السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
إن هذا الموضوع متشعب جداً و ينبغي عليّ أن أكتب لعدّة أيام لكي أحاول أن أقنعك بشيءٍ مما
لدي من كلمات , و بشيء مما لدي من العلم اليسير بل اليسير جداً .
قرأت الموضوع و أستغربت أيما إستغراب من وجهة نظرك التي أحترمها جداً لأنها تمثل فكرك مع
العلم بأني أعترض وبشده على ما جاء فيها , فالإختلاف بوجهات النظر لا يفسد للود قضيّه !!
عزيزي , , إن المدرسه هي بناء إجتماعي عظيم وله فوائد لا يمكن حصرها و أقولها ليس بشكل
مجازي , بل بشكل عقلاني و واقعي جداً , و مجرد التفكير بفكرة إلغاء المدرسه هو التفكير حتماً
بإلغاء العقل و التربيه . و أركز هنا على مفهوم التربيه الذي يأتي قبل التعليم و تلقين العلم .
إن المدرسه هي جزء مقدس في المجتمع و يجب إحترامه و تقديره هي تحوي اللبنه الأساسيه وهي
الطالب و تحوي الرسول وهو المعلم و تحوي الأهم من كل هذا و هو الشعور بالواجب تجاه الطالب
لدى المعلم وهذا هو المبتغى , إن المدرسه يا سيدي هي التي تكتشف العبقري و تصقل مواهبه وليست
تضيّع وقته كما تقول !! و المدرسه يا عزيزي لا تعيق الأم الواعيه عن أمهات الغد بإنتشار الخادمات .
إن المدرسه هي التي تمثل أكبر عامل في تأسيس مجتمع صالح .
دعني أروي لك قصة واقعيه حصلت بأمريكا " من المعلوم بأن الإتحاد السوفيتي صعد الى الفضاء
كأول دوله تغزو الفضاء و في ذلك الحين كانت الحرب البارده في أوجها مما جعل الأمريكان يتخبطون
غضباً و تشنجاً , , هل تعلم ماذا فعلوا كردت فعل إيجابيه ؟ ؟ هم لم يغيّروا إدارة وكالة ناسا الفضائيه
و لم يسحبوا العاملين فيها و لم يفكروا بالفضاء أصلاً . . كل ما فعلوه هو تعديلات في المدارس
الأمريكيه و طرائق التدريس " . هذا كل ما حصل .
و قبل أن أدخل بالرد و أسترسل كثيراً أود الإجابه على تساؤلاتك :
1- هل استفدنا من المدارس علميا ؟
إن وظيفة المدرسه الأولى و الأهم هي التربيه قبل التعليم لذى من الواجب السؤال عن التربيه لأنها
ا
لأعم والأشمل , و إن ضيقنا الحوار الى الإستفاده العلميه فإن الجواب - بكل تأكيد نعم إستفدنا - و إلا
لم نحن متعلمين الآن لولا الله ثم فضل معلمينا بتلك المدارس , و العلم بالمدارس ليس تحضير لرسالة
في الدراسات العُليا بطبيعة الحال بل هي دراسات أوليه طبعاً إن كان الحديث عن المدارس الخاضعه
للتعليم العام و هي الإبتدائيه و المتوسطه والثانويه . لذى لن تكون تلك الدراسه التي تحوي معلومات
أوليه من كل علم كافيّه لرجل كبير نسبياً , و المجالات متوفره لإكمال هذه الدراسات و التعمق في
بحورها التي لن تنتهي " قال الله تعالى " (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) صدق الله العظيم .
المدرسه بإختصار هي التي تصنع العالم و الطبيب و القاضي و المعلم و المهندس و الضابط و و . .
فكيف لم نستفد منها علمياً ؟
2- هل استفدنا من المدرسه في وظائفنا الحكوميه ؟
في الحقيقه لست أعلم إجابه لهذا السؤال تحديداً لأن نصف الإجابه هي فهم السؤال !! ولكن سأحاول
أن أجيب على مستوى فهمي له , و دعني أبداً من الصفر معك .
في وضائفنا الحكوميه نكتب و نقرأ - في وضائفنا الحكوميه نتعامل مع الناس - في وضائفنا الحكوميه
نمر بتجارب مختلفه نحن مهيئين لها تماماً - في وضائفنا الحكوميه أمور أكثر تعقيداً تعلمناها من
المدرسه كما تعلمنا أن نكتب و نقرأ و نتعامل مع الناس بما يرضي الله و نخرج بمخرجات جيده
للتجارب التي نمر بها و حتى وصولاً الى أكثر التعقيدات في التعاملات الإنسانيه نحن نتعلمه بداية
من المدرسه ومن خلال المعلم الذي هو أحد لبنات المدرسه الأساسيه .
أعود الى الرد ثانيةً لأتحدث عن نظام التعليم في المملكه و الذي أوردت كليات التربيه في السعوديه
منهجاً خاصاً يدرسه معلمي المستقبل , و هو عن شائعة التعليم المقتبس بمصر , و أنا لا أنكر هذا الأمر
و لكن أقول بأنه كان مقتبساً و الآن يوجد العديد من التجارب التي أصبح الكثير منها معمولاً به .
