا زالوا يعيشون بأديانهم حتى الوقت الحاضر بسبب السماحة الدينية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للمسلمين ضرورة اقتران النية بالجهاد ، وأن لا يكون الدافع إلى القتال الحصول على الغنائم، أو الرغبة في الشهرة والمجد الشخصي، أو الوطني، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) رواه مسلم
بل لا بد من إخلاص النية لله بأن لا يقترن القصد من الجهاد بأي غرض دنيوي لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه .
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تضمَّن الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي ، وإيماناً بي ، وتصديقاً برسلي ، فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة ، والذي نفس محمد بيده ما من كلم ـ جرح ـ يكلم في سبيل الله إلا ما جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم ، لونه لون دم ، وريحه مسك ، والذي نفس محمد بيده ، ! لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، والذي نفس محمد بيده ! لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ) رواه مسلم.
ومن الصعب تقديم النماذج الكثيرة التي توضح أثر هذه التوجيهات النبوية على نفسية المقاتل المسلم ، ولكن يمكن اختيار نموذجين لمقاتلين من عامة الجند ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين أثناء القتال في غزوة أحد : ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فسمعه عمير بن الحمام الأنصاري فقال : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض !؟ قال: نعم فقال بخ بخ ـ كلمة تقال لتعظيم الأمر في الخير ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن كون من أهلها . قال : فإنك من أهلها . فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، قال : فرمي بما كان معه من التمر وقاتلهم حتى قتل ) رواه مسلم .
فهذا النموذج الأول.
وأما الثاني : فقد صح أن أعرابياً شهد فتح خبير، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قسماً وكان غائبا ، فلما حضر أعطوه ما قسم له ، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أرمي هاهنا ـ وأشار إلى حلقه ـ بسهم فأدخل الجنة . قال : ( إن تصدق الله يصدقك ) قال : فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بجبته ، وصلى الله عليه ودعا له ، فكان مما قال : ( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيدا ، وأنا عليه شهيد ) مصنف عبد الرازق
فهذه الرواية شاهد قوي على ما يبلغه الإيمان من نفس أعرابي ألف حياة الغزوة والسلب والنهب في الجاهلية فإذا به لا يقبل ثمنا لجهاده إلا الجنة ، فكيف يبلغ الإيمان إذاً من نفوس الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! .
أقسام الجهاد
يكون الجهاد بالكلمة ، وبالمال ، وبالنفس ، وفيما يلي تعريف بكل قسم من هذه الأقسام :
الجهاد بالكلمة
إن المقصود بالجهاد بالكلمة هو الدعوة إلى الله تعالى ، ببيان العقيدة والشريعة وتربية الناس وفقها ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتوجيه النصح للحاكم، وخاصة إذا كان جائراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) رواه أبو داود وقال : ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) . أبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ، وذلك لأن الناس تهاب الظالم ولا تنصحه مما يؤدي إلى الطغيان والانحراف عن الاستقامة والمخالفة لدين الله ، فكان أجر من يسعى إلى تقويم الحاكم الجائر عظيماً ، لأن عودته إلى الاستقامة وطاعة الله تعالى تؤدي إلى إحياء فريضة الجهاد في المجتمع، وتهيئة الأمة روحياً وجسمياً وفكرياً لمتطلباته .
الجهاد بالمال:
حض الإسلام على الجهاد بالمال ، لما له من أثر كبير في تجهيز الجيوش بالسلاح والأدوات والتدريب ، مما يقتضي صرف الأموال الوفيرة ، وتقوم الدولة في الوقت الحاضر بهذا الواجب، فتصرف من الموارد العامة على إعداد الجيوش ، وعند الحاجة، أو نقص الموارد، فيجب على أغنياء المسلمين دعم الجهاد بأموالهم ، قال تعالى : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (التوبة:41) .
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ فقال : ( مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ) رواه البخاري.
الجهاد بالنفس:
يحرص الإسلام على السلم ، ويدعو الناس إلى الدخول فيه ، كما يحرص على هدايتهم ، بالبيان والترغيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ل علي رضي الله عنه . حين وجهه لقتال يهود خبير : ( لئن يهدي الله بك رجلا خبر من أن يكون لك حمر النعم ) رواه مسلم
ولكن الإسلام يحث أيضا على القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين ، أو الدفع عن أرض المسلمين إذا هوجموا من عدوهم ، والجهاد بالنفس من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، إلا عندما تغزى أرض المسلمين فإنه يصبح فرض عين يقوم به كل قادر على القتال، قال تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15).
