بعد الحرب المفتوحة .. المفاجآت قادمة
علي حسين باكير الإسلام اليوم/ 16-7-2006
من المعروف أن حزب الله حزب يتمتّع بدعم إقليمي كبير من سوريا و إيران، و بالتالي فهو له غطاء سياسي خارجي، و له دعم مالي يفوق الـ (200) مليون دولار حسب بعض المصادر، وله دعم عسكري كبير من ناحية الأسلحة الحديثة و المتطورة التي ترده من إيران, و فوق كل ذلك يتمتع حزب الله برؤية سياسية و إستراتيجية جيّدة، و ملتزم بقواعد اللعبة مع الأطراف الثلاثة: إسرائيل و إيران و سوريا، و التي لم يسبق له أن خرج عنها مطلقاً, و التي تقتضي قيامه بعمليات عندما تقتضي الحاجة فقط، و ليس خوض حرب وجود مع الكيان الصهيوني.
الحزب كان يرى أنّ الوضع الداخلي الإسرائيلي متأزم، و هي منخرطة في معركة الاعتداء على غزّة و مشغولة بها و مستنزفة داخلياً و متخبّطة سياسياً، و عندها مأزق في اتّخاذ القرارات، خاصّة بعد العملية النوعيّة للفصائل الفلسطينية "الوهم المتبدّد". و من هذا المنطلق رأى الحزب أنّ الوقت الآن هو أفضل وقت لتنفيذ عملية سريعة و خاطفة يمكنه من خلالها تسجيل عدّة نقاط على الصعيدين الداخلي والخارجي لصالح الحزب و لصالح الداعمين له و منها:
1- إعادة إحياء شعبية حزب الله على الصعيد الداخلي من خلال تبنيه قضيّة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، و هي بالطبع قضية وطنيّة سيتّحد كل الشعب اللبناني عليها، و سيتّخذون موقفاً إيجابياً منها, و بالتالي استخدام هذه الشعبية التي سيحصل عليها كورقة ضغط في التفاوض على طاولة الحوار اللبنانية لتحقيق العديد من المكاسب دون أن يظهر أنّ حزب الله متعنّت و معزول داخلياً و خارجياً.
2- الحصول على دعم شعبي واسع في العالم الإسلامي و استغلاله في محو الصورة السيئة التي نشأت عن امتناع شيعة العراق عن مقاومة الاحتلال الأمريكي و انخراطهم في إطار حملة دنيئة لتصفيّة المقاومة العراقية الإسلامية و الوطنيّة، بالإضافة إلى التجمّعات السنيّة المعزولة إقليمياً و دولياً بسبب انتماء المقاومة لها.
3- إظهار التضامن أو التقاطع مع غزّة، و ما يجري فيها، و بالتالي الحصول على دعم عربي شعبي كبير، و إظهار حالة الضعف العسكري الإسرائيلي.
4- الرد غير المباشر على مسألة التهديد الإسرائيلي لسوريا عندما أعلن عن تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية قبل ما يقرب من أسبوع ا فوق القصر الرئاسي للرئيس بشّار الأسد في في مدينة اللاذقية على الشاطئ الشمالي الغربي لسوريا ، مع إمكانية إعادة إدخال سوريا إلى لبنان سياسياً أو عملياً من خلال إقحامها في دور ما في مسألة التفاوض على الجنود و الأسرى.
5- توافق العملية مع دخول مسئول الخارجية في الاتحاد الأوربي خافيير سولانا في اجتماع مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي الإيراني مع علم الجميع أن الاجتماع لم يكن ليتوصل إلى أي شيء ممّا يعني أنّه سيكون هناك تصعيد ضدّ إيران, فجاءت هذه العملية ضمن هذا السياق أيضاً.
تغيير إسرائيل لقواعد اللعبة بعد عملية" الثمن الرادع"
انطلاقاً من المعطيات التي شرحناها أعلاه, فإنّ الحزب كان يتوّقع أن يكون الرد الإسرائيلي على خطف جندييه محدوداً نظراً لانغماس إسرائيل في الداخل و المشاكل الكثيرة التي تعاني منها, كما توقّع الحزب في أسوأ الأحوال أن تقوم إسرائيل بقصف انتقامي محدود ينتهي بدعوة جميع الأطراف إلى بدء مفاوضات من أجل تبادل الأسرى, و لذلك فهو أبلغ إسرائيل علناً أنّ نيّته هي عدم التصعيد، و أنّ القواعد يجب أن تكون محصورة في هذه اللعبة فيما يتعلّق بالتفاوض حول الأسرى فقط.
