رد: عائشة .. في غـرفة التشريح .. !
يوم السبت كان استثنائياً لدى أم أحمد ما أن خرجت عائشة في الصباح ، إلى المستشفى ، حتى حولت البيت إلى ورشة عمل عند العودة من المدارس كل فرد من العائلة أوكلت إليه مهمة :
- ستعود عائشة اليوم مبكرة من المستشفى لتستعد للذهاب إلى حفل التخرج الليلة كل شيء يجب أن يكون قد انتهى قبل رجوعها
كانت قد وضعت برنامجاً لحفلة مصغرة بين المغرب والعشاء ، قبل أن تذهب إلى الحفل في الجامعة تقتصر الحفلة على الدائرة القريبة من الأقارب ، الأعمام والعمات والأخوال والخالات وبناتهم الكبيرات بعد ساعات من العمل ، تحول البيت إلى لوحة جميلة من الزخرفة والزينات صُفّت الهدايا بطريقة بديعة في الصالة الرئيسة في غرفة الطعام ، تم تنظيم المائدة بذوق فنان تقتضي الخطة أن يتم استقبال عائشة ، حين عودتها من العمل عند باب البيت ، ثم يتم عصب عينيها ، واقتيادها إلى غرفتها ، حتى لا ترى أياً من مظاهر الاحتفال ، ولا تخرج إلا حين يصل الضيوف بعد صلاة المغرب
سارت الاستعدادات وفق الخطة المرسومة بهجة عائشة لا توصف ، حين خرجت من غرفتها أدهشها مستوى التنظيم ، وجمال مظاهر الاحتفاء الحفاوة البالغة من أقاربها الرجال ، ضخ فيها روحاً غير عادية عبارة عمها ، الذي يكبر والدها حملتها إلى سماوات :
- عائشة دعوت الله ألاّ أموت ، حتى أشهد هذه المناسبة
مفاجأتها بكلام عمّها جاءت بسبب الإشاعات التي رُوّجت ، أنه كان ممن سعوا لدفع أقاربها للضغط على والدها ، لمنعها من دخول كلية الطب كان في خاطرها شيء عليه ، فأسعدها أن تسمع هذا الكلام منه خاصة وأنه اشتهر في الأسرة بورعه وتقواه أخذت رأسه وقبلته بشدة ، وصارت تلثم يمينه وشماله ، وتقول :
- هذا الكلام أغلى وسام
شكرت الجميع على حضورهم ودعمهم ثم قالت :
- ما كنت لأكـــــون شيئاً لولا هــــــذا الرجــــــــل إن كــانت عــــــــائشة أصبحت ( شيئاً ) فهو من جعلها كذلك ، وحال دون أن تكون رقماً ، ضمن ألاف الإناث
ثم أشارت إلى والدها ، الذي امتلأت عيناه بالدموع
كانت على وشك أن تنصرف إلى والدتها والمدعوات في الداخل حين تذكرت وصية والدتها لها ، بأن تشكر أعمامها وأخوالها على هداياهم فاستدركت :
- حضوركم أهلي واحتفاؤكم بتخرج ابنتكم أعظم هدية ، وهداياكم القيّمة ، يعجز العرفان بالجميل مهما بلغ ، أن يَفِيكم حقكم ، بما تكــلفتم به
حفل النساء كان مهرجاناً آخر من الحفاوة والفرح احتفى بها الجميع ، وعبّروا عن فخرهم بها روت لها البنات ، كيف كُنّ يتداولن أخبار تفوقها ، ومواقفها داخل الكلية ، بكثير من الاعتزاز بين زميلاتهن وصديقاتهن ، ويفتخرن بقرابتها لهن هي بدورها عبّرت عن امتنانها وشكرها ، وكررت كثيراً ، شعورها العميق بالحب والعرفان للجميع ، وخصت والدتها بثناء خاص :
- لولا أمي ما كنت طبيبة والله لولاها ما كنت سأصبح طبيبة ألمها هو الذي خلق الفكرة الأولى في عقلي ، وحبها ، ورعايتها ، وتشجيعها ، هو ما جعلني أصمد أمام طوفان الخذلان والتثبيط
ذكرت كيف أنها في بعض الأحيان تأتي من الكلية تبكي ، من موقف مرّ بها ، أو ظلم وقع عليها فتأخذها في أحضانها ، حتى تسكن وتهدأ
