رابعاً : لا تكن كصاحب الضفدعة
يروى أن احد الناس جاء بضفدعة ووضعها أمامه و قال لها : نطي أي اقفزي ، فنطت ، فكتب : قلنا للضفدعة : نطي فنطت .
ثم قطع يدها اليمنى و قال لها : نطي فنطت ، فكتب : قطعنا اليد اليمنى للضفدعة ، و قلنا لها : نطي فنطت .
ثم قطع يدها اليسرى و قال لها : نطي فنطت فكتب : قطعنا اليد اليمنى و اليسرى للضفدعة ، و قلنا لها نطي ، فنطت .
ثم قطع رجلها اليمنى ، و قال لها : نطي ، فنطت بصعوبة ، فكتب : قطعنا يدي الضفدعة و رجلها اليمنى ، و قلنا لها نطي ، فنطت .
ثم قطع رجلها اليسرى و قال لها : نطي .. نطي ، فلم تنط ، فكتب : قطعنا يدي الضفدعة و رجليها و قلنا لها : نطي فلم تنط ، و من هنا أثبتت هذه التجربة أن الضفدعة إذا قطعت يداها و رجلاها فإنها تصاب بالصمم ! !
ترى ما دخل قطع اليدين و الرجلين بالسمع ؟ ! هذا منطق أعوج إذ أن قطع اليدين و الرجلين يمنع الضفدعة عن الحركة و الإشارة و ليس عن السمع أو البصر أو التذوق .
لذا إذا أردت تؤثر فلا بد أن تفكر بعقل و منطق و تتخذ الأدوات و الوسائل التي توصلك إلى التأثير الذي تريد ، أما أن تجلس مكتوف اليدين ، و تفعل كما كنت تفعله من قبل ، و تمتنع عن القيام بأي شيء جديد و مؤثر ، و لا تجتهد في تغيير واقعك ، فأنى لك أن تحصد الثمر الذي تحب و لم تزرع منه شيئاً ، ذلك :
(( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ{11}
يقول آينشتاين : ( من السذاجة أن تعمل نفس الشيء بنفس الطريقة ، ثم تريد نتائج مختلفة )
و لو تأملنا حقيقة حال المؤثرين لوجدناهم أشخاصاً تغلبوا على جوانب النقص في حياتهم بينما استسلم لها الآخرون ، و هل لذة الحياة إلا في إعمال العقل و بذل الجهد حتى يتحقق للإنسان مراده .
و تأمل معي قصة الصحابي الجليل و الغلام الشهيد عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي تمرد على صغر سنه و أبى أن يكون مع المعذورين يوم بدر لصغر سنه .
فعن سعد قال : ( رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر يتوارى ، فقلت : ما لك يا أخي ؟ فقال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني ، فيردني ، و أنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة .
قال : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره ، فقال : " ارجع " فبكى عمير ، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال سعد : و كنت أعقد له حمائل سيفه من صغره فقُتل ببدر ، و هو ابن ست عشرة سنة ، قتله عمر بن عبد ود .
كما أن صناع التأثير و مهندسي الحياة يعيشون الحقائق ، و يتطلعون لمستقبل أفضل ، فلا يحبسون أنفسهم ف بأوهام مثبطة و لا يكبلون تفكيرهم بخرافات لا أصل لها و لا يستسلمون لقناعات مزيفة ، إنهم عمالقة أبطال .
و سنضرب هنا مثال من عالم الحيوان /
وضع بعض الصيادين دبا في قفص ومربع حديدي كبير ليس له قاعدة ، إذا وقف الدب في منتصفه فانه يكون على بعد عشرة خطوات من كل جانب من جوانب المربع الحديدي .
لاحظ الصيادون أمراً غريباً ، حيث سار الدب في اتجاه أحد الجوانب عشر خطوات فمنعته القضبان الحديدية من الخروج فعاد إلى المنتصف ثم اتجه إلى جانب آخر عشر خطوات فمنعته القضبان الحديدية من الخروج فعاد إلى المنتصف و هكذا الأمر بالنسبة للجوانب الأخرى .
