-
الحديث السابع
الحديث السابع :
الدين النصيحة
عن أبي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بِن أوْسٍ الدَّاريَّ رضي اللهُ عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدين النصيحة . قلنا : لمن ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم " .
رواه مسلم .
أهمية الحديث :
هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهو عبارة عن كلمات موجزة اشتملت على معانٍ كثيرة وفوائد جليلة ، حتى إننا نجد سائر السنن وأحكام الشريعة أصولاً وفروعاً داخلة تحته ، بل تحت كلمة منه وهي " ولكتابه " لأن كتاب الله تعالى اشتمل على أمور الدين جميعاً أصلاً وفرعاً عملاً واعتقاداً ؛ فإذا آمن به وعمل بما تضمنه على ما ينبغي في النصح له ، فقد جمع الشريعة بأسرها ، قال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) [ الأنعام : 38 ] ولذا قال العلماء : هذا الحديث عليه مدار الإسلام .
لغة الحديث :
" الدين " : المراد هنا : الملة وهي دين الإسلام ؛ أي عماد الدين وقوامه النصيحة .
" النصيحة " : كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له ، وأصل النصح في اللغة : الخلوص ، ومنه : نصحت العسل إذا صفيته من الشمع وخلصته منه ، وقيل : مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه ، فشبَّه فعل الناصح فيما يتحراه للمنصوح له بإصلاح الثوب .
" أئمة المسلمين " : حكامهم .
" عامتهم " : سائر المسلمين غير الحكام .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- النصيحة لله : وتكون بالإيمان بالله تعالى ، ونفي الشريك عنه ، وترك الإلحاد في صفاته ، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها ، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص ، والإخلاص في عبادته ، والقيام بطاعته وتجنب معصيته ، والحب والبغض فيه ، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه . والتزام المسلم لهذا في أقواله وأفعاله يعود بالنفع عليه في الدنيا والآخرة ؛ لأنه سبحانه وتعالى غني عن نصح الناصحين .
2- النصيحة لكتاب الله : وتكون بالإيمان بالكتب السماوية المنزلة كلها من عند الله تعالى ، والإيمان بأن هذا القرآن خاتم لها وشاهد عليها ، وهو كلام الله تعالى المعجز ، حفظه في الصدور والسطور ، وتكفل سبحانه بذلك ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] .
وتكون نصيحة المسلم لكتاب ربه عز وجل :
أ- بقراءته وحفظه ؛ لأن في قراءته اكتساب العلم والمعرفة ، وحصول طهارة النفس ، وصفاء الضمير ، وزيادة التقوى . وفي قراءة القرآن حسنات عظيمة تكتب في صحيفته ، وشفاعة يجدها في انتظاره يوم القيامة ، وروى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " . وأما حفظ كتاب الله تعالى في الصدور ؛ ففيه إعمار القلوب بنور كتاب الله ، وقدر عظيم وشرف يناله المسلم فيصبح شامة بين الناس في الدنيا ، ودرجة عالية يرتقي إليها بمقدار ما حفظ من آيات كتاب الله وسوره في الآخرة ، روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " .
ب- بترتيله وتحسين الصوت بقراءته ، مما يجعل القراءة أوقع في النفس ، وأسمع في القلب ، روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " .
ج- بتدبر معانيه ، وتفهم آياته ، قال تعالى :( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ) [ محمد : 24 ] .
د- بتعليمه للأجيال المسلمة ، لتقوم بتبعة المسؤولية في حفظ كتاب الله ، وفي تعلم القرآن وتعليمه سبيل عزتنا وسعادتنا ، روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيركم من تعلم القرآن وعلّمه " .
هـ- بالتفقه والعمل ، فلا خير في قراءة لافقه فيها ، ولا خير في فقه لاعمل به ، وأهم ما نحصل عليه من ثمرات قرآنية يانعة ؛ إنما نصل إليها بعد فهم وعمل ، وقبيح بنا أن نعلم ولا نعمل ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كَبٌر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 - 3 ] .
3- النصيحة لرسول الله : وتكون بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء به من قرآن وسنة ، كما تكون بمحبته وطاعته ، وفي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ) [ آل عمران : 31 ] وفي طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة الله عز وجل ( من يُطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80 ] والنصح لرسول الله بعد موته ، يقتضي من المسلمين أن يقرؤوا سيرته في بيوتهم ، وأن يتخلقوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ويتأدبوا بآدابه ، ويلتزموا سنته بالقول والعمل ، ويستفيدوا من حياته وأيامه الدروس والعبر والعظات ، وأن يسهموا في نشر السنة بين الناس ، وأن ينفوا عنها تهم الأعداء والمغرضين ، ودعاوى المبطلين وبدع المغالين .