- من يملك حضناً يلوذ به ، وصدراً يسكن إليه ، ألا يستطيع أن يقاوم أعتى الأعاصير ؟ بلى يقاوم والله
يحمر وجه والدتها خجلاً ، وتتمتم : " عائشة تبالغ " فتضمها إليها ، وتقول مؤكدة للحضور أثرها عليها :
- يا بعد عمر عيّوش أنتِ ، والله ثم والله ، ما أنسى نظرتها ، مع نافذة غرفتها ، إذا خرجت الصباح للكلية كأنما ترسل نظراتها معي ، تحفني وترعاني ، ولا وقفتها عند الباب ، إذا رجعت بعد العصر وابتسامتها تدعوني لأحضانها ، وهي تردد : " عقبال ما أفرح بك يا دكتورة "
خالتها هَيَا ، أم عبد السلام الياسر ، ( شهاب الإسلام ) ، التي كانت حاضره عقبت على كلامها :
- تستاهلين يا عائشة ما تلام الوالدة مثلك يرفع الرأس عقبال ما نفرح بك الفرحة الكبيرة !
أدركت عائشة ، أنها بعبارتها الأخيرة ، كانت تلمح للزواج انتفض قلبها ، مثل عصفور بللته غمامة هل خالتها تريد أن توصل لها رسالة من شهاب الإسلام ؟ هل الشائعات التي تقول أنه لا يفكر فيها ، وأنه يبحث عن زوجة ليست صحيحة ، وأن خالتها أرادت بجملتها هذه ، أن تدحض هذه الشائعة ؟ وجع الأيام السابقة ، أحست به ينسل من قلبها ، مثل شوكة تنزع من أخمص قدم كمية هائلة من الهواء زفرتها فاتسع صدرها ، كأن ثقلاً أزيح عنه أو كأنها لم تتنفس منذ أيام
تَعجْب من حالات القلب : كيف تغدو به وتروح ، كلمات ومواقف كيف يتعلق بــ ( غائب ) ، يهيم النهار كـــله ساهياً لا يدري عنه ، وفي الليل يحضن وسادة ربما ، وينام ملء عينيه ساكناً ، لا يتحرك منه ، إلا بضع قطرات من ريقه ، تتهادى على وسادة من ريش وهو القلب ، يضطرب داخل أضلاع ، تضيق وتحكم الحصار عليه مثل قضبان زنزانة ، ويضطرم مثل مرجل ، من شوق يشتعل في سويدائه لا يطفئه إلا ريق ، تراق قطراته عبثاً ، وضمّةٌ كان هو أولى بها من الوسادة !
أختها أروى ، التي استمعت لتعقيب خالتهما هيا هي الوحيدة ، التي التقطت المشاعر ، التي أورقـــــت في وجهها فانــــفرجت أساريره ، مثل ورد ناعس ، نبّهَه الربيع فأفاق وتفتح أروى أختها وصديقتها الخــــاصة أيضاً في لحظة صدق وألم ، حـدثتها بحقيقة شعورها ، تجاه شهاب الإسلام لم تستطع أن تحتمل السر لوحدها ، وعجز قلبها ، الذي تهتك من الهم القلق ، أن يكون وحده وعاءً لوجع بهذا الحجم أروى لا تتفق معها في شعورها وترى أنها متعلقة بوهم قالت لها مرّة : " حب من طرف واحد " ، فمرضت بسبب ذلك لأيام تحاشت بعدها أن تقول لها رأيها بصراحة
أصرت أختها وقريباتها ، أن تلبس لحفل التخرج ، اللباس الذي اخترنه لها ، لهذه المناسبة حين ترددت ، قالت خالتها نوره تشاكسها وهي عزيزة عليها ، أكثر من غيرها ، من بين خالاتها وعماتها :
- لا خيار لك إذا شئت أن نرافقك للحفل ، ونفرح معك
- لكني سأبدو فيه وكأني عارضة أزياء ، ولست طبيبة ماركة مشهورة جداً وغالية ، وآخر موضة
ابنة عمها جمانة ، وهي من صديقاتها المقربات أطلقت واحـــداً من تعليقاتها الساخرة :
- لا بأس يا عائشة هذه المرّة ، لا نريد أن نراك تبدين ، وكأنك تشي غيفارا
ضحكت وقالت :
- شفتوا يا بنات جمانة أرحم فيه ناس في الكلية يسمونني " الملا عمر " !