و كمثال بسيط نظام المدارس السعوديه الرائده , إضافةً الى ورود الكثير من الأنظمه التي شتتت النظام
القديم كنظام التقييم بدلاً من الإختبار و الأنظمه الجديده في طرق التدريس كالإستقصاء و غيره الكثير
من الطرق التي أستحدثت لكي تواكب التطور و تحسن من مخرجات التعليم . و هل تعلم يا عزيزي
بأن الغرب و إن كنا قد سبقناهم بإنشاء المدارس إلا إنهم يسبقوننا الآن في جودة التعليم لأمور كثيره
جداً يصعب جداً حصرها و الأتيان بها لأنه ربما كل واحد من هذه الأمور يحتاج الى مجلد للتفصيل به
و لكنني سأتحدث عن الملعم الذي ذكرت بمجمل حديثك بأنه ليس مؤهلاً لأن يصبح قدوه لغيره ,
و سأذكر لك الأسباب بكل شفافيه و دقه .
لقد أصبح المعلم في وقتنا الراهن و في بلداننا العربيه و أخص وطننا السعوديه مسلوب الحق بكل
شيء تقريباً , مادياً هو لا يأخذ إلا نصف حقوقه و معنوياً هو محارب من الطالب و ولي الأمر
و إدارة التعليم وصولاً الى وزارته الموقّره , و قد إنتشر تعميم وقّع عليه غالبية المعلمين في عام
1425 هـ صادر من وزارة التربيه والتعليم يفضي الى مايلي : " لا يحق للمعلم الضرب و لا حتى
الدفاع عن نفسه أمام الطالب حتى وإن ضربه الطالب إلا بحالة أن يقع المعلم أرضاً جراء ضرب
الطالب له " . فهل بعد هذا ننتظر هيبة للمعلم كي يكون قدوة و وزارته تهدده بماله و حياته و حتى
بأقل الضروف التي يجب أن توفر له , و إن المعلم يواجه هجمات شرسه من صحافتنا الموقره
حيث إن أي إعتداء طفيف على طالب يعتبر سبقاً صحفياً يتاجر به أجساد المعلمين أما إذا كان
الطالب هو المعتدي فإن الأمر لا يتعدى كونه أمر بسيط ينتهي في حينه بلا أية شوشره إعلاميه .
إن المعلم هو الذي يفني صحته بتعليم فلذات أكبادنا ولا ينتظر منا كلمة شكراً بل يتحرى اللوم
دائماً لأنه أعتاد عليه من ولي الأمر ومن المشرف التربوي و من كل جهه . .
إنه المغلوب على أمره و هو الضحيه التربويه الأولى للأسف , مع العلم بأنه حامل الرساله و مربي
الأجيال و هو الذي ورد بكل اللغات أنه الفاضل الكريم . . و يكفيني حديثاً عن المعلم قول الأمير :
" كاد المعلم أن يكون رسولا ". إنه المعلم أيها العرب فيكفي بنا تخاذلاً و أنحداراً .
أعود ثانية الى ردي و أقتبس من موضوعك جمله أثارتي بصراحه وهي :
" بما اننا من الدول الغنيه والامنه فلسنا بحاجه لمدارس لنتعلم القراءه والكتابه فالعلم
الحقيقي سنجده بالمكتبات "
يجب أن تفرق بين المكتبه و المدرسه وماهي أهداف كل منهما و كيف تكمل إحداهما الأخرى , فلا
يمكن بأي حال من الأحوال أن تتعلم القراءه بالمكتبه !! بل أنت تتعلمها بالمدرسه لتقرأ بالمكتبه إن
شئت أن تقرأ , و أنت لن تتفهم العلوم المعقده الموجوده بأمهات الكتب بالمكتبه مالم تبدأ من الصفر
من خلال المدرسه و المعلم , إن المكتبه هي دار للعلم و منارة مشعه لكل طالب علم ولكن ليس
بنفس الطريقه التي تتفهمها يا عزيزي المكتبه جزء بسيط من مكملات المدرسه و هي نشاط ربما
يكون ثانويا بالنسبه للأهداف التربويه للمدرسه , و دعني أختصر عليك الكثير و أقول لك , بأن
هدف المدرسه الأسمى هو التربيه فما هو هدف المكتبه سوى نشر العلم بأمهات الكتب .