4- النصيحة لأئمة المسلمين : و أئمة المسلمين إما أن يكونوا الحكام أو من ينوب عنهم ، وإما أن يكونوا العلماء والمصلحين .
فأما حكام المسلمين فيجب أن يكونوا من المسلمين ؛ حتى تجب طاعتهم ، قال تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم ) [ النساء : 59 ] ونصيحتنا لهم أن نحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم ، لا أن نحبهم لأشخاصهم ، ولما يتحقق من مصالحنا الخاصة على أيديهم ، و أن نحب اجتماع الأمة في ظل حكمهم العادل ، ونكره افتراق الأمة وضيعة الناس في ظل حكم جائر وطائش ... ونصيحتنا لهم أن نعينهم على الحق ونطيعهم فيه ونذكرهم به ، وننبههم في رفق وحكمة ولطف ، فإنه لاخير في أمة لا تنصح لحاكمها ، ولا تقول للظالم أنت ظالم ، ولا خير في حاكم يستذل شعبه ويكمُّ أفواه الناصحين ، ويصمُّ أذنيه عن سماع كلمة الحق ، بل يكره أن يتفوه بها أحد ، وعندما تصبح الأمة كالقطيع لا تقوم بحق النصح للحاكم ويصبح الحاكم طاغوتاً لا يقبل النصيحة ، فمعنى ذلك الذل والدمار والهزيمة والصغار ، وهذا قابل الوقوع والحدوث كلما انحرفت الأمة عن الإسلام ، ومُسخت وشوهت مبادئه وأفكاره في أقوال الناس وأفعالهم .
وأما العلماء والمصلحين ، فإن مسئوليتهم في النصح لكتاب الله وسنة رسوله كبيرة ، وتقتضي رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة ، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها ، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء ، وبيان الصحيح والضعيف من الأحاديث المروية في كتب السنن والمسانيد ، وذلك بعرضها على قواعد الجرح والتعديل وعلل الأحاديث .
ومسؤوليتهم في نصح الحكام ودعوتهم إلى الحكم بكتاب الله وسنة رسوله أكبر وأعظم ، والله سبحانه وتعالى سيحاسبهم إن قصروا في هذه المسؤولية ، ولم يكونوا مجاهدين يعلنون كلمة الحق في وجوه الحكام ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " . وسيحاسبهم إن هم أغروا الحاكم بالتمادي في ظلمه وغيه بمديحهم الكاذب ، وجعلوا أنفسهم أبواقاً للحكام ومطية ، والفرق كبير جداً بين أن ينضووا في قافلة سلاطين العلماء ، وبين أن يصبحوا ذيولاً في قافلة خدام الحكام .
ونصحنا لهم أن نذكرهم بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، وأن نصدقهم بما يرونه من أحاديث ما داموا أهلاً للثقة ، وأن نصون ألسنتنا عن تجريحهم وذمهم ، فإن هذا يفقدهم الهيبة ، ويجعلهم محل التهمة .
5- النصيحة لعامة المسلمين : وذلك بإرشادهم لمصالحهم في أمر آخرتهم ودنياهم ، ومما يؤسف له أن المسلمين قد تهاونوا في القيام بحق نصح بعضهم بعضاً وخاصة فيما يقدمونه لآخرتهم ، وقصروا جل اهتمامتهم على مصالح الدنيا وزخارفها ... ويجب أن لاتقتصر النصيحة على القول ، بل يجب أن تتعدى ذلك إلى العمل ، فتظهر النصيحة في المجتمع الإسلامي ستراً للعورات ، وسداً للخل ، ودفعاً للضرر ، وجلباً للمصالح ، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، وتوقيراً للكبير ، ورحمة للصغير ، وتركاً للغش والحسد ، وإن ضر ذلك بدنيا الناصح أو بماله .
6- أعظم أنواع النصيحة : ومن أعظم أنواع النصح بين المسلمين : أن ينصح لمن استشاره في أمره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له " ومن أعظم أنواعه أن ينصح أخاه في غيبته ، وذلك بنصرته والدفاع عنه ؛ لأن النصح في الغيب يدل على صدق الناصح ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن من حق المسلم على المسلم أن ينصح له إذا غاب " .