ذهبت عائشة إلى حفل التخرج ، برفقة والدتها وأختها وقريباتها كانت محل حفاوة الجميع صفق الحضور طويلاً ، حين أعلن عن اسمها ضمن المكرّمات ، والحائزات على جوائز تقدير والدتها التي كانت تصلها إشاعات ، أن ابنتها صاحبة مشاكل ، وعلى خلاف مع الجميع ، لم تجف دمعتها ، وهي ترى حجم الحفاوة الذي نالته بين دقيقة وأخرى ، يأتي من يسلم على عائشة ، ويبارك لها ، ويغدق عليها عبارات الثناء ترد هي بالشكر والامتنان ، ثم تشير إلى والدتها :
- هذه أمي الفضل لها
فتغرق الأم في بحر من الدموع
كانا أسبوعا احتفال ، ازدحما بكل مظاهر الاحتفاء حفلات عشاء ، وهدايا ، وباقات ورد وتبريكات اتصالات هاتفية ، ورسائل جـــــوّال ، وفاكسات وقت سمته : كرنفال حب عادت بعد هذا ( الكرنفال ) لتغرق في دوامة العمل اعتادت أن تضع هاتفها الجوّال على وضع الصامت ، حينما تدخل العيادة حين توقفت عند صلاة الظهر عن استقبال المرضى ، نظــرت إلى الجوّال لترى ما قد يكون وصلها من رسائل ، أو فاتها من اتصالات لاحظت أن هناك أكثر من 10 اتصالات فــــائتة حين استعرضتها ، انتابها قلق سبع من هذه الاتصالات جاءت من والدتها بادرت بالاتصال ، وهي تـــظن أن أمراً سيئاً أصاب أهلها دق جوّال أمها حتى انقطع الرنين فازداد قلقها أعادت الاتصال ، فجاء صوت أمها عجلاً :
- هلا عيوّش أقلقتك يا عمري !
- سلامات يا أمي ، عسى ما شر ؟
- أشغلتني أم نايف اللاوي ، من صباح رب العالمين وهي تتصل تقول إن زوجة ولدها في المستشفى تنتظر الولادة تواجه مشكلة في تنويمها ، وزوجها مُصِّر على أن تُوَلّدها دكتورة ، واتصلت بي ، تبغى فزعتك !
- فهد اللاوي ! ما تذكرين يا أمي أعمال فهد اللاوي ؟ أنا مجروحة منه والله
- خليك أكبر منه يا عائشة ، ولو من أجل أمّه !