عودة الى المسجد و هو أول مؤسسه إجتماعيه بالإسلام وقد أولاه النبي صلى الله عليه وسلم إهتماماً
بالغاً فلقد كان هو مكان الشورى و قد كان هو مكان العلم و هو مكان التربيه و هو مكان الإتفاق على
الحرب و السلم و هو يحوي الكثير من حياة المسلم آن ذاك , و المدرسه الآن هي تطبق هذا المفهوم
بما يتناسب مع هذا العصر لأن الإسلام دين لكل زمان ومكان و المدرسه تحوي المسجد بطبيعة الحال
و تحوي جميع العلوم التي كانوا يدرسونها بالمساجد و أقرت حديثاً بطبيعة الحال أماكن أخرى للشورى
و الأخذ بالرأي و غيره . و بالنسبة للطالب الذي قلت بأنه محصور بالمدرسه ولم يعرفوا شيء عن
الحياه فهذا خطأ مؤكد لأن المدرسه تحوي الأنشطه المنهجيه واللا منهجيه و التي تتيح للطالب التعرف
على التجارب الحياتيه و لمسها بشكل إيجابي مع وضع الحلول المناسبه لكل مشكله تواجهه مما يعينه
على ممارسة جوانب حياته بشكل أفضل و تنمي روح العمل الجماعي لديه و هذا يسهل إنخراطه
بمجتمعه بشكل إيجابي جداً , و هذه الأنشطه تختلف بإختلاف ميول الطالب نفسه لأن أختيارها يقع
على الطالب مما يجعل له حريه أوسع لما يريد أن يزاوله من نشاط فهناك الرحلات و خدمة المجتمع
و منها الأنشطه الفنيه و المهاريه و الأنشطه الرياضيه إضافةً الى الأنشطه العلميه و غيرها الكثير
الكثير من الأنشطه التي تزاول بشكل يومي تقريباً بشتى المدارس , , ,
- عزيزي . . إنني لا أخفيك وجود تخبط كبير في العمليه التربويه و لكنها لا تجعل من المدرسه أبداً
مجالاً للتشكيك بقدراتها أو أهميتها و بالنسبة للمثال الذي ذكرت عن الشخص القيادي فلربما كان ذلك
جاءه بالفطره ولكنه لم يتمكن من إكمال دراساته حتى يصل الى المركز القيادي فالفطره وحدها لا تكفي
مدير إدارة بأن يكون مديراً بل يجب أن يكون متعلماً و و حاصلاً على ما يؤهله لهذا المكان الذي يكون
فيه قائداً على مجموعة عمل متعلمه بطبيعة الحال , و بحديثك عن قادة الجيش فإنني و بكل تأكيد لن
أضع اللوم على المدرسه يا سيدي لأن "المدرسه" لا تصنع مقائداً للجيش بل تؤهل قائداً للجيش يذهب
الى "كلية عسكريه" هي المسؤله عن تدريبه و تعليمه و أعتقد بأن الكلية العسكريه ليست مدرسة تعلم
عام إبتدائي أو متوسط أو ثانوي - و إن كان هناك من لائمه فهي تقع على الجهة التي جعلته بهذا
المنصب القيادي و هو لا يحمل سوى شهاده و يعتبر أكاديمياً بالدرجه الأولى .
- المدرسه يا عزيزي لا يجب أن يقال عنها بأنها أوجدت مشاكل إجتماعيه و تأكد أنه لو ألغيت المدارس
لا سمح الله فإن المجتمع و الأمه بأكملها ستنحدر الى أسفل سافلين أكثر مما نحن منحدرين أصلاً , إن
المدرسه هي لبنه إجتماعيه أساسيه صالحه و تنتظر العنايه ممن حولها و دعمها معنوياً بدلاً من وضع
الحلول السلبيه و التي تنزل من قدرنا أمام الأمم , و بالنسبة لتلك المشكلات التي أوردت فهي ليست
نتاج المدرسه يا أخي . . بل هي نتاج ثقافه إجتماعيه ضحله و عدم التمسك بالتقاليد الحميده و إنتشار
الثراء من بعد الطفره التي إنتهت قبل أكثر من خمس وعشرين عاماً , أما عن الأسواق وكثرتها فهذا
ليس له بالمدرسه دخل لا من قريب ولا من بعيد أصلاً و لا فرعاً , فما وجه الشبه أو وجه المقارنه
بين الأسواق و المدرسه ؟ و بالنسبه لمجمعنا المستهلك فهذا أمر طبيعي لما يحصل لجميع الأمه للأسف
و ليس بسبب المدرسه بل بسبب الثقافه الضحله و التخبط المعرفي الذي نمر به .
لقد قسوت كثيراً على المدرسه حتى أنني أعلم بأنه لو كانت المدراس تحكي لبكت و أحرقت عيناها
من الدموع , و هي تصرخ قائلة ليس لنا ذنب لما حل بكم . يجب التريّث على كل حال و بكل مقال
و هذا التجني الواضح على المدرسه محل إستنكار مني مع العلم بأنني أحترم وجهة نظرك مع إبداء
إستغرابي الشديد من الطرح الذي وضعته عن المدرسه - ذلك الصرح العظيم و عن المعلم الذي
يفعل المستحيل و يحمل أسمى رساله ..
أخيراً و ليس آخراً أود أن أشكرك على رحابة صدرك
و تقبلك للرد و لك مني خالص الإحترام و التقدير . .
أخوك // قويعاني سكاكا
** رد متميز **
مشرف المنتديات العامه