7- أقوال فريدة للعلماء في النصيحة : قال الحسن البصري : إنك لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حتى تأمره بما يعجز عنه . وقال : قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله : أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ، ويسعون في الأرض بالنصيحة .
وقال أبو بكر المزني : ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة ، ولكن بشئ كان في قلبه ، قال : الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل والنصيحة في خلقه .
وقال الفضيل بن عياض : ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام ، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة .
8- من أدب النصيحة : وإن من أدب النصح في الإسلام أن ينصح المسلم أخاه المسلم ويعظه سراً ، لأن من ستر ستره الله في الدنيا والآخرة ، قال بعضهم : من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه . وقال الفضيل بن عياض : المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعير .
9- ويستفاد من الحديث كما قال ابن بطال :
- أن النصيحة دين إسلام ، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول .
- النصيحة فرض كفاية يجزئ فيه من قام به ويسقط عن الباقين .
- النصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يُقبل نُصحه ، ويُطاع أمره وأمن على نفسه المكروه ، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
-
الحديث الثامن
الحديث الثامن :
حُرمة المسلم
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عَصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى " .
رواه البخاري ومسلم .
أهمية الحديث :
هذا الحديث عظيم جداً لاشتماله على المهمات من قواعد دين الإسلام وهي : الشهادة مع التصديق الجازم بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامة الصلاة على الوجه المأمور به ، ودفع الزكاة إلى مستحقيها .
لغة الحديث :
" أُمرت " : أمرني الله تعالى .
" الناس " : هم عبدة الأوثان والمشركون .
" يقيموا الصلاة " : يأتوا بها على الوجه المأمور به ، أو يداوموا عليها .
" يؤتوا الزكاة " : يدفعوها إلى مستحقيها .
" عصموا " : حفظوا ومنعوا ، ومنه اعتصمت بالله : امتنعت بلطفه عن معصيته .
" إلا بحق الإسلام " : هذا استثناء منقطع ، ومعناه : لكن يجب عليهم بعد عصمة دمائهم أن يقوموا بحق الإسلام من فعل الواجبات وترك المنهيات .
" وحسابهم على الله " : حساب بواطنهم وصدق قلوبهم على الله تعالى ، لأنه سبحانه هو المطلع على ما فيها .
فقه الحديث وما يرشد إليه :
1- روايات الحديث : روي معنى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ، تزيده وضوحاً وبياناً ، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس - يعني المشركين - حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " .
وخرَّج الإمام أحمد من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيوا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا - أو عصموا دماءهم وأموالهم - إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل " وخرَّجه ابن ماجه مختصراً .
2- الاقتصار على النطق بالشهادتين كاف لعصمة النفس والمال : ومن الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الإسلام الشهادتين فقط ، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلماً . ويؤيد هذا أحاديث قولية صحيحة لم يذكر فيها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال :لاإله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها ، وحسابه على الله عز وجل " وفي رواية لمسلم : " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به " .
ولا تعارض بين الأحاديث بل كلها حق ، فإن مجرد النطق بالشهادتين يعصم الإنسان ويصبح مسلماً ، فإن أقام الصلاة وآتى الزكاة بعد إسلامه ، فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، وإن أخل بشئ من أركان الإسلام ، فإن كانوا جماعة لهم منعة قوتلوا ، قال تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم ) [ التوبة : 5 ] وقال سبحانه : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) [ التوبة : 11 ] . وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً لم يُغر عليهم حتى يُصبح ، فإن سمع أذاناً وإلا أغار عليهم ، مع احتمال أن يكونوا قد دخلوا في الإسلام .
3- التناظر بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما : وإن ما وقع من تناظر بين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما بشأن قتال مانعي الزكاة ، يؤكد ما اجتمعت عليه الأحاديث من قبول الشهادتين للدخول في الإسلام ، وقتال الممتنعين بشكل جماعي عن إقامة الصلاة و أداء الزكاة ، ففي البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر رضي الله عنه لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله عز وجل " فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه . فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق .
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه استدل على قتال مانعي الزكاة من قوله صلى الله عليه وسلم " إلا بحقه " ، وعمر رضي الله عنه ظن أن مجرد الإتيان بالشهادتين يعصم الدم في الدنيا ، واستدل على ذلك بعموم أول الحديث ، ثم رجع عمر إلى موافقة أبي بكر رضي الله عنهما .