فهد اللاوي شخص سليط ، وهو أحد أقرباء عائشة من جهة والدتها يتبنى موقفاً متشنجاً ونشازاً ، ضد دراسة الفتيات في كلية الطب ، من منظور التعصب القبلي دراسة المرأة للطب وممارسته ، من الأمور ( الوضيعة ) ، التي لا تليق بامرأة تنتسب لأسرة تحترم نفسها كما يقول لم يتورع في كل مناسبة ، عن الغمز واللمز بطالبات الطب ، ونال عائشة منه الشيء الكثير كان يسميها ( المسترجلة ) ، ويقول عنها : " من سيـــــتزوج بنتاً ، تقضي من الوقت ، تخالط الرجال ، أكثر من الذي تقضيه في بيتها "
بيّتتْ عائشة في نفسها أمراً اتصلت بإحدى زميلاتها ، طبيبة نساء وولادة ، وشرحت لها موقف الرجل ، ورجتها أن تقبل المرأة لتكون مريضتها ، وتتولى توليدها اتفقت معها كذلك ، أن تطلب من المرأة ، أهمية أن يتصل زوجها بعائشة ، ويطلب منها أن يتولى توليد زوجته طبيبة على اعتبار أنها هي المسؤولة ، دون أن يعلم أنه يتصل بعائشة اتصلت زوجة نايف اللاوي بزوجها ، وأبلغته ضرورة أن يتصل بالمسؤولة ، لأنها صاحبة القرار ، بأن تكون هي ، تحت إشراف دكتورة تقوم بتوليدها
اتصل نايف اللاوي بعائشة ، وعرّف بنفسه ، وسأل بصوت فيه الكثير من الخضوع ، أن تقوم طبيبة بتوليد زوجته كانت مفاجأة كبيرة له ، أن يعلم أن من يتحدث معها هي عائشة ، التي لم تَبْقَ نقيصة لم يلصقها بها حاول أن يبدو أكثر لطفاً ، وأكثر تقديراً وامتناناً لكنها أشعرته أنها لن تعمل هذا من أجله ، وإنما من أجل والدته التي اتصلت بوالدتها ، ملمحة إلى مواقفه السابقة زميلتها أيضاً ، أخبرت زوجته أن تَدَخّل الدكتورة عائشة الصالح ، هو الذي جعلها تقبل أن تكون مريضتها ، وتقوم بتوليدها ، بالرغم من أن جدولها مزدحم بمريضات أخريات ، وهي ليست من المراجعات المنتظمات للمستشفى ثم أضافت :
- هل تعرفين ماذا كان يقول زوجك عن الدكتورة عائشة والطبيبات ؟
استحت ولم ترد ! لا يخفاها ما اعتاد زوجها أن يقول عن الطبيبات ، والعاملات في القطاعات الصحية ، مقــــــولته التي دائــــــــــــماً يـــــرددها : " بــــــــــنات ( الحمايل ) لا يشتغلن هذه الشغله " بعد أن انصرفت الدكتورة ، اتصلت زوجته بعائشة وشكرتها بشدة ، واعتذرت عن مواقفه وتصرفاته :
- أنا متأكدة أنه سيشــعر بالخجل من كلامه السابق
في المساء حين عادت عائشة إلى البيت ، أخبرت أمها أن مشكلة زوجة فهد اللاوي ، تم حَلّها ، وأنها الآن ربما ، في غرفة الولادة ، تحت إشراف إحدى زميلاتها سعادة والدتها كانت كبيرة ، ليس من أجل أم فهد اللاوي لكن لأن تصرف عائشة ، يعبّر عن شهامة ، وسيخرس لسان ولدها ، الذي نال ابنتها منه الشيء الكثير لم تفوّت الفرصة ، فسارعت للاتصال بأم فهد اللاوي :
- أبشرك يا أم فهد الدكتورة عائشة ، جزاها الله خيراً ، توسطت لــــزوجة ولدك ، عند واحدة من زميلاتها الدكتورات
- جزاها الله ألف خير ، وجعل ما قامت به ، في ميزان أعمالها
- هذه عائشة ، التي لم يبق شيء لم يقله فهد فيها ، وفي زميلاتها !