الذي حصل فيما بعد، و الذي لم يكن يتوقّعه الحزب في رأيي, هو أنّ إسرائيل قرّرت ضرب لبنان ضربة قاصمة و شرسة و غير مسبوقة منذ التزام الجميع بقواعد اللعبة المتبادلة مباشرة، دون إمهال أي طرف من الأطراف الإقليمية و الدولية أي وقت للتحرك، و في نيّتها تحقيق عدد من الأهداف ما بين تكتيكية و إستراتيجية منها:
أولاً: إعادة الاعتبار إلى الآلة العسكريّة الإسرائيلية و قوّات الجيش و إحياء الروح لدى الجنود المنهارين لديها, و إحياء عقيدة الردع الإسرائيلية التي مُنيت بهزائم كبيرة في الداخل الفلسطيني و اللبناني.
ثانياً: الإعلان لذوي الأسرى الإسرائيليين و الشعب أنّ إسرائيل لا تسكت على اختطاف جنودها، و بالتالي رفض التفاوض على إطلاق سراحهم مقابل الأسرى في سجونها؛ لأنّ ذلك من شأنّه أن يكرّس سنّة اختطاف جنود إسرائيليين و مبادلتهم بمطالب تضّر بمصلحة إسرائيل العليا وفق وجهة نظرهم الخاصة.
ثالثاً: محاولة استغلال نتائج هذه الحملة على لبنان و تجييرها للمطالبة بالإفراج السريع و غير المشروط عن الأسرى من جنودها لدى حزب الله، و الضغط على الحكومة لإنهاء و تجريد حزب الله من سلاحه، بعد تأليب الرأي العام المحلي و الدولي ضدّه.
و في هذا الإطار تحرّكت الحكومة الإسرائيلية في ثلاثة محاور:
سياسياً: من خلال تحميلها الحكومة اللبنانية المسؤولية ونقل و تصعيد الملف دولياً من خلال مجلس الأمن أو من خلال القوى الدولية، و على رأسها أمريكا، و بالتالي تسويغ استهداف كل ما يتعلّق بها و يتبع لها, فحزب الله ليس لديه مراكز ثابتة و معروفة ليتم قصفها، و بالتالي سيكون من الأسهل قصف مواقع حيوية تابعة للدولة اللبنانية.
اقتصادياً: تحميل الحكومة اللبنانية خسائر اقتصادية ضخمة من خلال ضرب الأهداف الحيوية و المرافق الإستراتيجية و تعطيل و شل الاقتصاد اللبناني السياحي و الخدماتي لفترة طويلة، على أمل أن يحدث هذا ضغطاً شعبياً متململاً من الخسائر مضاداً لحزب الله، يدين تصرّفه غير المحسوب، و يعجّل بسحب سلاحه.
عسكرياً: من خلال قصف جوي موسّع و بحري مركّز و بتوغّل برّي عسكري عبر فرق خاصة إذا اقتضى الأمر و قصف سلسلة من الأهداف الحيوية و الإستراتيجية و منها: الجسور, ومحطّات الكهرباء، و محطّات الهاتف و المياه، و المطارات إضافة إلى أماكن حيوية أخرى سواء تابعة للجيش اللبناني –في حال شكّلت تدخلاته ضغطاً- أو على مواقع الأحزاب و المخيمات الفلسطينية في لبنان.
و الهدف من التحرك الإسرائيلي هذا وضع ضغط كبير على الحكومة اللبنانية سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً عبر عملية "الثمن الرادع"، و ذلك في محاولة لدفعها لتطبيق القرار الدولي 1559، و نزع سلاح حزب الله، و حسم أمره نهائياً مع تخطّي مسألة الأسرى و الجنديين لانتهاز الفرصة، و القضاء على حزب الله، و جعل حزب الله و لبنان و الشعب اللبناني يدفعون ثمناً باهظاً يفوق بقيمته قيمة أي انتصار ممكن لحزب الله أن يحصل عليه إذا ما وقع تبادل للأسرى.
حزب الله يدرك أبعاد القضيّة متأخر
أدرك حزب الله متاخراً أبعاد الخطّة الإسرائيلية مع مرور الوقت, فحاول فرض قواعد جديدة مقبولة و خطوط حمر بينه و بين إسرائيل داخل هذه العملية للعب ضمنها و في إطارها, و كان من بينها اعتماد الإستراتيجية التالية:
1- عدم ابتداء الحزب بأي عمليات ضدّ الجيش الإسرائيلي، على أمل أن يعدل الإسرائيليون عن مخطّطهم، و ألاّ يتم استفزازهم.
2- محاولة ضبط النفس و مواكبة أي تصعيد إسرائيلي برد مساوٍ و موازٍ من حيث الفعالية النفسية.
3- فرض خط أحمر و الالتزام بعدم التعرض لحيفا طالما أنّ الإسرائيليين ملتزمون بعدم ضرب الضاحية الجنوبية.