ومن المؤكد أن حديث ابن عمر وهو نص صريح في قتال مانعي الزكاة لم يكن عند أبي بكر ولا عمر ، ولم يبلغهما ، ولعل السبب في ذلك أن ابن عمر لم يعلم بما وقع بينهما من اختلاف لمرض أو سفر ، أو كان ناسياً لهذا الحديث الذي رواه .
وهذه القصة تدل على جلالة علم أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ودقيق استنباطه وقياسه ، فقد وافق ذلك النص دون أن يكون له علم به ، وفي القصة إشارة إلى أن قتال تارك الصلاة أمر مُجمع عليه بين الصحابة ، وقد ورد النص الصريح بذلك في حديث رواه مسلم عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع " فقالوا : يارسول الله ، ألا نقاتلهم ؟ قال : " لا ، ما صلوا ".
4- حكم من ترك جميع أركان الإسلام : وحكم من ترك جميع أركان الإسلام إذا كانوا جماعة ولهم منعة ؛ أن يقاتلوا عليها ، كما يقاتلون على ترك الصلاة والزكاة ، روى ابن شهاب الزهري عن حنظلة بن علي بن الأسقع : أن أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه وأمره أن يقاتل الناس على خمس فمن ترك واحدة من الخمس فقاتلهم عليها كما تقاتل على الخمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان . وقال سعيد بن جبير : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة .
أما إذا ترك المسلم أحد أركان الإسلام وامتنع عن القيام به ، فقد ذهب مالك والشافعي إلى قتل الممتنع عن الصلاة حداً ، وذهب أحمد وإسحاق وابن المبارك إلى قتله كفراً . وأما الممتنع عن الزكاة أو الصوم أو الحج ، فقال الشافعي : لا يُقتل بذلك . وروى أحمد في ذلك قولان ، والمشهور عنه قتل الممتنع عن أداء الزكاة .
5- الإيمان المطلوب : وفي الحديث دلالة ظاهرة لمذهب المحققين من السلف والخلف ؛ أن الإيمان المطلوب هو التصديق الجازم ، والاعتقاد بأركان الإسلام من غير تردد ، وأما معرفة أدلة المتكلمين والتوصل إلى الإيمان بالله بها ، فهي غير واجبة ، وليست شرطاً في صحة الإيمان ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا ، وفي غيره من الأحاديث ، يكتفى بالتصديق بما جاء به ، وولم يشترط معرفة الدليل .
6- معنى قوله صلى الله عليه وسلم " إلا بحقها " : وفي رواية " إلا بحق الإسلام " ، سبق أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استنبط من هذا الحق إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ومن العلماء من استنبط منه فعل الصيام والحج أيضاً ، ومن حقها ارتكاب ما يبيح دم المسلم إذا ارتكب محرماً يُوجب القتل ، وقد ورد تفسير هذا الحديث في حديث رواه الطبراني وابن جرير الطبري عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لآ إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى " . قيل : وما حقها ؟ قال : " زنا بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس فيقتل به " قال ابن رجب : ولعل آخره من قول أنس ، وقد قيل : إن الصواب وقف الحديث كله عليه . ويشهد لهذا ما في البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثّيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " .
7- الحساب في الآخرة لله عز وجل : وهو سبحانه وتعالى يعلم السرائر ويحاسب عليها ، فإن كان مؤمناً صادقاً أدخله الجنة ، وإن كان كاذباً مرائياً بإسلامه فإنه منافق في الدرك الأسفل من النار .
أما في الدنيا فإن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التذكير ، قال تعالى : ( فذَكْر إنما أنت مُذكر . لست عليهم بمسيطر . إلا من تولى وكفر فيُعذبه الله العذاب الأكبر . إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) [ الغاشية : 21-24 ] . وفي البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد : " إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم " .
8- ويرشدنا الحديث إلى وجوب قتال عبدة الأوثان حتى يسلموا .
9- دماء المسلمين وأموالهم مصونة .
منقول من كتاب الوافي في شرح الاربعين النووية
تأليف الدكتور مصطفى البغا ـ محي الدين مستو
-
احبتي في الله توقفنا عند الحديث الثامن الرجاء التفاعل معنا في اكمال الموضوع
-