- لا عليك منه يا أم أحمد سفيه عائشة تاج رأسه
كانت قد تعمدّت ، أن تجعل جهاز الهاتف على وضع السماعة الخارجية ، لكي تسمع عائشة الحوار حين قالت الأم عن ولدها أنه سفيه ، وأن عائشة تاج رأسه ، ابتسمت ابتسامة عريضة ، والتفتت نحو عائشة ، وغمزت لها بعينها هزت عائشة رأسها ، وردت على ابتسامة أمها ، بابتسامة خفيفة لم تكن تفضل أن تشمت أمها بالرجل أمام والدته لكنها قدرت شعور والدتها تجاهها ودفاعها عنها
أحياناً تبدو الأمور ، وكأن الأحداث تجري وفق مصادفات مرتبة لم يمر عليها أسبوع من قبل ، بمثل هذه الصدف الغريبة اليوم الأحد يوم عمل مزدحم لديها عملية في بداية اليوم ، ثم جولة ميدانية على المرضى وبعد الظهر عيادة في آخر النهار كانت منهكة جداً قبل أن تعود إلى البيت ، مرّت على مكتب ، تشترك فيه مع بعض الزميلات ، وأخذت بعض الأوراق وجوّالها ، الذي تركته الصباح ، لأنها في هذا اليوم بالذات ، لا تحتاجه أبداً في طريق العودة ، أجرت اتصالاً مع والدتها تطمئنها على نفسها ، كما اعتادت أن تفعل ، في نهاية كل يوم عـــــمل فــــوجئت برد والـــــدتها الذي تأخر ، وكـــان مجرد ( نعم ) جافة ، بدلاً من : ( هلا بروحي وعــيوني ) ، التي اعتادت أن تسمعها منها ، كلما ردت على اتصالها سلمت وقبل أن تستوعب المفاجأة من ردها البارد ، بادرتها أمها :
- عيوش أنت غيرت رقم جوّالك ؟
- لا ليه يا أمي ؟
- أيش الرقم الجديد هذا ؟
أدركت أن ثمة خطأ ما وقع تأملت الجهاز ، فاكتشفت أنه يشبه جهازها شرحت لأمها ، أنها أخذت عن طريق الخطأ ، جوّال زميلة لها ، يشبه جهازها لم يكن من وسيلة لمعرفة صاحبة الجوّال ، إلا انتظار اتصالها عليه للسؤال ، أو مراجعة الاتصالات والرسائل الصادرة والمرسلة مر وقت بعد وصولها البيت ، ولم يرِدْ أي اتصال دفعها الفضول ، لاستعراض الاتصالات الصادرة لم تكن كثيرة ، وليس بينها مكرر ، إلا واحد تم الاتصال به مرتين لاحظت أنه الرقم الرديف ، لجوّال إحدى الزميلات شكّت أن يكون رقم زوجها أرادت أن تتثبت أكثر قبل الاتصال ، ففتحت صندوق الرسائل المرسلة كان فيها رسالة واحدة تحمل نفس الرقم المتصل به ، فتأكدت أنها هي رشا قرأت الرسالة :
" وددت أن أقول شيئاً كنت هذا النهار ، فارسي النبيل والجميل "
" كنت فارسي النبيل والجميل " الرسالة جميلة ما أعذبها ، أرسلتها لزوجها همست لنفسها ارتاحت أنها عرفت صاحبة الجوّال ، لكن الرسالة أثارت شجنها منذ سنوات ، وهي تنتظر ( فارسها ) ، الذي لم يأتِ ! لواعج حزنها ، التي صارت تتنامى ، جعلها تذكر الله خشيت أن تحسد صاحبتها التي لها ( فارس ) تؤوب إليه ، وتلوذ به يتمدد الحزن ، ويتناثر في أعماقنا ، مثل بقعة نفط ، تنتشر على سطح البحر لا نستطيع أن نحاصرها ، أو نسيطر عليها تماماً حين تكون سعادة الآخرين ، تثير دواعي شقائنا إذ كلما ظننّا أننا سلونا ، يفجؤنا وجودها مثيراً لذكرى ، أو محرضاً على ألم نجده يترصد لنا فـــرحهم ، لينكأ جرح أحزاننا : في رسالة جوّال ، أو حديث باسم أو أماكن غفت فيها الذكريات
أقفلت الجوّال ولم تشأ أن تتصل بزميلتها خشيت أن تسألها ، كيف عرفت أنه جوّالها فتضطرّ أن تقول لها ، أنها اطلعت على الرسالة المرسلة لا تريد أن تبدو فضولية ، تتجسس على خصوصيات الناس ، ولم تستحسن كذلك ، أن تعرف زميلتها أنها اطلعت على رسالة ، بينها وبين زوجها ، تحمل قدراً كبيراً وجميلاً ، من الحميمية ، والمشاعر الخاصة لو حصل وتكدرت علاقتهما ، لاتّهمتها أنها هي السبب وعزت ذلك لعينها هكذا يفكر كثير من الناس