وخاتمة القول: إن الجهاد شرع في الوقت المناسب، وشرع لإقامة الحق والعدل، ونشر رسالة الإسلام وإزاحة العوائق من أمام هذه الرسالة لتصل للناس أجمعين، والله نسأله أن يرفع راية الجهاد وينصر المجاهدين في كل مكان والحمد لله رب العالمين.
الأحد :17/03/2002
-
الهجرة النبوية ومنعطف التأريخ
(الشبكة الإسلامية) أ.د/ أكرم ضياء العمري ( خاص للشبكة )
تطلق "الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء , فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه - كما في الحديث الشريف - , وهي بهذا المعنى مطلقة من قيود الزمان والمكان , إذ بوسع كل مسلم أن يكون مهاجراً بالالتزام بأوامر الله والهجر للمعاصي .
لكن الهجرة النبوية تتعلق بترك الموطن والانخلاع عن المكان بالتحول عنه الى موطن آخر ابتغاء مرضاة الله رغم شدة تعلق الانسان بموطنه وألفته للبيئة الطبيعية والاجتماعية فيه , وقد عبّر المهاجرون عن الحنين الى مكة بقوة وخاصة في أيامهم الأولى حيث تشتد لوعتهم .
وتحتاج الهجرة الى القدرة على التكيف مع الوسط الجديد "المدينة المنورة" حيث يختلف مناخها عن مناخ مكة فأصيب بعض المهاجرين بالحمى , كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري , فضلاً عن ترك المهاجرين لاموالهم ومساكنهم بمكة . لكن الاستجابة للهجرة كانت أمراً إلهياً لابد من طاعته , واحتمال المشاق من أجل تنفيذه . فقد اختار الله مكان الهجرة , كما في الحديث الشريف "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة الى أرض بها نخل , فذهب وهلي الى أنها اليمامة أو هجر , فاذا هي المدينة يثرب" .
وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تترى نحو الموطن الجديد .. دار الهجرة .. وقد شاركت المرأة في حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده ..
لكنها صممت على الهجرة ونجحت في ذلك رغم الاخطار والمصاعب . وخلدت أسماء بنت أبي بكر ذكرها في التأريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين , رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وقد تتابعت هجرة النساء في الاسلام حتى شرعت في القرآن {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} - الممتحنة 10 - ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8هـ عند أوقفت الهجرة بعد فتح مكة واعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ( لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا ) .
والأمر بالهجرة الى المدينة لانها صارت مأرز الايمان وموطن الاسلام , وشرع فيها الجهاد لمواجهة الاعداء المتربصين بها من قريش واليهود والأعراب , فكان لابد من امدادها بالطاقة البشرية الكافية مما يفسر سبب نزول القرآن بهذه الآيات الواعدة للمهاجرين : {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} - البقرة 218 - {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة} - النحل 41 - {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} - النساء 100 - .
وقد حاز المهاجرون شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم , فقد اعتبروا اهل السبق في تأسيس دولة الاسلام فنالوا رضى الله والقربى منه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم } - التوبة 100 - . وهكذا خلد الله ذكرهم في القرآن الذي يتعبد المسلمون بتلاوته الى آخر الزمان .
الهجرة من سنن النبيين عليهم السلام
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مرّ بهذا الامتحان كثير من الانبياء .. وقد أخبرنا الله تعالى بأن ابراهيم عليه السلام هاجر من موطنه الى مصر وغيرها داعياً الى التوحيد , وأن يعقوب ويوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين الى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته . وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر الى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون .
وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين , وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين . وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً .
المنعطف الحاسم
لقد أدت الهجرة الى قيام دولة الاسلام في المدينة , والتي أرست ركائز المجتمع الاسلامي على أساس من الوحدة والمحبة والتكافل والتآخي والحرية والمساواة وضمان الحقوق , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو رئيس هذه الدولة وقائد جيوشها وكبير قضاتها ومعلمها الأول . وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم شريعة الاسلام , وكان القرآن ينزل بها منجماً , فكان الصحابة يدرسون ما ينزل ويطبقونه على أنفسهم , ويتعلمون تفسيره وبيانه من النبي صلى الله عليه وسلم فتكون جيل رباني تمكن من الجمع بين عبادة الله وعمران الحياة وعمل تحت شعار : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .
وفي خلال عقد واحد توحد معظم الجزيرة العربية في ظل الإسلام ، ثم انتشر في خلال عقود قليلة تالية ليعم منطقة واسعة امتدت من السند شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً حيث آمن الناس بالاسلام ، واستظلوا بشريعته العادلة واقاموا حضارة زاهرة آتت أكلها قروناً طويلة في حقول التشريع والتربية وعلوم الكون والطبيعة , فكانت أعظم آية . والحمد لله رب العالمين.
الجمعة :15/03/2002
-
أحداث بين غزوة الطائف وغزوة تبوك
(الشبكة الإسلامية)
كانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه حياة جِدِّ وعمل ، ومما يدل على ذلك أحداث السيرة العطرة ، التي يراها الناظر متتابعة متلاحقة في إنجازاتها العظيمة التي تدل ولا شك على عظمة القائد ، وجَلده وصبره في تبليغ الحق الذي جاء به ، والثبات عليه مهما كانت الصعاب والعقبات ، ومعه في ذلك الطريق أصحابه الكرام .
فبعد غزوة الطائف التي كانت في شوال سنة 8هـ ، لحقتها عدة أحداث نوجزها باختصار :
1-قدوم وفد هوازن
حيث أقبلوا مسلمين طائعين مبايعين ، وكان عددهم أربعة عشر رجلاً ، ويرأسهم زهير بن صُرَد ، وفيهم أبو بُرْقَان عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، وكان من جملة ما طلبوا من الرسول أن يعيد إليهم السبايا التي أصابها المسلمون منهم ، فأجابهم النبي الكريم إلى ذلك بعد استشارة أصحابه ، واستطابة خاطرهم .
2-أداء العمرة
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة غنائم حنين في الجعرانة ، حيث أخّر قسمتها ، أملاً في قدوم وفد هوازن تائبين ، فتُعاد إليهم ، ولما لم يأته أحد قسمها ، ثم أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة منها ، وبعد انتهاء العمرة انصرف من مكة عائداً إلى المدينة بعد تولية عتّاب بن أسيد على مكة ، وكان دخوله المدينة أواخر ذي القعدة سنة 8هـ .
3-البعوث
بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، بدأ أوائل سنة 9هـ في بعث الوفود إلى القبائل ، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم ، ويزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار ، وعباد بن بشر الأشهلي إلى سُليم ومزينة ، ورافع بن مكيث إلى جهينة ، وعمرو بن العاص إلى بني فزارة ، والضحاك بن سفيان إلى بني كلاب ، وبشير بن سفيان إلى بني كعب ، وابن اللّتبية الأزدي إلى بني ذبيان ، والمهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ، وزياد بن لبيد إلى حضرموت ، وعدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد ، ومالك بن نويرة إلى بني حنظلة ، والزِّبْرِقَان بن بدر وقيس بن عاصم إلى بني سعد ، والعلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، وعلي بن أبي طالب إلى نجران .
وكانت هذه البعوث تقوم بالدعوة إلى الله ، وتعليم الناس أمور دينهم ، وجمع الصدقات ، وأخذ الجزية .
4-السرايا
وكما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم البعوث ذات الطابع السِّلمي ، أرسل السرايا التي يغلب عليها الطابع العسكري الجهادي من أجل الوقوف بحزم مع أولئك الذين يثيرون القلاقل بين حين وآخر :
فكانت سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم ، في خمسين فارساً .
وسرية قُطبة بن عامر إلى حي من خثعم ، في عشرين رجلاً .
وسرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب .
وسرية علقمة بن مُجزِّر المُدلجي إلى سواحل جُدَّة ، في ثلاثمائة .
وسرية علي بن أبي طالب إلى صنم لطيئ من أجل هدمه ، في خمسين ومائة .
وكانت نتائج هذه السرايا انتصار المسلمين ، وكسب الغنائم ، مع نيل الشهادة لبعض القادة والمقودين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
تلك بعض الأحداث التي كانت بين غزوتي الطائف وتبوك ، وهي تدل على الصبر والجلد عند أولئك الرجال العظام ، وكيف أنهم كانوا يواصلون الخير والعطاء ، ونشر الهداية بين الناس ، والجهاد في سبيل الله باللسان والسنان دون كلل أو ملل ، وفي ذلك درسٌ عظيم لأمة الإسلام كي تنهض من كبوتها ، وتأخذ بهدي نبيها ، عسى الله أن يجعل لها من بعد عُسرها يُسرا ، والله ولي المؤمنين والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء:01/07/2003