الأسْمَاءُ الْحُسْنَى
لما كانت الأسماء الحسنى الإلهية كثيرة الخواص والفوائد جليلة المنافع والعوائد وهي باب من أبواب الإجابة وسبب من أسباب الاستجابة فقد لجأ إليها الأنبياء والمرسلون والصديقون والمقربون وقد فتح الله لنا ذلك بقوله سبحانه : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وقد أشار إليها الرسول في دعائه حيث يقول : اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أحدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ، إلى آخره (عن ابن مسعود ، صحيح ابن حبان)
ووجهنا النبى إلى الأسماء الحسنى الإلهية فقال : إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفَتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخَافِضُ الرَّافِعُ المُعِزُّ المُذِلُّ السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَقُّ الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِئُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِيَ المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المُنْتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءُوفُ مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ، المُقْسِطُ الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُورُ " (رواه الترمذي عن الإمام علي رضي الله عنه ، وروى عن أبى هريرة ، وأخرجه كثيرون بروايات ).
فلكل اسم صفة ليست في غيره من الأسماء وجميع ما يظهر في الكون فهو من مقتضيات الأسماء وكما يقول الشيخ عبد المقصود سالم في كتابه ( في ملكوت الله ص )7 :{لكل اسم فلكاً وسماء وعرشاً يتجلى فيها الحق وتتنزل منها حكمته الخاصة من هذه الأسماء بأيدي سدنة من الأرواح الملائكية النورانية على قلب الكلمة المحركة في الروح الخاص لهذا الاسم ومعناه ، فما من شئ إلا ولطف الله مخزون فيه ، على مقتضى مشيئته الإلهية وإرادته الأزلية } فإذا حصل لك قبض فقل : يا باسط يصرف عنك ما أنت فيه وإذا كنت عاصياً فكرِّر : يا تواب يتب الله عليك ، وإذا كنت مريضاً ؛ فقل : يا شافي اشفني ، وإذا كنت ضعيفاً ؛ فقل : يا قوي قوني وإذا كنت ضالاً تقول : يا هادي اهدني وهكذا مع باقي الأسماء هذا مع ملاحظتنا عند ذكر الأسماء : أن الله مقدس في ذاته وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأنه عزَّ شأنه ، باق لبقائه ، والعبد باق بإبقائه وإنه ظاهر من حيث الصفات والأسماء في صور الأشياء ، من غير أن يحلَّ في شئ ، أو يحلَّ فيه شئ ، فإذا قلنا ((رحمن)) أيقنا أنه سبحانه وتعالى مصدر الرحمة والحنان ، وإذا قلنا ((رزَّاق)) نعلم أنه وحده المتكفل بالأرزاق ، وهكذا نذكر بقية الأسماء على هذا السياق فلكل اسم من أسمائه تعالى باب يوصل إليه ومعراج يرقى عليه وروحانية يصعد بها ، فتصعد الدعوة على تلك المعارج ، وتسبح في بروج من نور ، مخترقة الحجب والستور ، فمتى جاوزت الدعوة فم قائلها تجسدت في صورتها حتى تصل إلى خالقها قال تعالى{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}لأن لكل إنسان بابين في السماء باب ينزل منه رزقه ، وباب يصعد منه عمله ، ومن هنا تحشر النفوس على صورة علمها والأجسام على هيئة عملها ، والناس في ذلك متفاوتون وأهم ما يلاحظه الذاكر للأسماء ، هو التخلق بها ، فيتخلق من الكريم بالكرم ، ومن الحليم بالحلم ، ومن الودود بالوداد ، وهكذا باقي الأسماء وفق الأمر الوارد في قول النبى (تَخَلَّقُوا بِأَخْلاقِ اللهِ) فكل الأسماء للتخلُّق إلا أسمه تعالى ( الله ) فإنه للتعلُّق ولهذا نجد آثار الأسماء ظاهرة على من تخلَّق بها كظهور الإمهال على من تخلَّق بالحلم وعدم المؤاخذة على من تخلَّق بالعفو وكثرة البذل على من تخلَّق بالجواد ، وهكذا باقي الأسماء وأسماء الله منها " التوقيفيَّة " ، وهي ما ذكرها رسول الله في الحديث السابق ، ومنها " توفيقيَّة " ، وهي ما يلهم الله بها أحبابه والصالحين من عباده وليس في وسع مخلوق حصرها ولا إحصائها لكثرتها وإن كان المسمى واحداً{قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}فالمهم الإخلاص عند النطق بها والصدق عند تردادها والحضور مع الله عند تكرارها والخشوع والخضوع بين يدي الله لاستمطار فضلها والتعرُّض لنفحاتها مع الحرص الشديد على إجادة نطق حروفها ، والتخلق بين الأنام بها .