من الغد ، أخذت الجوّال معها إلى العمل في فترة الاستراحة لصلاة الظهر ، وجدت بعض الزميلات مجتمعات في الكافتيريا سلمت ونادت عليهن :
- يا بنات أنا أمس أخذت جوّالاً ، ليس لي بالخطأ ، وأبحث عن جوّالي لم استطع أن أتصل بصاحبة الجوّال لأنه مغلق
صاحت الزميلات عليها ، وأخبرنها أن زميلتهم رشا ، هي أيضاً معها جوّال لا تدري من صاحبته ، وقد تركته في المكتب ، ويمكن أن يكون هو جوّالها ذهبت إلى المكتب وأخذت جوّالها ، ووضعت الجوال الذي معها ، في صندوق البريد الخاص برشا
لم تمر الصدفة التي جعلتها تَطّلع على الرسالة ، في جوّال زميلتها بهدوء الرسالة أيقظت مشاعر كامنة ، وبعثت آمالاً توارت ، أمام دوّامة العمل ، ورتابة روتينه اليومي حين وصلت البيت ، صلت العصر ونامت ، لتستيقظ في المساء ، على الصدفة الثانية ، على حدث عائلي أثار جدلاً أختها أروى خطبت اليوم للمرة الثالثة ، ووالدها ووالدتها يرفضان تزويجها قبلها غضبت واحتجت ورفضت أن يربط مصير أروى بمصيرها :
- جاءها نصيبها لا تقفوا في طريقها ! أنا إذا جاء نصيبي سأتزوج
حديث خالتها أم شهاب الإسلام ، يوم حفلة تخرجها ، عن الفرحة الكبرى بها ، ما زال حياً في قلبها رسالة الجوّال التي قرأتها في جوّال زميلتها ، عن ( الفارس النبيل الجميل ) أحيت الأمل بــ ( الفارس ) الذي لابد أن يأتي ، ولكنه تأخر أي صــدفة جعلت أروى تُخطَب ، ويصر أهلها على أن تتزوج هي أولاً لحظة انبعث حلم الفارس من مرقده ، بعد طول سبُاَت تساءلت ؟
تمت الموافقة على زواج أروى ، وبدأت الاستعدادات له العطلة الصيفية على الأبواب ، لكن برنامجها المزدحم ، لا يسمح لها بمشاركة فاعلة في التجهيز قالت لأروى :
- حين تبدأ الإجازة ، يسافر الناس ، ويخف الضغط ، وسأكون إلى جانبك لو تدرين كم أنا سعيدة بك ولك
- لو تدرين كم أتطلع إلى الليلة ، التي أراك فيها عروساً يا سندريلا ، دون أن تضطري ، أن تفقدي فردة حذائك
ابتسمت عائشة فهمت أن أختها تلمح لحكاية الفتاة ( سندريلا ) ، في الأسطورة الشهيرة التي لم يأتها فارس أحلامها ، إلا بعد معاناة وطول انتظار
كانتا تتحدثان حين دخلت والدتهما ، فقالت مداعبة :
- هاه إن شاء الله فيه تبديل أدوار عائشة قررت أن تأخذ العريس هذا ؟
نظرت عائشة لوالدتها بعتاب فأضافت والدتها :
- قلبي عليك يا حبيبتي
ثم غيرت مجرى الحديث ، موجهة الخطاب لأروى لتفادي جرح مشاعر عائشة :
- خالتك نورة أخبرتني ، أنها اتصلت على جوّالك ، أكثر من مرة تريد أن تبارك لك قالت أنه مغلق
- أكلمها الآن
- أكدي عليها ، إن موعد اجتماعنا الأسبوعي الأربعاء ، صار في البيت ، وليس الاستراحة
اتجهت أروى لغرفتها ، واتصلت بخالتها كانت مرتبكة وبدا واضحاً ، أنه لم يكن هدف الاتصال الوحيد ، المباركة لها بالزواج أسرّت لها بأمر :
- أتـــدرين يا أروى تحدثت مع عبد السلام شهاب الإسلام ، قبل أيام عن الزواج ، واقترحت عليه عائشة ، لأتأكد من شعوره تجاهها قال لي : " عائشة والنعم لكن أنا ما يهمني نجاحـــها ، ودورها في المجتمع أنا لا يمكن أن أتزوج بنتاً ، تتفرج على عورات الرجال في غرفة التشريح
النهاية
رد: عائشة .. في غـرفة التشريح .. !
مشكوررررررر اخوي
على القصه الرائعه