كان من الواضح لدى الدب أن القضبان تمنعه من الخروج بعد كل عشر خطوات داخل سجنه ( و هذا الأمر حقيقةً و ليس وهماً ) .
قام الصيادون برفع القفص بكامله بينما كان الدب يجلس في الوسط على الأرض ، و هنا وقع أمر عجيب فقد سار الدب عشر خطوات ثم رجع إلى الوسط ثم تحرك عشر خطوات باتجاه آخر ، ثم عاد إلى الوسط و هكذا دواليك دون أن يخرج من حدود القفص إلى الحرية ، و كأن القفص مازال موجوداً ( و هنا الوهم الذي حرم صاحبه خيراً كثيراً ) .
و هذا مثلاً آخر و لكنه من عالم الإنسان لترى فيه كيف أن الإنسان ربما يقتل نفسه و يؤدي بحياته نتيجة وهم أو خرافة أو ربما قناعة مزيفة .
نجح طاقم أحد القطارات الأمريكية في انجاز رحلته بنجاح و سرعة فقررت إدارة شركة القطارات مكافأتهم بمنحهم إجازة مدفوعة الأجر لمدة يوم علاوة على السماح للطاقم بالنزول في محطة الوصول و إكمال الجزء الأخير من الرحلة في اليوم التالي فرح عمال القطار بذلك فرحاً كبيراً و بدأوا على الفور بمغادرة قطارهم بعد أن تأكدوا من إحكام إغلاق أبواب العربات و نوافذها .
و لكن هذه المكافأة كانت مصيبة لأحد زملائهم ، و الذي كان يقوم بعمله داخل العربة الخاصة بنقل اللحوم المجمدة : ( عربة الثلاجة ) !!
فقد أغلق زملاؤه باب الثلاجة الخارجي ( دون قصد ) و نسوا زميلهم في وسطها !!
ما حدث داخل الثلاجة ، كان مصيبة بمعنى الكلمة ، فقد عثر العمال على زميلهم جثة هامدة داخل الثلاجة ، في صبيحة اليوم الثاني .
كما عثروا على مفكرة صغيرة ملقاة بقربه ، دَوَّن فيها لحظات موته لحظة بلحظة ، و أليك أيها القارئ الكريم أهم ما فيها :
- لا أدري لماذا أغلق زملائي باب الثلاجة الخارجي و تركوني في هذا البرد !!
- لقد بذلت كل جهدي لأخرج : صرخت بأعلى صوتي و طرقت الجدران ، و رفستها ، ثم صرخت مرات و مرات ، و لا مجيب .
- أشعر ببرد شديد و قشعريرة تسيطر على جسدي .
- استلقيت على الأرض إذ لم يعد بي قوة و لا طاقة على الوقوف .
- هذا آخر سطر سأكتبه في حياتي !!
مات العامل من البرد ، و لكن المفاجأة الكبرى و الغريبة كانت :
أن الثلاجة لم تكن تعمل فقد أوقف العمال مفتاح تشغيلها الخارجي قبل مغادرتهم !! إذن ما الذي قتل عامل الثلاجة ؟ و ما هذا البرد الشديد الذي عانى منه و كتب عنه الى أن مات من البرد ؟ !!
إن العامل كان أسير وهم و ليس حقيقة فقد كان لسان حاله يقول :
بما أني داخل الثلاجة ( وهو يعتقد بأنها تعمل ، إذ لم يتوقع احتمال إيقاف تشغيلها ) و بما أن الثلاجة عالية التبريد ، فانه من الطبيعي أن يموت من يبقى فيها ساعات طويلة ، أليس كذلك ؟ إذن ليس هناك شك في أني سأموت من البرد الشديد كما يموت أي شخص آخر يكون في مثل موقعي !! فلا بد من الموت !!
نعم ، هذا هو أثر الاعتقاد أو الصورة الذهنية ( البارادايم )على الإنسان إذ إن ما يراه الإنسان هو الذي يتعامل معه و ليس حقيقة ما يراه ، فالوهم عند من يؤمن به حقيقة و عند الآخرين وهم .
انتهى
و الى لقاء مع الخطوة الخامسة
حوّل المشكلات الى فرص