الدُّعَاءُ بِإِسْمِ اللهِ الأَعْظَم
تكلم الناس في اسم الله الأعظم كثيراً ولا يزالون يتكلمون إلى ما شاء الله والكلام في هذا الاسم يطول حيث لا يعرفه إلا من وصل إليه فمن قائل يقول أنه :
1- الرحمن الرحيم الحي القيوم :
لما ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَن أسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النبيَّ قالَ(اسْمُ الله الأعْظَمُ في هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ{وَإِلٰهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إلاّ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ } وَفَاتِحَة آلِ عِمْرَانَ: {أَلم الله لا إلَهَ إلاّ هُوَ الْحَيُّ القَيُّومُ }
2- وبعضهم يرى أنه: مالك الملك :
لما ورد في الحديث الذي أخرجه الطبراني عن ابن عبَّاسٍ قال النَّبِيُّ(إِسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي هٰذِهِ الآيَةِ : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الآيَةُ)
3- والبعض يرى أنه: دعوة سيدنا يونس :
لقول النبى عن سعد جامع الأحاديث والمراسيل(هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ الأَعْظَمِ؟دُعَاءُ يُونُسَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ كَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً قَالَ: أَلاَ تَسْمَعَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ{وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَم وَكَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}فَأَيُّمَا مُسْلِمَ دَعَا بِهَا فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ ذلِكَ أُعْطِيَ أَجْرَ شَهِيدٍ وَإِنْ بَرَأَ بَرَأَ مَغْفُوراً لَهُ)
4- ويشير البعض إلى أنه في آخر سورة الحشر :
لما رواه الديلمي في سند الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله أنه قال : اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فـي سِتِّ آياتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الـحَشْرِ
5- ومنهم من يرى أنه : الحيُّ القيوم :
لقول النبى فيما رواه ابن ماجة والحاكم والطبراني عن أَبِي أُمَامَةَ الباهلي رضيَ اللَّهُ عنهُ : اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ أَجَابَ فِي ثَلاَثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: فِي الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطهَ
6- ويذكر البعض أنه : الحنَّان المنَّان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام لما رواه أبو داود :
أن رسول الله سمع رجلاً وهو زيد بن عياش الزرقي يقول(اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام)فقال النبى : لَقَدْ دَعا بِاسْمِ الله الأَعْظَمِ الّذِي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ وَإِذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى
7- ذو الجلال والإكرام :
لقول النبى فيما ورد فى مسند أبى يعلى ورواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : أَلِظُّوا بِـيا ذَا الـجَلالِ وَالإكْرَامِ
8- الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد : لما رواه أبو داود عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ ، وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالإسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وفى رواية : لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ
9- يا حليم يا عليم يا عليُّ يا عظيم :
لأنه الاسم الذي دعا به العلاء بن الحضرمي لما خاض البحر فقد صلَّى ركعتين ثم قال : (( يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اجزنا )).