الذي حصل, هو أنّ إسرائيل خرقت كل القواعد أيضاً، و تخطّت كل الخطوط الحمر، ممّا أذهل حزب الله الذي لم يتوقع تصرّف إسرائيل هذا، خاصّة أنّه سبق و التزم و إياها خلال سنوات طويلة بخطوط و قواعد معروفة.
هذا الذهول الذي أصاب الحزب رافقه عدم تماسك في الجبهة الداخلية اللبنانية على المستوى الحكومي و الشعبي، مع حرب نفسيّة كبيرة و ضرب إسرائيل لكل شيء يمكن تصوّره في لبنان, و هو الأمر الذي لم يكن أحد في العالم ليتوقعه، خاصّة مع تواجد حملة دولية مقبولة لإدانة التصرف الإسرائيلي من قبل كل من فرنسا, روسيا, الصين, البرازيل, سويسرا ألمانيا و غيرها من الدول التي أدانت الرد الإسرائيلي بهذا الشكل.
الحدث كان يتمثّل بالموقف السعودي الذي صدم الجميع أصدقاء و أعداء لدرجة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت غبطتها بالموقف السعودي هذا، و الذي وصفته بأنّه قمّة الاعتدال.
ما وراء الموقف السعودي غير العادي
باعتقادي أنّ الموقف السعودي الذي أعلنت المملكة فيه عن تحميلها لحزب الله ضمناً مسؤولية التصعيد الذي حصل من خلال قيامه بمغامرة قد تجرّ المنطقة بأسرها إلى الأهوال، و الذي استغلّته القيادة الإسرائيلية كغطاء للتصعيد ضدّ لبنان, إنما قد يعود في حقيقة الأمر إلى أحد الاحتمالات التالية:
1- إمّا أنّ المملكة قد استجابت لوجهة نظر حلفائها اللبنانيين و الموجودين في السلطة في لبنان بحكم الأكثريّة، و الذين سبق، و أشرنا أنّ هناك شرخاً كبيراً بينهم و بين حزب الله, بحيث كان الموقف السعودي تعبيراً عن وجهة نظرهم، و غطاءً لهم و دعماً خاصّة أنّ المملكة قد ملّت استنجاد الآخرين بها بعد اشتعال الحريق، و دون استشارتها مسبقاً بمفاعيل أي عمل على الساحة اللبنانية.
2- و إمّا أن تكون السعودية قد استسلمت تماماً للضغوط الأمريكية و الغربية، مع معرفتها عدم قدرتها على إنجاز شيء فعّال ينقذ لبنان و الفلسطينيين، فتذرعّت بقضّية المغامرة و ما إلى ذلك.
3- و إمّا أن تكون السعودية قد رأت في هذا الحدث فرصة للانتقام من إيران و تصفية حساباتها معها و توجيه ضربة غير مباشرة لها عبر بوابة حزب الله ردًّا على عجز المملكة عن فعل أي شيء في العراق إزاء الاختراق الإيراني الواسع له و التلاعب به و بهويته و سفك أتباعها فيه لدماء السنّة و العمل على تطهيرههم.
حزب الله بين الانتحار و الاستشهاد
أمام هذه الوقائع التي تتمثّل بانشقاق داخلي في لبنان، و انكشاف غطاء و ظهر حزب الله عربياً بعد الموقف السعودي, و تجاوز إسرائيل لكافة الخطوط الحمر بعد ضوء أخضر أمريكي " بحقها في الدفاع عن نفسها ", و بعد تمادي إسرائيل و إعلانها الاستمرار "عكس المتوقع" في حملتها إلى النهاية أو الامتثال لـ ثلاثة شروط أساسية:
1- إعلان تطبيق لبنان فوراً للقرار 1559، و القاضي بتفكيك حزب الله و نزع سلاحه.
2- إرسال الجيش إلى الجنوب ليحل محل قوات حزب الله، و ينتشر هناك على طول الخط الأزرق.
3- إعادة الجنود الأسرى دون قيد أو شرط.
في هذا الإطار رأى حزب الله و قيادته التي أصبحت ملاحقة تحت قائمة الاغتيال، و الذي يخوض للمرّة الأولى منذ إنشائه معركة ضدّ إسرائيل دون الوجود السوري في لبنان، و الذي كان يؤمّن على الأقل الغطاء السياسي له, أن ليس له إلاّ خياران لم يكن يتوقعهما من قبل على الإطلاق نظراً لعدم اعتقاده بوصول الوضع إلى ما وصل إليه في هذه اللحظة, و الخياران هما:
1- إماّ القبول بشروط إسرائيل، و هذا يعني عملياً خسارة كل شيء و تسليم الأسرى الجنود مجاناً بعد أن تمّ تدمير لبنان و قتل المدنيين و استباحة جميع الخطوط الحمر و كل قواعد اللعبة، ممّا يشير إلى انتهائها، و بالتالي ممّا يعني انتحار حزب الله عملياً، و انتهاؤه إلى الأبد عبر تفكيكه و ضياع جميع إنجازاته السابقة هباء.