10- الله :
وقد اختاره المعظم لأنه لم يتسمَّ به أحد غير الله ولأنه كمال المائة وكثير من معانيه في الأسماء التسعة والتسعين ولأن معناه لا يشير إلى سوى الحق حتى ولو حذفنا بعض حروفه .
11- بسم الله الرحمن الرحيم :
لما ورد في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك وصححه.
12- يا أرحم الراحمين :
قال الليث{ بلغني أن زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلاً إلى الطائف ، اشترط عليه في الكراء أن ينزل به حيث شاء ، فمال به إلى خربة ، وقال له : انزل ، فإذا في الخربة قتلى كثيرة ، فلما أراد أن يقتله ؛ قال له : دعني أصلي ركعتين ، فقال له : صلّ فقد صلَّى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئاً قال : فلما صليت ، أتاني ليقتلني فقلت : يا أرحم الراحمين قال : فسمع صوتاً : لا تقتله فخرج فلم ير شيئاً فرجع إليّ فلما أراد أن يقتلني إذا فارس بيده حربة فطعنه بها فقتله .}}
13- وقال بعضهم هو (( ربُّــنا )) :
واستدل بقوله سبحـانه {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً} إلى {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ }والاستجابة علامة اسم الله الأعظم وذلك بعد قوله ((ربنا)) خمس مرات.
14- روى عن علي رضى الله عنه قال : {{ اسم الله الأعظم ترك المعاصي }}.
15- قال علي أيضاً: {اسم الله الأعظم ( ألم ، كهيعص حمعسق وما أشبه ذلك وَمَنْ أَحْسَنَ كيف يصل الحروف بعضها ببعض ( يقصد أوائل السور ) فقد علم اسم الله الأعظم }
16- لا إله إلا الله :
لما رواه مالك في الموطأ أن النبي قال : أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ
17- ما نقله الفخر الرازي عن زين العابدين :
{أنه سأل الله تعالى أن يعلمه الاسم الأعظم فرأى في النوم : هو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم }}.
18- هُـــو :
نقله الإمام فخر الدين الرازي عن بعض أهل الكشف.
19- إنه مخفي في الأسماء الحسنى كلها :
حتى لا يشتغل الناس به عن غيره من الأعمال الصالحة كتلاوة القرآن والصلاة على رسول الله والبر والصدقات والتهجد ، وغيرها من الأعمال الصالحات.
20- { إن كل اسم من أسماءه تعالى دعا العبد به ربه مستغرقاً بحيث لا يكون في ذكره حالتئذ غير الله فإنه من تأتي له ذلك ؟ أستجيب له } قاله جعفر الصادق ، والجنيد ، وغيرهما.
21- اللهُـــَّم : حكاه الزركشي .
22- إنه مما استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه كما قيل بذلك في :
ليلة القــدر وفي ساعة الإجــابة وفي الصــلاة الوســـطى هذا وقد ذهب جماعة من العلماء منهم الإمام الطبري والأشعري والباقلاني وابن حيان إلى أن الاسم الأعظم لا وجود له يعني أن أسماء الله كلها عظيمة لا يجوز تفضيل بعضها على بعض وحمل هؤلاء ما ورد من ذكر اسم الله الأعظم على أن المراد به العظيم وعبارة الطبري{اختلفت الآثار في تعيين اسم الله الأعظم والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها : أنه الاسم الأعظم ولا شئ أعظم منه}والذي نميل إليه : أن لكل داع يدعو الله اسماً هو بالنسبة إليه أعظم الأسماء بحسب حال من يدعو وعلى وفق المسئول والمطلوب بالدعاء وهذا القول قريب المعنى فقد قال بعضهم { من عرف الله تعالى باسمه المؤثر في حاله ومقامه فقد عرف الاسم الأعظم المخصوص به } ونقل القشيري عن بعض الأولياء قوله{اسم الله الأعظم ما دعوت به في حال تعظيمك له وانقطاع قلبك إليه فما دعوت به في هذه الحالة أستجيب لك بأي اسم دعوت به وفاء بقوله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}