2- و إماّ الذهاب بعيداً و إعلان المعركة مفتوحة على قاعدة "عليّ و على أعدائي يا رب"، و هو الخيار الذي أعلن عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ظاهرة تكاد تشبه ما تعوّد قادة تنظيم القاعدة على فعله عبر الشرائط و التسجيلات الصوتيّة، و هو ما يعني تحلّله من كونه أداة سياسية و ذراع إقليمية، و انتهاج أسلوب القاعدة المفتوح في الحرب على أمريكا، و لكن هذه المرّة على إسرائيل مهما تكن النتائج, فإمّا أن يكون، و إمّا ألاّ يكون على هذه القاعدة.
أمّا فيما يتعلّق بأسلحة حزب الله التي قال إنّها ستشكّل مفاجأة, فأتوقع شخصياً- و نظراً لمتابعتي الملف التسلحي لإيران و علاقته بحزب الله- أن تكون هذه الأسلحة التي لم تُعرف إلى الآن و التي لم يُعلن عنها هي:
1- فيما يتعلّق بتدمير السفينة الحربية الإسرائيلية, فعى الأرجح أنّ الصاروخ الذي تمّ استخدامه هو صاروخ من نفس نوع صواريخ (Exocet) فرنسية الصنع التي استخدمت في حرب الفوكلند، و التي دمّرت البارجة (HMS Sheffield ) ومعها سفينة أخرى, و الأكثر دقّة أنّه قد يكون صناعة إيرانية معدّلة عن صواريخ (Moskit) الروسية الصنع أو (VA-111) (SHKVAL), و هو طوربيد مضاد للسفن أسرع من الصوت و الأسرع من نوعه في العالم، و مصنّف في خانة الأسلحة "الانتقامية". يتميز هذا الطوربيد بسرعته الفائقة و التي تبلغ (4 أو 5) أضعاف سرعة الطوربيدات الأخرى في العالم، و يبلغ مداه حوالي (7 – 10) أميال و هي المسافة التي كانت تقف فيها السفينة الإسرائيلية.
2- أمّا بالنسبة إلى المنظومة الدفاعية الجويّة التي نقلت مصادر في حزب الله أنّها ستدخل المعركة لأوّل مرّة و رفضت الكشف عن اسمها, فأرجّح أنها صواريخ (Stinger) الأمريكية التي تُطلق من على الكتف، و التي كانت حاسمة في إيقاع الهزيمة بأكبر جيش في العالم إبّان الغزو السوفيتي لأفغانستان, فقد حصلت إيران على عدد من هذه الصواريخ من أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان إثر الاحتلال الأمريكي لها، و على عدد آخر مشابه لهذه النوعيّة من مخازن العراق العسكرية بعد سقوط بغداد بيد الأمريكيين، و لا شكّ أنّ إيران قامت بتمرير هذه الأسلحة إلى حزب الله. و دخول هذه الصواريخ المعركة مع إسرائيل قد لا يقل أهمّية عن النتائج التي حقّقها (ستينجر) في أفغانستان.
3- امتلاك الحزب لصواريخ يبلغ مداها حوالي (150) كلم أو أكثر لم يتم استعمالها من قبل، و قد يُطلق عليها اسم (زلزال-1) و هي قادرة على الوصول إلى العاصمة تل أبيب و أبعد من ذلك أيضاً, إلى جانب صواريخ (فجر-5) الإيرانية الصنع التي يبلغ مداها حوالي (75)كلم.
4- امتلاك طائرات استطلاع (مرصاد-1) و سلسلتها، و هي قادرة على ضرب أهداف مدنية أو عسكرية في "العمق" الإسرائيلي، و هذه الطائرة يمكنها أن تحمل متفجرات زنتها بين (40 -50) كيلوغراماً, و هي من تطوير إيراني خالص مع تكنولوجيا عالية.
فهل ستساعد هذه الأسلحة النوعيّة، و التي لا تمتلك جيوش بعض الدول مثلها و بفاعليتها على إحداث انقلاب في سيناريو الأحداث لصالح حزب الله، و بالتالي إعادة اللعبة إلى إطارها الصحيح أمّ سنشهد استشهاداً لحزب الله، و تكون هذه النهاية؟! هذا ما سنتابعه من خلال مجريات الأحداث القادمة خلال الأيام القليلة القادمة.